الخميس، 28 مارس 2013

خطبة جمعة :القيم الشرعية لاستمرار الحياة الأسرية

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين: اعلموا رحمكم الله أن من المقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بها والحث عليها والعناية بأمورها مقصد حفظِ العرضِ والنسل، فبتحقيق هذا المقصد تحصلُ الطمأنينة ويتحقق والأمن في نفوس الأفراد ، وتبنى الأسر التي هي قوام المجتمعات، وتستمر الحياةُ نتيجةَ التكاثرِ الناتجِ عن الزواج، وقد جعل الله الزواج من النعم التي تحتاج إلى تفكرٍ وتتدبرٍ قال تعالى(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)  الروم: ٢١، فيمتن الله علينا أن جعل لنا من أنفسنا أزواجاً من جنسنا وأشكالنا، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، فالمجانسة من دواعي الائتلاف والتعارف، كما أن المخالفة من أسباب الاختلاف والتنافر، ومن نعم الله على الزوجين أيضا أن جعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يوجد بين غيرهما، من غير أن يكون بينهم سابق معرفة. ولقد عبر الله عن العلاقة بين الزوج وزوجته بالسكن، الذي يؤوي إليه الإنسان ليحصل على الراحة والطمأنينة، فكذلك الزواج يحقق السعادة للزوجين مع راحة وطمأنينة ومودة 
ورحمة.  

بل قد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الزواج نعمةً من خير نعم الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وبهذه النعمة يستعين العبد على طاعة ربه قال صلى الله عليه وسلم: ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" فكل هذه النعم وغيرها تحتاج إلى اعتراف وشكر للمنعم وهو الله سبحانه وتعالى. 
أيها المسلمون: ومع كل هذه النعم إلا أننا نلاحظ ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية وحالات الطلاق، مما يؤدي إلى تفكك الأسر وانهيارها ، وذلك ناتج عن سوء فهم بين الأزواج لحقيقة التعامل فيما بينهما.

فلا بد أن يعلم الزوجان أن الشريعة الإسلامية اهتمت بجانب الأسرةِ اهتماما بالغا، وسعت إلى استمرارها واستقرارها،  فبين الله الكثير من أحكامها التفصيلية في القرآن أكثر من بقية العبادات، كما وضح النبي صلى الله عليه وسلم الأسس والأحكام في التعامل بين الزوجين في سنته القولية أو العملية، فمن أراد أن يهنأ بنعمة الزواج وتكوين أسرة سعيدة فعليه أن يقتفي الهدي الشرعي في التعامل بين الزوجين والمأخوذ من الكتاب والسنة قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)  الأحزاب: ٢١. 

أيها المسلمون: من أجل الحفاظ على كيان الأسرة من التصدع والانهيار، لا بد أن يعيي الأزواج جملة من القيم والمبادئ الشرعية في التعامل بينهما.
فمن القيم الزوجية التي بينها الله ورسوله قيمةُ العشرة بالمعروف بين الزوجين قال تعالى آمرا الزوج (وعاشروهن بالمعروف) النساء: ١٩ ، وهذا يشمل حسن العشرة في الأقوال والأفعال مما أمر به الشرع أو ما اعتاده الناس وألفوه مما لا يخالف الشرع، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عشرة لزوجاته، فكان يصرح بحبهن، ويلاطفهن قبل الخروج وبعد الدخول، ويدلل من أسمائهن تحببا إليهن، ويتزين ويتطيب لهن، ويداعبهن في إقامته وسفره، ويطيب من خاطر إحداهُن إذا غضبت، وغير ذلك كثير جدا من أفعاله صلى الله عليه وسلم. 

و من القيم الزوجية التي ينبغي للزوج مراعاتها مع زوجته قوله تعالى (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) النساء: ١٩  ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ -أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقا ، رضي منها آخَرَ  )، فعلى الزوج أن ينظر إلى إيجابيات زوجته، وأن لا يكتفي بسلبياتها للحكم عليها لأن كل بني آدم خطاء، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة في تعامل الرجال مع النساء فقال: استوصوا بالنساءِ خيرًا فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أعوجَ وإنَّ أعوجَ شىءٍ فى الضلعِ أعلاه فإنْ ذهبتَ تقيمَه كسرتَه وإنْ تركتَه لم يزلْ أعوجَ فاستوصوا بالنساءِ خيرًا   " وفي رواية : إِن المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَع ، ولن تستقيمَ على طريقة ، فَإِن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عِوَج ، وإِن ذهبتَ تُقيمُها كسرتَها ، وكسرُها طلاقُها) قال الحافظ ابن حجر معلقا:( وفي الحديثِ الندبُ إلى المداراةِ لاستمالةِ النفوسِ وتألفِ القلوبِ وفيه سياسةُ النساءِ بأخذِ العفوِ منهنَّ والصبرِ على عوجهِنَّ وانَّ من رامَ تقويمهُنَّ فاتهُ الانتفاعُ بهنَّ مع أنه لا غنى للإنسانِ عن امرأةٍ يسكنُ إليها ويستعينُ بها على معاشه فكأنه قال (الاستمتاعُ بها لا يتم إلا بالصبرِ عليها) 
بل أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن طبع في النساء لا بد للمرأة من السعي لتغييره، وعلى الرجل أن يتحمله ويتجاوز عنه قال صلى الله عليه وسلم: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , تَصَدَّقْنَ . فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ , فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ " وفي رواية قال: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط)
فإذا رأى الزوج من زوجته أمرا يكرهه فلا يسارع إلى الطلاق، بل عليه أن يتروى وأن لا يستعجل في اتخاذ القرار حتى لا يقع في الندم. 

معاشر المسلمين: من القيم الزوجية التي أرشدنا إليها شرعنا الإسلامي لأجل استمرار الحياة الأسرية على أتم ما يكون، قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) البقرة: ٢٢٨ ، وقال صلى الله عليه وسلم (ألا وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا) ذلك هو مبدأ الاشتراك في الحقوق والواجبات، فكل من الزوجين له حقوق على الآخر، وعليه واجباتٌ تجاهه، فمتى ما حقق كل من الزوجين ما عليه تجاه الآخر دامت بينهم العشرة وتعمقت أواصر المحبة بينهم. 
واعلموا أنه ما من خلاف بين زوجين إلا كان من أكبر أسبابه إخلال أحد الطرفين أو كلاهما بواجبه تجاه الآخر. 
والإخلال بالواجبات الزوجية من الظلم الذي سيحاسب عليه الزوج أو الزوجة يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " 
وقال في الرجل لا يعدل بين زوجتيه في الواجبات والحقوق (مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ , فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا , جَاءَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) ويشمل ذلك عدم العدل في المبيت أو النفقة وغير ذلك من الواجبات. 


الخطبة الثانية :  ومن القيم الزوجية التي على الزوج أن يراعيها مع زوجته لاستمرار الأسرة قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: ٢، فيتعاون الزوجان في أمور الدين والدنيا، فكان صلى الله عليه وسلم يوقظ زوجاته لقيام الليل، ويتعاهد أداء الفرائض منهن، كما كان يعاونهن في أعمال المنزل فكان يفلي ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وهو أكرم البشر وأسيدهم. 

فعلى الزوجان أن يتعاونا في أمور تدبير المنزل، وتربية الأبناء، وفي كل ما يحقق السعادة لهم في حياتهم الزوجية. 

إخواني في الله : إن من أعظم وظائف الأسرة هي إيجاد جيل صالح وذرية طيبة، تحقق الهدف من الوجود وهو عبادة الله تبارك وتعالى، ثم تعمر الأرض وفق شرع الله، وهذا الأمر لا بد أن تتكامل فيه جهود الأسرة. خصوصا في هذا الزمان الذي انفتح فيه العالم على بعضه بسبب العولمة وسهولة التواصل، فانتشرت فيه الإباحية تحت مظلة الحريات، وتيسر فيه الوصول إلى الشهوات والشبهات بأيسر الطرق وأقلها تكلفة، فأصبحت الهواتف الذكية و شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي  كالتويتر والفيس بك وغيرها من أعظم وسائل الشيطان في إهلاك العبد، ما لم يُقُوى جانب الوازع الديني لدى الإنسان، واستشعاره لمراقبة الله له . فإن هذه الأجهزة والشبكات قد احتوت على الخير والشر، فإذا لم تراقب الأسرة أبناءها في استخدامهم لهذه الشبكات وإلا وقعوا في المحضور. 
أيّها الأزواج، إنَّ السهرَ والسمَر خارجَ المنزل مما يثير القلق والأرق في الأسرة، وينغِّص على الزّوجة حياتَها، ويزعزع ويزلزل استقرارَها، ويَضيع بسببه الأولاد فلذةُ الأكباد وثمرة الفؤاد، حتّى يصيروا فريسةً لوحوش الظلام وفتنِ هذا الزّمان، فاحذروا هذا السهرَ واجتنبوه ولا تقربوه.

أيّها المسلمون، إنّ ظهورَ المعاصي والمخالفات وانتشارَ المنكرات في كثير من البيوت من أعظم أسباب خرابِها ودمارها، ولقد دبَّ الشّقاء والشقاق وثارَت ثائرة الغيرة واشتعلت نيران الشكّ والحيرة بين كثير من الأزواج، بسبب خيانة الزوج لزوجته في مكالمته لأخريات، أو مصادقته للخليلات، أو نظره للنساء العاريات، وإن من انقلاب الموازين وانتكاس الفطر  في زماننا أن يجلس الزوجان ليتابعا مسلسلا أو فلما أجنبيا قد حوى من العري أشده، دون أن تتحرك غيرة الرجل على زوجته أن تنظر إلى ممثل وسيم قد يتحلى من الصفات ما لا يوجد عند الزوج، ودون أن تتحرك غيره الزوجة على زوجها وهو يناظر بعينيه صور الممثلات وقد اكتملت زينتهن وظهرن في صورة أجمل منها، ثم تنكر عليه إلى نظر إلى امرأة في الطريق، أليس هذا من العجب؟ وما هو الفرق بين الأمرين ؟ 
فاتقوا الله في أنفسكم، فإن الله شرع الزواج لغض البصر حفظ الفرج، قال تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المؤمنون: ٥ - ٧
وقال صلى الله عليه وسلم: اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ.

الجمعة، 15 مارس 2013

خطبة جمعة : مكانة المرأة في الإسلام

الخطبة الأولى :معاشر المسلمين، اعلموا رحمكم الله أن البشريةُ لم تعرف ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة أجملَ عناية وأتمَّ رعايةٍ وأكملَ اهتمام كالإسلام. تحدَّث عن المرأة، وأكّد على مكانتها وعِظم منزلتها، نظر إليها على أنها شقيقةُ الرجل، خُلِقاَ من أصل واحد، ليسعدَ كلٌّ بالآخر ويأنس به في هذه الحياة، في محيط خيرٍ وصلاح وسعادة، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال)) 

أما في غير الإسلام فلقد لقيت المرأة صورا عديدة من الظلم والاحتقار منذ ولادتها قال تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) ، فإما أن تقتل أو أن تعيش بلا حقوق بل تورث مع الأموال وتباع وتشترى ، حتى جاء الإسلام بتعاليمه السامية ليخرج المرأة من الذل والعبودية التي كانت تعيشها لينزلها منزلا لا نظير له في الأمم والشعوب . 

إخوةَ الإسلام : لقد أشاد الإسلام بفضل المرأة، وعدَّها نعمةً عظيمةً وهِبةً كريمة، يجب مراعاتها وإكرامُها ، يقول المولى جل وعلا ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)

فرعى الإسلام حقَّها طفلةً، وحثَّ على الإحسان إليها، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عال جاريتين حتى تبلُغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين)) وضمّ أصابعه. 

رعى الإسلام حقَّ المرأة أمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا، جاء رجل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)) متفق عليه.

رعى الإسلامُ حقَّ المرأة زوجةً، وجعل لها حقوقاً عظيمة على زوجها، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام فقال تعالى : (وعاشروهن بالمعروف) ، قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم)) أي أسيرات.

وفي حال كونِها أجنبيةً ليست من محارمك فقد حثَّ على عونها ومساعدتها ورعايتها، قال صلى الله عليه وسلم((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتُر، أو كالصائم الذي لا يفطِر))

معاشرَ المسلمين، منح الإسلام المرأة الحقوقَ ، فأعطاها حقَّ الاختيار في حياتها والتصرّف في شؤونها وفقَ الضوابط الشرعية ، قال جل وعلا: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ) فلا تمنع من الزواج ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنكح الأيم حتى تُستأمَر، ولا البكر حتى تستأذَن في نفسها))

عباد الله : لقد سعى الإسلام إلى حفظ عرض المرأة من أن يدنس أو ينتهك ، فحرم القذف وجعل له عقوبة الجلد ثمانين لمن تجرأ وقذف قال تعالى (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) ، ولأجل حماية عرضها أمرها ربها بالحجاب والاستتار فقال سبحانه : 

(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن) ، قال ابن كثير رحمه الله :(أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاءه ) ، ومنعها من مخالطة الرجال حتى في أماكن العبادة ، ففي المسجد قال صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " قال النووي رحمه الله : وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهم .." ومنعهن النبي صلى الله عليه وسلم من مخالطة الرجال في الطريق فروى أبو داود عن أبي أسيد الأنصاري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء (اسْتَأْخِرْنَ فإنه ليس لَكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطريق) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به .

إخوةَ الإسلام، من تكريم الإسلام للمرأة أن فرض لها من حيث هي ما يسمَّى بمبدأ الأمن الاقتصادي مما لم يسبق له مثيلٌ حينما كفل للمرأة النفقةَ أمًّا أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً وحتى أجنبية، لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغةُ البال من هموم العيش ونصب الكدح والتكسُّب.

معاشر المؤمنين، هذه بعضُ مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام، يستحيل مثلها في أي ديانة محرفة أو مخترعة ، مهما بالغت في تكريم المرأة كما تزعم ، بل حتى الحضارة المعاصرة التي تدعي التطور والتقدم قد أهانت المرأة غاية الإهانة فجعلتها سلعة رخيصة ،فإذا عرفت المرأة المسلمة ذلك فلتحمد الله على هذه النعمة بأن تلتزم بتعاليم الإسلام التي تكفل لها الصيانة التامة والحفظ من كل سوء في الدنيا والآخرة .

إخوة الإسلام، لقد عرف أعداءُ الإسلام من الكفار والمنافقين الذين يتكلمون بألستنا وهم من بني جلدتنا ما يحمله هذا الدين للمرأة من سموّ كرامةٍ وعظيم صيانة، علموا أن الأصلَ قرارُ المرأة في مملكة منزلها، رأوا حقوقَها مقرونةً بمسؤوليتها في رعاية الأسرة، وخروجها في الإسلام من منزلها يؤخَذ ويمارَس من خلال الحشمة والأدب، ويُحاط بسياج الإيمان والكرامة وصيانة العرض، كما قال تعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((وبيوتهن خير لهن)). حينذاك ضاقوا من ذلك ذرعاً، فراحوا بكلِّ وسيلة ليخرجوا المرأةَ من بيتها، و ليحرّروها من تعاليم دينها وأخلاقها، تارةً باسم تحرير المرأة، وتارةً باسم الحرية والمساواة، وتارةً باسم الرقي والتقدم الكاذب وتارة بأنها نصف المجتمع والرئة المعطلة . والعجب كل العجب أن الذي ينادي بهذه الشعارات إنما هم الرجال ليتضح لنا جليا الهدف من وراء ذلك وهو استمتاعهم بجسد المرأة على حساب الأخلاق والفضلية. 

فالمرأةُ في نظر هؤلاء هي المتحرِّرةُ من شؤون منزلها وتربية أولادها، هي الراكضةُ اللاهثة في هموم العيش والكسب ، هي التي تكون والرجال سواء بسواء ولو كان ذلك على حساب تدمير الفضيلة والأخلاق, وتدمير الأسرة والقيم، فلا هي حينئذ بطاعة ربٍّ ملتزمةٌ، ولا بحقوق زوجٍ وافية، ولا في إقامة مجتمع فاضلٍ مُسهِمة، ولا بتربية نشءٍ قائمةٌ.

قال ابن القيم رحمه الله في بيان خطورة مخالطة المرأة للرجل في ميدان العمل : (ولا ريبَ أن تمكينَ النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سببٌ لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتَّصلة، ولمَّا اختلط البغايا بعسكر موسى وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات منهم في يوم واحدٍ سبعون ألفاً" 



الخطبة الثانية : أيها المسلمون : في زمان العولمة والانفتاح على العالم تسربت أفكار التحرر الغربية للمرأة المسلمة، فأصبحت تبحث عن مكانتها المفقودة وسط ركام الغرب وزبالات الشذوذ، فصارت تلهث خلف دور الموضة وتلبس كل ما هو مخالف لشرع ربها، وربما كنا في السابق نتكلم عن كشف المرأة لوجهها، ولكننا اليوم أمام كشف لعورات أكبر أمرت المرأة بسترها، فلبست المسلمة البنطال أو ما يسمى بالجينز وعليه عباءة ضيقة وشفافة تظهر ما تحتها، ثم تفننت في اختيار عباءتها ، فهذه فرنسية وهذه فراشة وهذه مخصرة ، حتى صارت العباءة زينة في حد ذاتها تحتاج ما يسترها.

ألم تسمع هذه المسكينة إلى حديث نبينها صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا .. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا "

بل ظهر –للأسف- من بناتنا المسلمات من يرى أن الحجاب والنقاب الذي تلبسه أمهاتهن والنساء العفيفات نوع من التخلف والرجعية، وأن التقدم في نظرهن المتخلف هو السفور وإلقاء الحجاب.

ثم أصبحت المرأة تنافس الرجل في ميدان الحياة والعمل، فنظرت إلى نفسها نظرت الند للند، متناسية طبيعتها التي خلقها الله عليه، وأن الله لم يسو بينها وبين الرجل قال تعالى :(وليس الذكر كالأنثى ) ، مما نتج عنه الكثير من الخلافات الزوجية التي أدت إلى الطلاق وهدم الأسر. 

ومن العجيب في الأمر أن بعض أباء النساء يشترطون على الزوج أن يسمح لها بالعمل، ولو كان ذلك على حساب هذه الأسرة وتربية الأبناء، وكل ذلك لأجل تحصيل المال، وإثبات الذات زعما، ونتج عن ذلك أن حلت الخادمة مكان الأم في أعظم وظيفة أوكلت إليها وهي بيتها، قال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم " 

وبعض النساء ارتقين مرتقا صعبا وجبلا وعرا فصرن ينتظمن في أحزاب وجماعات، ويخرجن في مسيرات ومظاهرات، ويطالبن بالحقوق السياسية، ويتطاولن على ولاة أمور البلاد، مخالفات بذلك قول ربهن: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) . وإذا ما قبض عليهن صاح أولياؤهن ونادوا بالكرامة والغيرة، وهذا من التناقض في القول والعمل. 

أختي المسلمة : اعلمي أن مكانتك هي التي اختارها لك ربك، لأنه هو الخبير بعباده والعليم الحكيم الذي يشرع لهم ما يصلح أحوالهم. 

أختي المسلمة : لا تغتري بشعارات حقوق والمرأة فإنما يرفعها من فقدها وأما أنتن فإن الله رفعكنَّ وشرّفكنّ، وأعلى قدركنّ ومكانتَكنّ، وحفِظ حقوقكنّ، فاشكُرنَ النعمة، وامتثلن الأمر بالحجاب الشرعي ، فما شرع إلاّ حمايةً لأغراضِكن وصيانةً لنفوسِكن وطهارةً لقلوبكنّ وعصمةً لكنّ من دواعي الفتنة، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضنَ من أبصاركنّ، واحفظن فروجَكنّ،وأطعن أزواجكن بالمعروف تدخلن الجنة قال صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " 

واتقوا الله يا معاشر الآباء والأزواج احفظوا نساءكم وتذكروا قول لله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيته) .