الجمعة، 31 يوليو 2015

مقال : الخوارج هم العدو فاحذروهم ج 5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

ذكرت في المقالات السابقة خطر الفكر الخارجي على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر منهم في أحاديث مستفيضة، وذكر صفاتهم وأشهر ما يتميزون به عن غيرهم، لأجل أن يحذرهم المسلمون، ويتجنبوا الانضمام إليهم.

ثم ذكرت نقطة محورية هامة جدا وهي : من هو الخارجي ؟

وبينت صفتين يشترك فيها الخوارج وهي : الخروج على ولي أمر المسلمين الجائر والدعوة إلى ذلك، و الخروج على أمة الإسلام واعتبار بلادهم بلاد كفر وحرب. 

وسأتابع ذكر أخص الصفات التي يشتهر بها الخوارج، ومن من الجماعات المعاصرة أو الأشخاص قد سار على نهجهم واتصف بصفاتهم.

فمن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا : 

تكفير حكام المسلمين وأعوانهم وشعوبهم ممن لم يوافقهم وينظم إليهم .

فالخوارج كفروا علي بن أبي طالب، ومعاوية، والحكمين ومن رضي بحكمهما ، ورتبوا على ذلك جميع لوازم الكفر كاستحلال الدم، ثم اتفقوا على قتلهم.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 279) :وَالْخَوَارِجُ هُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ الْمُسْلِمِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ ، وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ وَمَالَهُ . وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْبِدَعِ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ .." 

وقال في مجموع الفتاوى (28/ 497) : فَهَؤُلَاءِ أَصْلُ ضَلَالِهِمْ: اعْتِقَادُهُمْ فِي أَئِمَّةِ الْهُدَى وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ الْعَدْلِ وَأَنَّهُمْ ضَالُّونَ وَهَذَا مَأْخَذُ الْخَارِجِينَ عَنْ السُّنَّةِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ ثُمَّ يَعُدُّونَ مَا يَرَوْنَ أَنَّهُ ظُلْمٌ عِنْدَهُمْ كُفْرًا. ثُمَّ يُرَتَّبُونَ عَلَى الْكُفْرِ أَحْكَامًا ابْتَدَعُوهَا " 

وسبب تكفير الخوارج لعلي بن ابي طالب رضي الله عنه ومن معه هو قضية الحاكمية، لا حكم إلا لله . 

فروى مسلم في صحيحه عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وَهُوَ مَعَ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالُوا لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ. قَالَ عَلِىٌّ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَفَ نَاسًا إِنِّى لأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِى هَؤُلاَءِ « يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لاَ يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ.." الحديث 

وخوارج اليوم كالإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وداعش وجماعات التكفير شابهوا أجداهم من خوارج الأمس في السبب الذي لأجله كفروا حكام المسلمين وجنودهم ورعيتهم.

وهذه العقيدة – عقيدة تكفير الحكام والرعية بعدم الحكم بالشرع- أحياها ونظَّرَ لها سيد قطب في كتبه، وعلى الأخص كتاب معالم في الطريق، وكتاب في ظلال القرآن الكريم.

ومن أقواله ما كتبه في معالم في الطريق وفيه : " وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة ...فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله ...وإذا تعين هذا فإن موقف الإسلام من هذه المجتمعات الجاهلية كلها يتحدد في عبارة واحدة : إنه يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها .." 

ثم سار الخوارج على نهجه وطريقه، فكفروا جميع حكام المسلمين، وجنودهم، ورعيتهم.

فهذا المسمى بالمقدسي ألف رسالة بعنوان : الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية
ألف المدعو عمرو عبد الحكيم رسالة بعنوان : الإيضاح والتبيين في أن الطواغيت وجيوشهم كفار على التعيين " .
وهذا فارس الزهراني يؤلف رسالة بعنوان: الآيات والأحاديث الغزيرة في كفر قوات درع الجزيرة .
وأسامة بن لادن يؤلف رسالة بعنوان : " رسالة إلى أبي رغال " احتوت السباب والتكفير.

وقال سيد فضل – أحد كبار منظري الفكر الخارجي المعاصر- في كتابه الجامع في طلب العلم الشريف " إن البلاد المحكومة بقوانين وضعية – كما هو الحال في شتى بلدان المسلمين اليوم لها أحكام خطيرة يجب أن يعلمها كل مسلم ... ومن هذه الأحكام:
1 – أن حكام هذه البلاد كفار كفرا أكبر ، خارجون من ملة الإسلام .
2 – أن قضاة هذه البلاد كفار كفرا أكبر..
3-أن أعضاء الهيئات التشريعية ... كفار كفرا أكبر
4- أن الجنود المدافعين عن هذه الأوضاع الكافرة هم كفار كفرا أكبر.. " ا.هـ باختصار 

وكلماتهم في هذا الباب يصعب حصرها وبيانها، وما ذكرته للتدليل على تأثر هؤلاء القوم بالفكر الخارجي الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة.

وللرد عليهم يقال : 

أولا : تظافرت الأحاديث التي تشدد على تكفير الواحد، فكيف بتكفير جماعات المسلمين ممن يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.

ثانيا: يلزم لإطلاق لفظ التكفير على معين تحقق شروط وانتفاء موانع، فليس كل من وقع في الكفر أو قال به وقع حكم الكفر عليه، فقد يكون مكرها، أو مخطئا ، أو جاهلا.
وهذا الأمر يتنافى مع تكفير جميع حكام المسلمين وجنودهم ورعيتهم .

ثالثا : النبي صلى الله عليه وسلم وصف أئمة الجور بقوله " وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ ؟ 
فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » .رواه مسلم . 
فمنع قتالهم ومنازعتهم حكمهم ما داموا يقيمون الصلاة، ولم يعلق الحكم على إقامتهم حكم الشرع من عدمه . 

ووضح في حديث آخر متى ينازع الحاكم في حكمه فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ».
والكفر البواح هو الظاهر الذي لا خلاف فيه، وقد دلت الأدلة على أنه كفر. 
وقضية الحكم بغير ما أنزل الله ليست من الكفر البواح، بل للعلماء فيها تفصيل.
 فالله سبحانه وتعالى جعل للحكم بغير ما أنزل الله ثلاثة أحكام فقال:
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.
ثلاثة ألقاب في ثلاث أيات متتاليات هل تعطي حكما واحدا ؟ 

وانظر رحمك الله إلى فقه السلف في فهم هذه الآية : 

فعن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق " 

وورد هذا التفسير عن مجاهد وعكرمة وهو اختيار شيخ المفسرين الطبري وأبوبكر الجصاص وابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والشنقيطي.

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال في تفسير هذه الآية" ليس بالكفر الذي تذهبون إليه " وإسناده صحيح لا غبار عليه أبدا .

وقال طاوس: ليس بكفر ينقل عن الملة " وإسناده صحيح.

فكيف يجرؤون على تكفير أئمة المسلمين بأمر قد خالفهم فيه جملة من علماء الأمة.

وأما الاستدلال بالآية على كفر الحكام فهو من فعل الخوارج، قال أبو المظفر السمعاني في تفسيره " واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون "من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم"

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 316) عن الخوارج أنهم "اجتمعوا أيضا في بيت زيد بن حصن الطائي السنبسي فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلا عليهم آيات من القرآن منها قوله تعالى  (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)  الآية [ص: 26] وقوله تعالى:  (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) [المائدة: 44] وكذا التي بعدها وبعدها الظالمون الفاسقون ثم قال: فأشهد على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى، ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا في القول والأعمال، وأن جهادهم حق على المؤمنين.."

قال ابن كثير معلقا :  "قلت وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوع خلقه كما أراد، وسبق في قدره العظيم.
وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج إنهم المذكورون في قوله تعالى:"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ،الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) ا.هـ 

رابعا: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يكفر من يعلم كفره مع إظهاره الإسلام كالمنافقين، بل كان يعاملهم بظاهرهم مع علمه بكفرهم،مع ما صدر منهم من أقوال وأفعال تدل على بغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللإسلام فلم يكفرهم ولم يأمر بقتلهم، بل شعاره معهم : "دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" قال ذلك لعمر لما قال عبد الله بن أبي بن سلول : وَاللَّهِ لَإِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ،  فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . 

بل أصر صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليه لما مات، فجَذَبَهُ عُمَرُ بن الخطاب- رضى الله عنه - فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ قد نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ (وفي روايةٍ: تصلي عليه وهو منافقٌ، وقد نهاك الله أن تستغفرَ لَهُمْ  فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ] 

وروى أحمد في المسند : عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْأَنْصَارِ حَدَّثَهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَسَارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟ " قَالَ الْأَنْصَارِيُّ؟ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ  ، قَالَ: " أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا صَلَاةَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللهُ عَنْهُمْ "

فهذا التعامل مع من يظهر الإسلام مع إضمار الكفر، فكيف بالذي يظهر الإسلام وشعائره ؟ كيف يكفر لشبهة أو أمر مختلف فيه . 
فكيف بأرباب الفكر التكفيري الخارجي في زماننا وقد كفروا الصغار والكبار

خامسا : تكفير أنصار الحكام لكفرهم عقيدة متوارثة عن الخوارج الأولين ، ذكر الطبري في تاريخه أن الخوارج لما أمسكت بعبد الله بن خباب قالوا له : فما تقول فِي أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا، قَالُوا: مَا تقول فِي عُثْمَان فِي أول خلافته وفي آخرها؟ قَالَ: إنه كَانَ محقا فِي أولها وفي آخرها، قَالُوا: فما تقول فِي علي قبل التحكيم وبعده؟ قَالَ: إنه أعلم بِاللَّهِ مِنْكُمْ، وأشد توقيا عَلَى دينه، وأنفذ بصيرة فَقَالُوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال عَلَى أسمائها لا عَلَى أفعالها، وَاللَّهِ لنقتلنك قتلة مَا قتلناها أحدا، فأخذوه فكتفوه ثُمَّ أقبلوا بِهِ وبامرأته وَهِيَ حبلى متم .. قال عبد الله : إني لمسلم، مَا أحدثت فِي الإِسْلام حدثا، وَلَقَدْ أمنتموني، قلتم: لا روع عَلَيْك! فجاءوا بِهِ فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه فِي الماء، وأقبلوا إِلَى المرأة، فَقَالَتْ: إني إنما أنا امرأة، أَلا تتقون اللَّه! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ "
فاختبروا عبد الله بن خباب بكفر عثمان وعلي فلما لم يوافقهم وأثنى عليهم خيرا قتلوه شرا قتلة، ولو وافقهم على التكفير لما تعرضوا له ..
فكل من كفر مخالفيه بناء على رأيه ثم يستبح دمهم بلا بينة ولا برهان فهو من الخوارج 

قال ابن تيمية :الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء ; فإنهم يعتقدون رأيا هو خطأ وبدعة، ويقاتلون الناس عليه، بل يكفرون من خالفهم"

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، ونصر المسلمين وجيوشهم على الخوارج المارقين .


خطبة الجمعة : حكم الابتلاء بالأمراض والأسقام - فضل زيارة المريض

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين قال الله تبارك وتعالى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ " فمن معاني هذه الآية أن الله سبحانه خلق الإنسان مع تفسير السعدي ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم، قال الحسن البصري رحمه الله :أي يُكَابِدُ مضايق الدنيا وشدائد الآخرة." وقد قال الله تبارك وتعالى :" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ "

ومن جملة هذه الابتلاءات التي يعانيها العبد الابتلاء بالأمراض والأسقام، ولله حكمة بالغة في تقدير هذه الابتلاءات على العبد، فمن هذه الحكم : 

تكفير السيئآت والخطايا التي اقترفها العبد وتوشك أن تهلكه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ »، وعن سعد قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِى بَلاَئِهِ وَإِنَ كَانَ فِى دِينِه رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ »

ومن حكم الابتلاء بالأمراض رفعة الدرجات في الجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العَبدَ إذا سَبَقَت له من الله عزَّ وجلَّ منزلَةٌ لم يَبلُغْها بعملِه، ابتلاه اللهُ جل وعز في جَسَدِه، أو في مالِه، أو في وَلَدِه ثم صَبَّرَه على ذلك حتَّى يُبلغَهُ المنزلةَ التي سبقتْ له من الله جل وعز"

ومن حكم الابتلاء بالأمراض تحقيق العبد لعبودية الله تعالى بشكره والصبر على قدره، قال تعالى:"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" وقال صلى الله عليه وسلم:عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " 

فيصبر المسلم على ما يصيبه من البلاء، فإذا ما عوفي شكر الله على نعمة العافية، فهو يتقلب بين عبادتين عظيمين ألا ووهما الشكر والصبر.

وبالشكر ينال العبد المزيد من الخير قال تعالى : "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " وبالصبر ينال البشارة في قوله تعالى :"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ،الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"

ومن أجر الصبر على البلاء والمرض ما أخرجه البخاري عن عَطَاء بْن أَبِى رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى . قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ إِنِّى أُصْرَعُ ، وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِى . قَالَ « إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ » . فَقَالَتْ أَصْبِرُ . فَقَالَتْ إِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا.

ومن حكم الابتلاء بالأمراض والأسقام تضرع العبد لربه، ورجوعه إليه، وانكساره بين يديه، قال تعالى :" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ" وها هو نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام لما ابتلاه الله بالمرض لجأ إلى الله ودعاه قال الله عنه:"وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"

ومن حكم الابتلاء بالأمراض والأسقام زيادة الحسنات ورفعة الدرجات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلاَءِ " 

ومن حكم الابتلاء بالأمراض والأسقام تحقق محبة الله للعبد، فإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"

فلهذه الحكم وغيرها قدر الله الابتلاءات، ولما علمها المؤمنون رضوا بها وقابلوها بالصبر والاحتساب، قال صلى الله عليه وسلم:كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء "  

الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : لقد ابتلى الله بالأسقام والأمراض خيرة خلقه من البشر، ومن ذلك ما صح من قصة ابتلاء نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَيُّوبَ نَبِيَّ اللَّهِ كَانَ فِي بَلَائِهِ ثَمَانِيَة عَشْرَةَ سَنَةً فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصَّ إِخْوَانِهِ كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتَعْلَمُ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ، قَالَ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِيَة عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفُ عَنْهُ، فَلَمَّا رَاحًا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي مَا يَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرِّجْلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ، قَالَ : وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَبْطَأَ عَلَيْهَا وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوبَ فِي مَكَانِهِ أَنِ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}  فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَلَقِيَتْهُ يَنْتَظِرُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ، وَهُوَ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى؟ فوَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: فَإِنِّي أَنَا هُوَ، وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ أَنْدَرٌ لِلْقَمْحَ وَأَنْدَرٌ لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ،، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَ "

وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم تقول عنه عائشة رضي الله عنها،ما رأبت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ ».

فعلى المؤمن أن يصبر على الابتلاء ويقبل على ربه داعيا متضرعا موقنا أن ما أصابه من مرض وسقم فيه الخير كما قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ " ولا يتسخط ويسب المرض فإنه مقدر من ربك، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده. قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال: " لا بأس عليك، طهور إن شاء الله. قال: قال الأعرابي: ذاك طهور؟! كلا ؛ بل هي حمى تفور ، على شيخ كبير، كيما تزيره القبور!. قال [النبي صلى الله عليه وسلم] : " فنعم إذا"وجاء في رواية مرسلة :" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إن أبيت فهي كما تقول، وما قضى الله فهو كائن"، قال: فما أمسى من الغد إلا ميتا.

جماعة المسلمين : لقد حَظِيَ الْمَرْضَى فِي دِينِنَا بِعِنَايِةٍ فَائِقَةٍ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ حُقُوقًا عَلَى الْمُجْتَمَعِ؛ مِنْهَا زِيَارَتُهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلَامِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ»

فَفِي زِيَارَةِ الْمَرِيضِ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَثَوَابٌ جَزِيلٌ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ». 

وَزِيَارَةُ الْمَرِيضِ سَبَبٌ لِدُعَاءِ الْمَلاَئِكَةِ لِلزَّائِرِينَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً». 

وَالزِّيَارَةُ تَبُثُّ فِي نَفْسِ الْمَرِيضِ التَّفَاؤُلَ، وَتَبْعَثُ فِي قَلْبِهِ الرَّاحَةَ، وَتُجَدِّدُ لَدَيْهِ الأَمَلَ، نَزُورُهُ فَنَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ، وَالْعَافِيَةِ مِنَ الْبَلاَءِ، وَنَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا». وَقَدْ زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَدَعَا لَهُ قَائِلاً:« اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا» ثَلاَثَ مِرَارٍ. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ:« لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». 

ومن الأجر المترتب على زيارة المرضى قوله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ -أَيْ: بَسَاتِينِهَا- حَتَّى يَرْجِعَ»

فزوروا المرضى، وادعوا لهم، واشكروا الله على نعمة العافية التي رزقكم إياها

الأحد، 26 يوليو 2015

الخوارج هم العدو فاحذروهم ج 4 - من هو الخارجي ؟ -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد

ذكرت في المقالات السابقة خطر الفكر الخارجي على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر منهم في أحاديث مستفيضة، وذكر صفاتهم وأشهر ما يتميزون به عن غيرهم، لأجل أن يحذرهم المسلمون، ويتجنبوا الانضمام إليهم.

ثم ذكرت نقطة محورية هامة جدا وهي : من هو الخارجي ؟

وبينت أول صفة يشترك فيها الخوارج وهي : الخروج على ولي أمر المسلمين الجائر والدعوة إلى ذلك . 

وسأتابع ذكر أخص الصفات التي يشتهر بها الخوارج، ومن من الجماعات المعاصرة أو الأشخاص قد سار على نهجهم واتصف بصفاتهم.

فمن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا : 

الخروج على أمة الإسلام واعتبار بلادهم بلاد كفر وحرب. 

قال ابن القاسم : سمعت مالكاً يقول : (( إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأسيافهم ولو ابتغوا العلم لحجزهم عن ذلك ))

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (19/ 73) : "الْفَرْقُ الثَّانِي فِي الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ: أَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ بِالذُّنُوبِ اسْتِحْلَالُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ دَارُ حَرْبٍ وَدَارَهُمْ هِيَ دَارُ الْإِيمَانِ " 

ومن أمثلة ذلك عند الخوارج المتقدمين ما ورد في المسند (  ح  656 ) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه بعث للخوارج يقول لهم: "  بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا، أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمِ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ. فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ شَدَّادٍ، فَقَدْ قَتَلَهُمْ فَقَالَ: وَاللهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ، وَسَفَكُوا الدَّمَ، وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ .." 

وما جاء أن نافع بن الأزرق كتب إلى أتباعه بالبصرة قائلا: الدار دار كفر والاستعراض مباح وإن أصيب الأطفال فلا حرج على من أصابهم"  

وفي كتاب مقالات الإسلاميين (1/103) : " وقالت طائفة من البيهسية – فرقة من فرق الخوارج-  اذا كفر الامام كفرت الرعية وقالت الدار دار شرك وأهلها جميعا مشركون وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف ، وذهبت الى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال، واستحلت القتل والسبي على كل حال " 

هل يوجد من المعاصرين من يعتبر بلاد المسلمين دار كفر وحرب ؟

الجواب : نعم .

ومن أشهر الجماعات المعتنقة لهذا الفكر تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وكل الجماعات التكفيرية.

وسأذكر لك بعض أقوال منظري هذه الجماعات، فمن ذلك :

قال أبو محمد المقدسي في كتاب له بعنوان ثمرات الجهاد : " الدنيا كلها اليوم دار كفر، ولا أستثني من ذلك حتى مكة والمدينة " .

قال فارس الزهراني وهو من منظري الفكر الخارجي المعاصر في كتابه " سلسلة العلاقات الدولية ص 21 : " ومنه تعلم أن البلاد التي أكثر أهلها من المسلمين، ولكن يحكمها حكام مرتدون بأحكام الكفار بالقوانين الوضعية هي اليوم ديار كفر وإن كان أكثر أهلها مسلمين" 

قال إمامهم في هذا العصر في التكفير المدعو : إمام بن عبد العزيز الشريف، المشهور باسم عبد القادر عبد العزيز، و سيد فضل وهو أشهرها في كتابه : الجامع في طلب العلم الشريف " قد تخلو الأرض من دار الإسلام في وقت ما، ولا يوجد فيها إلا دار الكفر كما كان الحال في صدر الإسلام قبل الهجرة إلا المدينة وكما هو الحال في زماننا .." 

وقال : وأقسامها – أي دار الكفر- هي :

ج – دار الردة وهي نوع من دار الكفر الطارئ ...مثل الدول المسماة اليوم بالإسلامية ومنها الدول العربية ... هي ديار كفر وردة، وجهاد حكامها الكافرين فرض عين على أهلها المسلمين .." 

فيظهر مما سبق أن كل من نادى بالثورات والخروج على ولاة أمر المسلمين واعتبر بلاد المسلمين دار كفر وحرب فهو من الخوارج.

 قال البربهاري متوفى 360هـ: الخوارج ..يخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين" 

ويكفي للرد عليهم ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذى عهد عهده فليس منى ولست منه ».

قال عياض –رحمه الله – في إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 259) : " هذا - والله أعلم - فى الخوارج وأشباههم من القرامطة " 

وقال الطحاوي في عقيدته وهو يبين ما تميز به أهل السنة عن الخوارج (1/38) :ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين "

وأما الخوارج فيكفرون كل من ليس معهم، ويعتبرون بلادهم دار كفر وردة. 

فنخلص من هذا العرض : أن كل من خرج على بلاد المسلمين وكفرهم جملة، واعتبر دارهم درا كفر وحرب، أنه خارجي .

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وحمى بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الخوارج المارقين، ووفق ولاة أمورنا للقضاء عليهم . 





الجمعة، 24 يوليو 2015

تحقيق أركان الإيمان

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين من الأسس العظيمة التي جاءت بها شريعة الإسلام الاعتصام واجتماع الكلمة ونبذ التفرق، قال تعالى : "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " ، وبهذه الأسس تقوى الأمة وتنتصر على غيرها من الأمم، وبضدها تضعف وتتمزق وتُغلب، قال تعالى : "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"

ولأجل تحقيق الاعتصام بالكتاب والسنة والاجتماع على الحق وعدم التفرق وضع الإسلام قواعد لا يجوز لأحد مخالفتها ولا التعدي عليها، ومتى ما اعتدي عليها تحقق الاختلاف ووقعت الفرقة، ألا وهي قواعد العقيدة الصحيحة المتلقاة عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ونقلها سلف الأمة من العلماء الربانيين، ومن تلكم القواعد التي يجب على جميع المسلمين اعتناقها واحترامها قواعد الاعتقاد الصحيح من الإيمان بأركان الإيمان التي وردت في الكتاب والسنة، قال تعالى : " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" وسأل جبريل عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: فأخْبِرني عَنِ الإيمان . قال : (( أنْ تُؤْمِنَ باللهِ وملائِكَته وكُتُبِه، ورُسُله، واليَومِ الآخِرِ ، وتُؤْمِنَ بالقَدرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ )) . قالَ جبريل : صَدَقتَ.

ومما يدل على مكانة هذه الأركان أن القرآن الكريم قد اشتمل على تقرير هذه الأركان في جميع سوره وآياته يقول الشوكاني رحمه الله: واعلم أن إيراد الآيات القرآنية على إثبات أصول الإيمان لا يحتاج إليه من يقرأ القرآن العظيم ، فإنه إذا أخذ المصحف الكريم وقف على ذلك في أي موضع شاء ومن أي مكان أحب وفي أيِّ محل منه أراد ووجده مشحوناً به من فاتحته إلى خاتمته "

كما أن الشرائع السماوية كلها ونبوات الأنبياء جميعهم متفقة على هذه الأصول الستة لا يختلف فيها نبي عن نبي، بل كلهم متفقون عليها يدعون إليها ويأمرون بها ويخبرون بفضل من آمن بها وعظم أجره وجزيل ثوابه.

فهذه الأركان الستة يجب على العبد المسلم أن يؤمن بها كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها سلف الأمة رحمهم الله تعالى ليكون مؤمنا طائعا، فإن أنكرها أو أنكر واحدة منها لم يكن مؤمنا قال تعالى : " وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" ، وروى مسلم في صحيحه عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِى الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِى الْقَدَرِ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ .. فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ ... وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ رضي الله عنه: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى وَالَّذِى يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ.." 

فتأملوا رحمكم الله كيف أن ابن عمر رضي الله عنها تبرأ ممن أنكر ركنا واحدا من أركان الإيمان، وأخبر أن الله سبحانه لن يقبل منهم طاعتهم حتى يؤمنوا بجميع أركان الإيمان وبما فيها الإيمان بالقضاء والقدر، ومصداق ذلك من كتاب الله سبحانه قوله تعالى :" وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " 

جماعة المسلمين : ولأجل تحقيق وحدة الكلمة والاعتصام بين المسلمين فقد اتفقت كلمة العلماء من أهل السنة والجماعة على أن أركان الإيمان إنما تؤخذ معانيها ومقتضياتها ولوازمها مما وردت به شريعة الإسلام من نصوص وآيات وأحكام ، فتحقيق أركان الإيمان هو أساس الدين، وخلاصة دعوة المرسلين، وهو أوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وأدركته العقول، فكيف يهمله النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير تعليم ولا بيان مع أنه كان يُعلم ما هو دونه في الأهمية والفضيلة، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم علّم أمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، حتى آداب الأكل، والشرب، والجلوس، والمنام وغير ذلك. قال أبو ذر - رضي الله عنه -: "لقد توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً". ولا ريب أن العلم بأركان الإيمان داخل تحت هذه الجملة العامة، بل هو أول ما يدخل فيه لشدة الحاجة إليه.

فإذا ما أخذ المسلمون عقيدتهم من مصدرها الرئيس وهو الكتاب والسنة، وما صح من آثار الصحابة والتابعين، فستتحد كلمتهم ويتحقق الاعتصام الذي أمروا به.

ولأجل ذلك اهتم علماء المسلمين بتقرير العقيدة السلمية في كتبهم ومصنفاتهم، والاستدلال عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، فصنفوا كتب الاعتقاد والسنة.

فعلى المسلم الذي يرجو لقاء ربه بقلب سليم أن يتعلم هذه الأركان الستة وأن يحقق ما تقتضيه من الإيمان الصحيح والعمل الصالح



الخطبة الثانية : جماعة المسلمين لقد جاءت جميع الشرائع  بالحفاظ على الضروريات الخمس ومنها الدين، فأمرت بحمايته والذود عنه وإقامة أركانه وإحياء شرائعه والمحافظة على شعائره.

وللأسف الشديد وجد من بعض أعداء الدين من يسعى إلى الطعن في الدين من خلال الطعن في أركانه وأسسه التي جاء الأمر بالإيمان بها كما قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ" وقال سبحانه : "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" وذلك تحت شعار حرية الرأي والتعبير ، فظهر من يسئ إلى الذات الإلهية ويدعو إلى الإلحاد والكفر بالله، ومنهم من يطعن في الأنبياء والرسل، ومنهم من يطعن في القرآن والسنة، ومنهم من يطعن في الصحابة بل ويكفرهم.



الأربعاء، 22 يوليو 2015

الخوارج هم العدو فاحذروهم ج 3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد

ذكرت في المقالين السابقين خطورة فكر الخوارج على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم بصفاتهم وحذر منهم.

ولكن الكلام النظري الكل يسلم به، فإذا وصلنا للتطبيق وتنزيل الأحكام على الواقع خالف في ذلك الكثير من الناس، إما بسبب جهل بالحال والواقع، أو تحزب يعمي ويصم عن قبول الحق، وإما بعدم اقتناع.

وفي هذا المقال والذي يليه بإذن الله سأتطرق لسؤال مهم جدا يسهل للمسلم معرفة أسس الفكر الخارجي وأتباعه.

فالنبي صلى الله عليه وسلم وورثته من العلماء لما بينوا صفات الخوارج لم يذكروها عبثا، بل لأجل الحذر منهم، فمن انطبقت عليه هذه الصفات فهو حامل لفكر الخوارج وإن لم يقر ويعترف بهذا الفكر.

وعلى مر الأزمان لن تجد واحدا ممن يحمل هذا الفكر يسمي نفسه خارجيا، بل يدعي الجهاد والتدين، والرغبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله، كما هو حال الخوارج زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رفعوا شعار " لا حكم إلا لله" فقال رضي الله عنه " كلمة حق أريد بها باطل" ، وهم باتفاق الصحابة ومن بعدهم خوارج .

وهنا سؤال لا بد منه : من هو الخارجي ؟ 

وأضيف سؤالا آخر مقارنا لهذا السؤال وهو : هل تنطبق صفات الخوارج على بعض الجماعات في وقتنا المعاصر ؟ 

للإجابة على هذا السؤال سأذكر أهم ملامح وأسس هذا الفكر، ثم أقارن بين أفعال وأقوال خوارج الماضي مع أفعال وأقوال خوارج اليوم، ليعلم القارئ حقيقة كثير من الرموز والجماعات على الساحة الإسلامية التي تنادي بالحاكمية وتطبيق الشرع وهم من أبعد الناس عنه . 

أقول : 

أولا :  كل من خرج على الإمام برا كان أو جائرا فهو خارجي .

قال ابن المبارك رحمه الله في سياق ذكره لعقيدة أهل السنة : " ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره " ( مقالات الإسلاميين للأشعري ص87 ) 

وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ في كتابه الشريعة: فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى اجْتِهَادَ خَارِجِيٍّ قَدْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ عَدْلًا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ جَائِرًا، فَخَرَجَ وَجَمَعَ جَمَاعَةً وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَاسْتَحَلَّ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَغْتَرَّ بِقِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وَلَا بِطُولِ قِيَامِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا بِدَوَامِ صِيَامِهِ، وَلَا بِحُسْنِ أَلْفَاظِهِ فِي الْعِلْمِ إِذَا كَانَ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ " 

وقال ابن تيمية في منهاج السنة (4/ 321) : لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرا، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا، وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف " 

وقال صاحب كتاب الفرق بين الفرق ص: 55 : " أَن الذى يجمع الْخَوَارِج على افْتِرَاق مذاهبها ....وُجُوب الْخُرُوج على الإِمَام الجائر " 

ومنهم من يُزينُ الخروج على الحاكم ولا يباشر ذلك ويُسمّون بقعدة الخوارج ، قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري ص459"والقعدية الذين يزينون الخروج على السلطان ولا يباشرون ذلك"

فنخرج من هذا النقول بأن من صفات الخارجي الخروج على السلاطين والحكام، فكل من حمل هذا الفكر أو دعا إليه أو سعى إلى تحقيقه فهو خارجي.

ونصوص العلماء في تقرير هذا الأمر مشتهرة .  

هل يوجد في عصرنا من يدعو للخروج على الأئمة والحكام ؟
الجواب نعم .

حامل راية هذا الفكر في زماننا ومنظر أسسه سيد قطب، ومن أقواله في ذلك ما ذكره في تفسيره بقوله : " لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها " 

وهذا هو منهج تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، الذين يكفرون جميع حكام الدول الإسلامية ويدعون للخروج عليهم.

وهنا لا بد أن أذكر للقارئ منهج الإسلام في التعامل مع الحاكم الجائر . 

لنتأمل هذه الأحاديث النبوية الصحيحة : 
1 – قال صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » رواه البخاري 

قال القسطلاني في إرشاد الساري : وفي هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم ..“ 

2 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ قَالَ « تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ » رواه مسلم 

قال النووي في شرحه على مسلم : " فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع بل يتضرع إلى الله في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه "

3 – قال صلى الله عليه وسلم : يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ »  رواه مسلم 

4 -عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ».

وهذه الأحاديث فيها دلالة على منهج الإسلام في التعامل مع الحاكم الجائر والظالم، إذ وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بصفات منها :

أ – ظرب الظهور وأخذ الأموال 
ب – الكره واللعن المتبادل بين الراعي والرعية لدرجة الدعاء على بعضهم البعض.
ج – فعل المنكرات التي يكرهها الرعية

ولكن بم وجه النبي صلى الله عليه وسلم الرعية للتعامل مع هذا الصنف من الحكام؟

أ – الصبر ولزوم الجماعة وعدم الخروج على الإمام، فقال :" فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ ، إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " 
ب – السمع والطاعة للإمام مع دعاء الله واللجوء إليه فقال : " تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِى عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِى لَكُمْ " 
ج – الإنكار بالقلب وذلك بكره أعمالهم وعدم ترك طاعتهم في المعروف ما كانوا مقيمين للصلاة فقال : قال صلى الله عليه وسلم « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » ، وقد سأله الصحابة فقالوا:" أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ " 

في الحلقة القادمة سأذكر صفة أخرى يشترك فيها الخوارج مع النظر في تطبيقها على بعض الجماعات المعاصرة المشاركة لهم في هذه الصفة.

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه

السبت، 18 يوليو 2015

الخوارج هم العدو فاحذروهم ج 2 ( ذكر صفاتهم الواردة في السنة )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
     خطر الخوارج على الدين والدنيا عظيم جدا، إذ أفسدوا فيهما غاية الإفساد، فلم يطبقوا الدين الصحيح المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقيموا دنيا تعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، بل ينطبق عليهم قول الله تعالى : " وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة :205).

ولأجل ذلك حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين صفاتهم في أحاديث كثيرة جدا، وحذر منهم الصحابة والتابعون والأئمة الأعلام .

ومن صفاتهم التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم -واذكرها لكم مجموعة من الأحاديث النبوية الصحيحة - :
 قوله صلى الله عليه وسلم: يَخْرُجُ فِيكُمْ وفي رواية (يَأْتِى فِى آخِرِ الزَّمَانِ) قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ  وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يَنْظُرُ فِى النَّصْلِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَنْظُرُ فِى الْقِدْحِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَنْظُرُ فِى الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَتَمَارَى فِى الْفُوقِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ"

روى ألفاظ هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهم من أصحاب السنن.

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث :" كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ

 الرمية هي الطريدة من الصيد، فشَبَّهَ مُرُوقَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَمِنْ شِدَّةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِ لِقُوَّةِ الرَّامِي لَا يَعْلَقُ مِنْ جَسَدِ الصَّيْدِ بِشَيْءٍ ، ذكره ابن حجر وغيره في شرح الحديث .

فقد ذكر النبي صلى الله على الله عليه وسلم في وصفهم جملة من الصفات :

أولا : غلوهم في العبادة ، إذ قال " تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ " 
وابن عباس رضي الله عنه لما ذهب لمناظرة الخوارج الذي خرجوا على علي رضي الله عنه قال في وصفهم : "وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرَ قَوْمًا قط أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُم , مُسَهَّمَةً وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ , كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَرُكَبَهُمْ ثَفِنٌ , عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ " 

ولأجل هذه الصفة يغتر بهم الناس ويفتنون، ولذلك قال الإمام اللآجري محمد بن الحسين (360هـ) في كتابه الشريعة  : لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم .." 

ثانيا : صغار السن ضعفاء العقول ، لا حكمة لديهم ولم تربهم الحياة، فقال: " قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ " 

وهذا الوصف ظاهر مشاهد قديما وحديثا، فأغلب من ينتسب إليهم من الأغمار صغار السن، ومما يدلك على ذلك ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وهو يصف خروج الخوارج في سنة من السنوات " فكتبوا كتابا عاما إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدا واحدة على الناس، ثم خرجوا يتسللون وحدانا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم والخطيئات " 

ثالثا: يستدلون على أعمالهم وأقوالهم بالشرع قال صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ  وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ " 
ولكنها استدلالات مبنية على قواعد غير صحيحة، بل يتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، ويحرفون النصوص وفق أهوائهم، وينقلون النصوص عن العلماء مبتورة محرفة.

رابعا :ومن أعمالهم "  يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ " 
وهذا وصف ظاهر في الخوارج قديما وحديثا، فقتالهم موجه إلى المسلمين، ولذلك قاتلوا عثمان وعلي رضي الله عنهما، وتقربوا إلى الله بسفك دمهما.

خامسا:وورد في السنة ما يدل على اعتناقهم للتكفير قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ , حَتَّى رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا  لِلْإِسْلامِ , غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ , وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ " , قَالَ حُذَيْفَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ , قَالَ: " بَلِ الرَّامِي"

والتكفير أساس من أسس الخوارج لا ينفك عنهم بحال، وهو فتنتهم العظمى التي انطلقوا منها في استحلال ديار ودماء وأعراض وأموال المسلمين . 

هذه بعض صفاتهم التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، بقي أن يقال :
هل للخوارج وجود في عصرنا ؟ 
ومن هم ؟ 

هذا هو موضوع حلقتنا القادمة بإذن الله تتعالى .

وفقنا الله جميعا لما يحيه ويرضاه .

الخوارج هم العدو فاحذروهم ج 1

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليبتليهم،  قال سبحانه "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ "

ومن صور هذا الابتلاء الافتراق الذي وقع في هذه الأمة، قال سبحانه : "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ "

 والفائدة من هذا الابتلاء التمحيص ليظهر الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، وقوي الإيمان من ضعيفه ، قال تعالى " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " 

ولم يتركنا الله دون بيان لحال الفتن وسبيل النجاة منها، بل بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم طريق النجاة بأوضح الكلمات وأقوى الأمثلة، ولكن وجدت شبهات ، هذه الشبهات ابتدعها الشيطان، وزين لشياطين الإنس اتباعها حتى زاغت قلوبهم وضلوا عن الهدي النبوي ، قال تعالى " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ،رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " 

فالله سبحانه أمر باتباع المحكم من الآيات، وأن يرد المتشابه إلى المحكم فينضبط الاستدلال، ولكن من زاغ قلبه وانحرف فكره فإنه يتبع المتشابه ويترك المحكم، ولذلك نحكم على من فعل ذلك بأنه زائغ القلب والقصد والإرادة.

وتأملوا كيف جاء دعاء ألوا الألباب مباشرة، مع اتباعهم للمحكم إلا أنهم يلجؤون إلى الله سبحانه ليعصمهم من الزيغ والضلال فقالوا : " رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " 

وهذا هو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يكثر من أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ، روى الترمذي عن شَهر بْن حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِىٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ». فَتَلاَ مُعَاذٌ (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)   

ومن جملة الابتلاء الذي أصيبت به الأمة ظهور الخوارج كلاب النار، فإنهم من أكبر الفتن التي أصيبت بها أمة الإسلام من الداخل.

وسبب كونهم فتنة أنهم يلبسون لباس الدين، وينطقون باسم الدين، وشعاراتهم من الدين، فيغتر بهم من لا بصيرة له بهم، أو من زاغ قلبه واتبع هواه.

ومن أسباب كونهم فتنة أنهم في ظهور مستمر، ولكن كلما ظهر قرن منهم قطع، حتى يخرج آخرهم مع الدجال، وإذ خرجوا في أرض أفسدوا فيها غاية الإفساد، فإن ضررهم يشمل الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها والدفاع عنها فإنهم يفسدون الدين ويقتلون الأنفس ويتلفون العقول وينتهكون الأعراض ويسلبون الأموال.

ولقد حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين صفاتهم في أحاديث كثيرة جدا، وحذر منهم الصحابة والتابعون والأئمة الأعلام .

وسأتكلم بإذن الله في الحلقات القادمة عن نقطة مهمة جدا وهي :

من هو الخارجي ؟ 

وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، ووقاكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .

الخميس، 16 يوليو 2015

خطبة عيد الفطر 1436هـ

الخطبة الأولى: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
جماعة المسلمين: من النعم العظيمة على العبد أن يوفقه الله لإدراك شهر رمضان ، إذ به تزيد حسناته، وترتفع درجاته، ويستكمل أركان دينه، عن طلحة بن عبيد الله أَنَّ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخِّرَ الآخَرُ بَعْدَ الْمَقْتُولِ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ. قَالَ طَلْحَةُ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُ الآخَرَ مِنَ الرَّجُلَيْنِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَوَّلِ، فَأَصْبَحْتُ فَحَدَّثْتُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَبَلَغْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى بَعْدَهُ سِتَّة آلَاف رَكْعَة وَكَذَا كَذَا رَكْعَة " فقد دلت هذه القصة على فضيلة إدراك رمضان، فعلينا أن نشكر المنعم بأن نحسن في عباداتنا فنؤديها كما أمرنا سبحانه وتعالى، فننال شرف العبودية وعظيم الأجر والجزاء. 

والصائم موعود بفرحتين ينالهما جزاء عبادته، قال صلى الله عليه وسلم: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " فهذا يوم الفرح والسرور بإكمال العبد لعبادة عظيمة يرجو ثوابها، وبقيت فرحة اللقاء بالرب الجليل الكريم، ليوفي العاملين أجرهم، وقد وعدهم به والله لا يخلف الميعاد. 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

أيها المسلمون : اعبدوا ربكم وأخلصوا له، فإنه حق الله عليكم أجمعين، ولذلك خلقكم، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) 

بإخلاص العبادة لله تعالى تتحقق للعباد السعادة في الدارين، أمنٌ وهدايةٌ في الدنيا وعند الموت وفي القبر ويوم الحساب والجزاء قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) 

بالتوحيد ونبذ الشرك يتحقق التمكين للعباد في البلاد، وبضده ينقلب الأمنُ خوفا، والسعادةُ شقاء، قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

وحقيقة التوحيد أن تفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة وأن لا تصرفها لمخلوق كائنا من كان، ولو كان ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فمن صرف شيئا من العبادة لهم فقد أشرك،  قال تعالى : "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "  ، وأبطل الله صرف شيء من العبادة لغيره وأخبر عن عجزهم عن جلب النفع لأنفسهم أو دفع الضر عنها فضلا عن غيرهم فقال : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " 

ومن الشرك بالله دعاءُ غير الله تعالى وسؤالُهُ جلبَ المنافع ودفع المضار، كأن يتوجه للجن كما يفعل السحرة والكهان، وقد قال تعالى : "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " ، أو يتوجه بذبحه ودعائه لقبر ولي صالح، والدعاء عبادة لا تصرف إلا لله قال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة" 

ومن صور الشرك الذهاب للسحرة والعرافين وسؤالُهم علاجَ المس والعين أو جلب منفعة موهومة أو دفع مضرة، أو لطلب التفريق بين زوجين أو عملِ ما يزيد المحبة بينهم، فكله باطل محرم. قال تعالى : "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ " وقال صلى الله عليه وسلم: -صلى الله عليه وسلم- قال « من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،  لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

أيها المسلمون : أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالاِتِّعَاظِ وَالتَّفَكُّرِ، وَالاِعْتِبَارِ وَالتَّدَبُّرِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلاَ: ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ). أَيِ: اتَّعِظُوا يَا أَصْحَابَ الْعُقُولِ وَالأَلْبَابِ. وَضَرَبَ لَنَا الأَمْثَالَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، لِتَكُونَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ، فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ:( وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). وَقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَحْدَاثِ السَّابِقِينَ، لِنَقِفَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ دُرُوسٍ وَعِظَاتٍ، وَعِبَرٍ وَآيَاتٍ.

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْريُّ: لِلْمُؤْمِنِ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ: كَلَامُهُ ذِكْرٌ، وَصَمْتُهُ تَفَكُّرٌ، وَنَظَرُهُ عِبْرَةٌ، وَعِلْمُهُ بِرٌّ " فَهَنِيئًا لِمَنْ تَفَكَّرَ وَاعْتَبَرَ، وَتَذَكَّرَ وَاتَّعَظَ.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنَ الاِعْتِبَارِ أَنْ يَتَفَكَّرَ الإِنْسَانُ فِيمَا صَدَرَ مِنْهُ فِي يَوْمِهِ وَأَمْسِهِ، فَإِنْ وَجَدَ خَيْرًا حَافَظَ عَلَيْهِ وَاسْتَزَادَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ بَادَرَ إِلَى عِلاَجِهِ وَتَصْحِيحِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ:( بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ). 

وَمِنْ وُجُوهِ الاِعْتِبَارِ أَنْ يَعْتَبِرَ الإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ، فَيَسْتَفِيدَ مِمَّا اسْتَفَادَ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَيَتَجَنَّبَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ أَوْ تَضَرَّرَ مِنْهُ، وَيَتَعَلَّمَ مِمَّا يَدُورُ حَوْلَهُ، يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
وإن الناظر في التاريخ الغابر ليرى أثر الفتن رأي عين، فالعاقل من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره.

و الفتن في أول بروزها وبدوِّ ظهورها تشتبه على كثير من الناس، فيرى القبيح حسنا، والباطل حقا،  عن أي موسى الأشعري رضي الله عنه : «إنَّ الفتنة إذا أقبلت شبَّهت، وإذا أدبرت تبيَّنت» وقد بوب البخاري في صحيحه بابا فقال : بَاب الْفِتْنَة الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ 
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً                 تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا       وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ                مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ 

والفتنة إذا وقعت أصابت بشررها كل أحد  إلا من عصمه الله قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " فإذا اشتدت عجز أهل العلم والعقل عن إيقافها قال ابن تيمية : والفتنة إذا وقعت عَجَزَ العقلاءُ فيها عن دفع السُّفهاء "

وأما أهم أسباب تجنب الفتن فأولها ملازمة تقوى الله عز وخل في جميع الأحوال، وثانيها لزوم الكتاب والسنة والاعتصام بهما ؛ فإن من  اعتصم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هُدي إلى صراط مستقيم وسلِم من كل بلية وشر، وإلى هذا أرشد رسولنا عليه الصلاة والسلام قال (( فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) وثالث الأسباب المنجية من الفتن البعد عن التسرع والعجلة والاندفاع ، فعواقب العجلة وخيمة ونهاياتها أليمة ، والحليم المتأني يظفر بمقصوده بإذن الله ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " إنها ستكون أمور مشتبهات فعليكم بالتُؤدة - أي عدم العجلة والتسرع - فإنك أن تكون تابعاً في الخير، خيرٌ من أن تكون رأساً في الشر"  
ورابع الأسباب المنجية من الفتن الرجوع إلى العلماء الراسخين والأئمة المحققين أهل العلم والأناة والحكمة والبصيرة بدين الله والفقه في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، خصوصا الأكابر فلا يزال الناس بخير ما أخذوا عن العلماء الأكابر ، قال صلى الله عليه وسلم: (( الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ )) ، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لا يزال الناس بخير ما أخذوا عن أكابرهم ، وإذا أخذوا عن الأصاغر هلكوا " . قال الله تعالى: " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا "

وخامس الأسباب المنجية من الفتن لزوم الجماعة والبعد عن الفرقة ؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة شر وعذاب ، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (( الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ )) ، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث متكاثرة ونصوصٌ متضافرة في الحث على لزوم الجماعة.

وسادس الأسباب المنجية من الفتن  عبادة الله تبارك وتعالى ، والإقبال على طاعته ، وعدم التصدر للفتن والبروز لها ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ)) مع حسن الصلة بالله والإقبال على دعائه وسؤاله سبحانه ؛ فإن الدعاء - عباد الله - مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة ، وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة: ((تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )) فقال الصحابة رضي الله عنه : (( نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ))
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد


  الخطبة الثانية : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:  لقد كنتم في شهر الصيام في عبادة وإقبال على الله –سبحانه وتعالى- تصومون نهاره، وتقومون ليله، تقرؤون كتاب الله وتتدبرون آياته، تتصدقون بالمال والطعام، فداوموا على ما كنتم عليه من الخير.  

ومما سنّه رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-، ورغّبَ فيه بعد رمضان صيامُ سِتٍّ مِن شوال. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ "

وسارعوا إلى إصلاح ذات البين فإن العيد أعظم مناسبة لذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة"

يا معاشر النساء : اسعينَ –رحمكنَّ الله – إلى فكاك أنفسكُنُّ من النار، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ "  ، وروى أحمد في المسند قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ الْفُسَّاقُ ؟ قَالَ النِّسَاءُ. قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ " 

والسبيل إلى الخلاص من النار هو أن تأَدينَ حقَّ الله عليكُنَّ بأداءِ ما فرضه الله، وانتهينَ عما نهاكُنَّ عنه تَكنَّ من أهل الفوز والسعادة قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) . 

أختي المسلمة : اعلمي أن سبب نهضة الأمة هو قرارك في مملكتك وهو بيتك، والتزامك بحجابك وحشمتِك، فإن فعلت ذلك فقد صُنتِ المجتمع من فتنة عمياء صماء مهلكة، قال عليه الصلاة والسلام: ألا فاتَّقوا الدُّنيا، واتَّقوا النساءَ، فإنَّ أولَ فتنةِ بَني إسرائيلَ كانتْ في النساءِ " 
وإياك والتبرج فإنه سبب للعذاب قال صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وأنت أيها المسلم، يا من جعلك الله وليا على هذه المرأة، أبا كنت أو زوجا أو أخا، فإنك مأمور بوقاية نسائك ومن هم تحت ولايتك من النار بتأديبهم وتعليمهم أمور الدين وحملهم عليها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، ثم ستحاسب على ذلك بين يدي الله قال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" 

معاشر الرجال : استوصوا بالنساء خيرا فهذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لنا نحن الرجال فقال ( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله) فأدوا إليهن حقهن ، واصبروا عليهن قال تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} ، ومن كان ذا زوجتين فليعدل بينهن قال صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط" 

جماعة المسلمين: من سنن العيد أن من جاء من طريق رجع من طريق آخر، ولم يكن من هديه في العيد زيارة القبور فإن العيد يوم سرور فلا تدخلوا الحزن على أنفسكم، ومن فاتته صلاة العيد قضاها كما يصلي في المصلى ، ومن السنن أيضا التي تركها الناس في الأعياد خاصة المصافحة أثناء السلام فالسنة هي المصافحة باليد ، واحذروا من مصافحة النساء فإن هذا مما انتشر وعم بين الناس . وهو محرم .