الجمعة، 14 يونيو 2013

خطبة: نعمة الأمن والاستقرار

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين ، اعلموا رحمكم الله أن من أعظم نعم الله التي امتن بها على عباده نعمة الأمن والاستقرار، ولذلك سألها إبراهيم عليه السلام ربه فقال: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات)  البقرة: ١٢٦   ، فبدأ بطلب الأمن قبل طلب الرزق مما يدل على أنه من أعظم الخيرات، وأنه سبب لاستجلاب الأرزاق والعطيات.

بل قد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم الأمن والاستقرار مع قلة الرزق من أعظم الملك فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِى جَسَدِهِ آمِنًا فِى سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ). 

عباد الله : ولتحقيق هذه النعمة فلا بد من وجود أسبابها، وأهم أسباب تحققها توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، قال تعالى : (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون (81) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)الأنعام: ٨١ – ٨٢ ، والظلم الوارد في الآية هو الشرك بالله ، فروى البخاري في صحيحه عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْد ِاللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )  

وتوحيد الله تعالى يتحقق بصرف أعمال القلوب والجوارح لله تعالى، قال سبحانه ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)  ، فدعاؤك ورجاؤك وخوفك لله تعالى، تصلي وتصوم وتحج وتذبح له، ولا تلجأ إلا إليه، ولا تستغيث بغيره، ولو كان هذا الغير ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فإنهم عباد مثلك يرجون الله كما ترجوه ويعبدونه كما تعبده، لا يملكون لأنفسهم جلب نفع، ولا دفع ضر، قال سبحانه (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) الأعراف: ١٩٤ .
وبتحقيق التوحيد الخالص لله تعالى يتحقق للمسلمين ما وعدهم الله به في قوله(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا)  النور: ٥٥، ثم بين الشرط الذي بتحققه تتحق الوعود فقال : (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) . 

أيها المسلمون: ومن أسباب تحقق الأمن والاستقرار في المجتمعات لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فبذلك تتوحد الصفوف، وتجتمع القلوب، وينتشر الخير، ويُنتصر على الشر.
وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم المرض العضال الذي سيصيب هذه الأمة من بعده وهو التفرق، وذلك في أحاديث شتى، فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) وقال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ أُمَّتِى سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِى النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً ) .
فهذا هو الداء وهو التفرق وحصول الفتن والتنازع، وهو لابد متحقق ، ولكن النبي صلى الله عليه  وسلم قد بين العلاج الشافي من أمثال هذه المهلكات فقال صلى الله عليه وسلم: 
مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا " وقال في الحديث الثاني: 
(وَإِنَّ أُمَّتِى سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِى النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِىَ الْجَمَاعَةُ ) وفي رواية (ما أنا عليه اليوم وأصحابي) ، فأرشد صلى الله عليه وسلم عند حصول التفرق والفتن، الذي يؤدي إلى الخوف وانعدام الأمن بالتمسك بسنته وهديه، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم. 
وهذا الطريق هو الذي سلكه الصحابة رضوان الله عليهم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي اشتهر أمره بالظلم والجور وسفك الدماء، وقد أدركه عدد من الصحابة منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فلم ينازعه في سلطانه، ولم يمتنع من طاعته في المعروف. 

جماعة المسلمين : من أسباب استمرار الأمن والاستقرار في المجتمع، شكر الله تعالى على هذه النعمة، فبالشكر تدوم النعم وتزيد، وبكفرها تنقص وتضمحل، قال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) إبراهيم: ٧ ، فالشكر للمنعم جل في علاه على نعمة الأمن التي نعيشها في بلادنا، ومن تمام شكرها أن نعمل بطاعته، وأن نتجنب معصيته. 
ثم الشكر لمن لولاهم الله علينا من الحكام الذين سعوا جاهدين إلى تحقيق الأمن والاستقرار لجميع من على هذه الأرض، ويتحقق الشكر لهم بالسمع والطاعة لهم بالمعروف، والدعاء لهم بالصلاح والإعانة، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ "  
وفقنا الله لاتباع كتابه ولزوم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما ، والله أعلم.

الخطبة الثانية : أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن من أعظم ما يهدد صرح الأمن والاستقرار في المجتمعات الكفر والشرك بالله تعالى، وقد بين الله ذلك بأمثلة من غابر التاريخ، وأخبار الماضين، فأهل سبأ أنعم الله عليهم بوافر النعم، وأسبغ عليهم الأمن والاستقرار، فكفروا بنعمة الله، فبدل نعمة الأمن خوفا، والرزق حرمانا، فقال سبحانه مبينا السبب: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) 
وها هي مكة التي قد شرفها الله ببناء بيته فيها، يقول الله تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان) أمن واستقرار ورزق حسن، فبماذا قابلوا ذلك قال تعالى : (  فكفرت بأنعم الله) ، فكان الجزاء (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)  فألبسهم الله لباس الجوع الذي هو ضد الرغد ، والخوف الذي هو ضد الأمن ، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم الله على نعمه.

عباد الله : ومن أسباب ذهاب الأمن وضياعه من المجتمع انتشار الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها، وتأملوا هذا الحديث النبوي الذي بين فيه صلى الله عليه وسلم أثر الذنوب وانتشارها على المجتمعات واسقرارها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " 

ومن أسباب زوال نعمة الأمن والاستقرار في المجتمعات ما نشاهده على أرض الواقع من الثورات والخروج على السلطان، بحجة المطالبة بالحريات ومشاركة الشعوب في الحكم والرقابة على المال العام، فقد أظهر الواقع كذب هذه الشعارات، وأنها إنما أريد بها تحقيق أهداف حزبية، ومآرب خاصة لبعض الجماعات تحت ستار الدين. 
وهي – أعني هذه الثورات- مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الآمر بالصبر على جور السلاطين وظلمهم واستئثارهم بالدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " رواه البخاري  ، وهذا الصبر مستمر إلى يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى تلقونى على الحوض) رواه مسلم
قال النووي: فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا، فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه، ولا يخلع بل يتضرع إلى الله في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه" 
ومن رأى الواقع وما حصل فيه من سفك للدماء هتك للأعراض وتخريب للديار بسبب منازعة أهل السلطان سلطانهم تيقن صدق الحكم، وعلم مقصد الشريعة في تحقيق الأمن والاستقرار وحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال من أن تنتهك. 
ولا عبرة لدى المسلم العاقل بكلام دعاة الضلالة الذين يزينون هذه الثورات ويلبسونها ثوب التدين فإنهم دعاة فتنة، وإلا فإن العلماء قديما وحديثا يحذرون من الفتن ومن دعاتها 
 فالزموا جماعة المسلمين، واسمعوا وأطيعوا لمن ولاه الله أمركم، واهتموا بخاصة أمركم لعلكم أن تفلحوا في الدنيا والآخرة 

الجمعة، 7 يونيو 2013

مقال: نزع البركة من أسباب انتشار الطلاق


من الأمور المقلقة للأفراد والحكومات ازدياد نسب الطلاق في المجتمع، وذلك لأنه يهدد استقرار الأسر التي هي نواة المجتمعات.

وللأسف أن نسبة الطلاق في أول سنة زواج قد بلغت 80 % من حالات الطلاق كما هو منشور بإحدى الصحف المحلية بالدولة.

ونجد أن الكثير من المفكرين وأصحاب الأقلام يحللون هذه المشكلة بالنظر إلى جانب واحد من جوانبها، وهو الجانب المادي مثل عدم ثقافة الزوجين في التعامل مع المشكلات وغيرها كثير.

أريد أن أنبه الأزواج والأسر والمجتمع إلى وجود عامل رئيس مرتبط بالعوامل المادية، من وجهة نظري له دور كبير في ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع المسلم

ألا وهو (نزع البركة من هذا الزواج ) فالبركة من الله ، ومعناها كثرة الخير واستمراره، وهذا هو الذي يدعى به للعروسين في ليلتهما : بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما بخير

فمقصود الدعاء استمرارية هذا الزواج بأن يدوم ويكثر خيره وتظهر ثمرته وتبنى حياتهما على العشرة الحسنة

ولكن هذه البركة إذا نزعت من الحياة أو المال فمآلها إلى انقطاع وعدم دوام، وسبب نزعها هو مخالفة شرع الله بمعصيته والخروج عن طاعته
وتأملوا معي الربا كيف أن الله عز وجل محق البركة منه لكونه محرما قال تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات)
وقال صلى الله عليه وسلم: ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " والسبب هو محق البركة

وتأملوا سبب نزع البركة من البيع بسبب الكذب والخداع فقال عليه السلام : البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ... وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما "

ومن أسباب نزع البركة من الزواج وهو يؤدي حتما إلى الطلاق أو سوء العشرة بين الزوجين، بناء الحياة الزوجية على المعاصي والذنوب.
فمن المعلوم قطعا تأثير الذنوب والمعاصي على الأفراد والمجتمعات بل وحتى الجمادات، قال عليه السلام :الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم .
والزواج في وقتنا المعاصر يبدأ بالإسراف المحرم من كثرة الحفلات وما ينفق فيها، فالخطبة وعقد القران والزواج لكل منها حفلة ، ورسولنا عليه السلام يقول: أولم ولو بشاة
من الإسراف المحرم في حفلات الزواج استئجار فستان تلبسه العروس لسويعات بأكثر من 20 ألف درهم، وكوشة تجلس عليها بعشرات الآلاف وربنا يقول: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.

بسبب المغالاة في تكاليف الزواج قد يلجأ الزوج إلى الاقتراض بالربا، وأنَّى للبركة أن تحل في زواج أساسه ممحوق بكبيرة الربا (يمحق الله الربا ويربي الصدقات )

المعازف والراقصات والأغاني المخالفة للشرع التي يبدأ بها الزواج من أسباب محق البركة في الزواج، ألم يقل عليه السلام: صوتان ملعونان في الدنيا و الآخرة : مزمار عند نعمة و رنة عند مصيبة ..

يحتاج أولياء أمور الفتاة أن يتقوا الله في طلباتهم من خاطب ابنتهم، وأن يسعوا إلى أن تكون حياة ابنتهم على وفق شرع الله لتحل فيها البركة وتدوم.

على الخاطب أن يتقي الله في ما يُطلب منه، فلا ترضي مخطوبتك بسخط الله ففي الحديث (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس و من أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)  




خطبة جمعة بعنوان: الإسراف وفضل صيام شعبان

جماعة المسلمين قال ربنا عز وجل في محكم التنزيل:( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)  الأعراف: ٣١ ، ينهى الله عباده المؤمنين عن الإسراف، وهو مجاوزة الحد في الإنفاق، وهذا النهي عام عن كل شيء، فعن عطاء بن أبي رباح قال في تفسير الآية: نهوا عن الإسراف في كل شيء" ، ثم بين الله سبحانه وتعالى أنه لا يحب المسرفين ولا يرتضي أفعالهم، وذلك لما فيه من إضاعة المال في غير فائدة، بل ربما عاد على منفقه بما يضره في دينه ودنياه، وقد ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله 
كره لكم ثلاثا قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال "  

جماعة المسلمين: ينبغي للمؤمن أن يعلم أن نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى،( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) النحل: ١٨ ، وهذه النعم التي نتقلب فيها ومنها المال والصحة والعمر لا بد أن تشكر، وشكرها بالاستعانة بها على طاعة الله، لا بالإسراف فيها وصرفها فيما لا يحبه الله، قال سفيان بن عيينة : إن من شكر الله على النعمة أن تحمده عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته" 
وأرشدنا الله ورسوله إلى أن نستعين بهذه النعم على طاعته، لأجل بلوغ الدار الآخرة، وليس للركون  والخلود بها في الدنيا، فقال تعالى :( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) غافر: ٣٩ ، وتأملوا حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع هذه النعم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض " ، وأما وصف بيته صلى الله عليه وسلم فاسمع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصفه، فروى ابن ماجة عن عمر قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَالَ فَجَلَسْتُ فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ وَقَرَظٍ فِى نَاحِيةٍ فِى الْغُرْفَةِ وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاىَ فَقَالَ « مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَمَا لِىَ لاَ أَبْكِى وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِى الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. قَالَ « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ». قُلْتُ بَلَى " 
هذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لعائشة: فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة " 
وإن الإسراف في الأموال والنعم من أكبر أسباب زوال النعم وقلتها بين يدي العبد، ولأجل ذلك كان عليه السلام يحث على الاقتصاد والكفاف في العيش فقال صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه. 

أيها المسلمون: من صور الإسراف الذي نعيشه في مجتمعاتنا الإسراف في الطعام والشراب واللباس، وقد نهى الله عن ذلك صراحة فقال : (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)الأعراف: ٣١ ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة) وبين النبي صلى الله عليه وسلم الهدي السليم في الطعام والشراب فقال : ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " قد روي أن ابن أبي
ماسويه الطبيب وكان نصرانيا، لما قرأ هذا الحديث قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات ، سلموا من الأمراض والأسقام ، ولتعطلت المارستانات – المستشفيات- ودكاكين الصيادلة" 
وفي هذا الوقت ربما تجد على الوجبة الواحدة أصنافا من الطعام كثيرة جدا، وخصوصا في الولائم والأفراح لا تؤكل كلها بل بعضها يرمى في الزبالات، وحظائر الحيوانات. 
بل نسمع عن بعض الشباب ممن أغدق الله عليهم بالأموال الوفيرة يشتري النظارات والساعات والأحذية بمبالغ خيالة تفوق الوصف، وربما اشترى لعبة لولده أو أخيه بالآلاف، وإذا دعي للتبرع والتصدق أخرج ما فضل في جيبه من الدراهم المعدنية.

ومن صور الإسراف في مجتمعنا الإسراف في بناء البيوت، مما جر على أصحابها الديون التي أرهقت الأسر، مع أن التطاول في البينان لغير حاجة مذموم شرعا، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبة على باب رجل من الأنصار فقال ما هذه ؟ قالوا: قبة بناها فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ما كان هكذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها فمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلم يرها فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لمِا بلغه. فقال يرحمه الله يرحمه الله. 
وقد سمعنا عن أقوام صرفوا عشرات الآلاف على تزيين حمام، أو صبغ جدار، أو نحوه مما لا يستفيد منه إلا السمعة والمباهاة . 
ومن صور الإسراف في مجتمعنا الإسراف في حفلات الزواج، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: أولم ولو بشاة " وفي زماننا ثلاث حفلات ، للخطوبة وعقد القران والزواج، غير ما يسمى بفستان الزواج الذي يستأجر لسويعات بمبالغ تصل إلى العشرين ألفا وزيادة ، أليس هذا من الكفر بنعمة الله ؟ 
فاتقوا الله عز وجل في ما ملكم فيه من الأموال ، فإنكم ستحاسبون على هذا المال بسؤالين، من أين اكتسبته وفيما أنفقته، واسع إلى إعمار آخرتك فهو أسلم لك ، قال رجل من السلف لأبيه :  يا أبت لم نكره الموت ؟  قال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، والعبد يكره الانتقال من العمار إلى الخراب . 
قال تعالى :( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد )       آل عمران: ١٤ - ١٥


الخطبة الثانية : عباد الله إن لله في دهره نفحات فتعرضوا لنفحات الله، و لقد منّ الله علينا بمواسم للعمل، هي مجال للتحصيل الحسنات، والرفعة في الدرجات، ومن هذه المواسم التي يتنافس فيها المتنافسون شهر شعبان الذي سيحل علينا بعد أيام ، وقد نبها إليه النبي صلى الله عليه وسلم لاغتنامه بصالح الأعمال فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ :  ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ "   فالنبي صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى فضيلة هذا الشهر الكريم ويبين لنا سبب ذلك ، فهو شهر يغفل الناس عنه لانشغالهم برجب الحرام وبرمضان ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يرفع عمله إلى الله وهو صائم ، كما ورد ذلك في قوله (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) ، وكان صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بالصيام فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال " وكان أحب الصوم إليه في شعبان " وعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ  " ، فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على استحباب الصيام في شهر شعبان لمن قدر على ذلك . 
فاستغلوا هذه الأيام المباركات في العمل الصالح، فهو خير ما تدخرونه لموتكم وآخرتكم، قال صلى الله عليه وسلم: يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله"