الجمعة، 25 سبتمبر 2015

خطبة جمعة: فضل طلب العلم والقراءة

الخطبة الأولى : اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله سبحانه مدح العلم وأهله وحث عباده على طلبه والتزود منه، فالعلم من أفضل الأعمال الصالحة، ولأجل ذلك جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد منه فقال تعالى : "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" قال ابن القيم " وكفى بهذا شرفا للعلم أن أمر نبيه أن يسأله المزيد منه" ، وجعل الله الرفعة لطالب العلم في الدارين فقال سبحانه : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " وهذه الرفعة في الدنيا بسمو المنزلة وعلو الشأن بين الناس ورفعة الآخرة في درجات الجنة، وروى أحمد ومسلم أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أَبْزَى. فقَالَ: وَمَا ابْنُ أَبْزَى؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ مَوَالِينَا – وهو العبد المعتق-. فَقَالَ عُمَرُ: اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى! – مستنكرا- فَقَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ قَاضٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: " إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ " ، ومما ورد من الأخبار في رفعة العالم على غيره في الدنيا ما ذُكر في كتاب وفيات العيان أنه قدم هارون الرشيد الرقّة، فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطّعت النعال وارتفعت الغبرة، فأشرفت أمّ ولد أمير المؤمنين من برجها، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟! قالوا: عالم أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك ، فقالت: هذا والله الملك،لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان" . 

وهذا العلم – إخواني في الله- لا يتحصل إلا بطلبه وتعلمه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ " ففي طلب العلم شرف كبير وأجر عظيم قال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ" ، وهذا نبي الله موسى عليه السلام لم يمنعه مقامه في النبوة والرسالة من طلب العلم ، ففي الصحيحين قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إذ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ " قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ ... " فرحل إليه ولما لقيه قال له في أدب : " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا "  ، قال ابن عباس رضي الله عنها: لو كان أحد يكتفي من العلم لاكتفى منه موسى عليه السلام لما قال : " هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا " 

ومن طرق طلب العلم وتحصيله القراءة من الكتب، فالقراءةَ هيَ الطريقُ الموصلةُ إلَى اكتسابِ العُلُومِ، والتزوُّدِ مِنَ المعارفِ، وقَدْ حازَتْ فِي الإسلامِ منازلَ الشرَفِ العظيمةَ، ونَالَتْ مَراتِبَ الفضْلِ الجليلةَ، فكانَ الأمْرُ بالقراءةِ هوَ البدايةُ لرسالةِ الإسلامِ، والكلمةُ الأُولَى التِي نزَلَ بِهَا القرآنُ الكريمُ، قالَ تعالَى : "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ،خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ،عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"

وأعظم أنواع القراءة النافعة تلاوةُ آيات القرآن وتدبُّرُها؛ فإذَا قرأَ المسلمُ القرآنَ الكريمَ مُخْلِصاً في ذلك لله تعالى، حظِيَ بالثوابِ العظيمِ، وارتقَتْ منزلتُهُ فِي جناتِ النعيمِ، قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا). وقد أنثى الله عز وجل في كتابه على من يتلو كتاب الله عز وجل ووعدهم بالأجر العظيم فقال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " 

والمسلم لا يمل ولا يشبع من تلاوة كتاب ربه سبحانه، لأنه يهديه للتي هي أقوم، وبه حياة قلبه، ونجاته في الدارين، قال ابن القيم: فالقلب الطاهر لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن ولا يتغذى إلا بحقائقه ولا يتداوى إلا بأدويته بخلاف القلب الذي لم يطهره الله تعالى فإنه يتغذى من الأغذية الفاسدة التي تناسبه بحسب ما فيه من النجاسة ) 

وأفضل التلاوة ما رافقها تدبر وتفكر في المعاني، قال تعالى : "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ، قال ابن القيم في بيان فضيلة القراءة بتدبر: "فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر... فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ...، فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب"

ومما يعين على التدبر للمعاني قراءة كتب تفسير القرآن، فهي تكشف المعاني، وتجلي المقاصد الربانية، في آياته ومعانيه، وتطلع القارئ على فوائد القصص القرآنية، فأقبلوا على قراءة كتاب ربكم، وتعلموا معانيه، تكونوا من أهل الخير والفلاح في الدارين. 


الخطبة الثانية : ومما يعتني المسلم بقراءته ما ثبتَ من أحاديثِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم  ، وينظر في شروح كتب الحديث وبيان الأحكام التي تستفاد منه . 

ومما يعتني المسلم بقراءته كتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسِيَرِ الصحابةِ والعلماءِ والصالحينَ وأقوالِهِم، لِمَا فيهَا مِنَ الدروسِ والعِبَرِ، قِيلَ لابنِ المبارَكِ: يَا أبَا عبدِ الرحمنِ، لَوْ خرجْتَ فجلسْتَ معَ أصحابِكَ، قالَ: إنِّي إذَا كُنتُ فِي المنْزِلِ جالسْتُ أصحابَ رسولِ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. يعنِي قراءةَ الكُتبِ التي تتضمَّنُ سِيَرَهُم وأقوالَهم.

وإننا اليوم نعاني من ابتعاد المسلمين عامة، والمثقفين خاصة عن تعلم وقراءة سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وسيرة الصحابة من بعده، وهذا من العيب والجهل الذي لا يعذر صاحبه، إذ كيف يجهلون سيرة من جعلهم الله سببا لخروجهم من الظلال إلى الهدى ومن الظلام إلى النور.

وقد أدرك سلفنا رحمهم الله أهمية العلم، فشمَّرُوا عَنْ ساعدِ الجدِّ في تحصيلِ العلومِ النافعةِ قراءةً وكتابةً، ومن سيرهم في ذلك  ما ذكر عن الحافظ الخطيبُ البغداديُّ -رحمه الله- أنه كان يمشي وفي يدِهِ جُزْءٌ يُطالِعُه، وكان العلاَّمةُ النَّحْويُّ أبو بكرٍ محمَّدُ بن أحمدَ الخيّاطُ -رحمه الله- يَقرأُ جميعَ أوقاتِهِ، حتى في الطَّريق، وكان ربَّما سقَط في حُفْرَةٍ أو خَبَطَتْهُ دابَّة!، وكان ابنُ الجوزيِّ -رحمه الله- لا يُضِيِّعُ من زمانه شيئًا، قال رحمه الله: ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب" ، وهذا الإمامُ ابنُ القيِّم -رحمه الله- ألَّفَ كتابَهُ المشهورَ: "زادَ المعاد في هديِ خيرِ العباد" وهو على سَفَر، ومعلومٌ لنا جميعاً: تلك المشقّةُ التي كان الأوَّلونَ يعانون منها في أسفارهم.

وكانوا يفرحونَ باقتناءِ الكتبِ ومطالعَتِها، يقول الحافظُ ابنُ الجوزيِّ: وإنِّي أُخْبِرُ عن حالي: ما أشبعُ من مطالعةِ الكُتُب، وإذا رأيتُ كتابًا لم أَرَهُ، فكأنِّي وقعتُ على كَنْزٍ.

فانظُرُوا كيفَ أثْمَرَتْ قراءتُهُمْ علماً نافعاً، وجُهداً رائعاً، سجَّلُوهُ فِي كُتُبِهِمْ ومصنفاتِهِمْ ومُؤلفاتِهِمْ.

أيهَا المؤمنونَ: لقد اشتغل بعض المثقفين بالقراءة، ولكنها في الحقيقة لا تسمن ولا تغني شيئا، إما قراءة الصحف والمجلات أو الروايات والقصص المترجمة، أو متابعة ما يكتب في المنتديات وشبكات التواصل الاجتماعي وغير ذلك ، وهذا قد تحصل منه فائدة ولكنها ليست هي المرجوة، بل لا بد أن تكون قراءتك انتقائية فتنتقي ما تقرؤه كما تنتقي طيب الطعام. 

عباد الله : لأجل أهمية القراءة أَطَلَقَ صَاحِبُ السُّمُوِّ الشَّيْخُ محمد بن راشد آل مكتوم، نَائِبُ رَئِيسِ الدَّوْلَةِ رَئِيسُ مَجْلِسِ الوزراءِ حَاكِمُ دبي أَكْبَرَ مَشْرُوعٍ عَرَبِيٍّ لِتَشْجِيعِ الْقِرَاءَةِ لَدَى الطُّلاَّبِ فِي الْعَالَمِ الْعَرَبِيِّ بِعُنْوَانِ "تَحَدِّي الْقِرَاءَةِ الْعَرَبِي" يَهْدِفُ إِلَى إِبْرَازِ جِيلٍ مُتَفَوِّقٍ فِي مَجَالِ الاِطِّلاَعِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نَغْرِسَ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا وَطُلاَّبِنَا الرَّغْبَةَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْمُطَالَعَةِ، فَفِي ذَلِكَ غَرْسٌ لأُسُسِ التَّقَدُّمِ وَالتَّفَوُّقِ الْعِلْمِيِّ وَالْحَضَارِيِّ لِبُلْدَانِنَا، وَبِنَاءُ أَجْيَالٍ مُحِبَّةٍ لِلْقِرَاءَةِ، شَغُوفَةٍ بِالْبَحْثِ وَالاِطَّلاَعِ

فاجتهدُوا عبادَ اللهِ فِي الإقبالِ علَى قراءةِ كُلِّ علمٍ مُفيدٍ، وشجِّعُوا أبناءَكُمْ علَى مُطالعةِ كُلِّ نافعٍ وجديدٍ، وتخصيصِ ساعاتٍ يوميةٍ، وأوقاتٍ أسبوعيةٍ للقراءةِ.

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

خطبة عيد الأضحى 1436 هـ

الخطبة الأولى: معاشر المسلمين: قال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ) فأعظم أيام الدنيا عند الله يوم عيد الأضحى- يوم النحر- ويوم القر، هو أول أيام التشريق حيث يقر الحجيج في منى بعد أدائهم لأعمال اليوم العاشر من الرمي والذبح والحلق والطواف والسعي.

ففي يوم النحر تجتمع عبادتان من أجلِّ العبادات وهي عبادة الصلاة وعبادة النحر، وقد جمعهما الله سبحانه في آية واحدة فقال :"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" فالصلاة صلاة العيد والنحر نحر الأضاحي.

والحكمة من مشروعية ذبح الأضاحي هو إقامة ذكر الله وتحقيق التقوى بامتثال الأمر قال تعالى "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ " 

وذبح الأضاحي أفضل من التصدق بثمنها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده فعَنْ أَنَسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا.أي وضع رجله على أعناقها لئلا تضطرب الأضحية. 

وأفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الغنم، وأفضلها أسمنها وأغلاها ثمنا، فعن سَهْل بْن حنيف قال : كُنَّا نُسَمِّنُ الأضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ .
ويُتقى من الأضاحي العوراء البين عورها والعمياء من باب أولى، والعرجاء البين عرجها والذي يمنعها من اللحاق بالسليمة من الماشية، ومن باب أولى التي لا تمشي، والمريضة البين مرضها ، والعجفاء الهزيلة التي لا لحم فيها. قال صلى الله عليه وسلم :لَا يَجُوزُ مِنْ الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي" 

ويشترط في المُضحى به من بهيمة الأنعام بلوغ السن المعتبرة شرعا، فالإبل ما أتمت خمسا ودخلت في السادسة، والبقر ما أتمت سنتان ودخلت في الثالثة، والمعز وما أتمت سنة ودخلت في الثانية.

وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، فعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته ، فيأكلون ويطعمون" وإذا كانت العائلة كثيرة وهي في بيت واحد فيجزئ عنهم أضحية واحدة ، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل .وتجزئ الإبل والبقر عن سبعة.

والسنة أن يذبح المضحي  بنفسه، أو يوكل غيره، فإذا أراد الذبح سمى وكبر، ثم يأكل منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا" .

أيها المسلمون: اعلموا رحمكم الله أن أعظم ما اعتنى به المعتنون، واهتم به العقلاء المدركون الاهتمام بالعقيدة والتوحيد، إذ بهما تحقيق السعادة في الدارين، والنجاة من الخسران المبين، بعث الله الأنبياء والمرسلين لتقرير الاعتقاد الصحيح بين الناس قال تعالى :" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" 

وحقيقة التوحيد أن تفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة وأن لا تصرفها لمخلوق كائنا من كان، ولو كان ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فمن صرف شيئا من العبادة لهم فقد أشرك،  قال تعالى : "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "  ، وأبطل الله صرف شيء من العبادة لغيره وأخبر عن عجزهم عن جلب النفع لأنفسهم أو دفع الضر عنها فضلا عن غيرهم فقال : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ " 


أيها المسلمون: عليكم بإتباع سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ففيها النجاة لمن أراد السعادة في الدارين، وفيها الخلاص من الفتن والاختلاف، قال صلى الله عليه وسلم مبينا ما سيحصل في هذه الأمة من الاختلاف والتفرق ، فقال عليه الصلاة والسلام: مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا" ثم ذكر الدواء فقال :  فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا " فالنجاة في الإتباع الحقيقي لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنة السلف الصالح من الصحابة والتابعين . 

عباد الله: من مقاصد الجهاد الشرعي في الإسلام تحقيق الاستقرار والسلام، وَالدَعَوة لِلْخَيْرِ وَالْوِئَامِ، لأجل إقامة الدين لله، فيعبد الناس ربهم كما أمرهم، قال تعالى : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"

ومن مقاصد الجهاد كذلك رد اعتداء المعتدين، والدفاع عن المستضعفين ونصرتهم، قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"

وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ الْمُعْتَدِي، لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:« تَحْجُزهُ أو تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». 

والجهاد له شروط منها أن يكون تحت راية الحاكم، فهو الذي يدعو إليه، ويأمر به، فَطَاعَتُهُ آنذاك وَاجِبة مؤكدة، وليس لأفراد الناس أو قادة الجماعات أن يجاهدوا دون إذنه ومشورته، ومتى ما وقع ذلك حصلت الفوضى واختل الأمن كما هو واقع ومشاهد، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». 

عباد الله : وإن ما يفعله جنودنا البواسل من قتال المعتدين الظالمين، لمن الجهاد في سبيل الله، فرايته شرعية لأنهم خرجوا بأمر ولي أمرهم، وغرضهم شرعي، وهو الدفاع عن المستضعفين ومنع الظالم من الظلم والأخذ على يده، وإنا لنرجو لمن قتل في تلكم المعارك أن يكون من الشهداء.

وما وقع من القتل فيهم من قبل الأعداء فهو أمر معروف في الحرب ومتوقع، فإما أن تقتل عدوك أو يقتلك فتفوز بالشهادة، وليس بخاف عليكم ما حصل للمسلمين يوم أحد، لما نزل الرماة عن الجبل والتف جيش المشركين على المسلمين في مناورة أدت إلى استشهاد سبعين صحابيا، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم، وانقلب الفوز إلى خسارة، ولكن الله سبحانه وتعالى سلاهم وخفف عنهم وعمن بعدهم فقال : "إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ "

أيها المسلمون : من أسباب تحقيق السعادة للعبد تجنب الفتن والخوض فيها قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ "، فالفتن عواقبها وخيمة، ففي أول بروزها وبدوِّ ظهورها تشتبه على كثير من الناس، فيرون القبيح حسنا، والباطل حقا،  عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : «إنَّ الفتنة إذا أقبلت شبَّهت، وإذا أدبرت تبيَّنت» .

والفتنة إذا وقعت أصابت بشررها كل أحد  إلا من عصمه الله قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " فإذا اشتدت عجز أهل العلم والعقل عن إيقافها ، وخطر الفتن على الدين عظيم جدا ،فعن مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير قال : «إنَّ الفتنة لا تجيء حين تجيء لتهدي النَّاس ، ولكن لتُقارعَ المؤمنَ على دينه»

ومن خطورة الفتن أن من استشرفها ووقع فيها فإنه يعتقد أنه على سبيل نجاة، وطريق هداية، بينما هو في ارتكاس وانتكاس، كما قال تعالى "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" فيقدم المفتون على عظائم الأمور، وكبائر الموبقات متقربا لله بزعمه بها.

وإلا فبأي عقل ودين تكفر أمة الإسلام قاطبة من قبل خوارج العصر كالقاعدة وداعش، ولا ينسب للإسلام إلا من دان بالولاء لتنظيمهم وخلافتهم المزعزمة، بل أصبحنا نسمع لفظ التكفير من صغارٍ مراهقين لا يزالون في أحضان والديهم، وبجرأة مقيته.

ألا يعلم هؤلاء المفتونون أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من تكفير المسلم الواحد، فقال: أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ " فكيف بمن كفر أمته وولي أمره بل تطاول الأمر إلى أن كفر والديه.

بأي شرع ودين يفاخر الواحد منهم بقتل أبيه وقرابته متقربا إلى الله بذلك، ألم يعلم هؤلاء ما حذرهم منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ , وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ فقيل وَمَا الْهَرْجُ؟ , قَالَ: " الْقَتْلُ إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ , وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا , حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ , وَيَقْتُلَ أَخَاهُ وَأَبَاهُ  وَيَقْتُلَ عَمَّهُ , وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ , وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا , تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ , وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ  مِنْ النَّاسِ , لَا عُقُولَ لَهُمْ يَحْسَبَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ , وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ"

بأي شرع دين يلبس أحدهم حزاما ناسفا ويدخل على جماعة يصلون ثم يقتل نفسه منتحرا ليقتل هؤلاء القوم وهم سجود وفي شهر رمضان وفي يوم جمعة .
يقتل نفسه منتحرا ويرجو الجنة وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم من وراء ذلك، وقد قال الله تعالى : "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" ألا يعلم هذا المفتون أن أهل العلم من أهل السنة والجماعة قاطبة على تحريم هذه العمليات الانتحارية.

للأسف استطاع جهلة الخوارج  ممن زاغت قلوبهم أن يمسخوا عقول هؤلاء الأغمار حتى أصبحوا منقادين لهم انقياد الأعمى لمن يقوده، وكأني بهذه الآية تنطبق عليهم إذ يقول الله تعالى : "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ، أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"

ألم تفكر يا أيها الشاب الذي قيل له أن أسهل طريق لدخول الجنة هو ما يسمونه بالعمليات الاستشهادية، لماذا لا يبادر قادة التنظيم بهذه العمليات، ألا يريدون الجنة ، أم أنهم قد استغنوا عنها.

يا معاشر المسلمين : أن أكبر فتنة روج لها الخوارج هي فتنة التكفير إذ بنوا عليها بقية الأحكام ، قال ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن الخوارج :" يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها، وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله؛ فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق" 

بالله عليكم يا معاشر العقلاء ألا ينطبق هذا قول ابن تيمية ووصفه على خوارج اليوم من القاعدة وما يسمى بداعش، لقد وافق الوصف الواقع حذو القذة بالقذة.

فكفرت الخوارج في زماننا جميع حكام المسلمين وجنودهم ومن رضي بالعيش تحت ولايتهم، ثم اعتبروا بلادهم أرض كفر توجب الجهاد، حتى قال أحدهم :" إن كفر هذه الحكومات سواء كان كفرا أصليا أم كفر ردة فهو شر من كفر اليهود والنصارى " 

نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ...
فاللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.

الخطبة الثانية : 

أيها المسلمون : من الوصايا النبوية في حجة الوداع قوله صلى لله الله عليه وسلم: " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ "
وفي هذا التوجيه وصية للرجال بالنساء ، بأن يتقوا الله تعالى فيهن ، فيؤدون حقوقهن التي أوجب الله عليهم، وفيه توجيه للنساء أيضا بحفظ بيتها وزوجها وأن تؤدي ما أوجبه الله عليها من حق له ، وفي تحقيق ذلك استقرار الأسر وحماية المجتمعات  .

يا معاشر النساء : اسعينَ –رحمكنَّ الله – إلى فكاك أنفسكُنُّ من النار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " وَنَظَرْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ " وقال -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ "  ، وروى أحمد في المسند قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ الْفُسَّاقُ ؟ قَالَ النِّسَاءُ. قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ "

والسبيل إلى الخلاص من النار هو أن تأَدينَ حقَّ الله عليكُنَّ بأداءِ ما فرضه الله، وانتهينَ عما نهاكُنَّ عنه تَكنَّ من أهل الفوز والسعادة قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .

أختي المسلمة : اعلمي أن سبب نهضة الأمة هو قرارك في مملكتك وهو بيتك، والتزامك بحجابك وحشمتك، فإن فعلت ذلك فقد صُنتِ المجتمع من فتنة عمياء صماء مهلكة، قال عليه الصلاة والسلام: ألا فاتَّقوا الدُّنيا، واتَّقوا النساءَ، فإنَّ أولَ فتنةِ بَني إسرائيلَ كانتْ في النساءِ "

وإياك والتبرج فإنه سبب للعذاب قال صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

ولتؤدي المرأة حق زوجها عليها فإنه من أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى قال صلى الله عليه وسلم:وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقَّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَم ْتَمْنَعهُ " ، وفي رواية  : ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها.."

 واصبري على زوجك فإنه من نعم الله عليك ، ولا تكثري من طلب الطلاق لأتفه الأسباب فإنه من كبائر الذنوب والموبقات قال صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ "

  وأنت أيها المسلم، يا من جعلك الله وليا على هذه المرأة، أبا كنت أو زوجا أو أخا، فإنك مأمور بوقاية نسائك ومن هم تحت ولايتك من النار بتأديبهم وتعليمهم أمور الدين وحملهم عليها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، ثم ستحاسب على ذلك بين يدي الله قال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"

الخميس، 17 سبتمبر 2015

خطبة الجمعة : فضائل العشر الأولى من ذي الحجة وأحكام الأضحية

الخطبة الأولى : عبادَ الله:  اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الخلق لغاية عظيمة، وهي توحيد الله وعبادته قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) فما خلقهم عبثا ولا هملا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) ، بل جعل للعباد أجلا يرجعون فيه إلى الله فيحاسبهم على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال تعالى : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " 

وإن من أعظم الخسارة أن يعيش العبد في هذه الدنيا لاهيا عما خلق له، ناسيا ربه، منكبا على متاع الدنيا وزينتها، فيغره الشيطان بطول الحياة، وينسيه الانتقال من هذه الدار إلى دار الحساب والجزاء، قال سبحانه محذرا من ترك العبادة والانشغال بمتاع الدنيا :  (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)

جماعة المسلمين: تطلّ على الأمّة الإسلاميّة مواسمُ عظيمة، هي للمؤمنين مغنَمٌ لاكتساب الخَيرات ورفعِ الدّرجات، وفُرصة لتحصيل الحسناتِ والحَطّ من السيِّئات. إنّها أيّام العشرِ من ذي الحجّة، هي أعظمُ الأيّام عند الله فضلاً وأكثرها أجرًا، روى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء)) .

قال ابن حجر رحمه الله: (والذي يظهَر أنّ السببَ في امتياز عشر ذي الحجة بهذه الامتيازاتِ لِمَكان اجتماع أمّهات العبادة فيها، وهي الصّلاة والصّيام والصّدقة والحجّ وغيرها، ولا يتأتّى ذلك في غيرها" انتهى

فعلى المسلم أن يبادر إلى الأعمال الصالحات في هذه الأيام من زيادة في النوافل وقراءة القرآن وذكر الله وكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والإعمال الظاهرة والباطنة ، وإن أفضل ما تقرب به العبد من الأعمال فرائض الله قال الله تعالى :"  وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ " 

وإن مما يشرع فعله في هذه الأيّام الصيام ،  روى أبو داود عن بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنّه صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعَ ذي الحجة " 
وآكد الأيام صياما في هذه العشر يوم عرفة، فإنه يوم مشهود معظم عند أهل السماء والأرض، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامه فقال : "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ .

معاشرَ المسلمين، ومن العبادات في هذه العشر الإكثار من التكبير، قَالَ تَعَالَى:( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) قال البخاريّ في صحيحه: (كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السّوق في أيّام العشر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما" 

والتكبيرُ  مطلقٌ ومقيّد، فالمطلق يكونُ في جميع الأوقات في الليل والنهار من مدّة العشر، والمقيّد هو الذي يكون في أدبارِ الصّلواتِ ، مِن صُبح يومِ عرفة إلى عصرِ آخر أيّام التشريق. 

ومن العبادات في هذه الأيام الدعاء وخصوصا يوم عرفة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

فاغتنِموا ـ رحمكم الله ـ هذه الأيامَ بالاجتهاد في العبادةِ بشتّى أنواعها والأعمال الصالحة بمختلف صوَرِها، فنبيُّكم صلى الله عليه وسلم  يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآياتِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : من أنواع العبادات التي تؤدى في هذه الأيام المباركة عبادة النحر وهي الأضحية ، والأضحية كما قال أهل العلم من أفضل العبادات المالية ولهذا جمع الله بينها وبين الصلاة التي هي أجل العبادات البدنية في آية واحدة فقال تعالى " {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) سورة الكوثر 
والأضحية مشروعة عن الأحياء وليس عن الأموات ، ومن الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء فيتركون ما جاءت به السنة ويحرمون أنفسهم فضيلة الأضحية وهذا من الجهل 
وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته ممن تلزمه نفقتهم، فعن أبي أيوب قال ( كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون "  ، و إذا كانت العائلة كثيرة وهي في بيت واحد فيجزئ عنهم أضحية واحدة ، وإن ضحوا بأكثر من واحدة فهو أفضل ، وكذلك لو كان للرجل زوجتان ، كل واحدة في بيت ، فإنه يجزئ عنهم جميعا أضحية واحدة ، وإن زاد فهو أفضل . 

وتجزئ الإبل والبقر عن سبعة . عن جابر قال :  نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة " . فيجزء سُبع البدُنَه وسُبع البقرة عن الرجل وأهل بيته . 

ويشترط في الأضحية بلوغ السن المعتبرة قال صلى الله عليه وسلم : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " والمسنة من الإبل ما أكملت خمس سنين ، ومن البقر ما أتمت سنتين ، ومن الغنم ما أتمت سنة . 

كما يشترط في الأضحية السلامة من العيوب والأمراض ، قال صلى الله عليه وسلم : (أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تُنْقِي) والعجفاء:هي الهزيله، التي لا مُخَّ لها لهزالها . 

ومن نوى أن يضحي فيمسك عن شعره وأظفاره قال صلى الله عليه وسلم : (إذا دخل العشر، وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذن شعراً، ولا يقلمن ظفراً). وفي رواية: (فلا يمس من شعره وبشره شيئاً)  فإن أخذ من شعره أو ظفره ناسيا فلا حرج عليه .

وأفضل الأضاحي أغلاها وأسمنها ، فروى البخاري تعليقا عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون "

وأفضل وقت للذبح بعد صلاة العيد ، فعن البراء قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو شاة لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء " 

ويستمر وقت الذبح إلى مغيب شمس ثالث أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : كل أيام التشريق ذبح " 

فإذا ذبحها استحب له أن يأكل منها، ويهدي للأقارب والجيران والأصدقاء، ويتصدق على الفقراء؛ لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 

عباد الله: أنبه الأخوة التجار من أصحاب الماشية إلى أن يتعاونوا مع الناس على البر والتقوى فييسروا عليهم في ثمن الأضاحي، لأجل أن يتيسر عليهم شراؤها وذبحها، أما إذا غاليتم في ثمنها كما هو الواقع فإنه من أسباب ترك الناس لهذه الشعيرة العظيمة، واحتسب في ذلك الأجر والبركة من الله.

كما أن بعض الناس يعتقد أن المسلم لا يضحي بأكثر من ثماني أضاحي في حياته ، ويقولون سبع تمشي على الصراط والثامن قائد لها ، وهذا ليس بصواب ، وهو مبني على حديث غير صحيح ( استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط " بل للمسلم أن يضحي بما تيسر له وقدر عليه في حياته.

فاتقوا الله عباد الله ، واغتنموا هذه الأيام الفاضلة فلا يدري الإنسان منا متى يموت قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  " التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ "  . 

الجمعة، 11 سبتمبر 2015

خطبة جمعة : فضل الشهادة في سبيل الله

الخطبة الأولى : قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَ‍قًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ عَاوَضَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِذْ بَذَلُوهَا فِي سَبِيلِهِ بِالْجَنَّةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَإِيمَانًا بِى وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِى فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ" وَهَذَا مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَإِنَّهُ قَبِلَ الْعِوَضَ عَمَّا يَمْلِكُهُ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: بَايَعَهُمْ وَاللَّهِ فَأَغْلَى ثَمَنَهُمْ.

عباد الله : إن فضل الجهاد في سبيل الله عظيم جدا، ومن تلكم الفضائل أنه سبب من أسباب نيل الشهادة في سبيله، التي تعتبر من أعلى المقامات وأرفع الدرجات عند الله سبحانه وتعالى، ولأجل ذلك تمناها النبي صلى الله عليه وسلم مع علو مرتبة الرسالة، قال صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ " وذلك لعظيم الفضائل والكرامات التي يحصلها الشهيد.

وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على هذه الفضائل، فمنها أنهم وإن فارقوا الدنيا بأبدانهم إلا أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، قال تعالى :" وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ" فجمع الله لهم بين الرزق والفرح والاستبشار، وروى أبو داود في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِى إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِى ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا : مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِى الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِى الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ. قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا).

ومن تلكم الفضائل أن للشهيد عند ربه ست خصال جاءت مبينة في حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ : أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ " 

 ومن تلكم الفضائل أنه يخفف عن الشهديد مس الموت حتى إنه لا يجد من ألمه إلا كما يجد أحدنا من مس القرصة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة))

 ومنها أن دُورَ الشهداء في الجنة أحسن الدور وأفضلها, فقد أخرج البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ ، فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا.قَالاَ أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ .

ومن ألوان الكرامة أيضًا أن الملائكة تظله بأجنحتها؛ فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: "جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم-ـ أي شهيدًا يوم أحد - قد مُثل به فوضع بين يديه فذهبتُ أكشف عن وجهه فنهاني قومي فسمع, أي النبي صلى الله عليه وسلم, فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت صائحة فقال: ((لما تبكين؟ فلا تبكي مازالت الملائكة تظله بأجنحتها)).

ولهذا كله كان الشهيد وحده من أهل الجنة هو الذي يحب أن يرجع إلى الدنيا كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا, وأن له ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة)), وفي رواية: ((لما يرى من فضل الشهادة)) أخرجه البخاري ومسلم.

وعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا. قَالَ: أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا- أَيْ: مِنْ دُونِ حِجَابٍ- فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يُرْجَعُونَ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا»

فَلْتَهْنَأْ تِلْكَ الأَرْوَاحُ الزَّكِيَّةُ بِالرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ وَالْغُفْرَانِ، قَالَ تَعَالَى:( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قَالَ أهل التفسير: إِنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسِيلَةٌ إِلَى نَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَجَمْعِ حُطَامِهَا الْفَانِي.

فَاللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شُهَدَاءَنَا الأَطْهَارَ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ، وَاحْشُرْهُمْ مَعَ الأَبْرَارِ. 

الخطبة الثانية : لما سمع الصحابة رضوان الله عليهم تلكم الفضائل العظيمة التي ينالها المسلم إذا استشهد في سبيل الله تسابقوا لنيلها وبذلوا لأجلها أنفسهم وأموالهم، فمن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أنه قال: انطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر, وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونكم)), فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)), فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله إلى جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: ((نعم)), قال: بخ بخ, قال: ((ما يحملك على قول بخ بخ)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها, فقال: ((فإنك من أهلها)), فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن, ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة, فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل.
فانظروا رحمكم الله كيف استبطأ رضي الله عنه الشهادة لتأخرها عنه دقائق معدودات.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ جَادَتْ دَوْلَةُ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ بِكَوْكَبَةٍ غَالِيَةٍ مِنْ فِلْذَاتِ أَكْبَادِهَا، دِفَاعًا عَنِ الإسلام والْحَقِّ وَالْعَدْلِ، وَنُصْرَةً لِلْمَظْلُومِ، وَرَدْعًا لِلظَّالِمِ، وَإِغَاثَةً لإخوانهم المسلمين باليمن، رِجَالٌ نَشَأُوا مِنْ مَعِينِ الأَصَالَةِ، بَذَلُوا دِمَاءَهُمُ الزَّكِيَّةَ، وَسَمَتْ فِي الْعَلْيَاءِ أَرْوَاحُهُمْ الطَّاهِرَةُ؛ فَنَالُوا شَرَفَ الشَّهَادَةِ بإذن الله، فَبُشْرَاهُمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ وَزِيَادَةٌ، يَفْرَحُونَ فِيهَا وَيَتَنَعَّمُونَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ؟ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ - وهو السَّهم الّذي لا يعرف راميه -، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ:« يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى»

فَلْنَسْتَبْشِرْ؛ وَلْنَصْبِرْ عَلَى أَلَمِ الْفِرَاقِ، فَإِنَّ جَزَاءَ الصَّبْرِ عَظِيمٌ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وَلْنَثْبُتْ عَلَى الْحَقِّ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) وَالْمَوْتُ آتٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ، لاَ يُقَدَّمُ وَلاَ يُؤَخَّرُ، قَالَ تَعَالَى:( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نَصْبِرَ عَلَى الْبَلاَءِ، وَنَرْضَى بِالْقَضَاءِ، فَقَدِ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى شُهَدَاءَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) فَكَتَبَ لَهُمْ بِشَهَادَتِهِمُ الذِّكْرَ الْحَسَنَ، وَالثَّنَاءَ الْجَمِيلَ فِي الدُّنْيَا، وَالسَّعَادَةَ وَالسُّرُورَ، وَالضِّيَاءَ وَالنُّورَ فِي الآخِرَةِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) فَحُقَّ لِأَهَالِي الشُّهَدَاءِ أَنْ يَرْفَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَخْرًا، وَأَنْ يَعْتَزُّوا بِمَا قَدَّمُوهُ لِوَطَنِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ، قَدَّمُوا رِجَالاً أَبْطَالاً يُحْتَذَى بِهِمْ، وَقُدْوَةً لِمَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ. 


الخميس، 3 سبتمبر 2015

خطبة الجمعة : الوصية بالسنة - مبادرة عونك يا يمن

الخطبة الأولى : أيها المسلمون اعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل قد امتنَّ على عباده ببعثة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخرجهم الله به من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وهدايته، قال الله سبحانه وتعالى :" رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" ، ولأجل ذلك أوجب الله على الناس طاعتَه ولزومَ سنته وهديه، لأنه وحي يوحى من ربه، يهدي إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ " ، وجعل الله النجاة والسعادة لمن أطاعه، قال سبحانه:"وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ، وقال الإمام الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة " ، كما جعل الندامة والخزي لمن عصاه قال تعالى :"وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " وقال عليه السلام: وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري" ، بل جعل الله طاعة رسوله من دلائل الإيمان وعلاماته فقال :"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ،  قال المفسر بن كثير: يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة إنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ...وينقادون له في الظاهر والباطن.."

أيها المسلمون: لقد جاءت نصوص الوحيين في الحث على لزوم سنة نبينا صوات الله وسلامه عليه، فتارة تقرن طاعته بطاعة الله، كما قال سبحانه :"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" ، وتارة ببيان جزاء الاتباع وعقوبة المخالفة كقوله تعالى : "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا"  ، كل ذلك ليؤكد ربنا جل في علاه على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتحريم مخالفته. 

أيها المسلمون: لقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن مخالفة سنته سبب للهلاك وحصول الضلال، وأن الالتزام بها سبب لحصول الهداية في الدارين، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " وبيان ذلك أن من تمسك بالكتاب والسنة كما جاء بهما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من أهل النجاة يوم القيامة ، يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم ويشرب منه، ومن أحدث واتبع غير سبيل النبي عليه السلام فإنه يصد عن حوضه ، قال عليه السلام: أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِى كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلاَ هَلُمَّ، فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا " وفي رواية : فَأَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، قَوْمِي ، أَيْ رَبِّ ، أُمَّتِي ، فَيَقُولُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أْحَدَثُوا بَعْدَكَ ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ بَعْدَكَ الْقَهْقَرِيَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فأقول: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي . 

وتبرأ صلوات الله وسلامه عليه ممن عبد الله على غير ما جاء به من الشرع الحكيم، فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكنى أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى"

وأخبر صلوات الله وسلامه عليه أن اتباع هديه وسنته سبيل لنجاة الأمة من الفرقة والضعف، فقال : فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" 

عن سفيان الثوري رحمه الله : قال : لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة " .

جماعة المسلمين :لقد ضرب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أورع الأمثلة في شدة اتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أرسال جيش أسامة وقد ارتدت العرب وأشار عليه أصحابه برد الجيش وعدم إنفاذه فقال : والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت لواء عقده رسول الله" وكان أثر ذلك عظيما على الدولة الإسلامية بفضل تطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم. 

وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يقبل الحجر الأسود: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" 

أيها المسلمون: تعلموا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع أموركم، فصلوا كما صلى، وحجوا كما حج، وعاملوا أنفسكم وأهليكم وأرحامكم والناس أجمعين كما كان يعاملهم نبيكم صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل ضلالة" 

ولا تقدموا قول أحد من الناس كائنا من كان على قول نبيكم وهديه وسنته فتضلوا وتهلكوا.


الخطبة الثانية:أيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدَ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْيَمَنِ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا». وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، فَمَدَحَهُمْ بِرِقَّةِ أَفْئِدَتِهِمْ، وَلِينِ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :« أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ مَكَّةَ إِذْ قَالَ:« يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ كَأَنَّهُمُ السَّحَابُ، هُمْ خِيَارُ مَنْ فِي الْأَرْضِ».

أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ مَكَانَةَ الْيَمَنِ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الإِمَارَاتِ كَبِيرَةٌ، فَالْعَلَاقَاتُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَخَوِيَّةٌ مَتِينَةٌ، ، وَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ يَمُرُّونَ هَذِهِ الأَيَّامَ بِمِحْنَةٍ عَصِيبَةٍ، إذ يُعَانُونَ نقْصًا فِي احْتِيَاجَاتِهِمْ، وَفَقْرًا فِي مَوَارِدِهِمْ، وَشُحًّا فِي غِذَاءِ أَطْفَالِهِمْ،  مِمَّا يُؤْلِمُ الْقَلْبَ، وَيُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَإِنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَقِفَ إِلَى جَانِبِهِمْ، وَنُسَانِدَهُمْ فِي مِحْنَتِهِمْ، وَنُعِينَهُمْ لِيَتَجَاوَزُوا أَزْمَتَهُمْ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». 

وَإِنَّ مِنْ تَفْرِيجِ كُرُبَاتِ أَهْلِنَا فِي الْيَمَنِ أَنْ نُسَارِعَ فِي تَلْبِيَةِ احْتِيَاجَاتِهِمْ امْتِثَالاً لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ». أَيْ: عنده زيَادَةِ عَلَى قَدْرِ ْحَاجَته، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا حُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَتَى وُجِدَتْ حَاجَةٌ وَجَبَتْ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْكُرُوبِ وَالْمَكْلُومِينَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ». فَمَنْ أَغَاثَ مَلْهُوفًا، وَقَدَّمَ لَهُ مَعْرُوفًا، وَجَدَ جَزَاءَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَوْفُورًا، قَالَ سُبْحَانَهُ:( وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا). 

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي». 

عِبَادَ اللَّهِ: كُونُوا عَوْنًا لأَهْلِكُمْ فِي الْيَمَنِ، وَسَاهِمُوا فِي الإِنْفَاقِ وَالتَّبَرُّعِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي يُخْلِفُ عَلَيْكُمْ مَا بَذَلْتُمُوهُ، وَيُضَاعِفُ لَكُمْ مَا أَنْفَقْتُمُوهُ، وَيُثِيبُكُمْ بِالْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ، وَالْمَكَانَةِ الْعَالِيَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). وَقَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ»

وَاقْتِدَاءً بالهدي الشرعي في مثل هذه المواقف ، وَبِتَوْجِيهَاتٍ كَرِيمَةٍ مِنْ صَاحِبِ السُّمُوِّ الشِّيْخ خليفة بن زايد آل نهيان رَئِيسِ الدَّوْلَةِ حَفِظَهُ اللَّهُ أَطْلَقَتْ هَيْئَةُ الْهِلاَلِ الأَحْمَرِ فِي دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ حَمْلَةً كُبْرَى لِدَعْمِ الأَشِقَّاءِ فِي الْيَمَنِ "عونَكَ يَا يَمَنُ" فَعَلَيْنَا أَنْ نُضَافِرَ جُهُودَنَا، وَنُسَاهِمَ بِمَا نَسْتَطِيعُ لِمُسَاعَدَتِهِمْ، حَتَّى نَكُونَ بَلْسَمًا لِلْمَكْلُومِينَ، وَعَوْنًا لِلْمُحْتَاجِينَ.