الخميس، 30 أبريل 2015

خطبة جمعة : من أسباب انشراح الصدر

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أنَّ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ وَاطْمِئْنَانَ الْقَلْبِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ وَأَنْفَسِ الْغَايَاتِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى فِي دُنْيَاهُ إِلَى طَلَبِ السَّعَادَةِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَاجْتِنَابِ الْهُمُومِ وَالأَكْدَارِ، وَلِذَا كَانَ مِنْ أَخَصِّ دُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة السَّلاَمُ فِي مُنَاجَاةِ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أَيْ وَسِّعْهُ لِي وَنَوِّرْهُ بِالْإِيمَانِ. وَهِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).

 وَانْشِرَاحُ الصَّدْرِ مِفْتَاحُ النَّجَاحِ، فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَقَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَمَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ؛ تَنَغَّصَ عَيْشُهُ، وَاضْطَرَبَ حَالُهُ، وَقَدْ ذَكَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ). 

وانشراح الصدر وطيب النفس وراحتها من النعيم الذي يمتن الله به على العبد،  روى البخاري في الأدب المفرد عن مُعَاذ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ، وَهُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» ، ثُمَّ ذُكِرَ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ»

عباد الله : وإذا كان للناسِ في أسبابِ تحقيقِ انشراحِ الصدر مذاهبُ واتجاهاتٌ شتَّى؛ فإن للصفوةِ المتَّقين أولي الألباب من المعرفةِ الراسخةِ بأسبابِ ذلك وبواعِثِه ما يجعلُ سبيلَهم إليه أقومَ السُّبُل وأهداها وأحراها ببُلوغِ الغايةِ فيه؛ لأنه سبيلٌ مضى عليه وأرشدَ إليه رسولُ الهُدى صلوات الله وسلامه عليه، وهو الحريصُ علينا، الرؤوفُ الرحيمُ بنا، والذي كان صلوات الله وسلامه عليه أشرحَ الخلقِ صدرًا، وأطيبَهم نفسًا، وأنعمَهم قلبًا؛ لِمَا جمَعَ اللهُ له من أسبابِ شرحِ الصدر، مع ما آتاه من النبُوَّة والرسالة عليه أكمل الصلاة وأتم السلام.

فانْشِرَاحُ الصَّدْر يحتاج من العبد بتوفيقٍ من الله ومنّ وتسديدٍ وعوْن إلى أسبابٍ لابد أن يعمل العبد على بذلها وتحقيقها لينال هذه الخصلة الكريمة .

ومن أعظم أسباب انشراح الصدر معاشر المؤمنين : توحيد الله وإخلاص الدين له ، والبراءةُ من الشرك والبُعد عنه ؛ دقيقه وجليله ، كبيره وصغيره ؛ فإن التوحيد أعظم سببٍ لانشراح الصدر ، وضده وهو الشرك بالله أعظم سببٍ لظلمة الصدر وكآبته وضيقه وعذابه. قال تعالى : "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" 

ومن أسباب انشراح الصدر اتباع سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولزوم نهجه القويم واقتفاء هديه صلى الله عليه وسلم ، كيف لا !! وهو اتباعٌ لأشرح الناس صدرا ، وأطيبهم خُلُقا ، وأجملهم سيرةً وأزكاهم سريرة ، قال ابن القيم رحمه الله: وأكمل الخلق متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال " ا.هـ

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة عاش سعيدا ومات سعيدا وحشر يوم القيامة سعيدا، قال تعالى :"يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" قال ابن عباس رضي الله عنها:حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وأولوا العلم" ويشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمئون بعدها أبدا، ويستظلون تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله.

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة صحت عقيدته فسلم قلبه من الأمراض والأسقام، قال تعالى :"يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ،إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" والقلب السليم هو الذي خلا من الشرك بأنواعه، والبدعة ومخالفة السنة، وترك شهوات الدنيا وأقبل على الله، فهذا القلب يعيش سعيدا منعما.

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة اطمأن قلبه عند الموت، وانشرح صدره لما هو مقبل عليه من أهوال وكربات قال تعالى :" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"، قال صلى الله عليه وسلم وهو يصف الموت وفتنة القبر في حديث البراء بن عازب: " فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عزوجل (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا)، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: ابشر بالذي يسرك، ابشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرا، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت، الله، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهل ومالي، (فيقال له: اسكن)"

ما أجملها من لحظات، يا ليت شعري كيف يكون قلب العبد وهو يرى ذلكم النعيم الذي ينتظره، وقد أنجاه من فتنة القبر وعذابه.

جاء في سير أعلام النبلاء عَنْ يَحْيَى بنِ عَوْنٍ, قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ سَحْنُوْنَ –وهو من علماء المالكية- عَلَى ابْنِ القَصَّارِ، وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا القَلَقُ? قَالَ لَهُ: المَوْتُ وَالقُدُوْمُ عَلَى اللهِ. قَالَ لَهُ سَحْنُوْنُ: أَلَسْتَ مُصَدِّقاً بِالرُّسُلِ وَالبَعْثِ وَالحِسَابِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمُرُ, وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّ اللهَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَلاَ تَخْرُجُ عَلَى الأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ جَارُوا. قَالَ: إِيْ وَاللهِ. فَقَالَ: مُتْ إِذَا شِئْتَ, مُتْ إِذَا شِئْتَ.
فاللهم أحينا على التوحيد والسنة ، وأمتنا على التوحيد والسنة  وقنا عذاب القبر وفتنته ويسر حسابنا يوم نلقاك .


الخطبة الثانية : عباد الله ومن أسباب انشراح الصدر تعلُّم العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكلما زاد العبد تحصيلاً لهذا العلم متقرباً بتحصيله إلى الله زاد انشراح صدره وصلاح حاله ، وضده وهو الجهل، ظلمةٌ في القلب وكآبة في الحال.
ومن أسباب انشراح الصدر الإنابة إلى الله وحُسنُ الإقبال عليه جل في علاه ومحبته والتلذذ بعبادته وطاعته ؛ فإن الطاعة والعبادة راحة القلوب وأُنس النفوس وقرَّة العيون وسعادة الصدور ، ومن أخص العبادات التي تشرح الصدر وتريح القلب الصلاة وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول : ((يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ)) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ )) ، فَالصَّلاَةُ سَكِينَةٌ لِلرُّوحِ، وَانْشَرَاحٌ لِلصُّدُورِ، فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ- أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ أَصَابَهُ غَمٌّ- صَلَّى. فَبِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ، وَبِقُرْبِهِ يَأْنَسُ الْقَلْبُ، وَلاَ سِيَّمَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، حِينَ يَخْلُو الْمُؤْمِنُ بِرَبِّهِ، فَيَشْكُو لَهُ هَمَّهُ، وَيَبُثُّهُ مَا أَغَمَّهُ، فَلاَ يَنْصَرِفُ الْمَرْءُ مِنْ صَلاَتِهِ؛ إِلاَّ وَقَدْ شَرَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ صَدْرَهُ، وَأَرَاحَ قَلْبَهُ،  وعموم الطاعات -عباد الله- راحةٌ وسعادةٌ وأُنسٌ وطمأنينة .

ومن أسباب انشراح الصدر وحصول السعادة : دوام ذكر الله جل وعلا ؛ فإنَّ ذكره سبحانه طمأنينة القلوب وراحة الصدور ، قال الله تعالى : "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"

وَالدُّعَاءُ مِنْ مَفَاتِيحِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَتَفْرِيجِ الْهَمِّ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ:« بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»
روي عن ابن عون أنه قال: ذكر الناس داء، وذكر الله دواء. قال الذهبي في السير معلقا : قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء ؟ ! قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم) (ولذكر الله أكبر) ، وقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله. ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له " ا.هـ

ومن أسباب انشراح الصدر الإحسان إلى عباد الله { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] ؛ الإحسان إليهم سواءً بالجاه أو المال أو النفع البدني أو نحو ذلك ، فإن من كان محسناً لعباد الله جازاه الله تبارك وتعالى بشرح صدره وتيسير أمره وحُسن عاقبته ومآله ، أما البخيل الشحيح فإنه من أضيق الناس صدرا وأكثرهم همًّا وغمّا وأنكدهم معيشة .

قَالَ تَعَالَى:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للبخيل والمتصدق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا قَالَ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ " متفق عليه

ومن أسباب انشراح الصدر إبعادُ أدواء القلوب وأسقامها ، وهي أدواء كثيرة ؛كالحسد والغل والحقد ونحو ذلك ، فإن هذه الخصال الذميمة والأدواء المشينة إذا دخلت إلى القلوب أعطبتها ، وإذا وصلت إلى الصدور أظلمتها ، وترتب عليها ضيق صدر صاحبها وكآبة حاله وسوء عاقبته ومآله .

ومن أسباب انشراحه صيانة اللسان من الكلام بالحرام ، وصيانة الأذن من سماع الحرام ، وصيانة النظر من النظر إلى الحرام ؛ فإنَّ فضول السمع والبصر والكلام مضراتٌ بصاحبها إضراراً عظيما ، وهي مجلبةٌ للهموم والغموم وتترتب عليها من العواقب الوخيمة ما لا يحمده الإنسان في دنياه وعقباه

قال ابن حزم - رحمه الله -: "فكرت في سعي العقلاء، فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا في الأكل والشرب، وهذا في التجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا في اللغو واللعب، وغير ذلك، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقًا موصلًا إليه، ولعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده، وإنما الإقبال على الله وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء ضده، فليس للعبد أنفع من هذا الطريق، وأوصل منه على لذته، وسعادته"

فأقبلوا على ربكم وسنة نبيكم تنالوا السعادة في الدارين . 



الخميس، 23 أبريل 2015

خطبة الجمعة : مقاصد الإسلام في تحقيق الأمن والسلام

الخطبة الأولى : معاشرَ المسلمين، إنّ الشريعةَ الإسلامية ومِن منطَلقِ حِرصها على إسعادِ البشريّة وتحقيق الخير والفلاح للخليقة قد جاءت أحكامُها لمقاصدَ عاليةٍ وتحقيق غايات فاضلةٍ وأهدافٍ سامية، تلكم هي المقاصدُ الشرعيّة التي هي علمٌ من علوم الشريعة، حظِيت من المحقِّقين باهتمامٍ بالغ وعناية فائقة، ذلكم أنّ أيّ تصرُّفٍ يتصرّفه المسلم مهما حسُنت النوايا يجب أن يكونَ متَّفِقا مع مقاصدِ الدين، متمشِّيًا مع سنّة سيّد الأنبياء والمرسلين، حتى لا يهدم المرءُ إسلامَه من حيث لا يشعُر، ولا يُفسِد دينَه من حيث لا يعقِل، وحينئذٍ مَتى حصلتِ المخالفة لمقاصد الدين حصَل الضلال والإضلال والضررُ والفساد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حَقّ الخوارج الذين خرَجوا على صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقلَّ من خرَج على ذي السُّلطان إلاّ وتولَّد على فِعله من الشرِّ أعظمُ ممّا تولَّد من الخير ـ إلى أن قال رحمه الله: ـ فما أقاموا دنيا، ولا أبقَوا دينًا" انتهى، ويقول ابن القيم رحمه الله بعد أن قرّر مجيءَ الشريعةِ لمصالح العباد: "وهذا فصلٌ عظيمُ النفع جدًّا، وقع بسبَب الجهل به غلطٌ عظيم على الشريعة" انتهى

وإنَّ أمّتنا وهي تعاني ما تعاني من الشدائدِ والمِحن لفي ضرورةٍ لتفهُّم المقاصد العامَّة لهذا الدين، وفي حاجةٍ ماسَّة لدراسة أهداف شريعة الإسلام والتعمُّق فيها ليتجنّبوا سوءَ المأخَذ وفساد الاستنتاج وقُبحَ الأعمال، وحتى تترقَّى مداركُهم وتظهرَ جهودُهم في أجمل المظاهرِ التي أرادها هذا الدين، ولتنبع أفعالهم من روحِ الإسلام وتنساق من مقاصِده وتوفِي بحاجات الدّعوةِ وتواكِب مقتضياتِ الزمان وتغيُّرات العصر.

معاشرَ المسلمين، مقاصِدُ الشريعة ترجِع في أصلها وتعود في مُجمَلها إلى تحقيق القاعدةِ الكلّية الكُبرى: الحرصُ الشديد على جَلب المصالح وتكثيرها، والتأكيدُ البالِغ على دَرء المفاسد وتقليلها. ومِن هنا فالغاية الجامعةُ والمقصَد العامّ من التشريع في الإسلام بعد تحقيق العبُوديّة لله هو حِفظ نظامِ الأمّة واستدامةُ صلاحها بعمارةِ الأرض، وحِفظُ نظام التعايُش فيها، والحرصُ على حِفظ نظام العالمَ وضبطِ تصرُّفات الناسِ فيه على وجهٍ يعصِم من التفاسُد والتهالك، يقول جل وعلا:  وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا  ، ويقول سبحانه:  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ   أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ  ، ويقول جل وعلا:  وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  

إخوةَ الإسلام، من المقاصدِ العليا للإسلام في هذه الحياة إقامةُ العدلِ بشتَّى صُوَره وإشاعة الرحمةِ بين الخلق بأوسَع معانيها وتحقيقُ الإحسان في جميع مجالاته،  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى  ،  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء107]،  وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا   ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء))

معاشرَ المسلمين، ومِن المقاصِد الكبرى لشريعة محمّد صلى الله عليه وسلم  تلك الملقَّبة عند العلماءِ بالضروريات الخمس: حفظُ الدين والنفوس والأموال والعقول والأنسابِ، تلك الكلِّيات الخمس التي هي بمنزلةِ الثوابت المطَّردة والقِيَم الخالدة في هذا الدين، والتي بها قِوام حياة الإنسان، وعليها مدارُ العمران، وبها انتظامُ الإسلام، لا يستقيم النظام باختلالها، ولا يهنأ عيشٌ بدون سلامتِها، بل إذا انخرمت تَؤول حالُ الأمّة إلى فسادٍ وتلاشٍ وضعفٍ وهوان، ونصوصُ الشريعة في مراعاةِ هذه الضروريّات أشهرُ من أن تُذكَر، وأبرز من أن تُحصَر، ولذا ففي التطبيقاتِ العملية من سيِّد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ومن خلفائه الراشدين ممّا هو متواترٌ  شيء ظاهر مشتهِر في مراعاتها والعمِل وفق فقهها:
إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في حالة الحرب مع الكفار الحربيِّين ينهى عن قتلِ النساء والصبيان ومن ليس مِن أهل القتال حِفظًا للنفوس من الإهدار والإفساد.

وهذا عمر الفاروق رضي الله عنه ينطلِق في نظراته من هذه المقاصد، يقول: (والذي نفسي بيده، ما يسرُّني أن تفتَحوا مدينةً فيها أربعةُ آلاف مقاتِل بتضييع رجلٍ مسلم) وها هم علماءُ الإسلام يقرِّرون انطلاقًا من القرآنِ والسنّة بأنّ الكفار الحربيِّين متى تترَّسوا بمسلمين ولو واحدًا أو تترَّسوا بذمّيِّين يعيشون في ديار الإسلام فلا يجوز رميُهم صيانةً للنفوس إلاّ في حالات ضرورة قصوى يقرّرها وليُّ أمر المسلمين، بل وهكذا الحكمُ عندهم لو تترّس الكفّار الحربيّون بنسائهم وأطفالهم حِفظًا من الشريعةِ للنفوس البشرية التي خلقها الله جلّ وعلا، وما خلقه مكرَّمٌ كما قال:  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ 

ومِن مقاصد الإسلام الحرصُ على درءِ كلِّ ما يعود على هذا الدين بالتنفير منه، ومَنع إظهار أيّ صورةٍ قد تكون سببًا للمَنع من دخول الناس في دين محمّد صلى الله عليه وسلم ،  وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ  ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم قد كفّ عن قتلِ المنافقين في المدينةِ مع كونه مِن أعظم المصالح ذاك الوقت لئلاّ يكون ذريعةً إلى تنفير الناس عن دين الإسلام وقولهم: إنّ محمّدًا يقتل أصحابه.

قال العلماء: لأنّ مفسدةَ التنفير أكثرُ من مفسدةِ [ترك] المنافقين، ومصلحةُ التأليف أعظمُ من مصلحة القتل؛ ولذا ففي عالم اليوم تجد المتربِّصين للإسلام يتصيَّدون لكلِّ تصرُّفٍ يصدُر من أبناءِ الإسلام لينالوا من الإسلام وخصائصِه ونبيِّه، مع أنَّ تلك التصرُّفات لا تمتُّ للإسلام بصلة؛ كترويع الآمنين وسفك الدماء وتخريب العمران.

ومن مقاصدِ شريعة الإسلام تحقيقُ وَحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم وجمعُ كلمتهم ومنع كلِّ ذريعة للتفرُّق والاختلاف والتنازُع، قال ابن القيم: "وهذا مِن أعظمِ مقاصد الشَّرع، وقد سَدَّ الشرع الذريعةَ إلى ما يناقضه بكلّ طريق حتى في تسوية الصفِّ في الصلاةِ لئلاّ تختلفَ القلوب، وشواهدُ ذلك أكثر من أن تُذكَر" انتهى يقول الله جلّ وعلا:  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا  ، ويقول جل وعلا:  وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم: ((من خرَج من الطاعة وفارقَ الجماعةَ فمات ماتَ ميتةً جاهلية)) والعياذ بالله.

ومن هنا حرص الأعداءُ بكلِّ طريقٍ على تعميق الهوَّة بين أفرادِ الأمة وبين علمائها وولاةِ أمورها، حتى يحصل الشرّ العظيمُ بالأمّة ويتحقّق للأعداءِ ما يريدون، لذا فالضرورةُ اليومَ داعيةٌ إلى التكامُل والتعاضد بين العلماء والحكّام والمجتمع ككلّ على منوالِ الشريعةِ لتحقيق المقاصدِ الشرعيّة والأهداف المرعية التي جاء بها سيِّد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ومن مقاصد الإسلام وَغَايَاتِهِ الْعِظَامِ نشر الأمن والسلام، فَهُوَ شِعَارُ الإِسْلاَمِ، يَبُثُّ السَّكِينَةَ فِي نَفْسِ الإِنْسَانِ، وَيَنْشُرُ الاِسْتِقْرَارَ فِي الأَوْطَانِ، ولأجل ذلك حَرَصَ الإِسْلاَمُ عَلَى تَرْسِيخِ السِّلْمِ فِي الْمُجْتَمَعِ، فَأَمَرَ بِالْمَحَبَّةِ وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ سَبِيلاً إِلَى دَارِ السَّلاَمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ رَسَائِلِ الْمَوَدَّةِ وَالتَّرَاحُمِ، وَالتَّآلُفِ وَالتَّلاَحُمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» 

فَالسِّلْمُ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ ضَرُورَةٌ لاَ غِنًى عَنْهَا، لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَعُودُ بِالْخَيْرِ عَلَى الأَفْرَادِ وَالأُسَرِ وَالأَوْطَانِ، وَانْتِشَارُهُ سَبَبٌ لِلْحَيَاةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْعِيشَةِ الْهَنِيئَةِ، يَقُولُ النَّبِيُّ :« مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"
فَاللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَدِمْ عَلَيْنَا اسْتِقْرَارَنَا، وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى

الخطبة الثانية : إخوةَ الإيمان، ومِن مقاصد شريعة الإسلام سدُّ الفِتَن وأبوابها ومنعُ الشرور وطُرُقها، يقول ابن القيم رحمه الله في تأصيل قاعدةِ سدّ الذرائع: "الوجه الثامن والتسعون: نهيُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا أو جاروا ما أقاموا الصلاة، سدًّا لذريعة الفسادِ العظيم والشرِّ الكثير بقتالهم كما هو الواقع، فإنّه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم أضعافُ أضعافِ ما هم عليه، والأمّة في بقايا تلك الشرور إلى الآن" انتهى كلامه المتين ويقول أيضًا : ومن تأمّل ما جرى على الإسلام في الفِتن الكبار والصِّغار رآها مِن إضاعةِ هذا الأصلِ وهو إنكار المنكر إذا كان يترتّب عليه ما هو أنكرُ منه، ومِن عدم الصبر على المنكَر، فيُطلَب إزالتُه، فيتولّدُ منه ما هو أكبر منه" انتهى.

ومِن مقاصد الإسلام تحريرُ العقول من التقليدِ والتَّبعيّة المجرّدَة، تلك التبعيّةُ التي تستعبد الأفكارَ وتستأسر العقولَ من باب الإعجابِ بالآراء ليس إلاّ كيفَ كانت، وتنزيهها من الخطأ، وبالتالي تنعدِم عند المسلمين ملكةُ النقد، وتسود عقليةُ التسليم مهما كانت الآراءُ المتلقّاة لا تنهَض على حجَّةٍ ولا يقودها دليلٌ سوى العاطفة والحماس.

لذا حريٌّ بشبابِ الأمّةِ شبابِ محمّد صلى الله عليه وسلم أن يتّقوا الله جلّ وعلا في دينهم، وأن لا يأخذوا الفتاوى والآراءَ إلا من أهلِها أصحابِ الدّراية والروايةِ

معاشرَ المسلمين، استقراءُ الشريعة في أقوالها وتصرّفاتها حجّةٌ قاطعة بأنّ من مقاصدها العليا أن يوجَد للأمة ولاةٌ يسوسون مصالحها ويقيمون العدلَ وينفِّذون أحكامَ الله فيها، لذا كانت الولايةُ السلطانية من لوازم الشريعة، لئلاّ تكون في بعضِ الأوقات معطّلةً، يقول عليّ رضي الله عنه وهو من مدرسةِ محمّد صلى الله عليه وسلم: (إنّ الناسَ لا يُصلحهم إلا إمامٌ برّ أو فاجر)

ومن هنا ألزمتِ الشريعةُ الحاكمَ بتقوى الله عز وجل في كلّ أموره، وبالسّعي في جلب مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها، وأوجبت على الرعيّةِ طاعةَ الحاكم في غير معصية الله، وعدمَ الخروج أو الافتيات عليه، بل له في الشريعة الدعاءُ والنّصحُ الصادق برفقٍ ولُطفٍ، مع المعاونة له على الحقّ.

معاشرَ المسلمين، من مقاصدِ شريعة الإسلام التركيزُ على الفقهِ في الدّين ومداولةِ تعاليمه بعلمٍ شرعيٍّ فيه من الله برهانٌ مبين، فالخير كلُّ الخير للأفرادِ والأمّة جميعًا بثُّ العلوم الشرعيّة والمعارف السُّنِّيّة، فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يُردِ الله به خيرًا يفقِّهه في الدين)) 

والأمّة على مستوى آحادِها ومجتمعاتها ينبغي أن لا تصدُر ولا ترِد إلاّ بعلمٍ دقيق وفقهٍ ضليع في عباداتها وفي جميع شؤون حياتها، وذلك لا يكون إلاّ عن طريق التلقِّي من العلماء ذوي النظرِ السديد في فقه الشريعة والتمكُّن الدقيق في معرفةِ مقاصدها، مع الخبرة بمواضِع الحاجة في الأمّة والمقدِرة على إمدادِها بالمعالجة الشرعية لاستبقاءِ عظمتِها واستِرفاء خُروقها.

قال أهل التحقيق من علماء الإسلام قديمًا: "ومعرفة المقاصد الشرعيّة المتعلِّقة بالأمّة توكَل إلى نظر علماء الأمة وولاةِ أمورها الأمناءِ على مصالحها أهلِ الحلِّ والعقد ليُعيّنوا لها الوصفَ الجدير بالاعتبار في أحد الأحوال دون غيره". يقول هذا القولَ قبلَ أكثرَ من سبعين سنة.
أيّها المسلمون، ها هي بعضُ مقاصِد سيِّد الخلق ودين محمّد صلى الله عليه وسلم ، حينئذٍ فكلّ عاقلٍ وكلُّ متبصِّر لا يشكّ أدنى شكٍّ أن دين الإسلام بريء مما اقترفته أيدي الجهلة اللئام، من أرباب الحزبيات وخنادق الظلام، فكفروا المسلمين، وسعوا بالخراب والفساد في بلادهم، ونقضوا البيعة التي في أعناقهم لولي أمرهم، وخرجوا في مظاهرات سموها سلمية بهدف استرجاع الحقوق وابتغاء العزة والكرامة، فانقلبت ذلتهم إلى مآسي ونكبات، وحقوقهم إلى طرد وتجويع وإهلاك للحرث والنسل.

كل ذلك لأنهم لم يراعوا مقاصد الإسلام العظيمة، ولم يلتفتوا لكلام العلماء من أهل الذكر، بل أعمتهم الفتن عن رؤية الحق واتباعه، وهكذا هي الفتن ،عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ 
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً                 تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا       وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ                مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ 



ملاحظة: هذه الخطبة مقتبسة من خطبة للشيخ حسين آل الشيخ ،مع بعض التغيير والإضافة .
  

الجمعة، 10 أبريل 2015

خطبة جمعة : السحر

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين لَقَدْ شَرَعَ الإِسْلاَمُ كُلَّ مَا يُحَقِّقُ لِلْعِبَادِ مَصَالِحَهُمْ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِمْ وَآجِلِهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى إِعْمَالِ عُقُولِهِمْ، وَاسْتِثْمَارِ فِكْرِهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»، وَمِمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَحَرَّمَهُ السِّحْرُ وَالْكِهَانَةُ، وَالتَّنْجِيمُ وَالشَّعْوَذَةُ .

السِّحر داءٌ خطير وشرّ مستطير، له حقيقة خفيّةٌ وضرَرٌ محقَّق، يهدِم الدينَ، ويتلِف الجسدَ، ويخرب البيوتَ، ويقطَع الأرحام، لذا فقد اتَّفقتِ الشرائع السماويّة على تحرميه، وسماه الله كفرًا فقال سبحانه "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ" ، وحذَّر منه في القرآنِ ولم يجعل لصاحبة في الآخرةِ نصيبًا ولا حظًّا فقال سبحانه : " وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "

السّحرُ له حقيقة فهو عزائمُ ورُقى وعُقَدٌ ونَفث وعَمَل يؤثَّر به في القلوب والأبدان والمشاعِرِ والطبائع، هو بضاعة الشيطان، يلجأ إليه ضِعاف النفوس وضِعاف الإيمان؛ جلبًا لحظٍّ موهوم أو دفعًا لنَحس وضر مزعوم، طمعًا في مالٍ علاج لمرض أو بَغيًا على عباد الله.

خطره عظيم على الأفراد والمجتمعات، إذ يعمل على تفكُّك الأسَر وهدم العلاقاتِ الاجتماعيّة وتقطيع أواصِر القُربى وإحلال الحقد محلَّ المحبّة والخوف مكانَ الطمأنينة، هو داءٌ يزرَع الاضطرابَ وينزع الثقةَ، بل إنه صورةٌ من صوَر ضَعف العقول ونقصِ التفكير، ناهيكم بضعفِ الديانة وخلَل العقيدة.

لذلك عده النبي صلى الله عليه وسلم من المهلكات الموبقات التي تهلك وتوبق صاحبها في النار ، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، .."

أمَّا الساحر فمُفسِد فاجِرٌ، قد نزِعَت من قلبه الرحمة، واستَأثَر للذِّلَّة، وباع نفسَه للشيطان، وأوبَقَ دنياه وآخرِتَه، لا تجِد ساحِرًا سعيدًا وإن أوهَمَ الناسَ بجلب السعادةِ لهم، ولا تجِد ساحرًا غنيًّا وإن خدَعَهم بدفع الفقر عنهم، والشّيطان يَؤزُّ السّاحرَ أزًّا ليَعملَ السّحرَ أذيّةً لعبادِ الله، قال جلّ وعلا: "فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ" وأخبر سبحانه أنه عملهم وعلمهم كله ضرر لا نفع فيه فقال جل وعلا"وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ" بل أخبر سبحانه عن عدم فلاح الساحر أبدا فقال : "وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ" وقال : "إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى" فأينما توجه وأينما ذهب وأينما حلّ فالفلاح مفارقه ، هو دائماً في خسران، فمن كان حاله فكيف يرجى منه تفريج هم أو دفع ضر أو علاج مرض.  

 ولأجلِ عظيمِ فسادِ السّاحر وكبيرِ جُرمِه وتعَدِّ شرِّه كان حكمُه القتل؛ لأنَّه من أعظم المفسدين في الأرض، وقد كتبَ عمر بن الخطاب إلى ولاتِه أن اقتُلوا كلَّ ساحرٍ وساحرة. وفي الترمذيِّ عن جندُب رضي الله عنه قال : ((حدُّ السِّاحِرِ ضربَةٌ بالسيف)) أو ((ضَربُه بالسّيف))،  ونصَّ بعضُهم على عدم قبولِ توبتِه. إنّه شأن ليس باليسير، يقول الذهبيّ رحمه الله: "فترى خلقًا كثيرًا من الضُلاَّل يدخلون في السحر، ويظنّون أنه حرام فقط، وما يشعرون أنه الكفر". قال الحسن البصري رحمه الله : " من سحر فقد أشرك " ، وقال ابن جريج رحمه الله : " لا يجترئ على السحر إلا الكافر ".

جماعة المسلمين : إن  إِتْيَانَ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ آفَةٌ خَطِيرَةٌ، وَدَاءٌ عَظِيمٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ خِدَاعٍ زَائِلٍ، وَأَكْلٍ لأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ طَرِيقٌ لِلشَّرِّ، يَهْدِمُ الْبُيُوتَ، وَيَقْطَعُ الأَوَاصِرَ، وَيُسَبِّبُ الْعَدَاوَاتِ، وَيُضْعِفُ الإِيمَانَ، وَيَنْشُرُ الدَّجَلَ وَالْخُرَافَاتِ، وَمِنَ الْمُمَارَسَاتِ الْخَاطِئَةِ فِي هَذَا الْجَانِبِ الذَّهَابُ إِلَى هَؤُلاَءِ السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ لِحَلِّ الْمُشْكِلاَتِ، أَوِ الْبَحْثِ عَنْ الْمَفْقُودَاتِ، أَوْ لِلإِضْرَارِ بِالآخِرِينَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ زَوْجَيْنِ أَوْ صَدِيقَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ، فَإِنَّ وَبَالَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ عَظِيمٌ، وَقَدْ تَبَرَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ يَأْتِي السَّحَرَةَ وَالْعَرَّافِينَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :«لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ »  وروى مسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  قال: من أتى عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تقبَل له صلاةٌ أربعين ليلة" أَيْ: لاَ ثَوَابَ لَهُ فِيهَا ، هذا لمجرد إتيانِ العرّاف، أما من صدَّقه فإنه أعظمُ خسارة، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم:من أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" والعرَّافُ هو الذي يدَّعي معرفةَ الأمور بمقدِّمات يستدلّ بها، كطلبه معرفةَ اسمِ الأمّ ونحو ذلك، ويدَّعي معرفة الأشياء الغائبة، والكاهنُ هو الذي يخبِر عن المغيَّبات في المستقبل. ومن هؤلاء المنجِّم والرَّمَّال ونحوهم ممَّن يدَّعي معرفةَ الأشياء الغائبة أو معرفةَ المستقبل. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، فَلاَ مَطْمَعَ لأَحَدٍ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى:( قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).

مِمَّا يَلْحَقُ بِالسِّحْرِ التَّنْجِيمُ وَالاِسْتِدْلاَلُ بِالطَّوَالِعِ وَالْبُرُوجِ عَلَى مَا يُقَدَّرُ لِلنَّاسِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْكَذِبِ، قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّىْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا. قَالَ:« تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ». فَحَرِيٌّ بِالْمَرْءِ أَنْ يَنْأَى بِنَفْسِهِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْهِيَّاتِ مِنْ قِرَاءَةٍ لِلْكَفِّ، وَالأَبْرَاجِ وَسُؤَالِ الْمُنَجِّمِينَ وَالْعَرَّافِينَ.


الخطبة الثانية : عباد الله إنَّ الله تعالى حين أقدَر الشياطين على التسلّط والتلبُّس فإنه سبحانه لم يجعل لهم على المؤمنين سلطانًا، قال الله عز وجل: " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ"  بل حين أقسَمَ إبليسُ الرَّجيم على إغواءِ بني آدم اعتَرَفَ بعجزه عن المؤمنينَ فقال:" فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ "، وقال الله عزّ وجلّ:"إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"

وقد بيَّن الله تعالى ما نتَّقي به كيدَ الشياطين وأوليائهم من السّحَرة والمفسدين، فأوَّلُ ذلك ـ يا رعاكم الله ـ التوكّلُ على الله تعالى واليقينُ والإيمان الصادق بالله العظيم، "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ"  والمؤمِنُ مهما عصَفَت به الآلاَم وتكالبت عليه ضغوط الحياة والأسقامِ فهو دائمُ التعلّق بالله، مستسلمٌ لمولاه، صابِر على بَلوَاه، لا يستسلِمُ للخرافات والأوهام.

عبادَ الله، مما يسلِّط الشياطينَ على الإنسان ويجلب أذَاهم المعاصي والمنكراتُ والأغاني والمزامِير والصوَر، فإن ذلك يجعَل البيوتَ مأوى للشياطين، وفي الحديث: ((إنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة))، وهذا يفسِّر لك سرَّ شكوى البيوتِ مِنِ انتشار العُقَد النفسيّة والوساوِس القهريّة والأسقامِ والأوهام، "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" 

كما أن العملَ بالتوجِيهَات النبويّة حِرزٌ من الشيطان، وقد ورد في صحيح التوجيه النبويِّ الأمرُ بإمساك الأولاد حين الغروبِ حين تنتشر الشياطين، كما ثبت في الصحيحين الأمر بكظم التثاؤب ووضعِ اليد على الفم عند التثاؤب لئلا يدخُلَ الشيطان، وكذا الأمرُ بالتسمِية عند نزولِ المنزل ودخول البيتِ ودخولِ بيتِ الخلاء والتسمية عند كشفِ العورة، فإن ذلك سترُ ما بين الجنِّ وعورات بني آدم. كما يحذَر المسلم من الغضب الشديد أو الفرح والطّرب الشديد أو الخوف الشديد، فكل تلك المواطن من حالاتِ الضعف البشريّ، والتي قد يتسلَّط فيها الجانّ على الإنسان ما لم يتحرَّز.

أمَّا ذكرُ الله تعالى فهو الحصن المنيع والسّدُّ العظيم الرفيع، ومَن داوَم على ذكر الله في كلِّ حال والتزَم الأورادَ الشرعيّة والأذكار النبويّة خاصّةً في طرَفي الليلِ والنهار وعند المنام فقد بات في حِفظِ الله وأمسَى في كَنَفِه وأصبح في ستره وحماه، يرعاه الله ويحفظه ويحميه ويكلؤُه.

ومن أعظمِ الأوراد الإكثارُ من قراءة القرآن الكريم عمومًا، وما وَرَد به الأمرُ خصوصًا، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرَأ فيه سورة البقرة))، وقوله: ((من قرأ بالآيتَين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه))، وقوله: ((من قرأ آيةَ الكرسيِّ حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافِظٌ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح))، كما أنَّ قراءة سورةِ الإخلاص "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" والمعوِّذتين "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ" و"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ" ثلاث مرات في الصباح وثلاث مرّات في المساء تكفي من كل شيء كما صحَّ بذلك الخبر عن الصادِق المصدوقِ .

وكذلك الأخذُ بالتعاوِيذِ والأدعِيَة الثابِتَة عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كقولِه: ((أعوذ بكلماتِ الله التّامَّات مِن شرِّ ما خلق))و((بسم الله الذي لا يضرّ معَ اسمِه شيءٌ في الأرض ولا السَّماء وهو السّميع العليم)). وغيرُ ذلك كثير من الوارد الثابت.

وفي صحيحِ مسلمٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى الفجرَ فهو في ذمّةِ الله))، وفي الصحيحَين أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((من تصبَّح بسبعِ تمرات من تمر العجوة لم يصِبْه سمّ ولا سحر)). فاحفَظوا ما علَّمكم نبيُّكم، وعلِّموه أهلَكم وأولادَكم، وحافِظوا عليه تكونوا من المحفوظِين.