الخميس، 19 نوفمبر 2015

خطبة الجمعة : خلق الوفاء

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله  أن شريعتنا الإسلامية تحثنا على التخلق بمحاسن الأخلاق في التعامل مع الآخرين، فلن يبلغ المسلم الدرجات العلى في الجنة إلا بأن يؤدي حق الله وحق الناس عليه، ومن الأخلاق التي ورد الترغيب فيها والحث عليها خلق الوفاء. 

فالوفاء من شيم الرجال، وصفات الصادقين الشجعان، ولا يتصف به إلا أهل محاسن الأخلاق، وذلك لأنه خلق يقوم على أساس الصدق والصبر والتواضع، أثنى الله عز وجل على من اتصف به في أقواله وأفعاله،فالوفاء مِنْ عَلاَمَاتِ الصِّدْقِ، وَمَظَاهِرِ التَّقْوَى، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْمُوفِينَ بِالْعَهْدِ فَـقَالَ: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) و قال تعالى :"بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ "  ، ووصف به أهل العقل والحكمة قال سبحانه "إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ"  ووعد من اتصف به بالأجر العظيم قال سبحانه :"وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " . 

أيها المسلمون: حياة المسلم المؤمن تقوم كلها على الوفاء، وفاء مع الله، ووفاء مع الناس، ووفاء مع النفس . 

أما الوفاء مع الله فهو وفاء العبد بالعهد الذي أخذه عليه ربه، وهو عبادته وتوحيده وتطبيق أمره واجتناب نهيه. قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : بِالْعُهُودِ ، وَهِيَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَحَرَّمَ ، وَمَا فَرَضَ ، وَمَا حَدَّ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ " ، وعنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ - يَعْنِى عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا فَقَالَ: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"  ، ويوم القيامة يذكر الله بهذا العهد من غدر من بني آدم فكفر أو أشرك فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهِ ؟ قَالَ: فَيَقُولُ نَعَمْ. قَالَ فَيَقُولُ قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِى ظَهْرِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بى شَيْئاً فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ ». 

فعلى قدر توحيد العبد لربه وطاعته فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر يكون وفاؤه لعهده مع الله، يزيد بزيادته وينقص بنقصانه. 

جماعة المسلمين: والوفاء يكون كذلك مع الناس، وهو باب واسع جدا في حياة المسلم، به يظهر حسن خلقه، وجودة معدنه. 

ومن أولى الناس بهذا الوفاء الوالدان، وذلك بطاعتهما والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما، قال تعالى :"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " ، وروى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ قَالَ بَلَى. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ ارْكَبْ هَذَا، وَالْعِمَامَةَ - قَالَ - اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِىَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّىَ ». وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.

ومن الوفاء بين الناس الوفاء بين الزوجين، فهما من أكثر الناس عشرة وطول مصاحبة، ومن صور الوفاء بين الزوجين وفاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة رضي الله عنها، التي واسَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بمالها، ورُزِق منها الوَلَد، وأوّلُ من صدَّقه وآمن به من النساء، وهِي التي ثبَّتَت فؤادَه عند نزولِ الوحي، وقوَّتْ عزيمتَه، وكانت خيرَ زوجةٍ لزوجِها في حياتها. قال ابن حجر رحمه الله: "كانت حريصةً على رِضاه بكلّ ممكن، ولم يصدُر منها ما يُغضبُه قطّ". فقابَل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاءَها بوفاءٍ أعظَمَ منه، فكان في إحسانها يشكُرُها، وظلَّ بعد موتها يُكثِر ذكرها ويقول عنها: ((إني رُزِقتُ حبَّها)). وربما ذبح الشاةَ ثم يُقطِّعها أعضَاء، ثم يبعثها في صَدائقِ خَديجة، ويقول: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)). قال النوويّ رحمه الله: "في هذا كلِّه دليلٌ لحُسنِ العهدِ وحِفظِ الوُدّ، ورعايةِ حُرمة الصّاحب والعشير في حياته وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب". 

وكذلك الزوجة وفية لزوجها، فتحفظ عرضه من أن يدنس، وماله من أن يضيع، وبيته فلا تدخل فيه في غيبته من لا يرضى، تطيعه إذا أمر، وتسره إذا نظر، ولا تخالفه في نفسها ومالها . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَىُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ « الَّتِى تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ وَلاَ تُخَالِفُهُ فِى نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ ». 

ومن الوفاء بين الزوجين تنفيذ الشروط التي تكون بين الزوجين قال صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ " 

ومن صور الوفاء بين الناس الوفاء للعالم، وخصوصا الذي له فضل عليك في تعليمك، قال الطحاويّ رحمه الله: "وعلماءُ السّلَف من السابقين ومن بعدهم أهلُ الخبر والأثر وأهلُ الفقه والنظر لا يُذكَرون إلا بالجميل". قال الإمام أحمدُ رحمه الله: "ما بِتُّ منذ ثلاثين سنَة إلا وأنا أدعو للشافعيّ وأستغفر له". 

عِبَادَ اللَّهِ: لاَ تَقُومُ تعاملات النَّاسِ فيما بينهم بِغَيْرِ الْوَفَاءِ، فَإِنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى التَّعَامُلِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلاَ يَتِمُّ تَعَاوُنُهُمْ إِلاَّ بِمُرَاعَاِة الْعُهُودِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْوُعُودِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى الْوَفَاءِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، وَحَثَّ عَلَى الْوَفَاءِ بِالدُّيُونِ؛ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». فَتَرْجَمَ الْمُسْلِمُونَ خُلُقَ الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَعَ غَيْرِهِمْ قَوْلاً وَعَمَلاً، فِي شؤونِ حياتهم ومُعَامَلاَتِهِمِ الْمَعِيشِيِّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ وغيرِ ذلك، فَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ فِي نُفُوسِهِمْ، مِمَّا سَاعَدَ عَلَى انْتِشَارِ الإِسْلاَمِ بِصُوُرَتِهِ الحقيقيَّةِ العَظِيمَة.

ومن صور الوفاء بين الناس الوفاء بين الأصحاب والأصدقاء ويتحقَّقُ بشكر أفعالهم وحفظ أسرارهم ووُدِّهم، والثناء الحسن عليهم، ومَنع وصولِ الأذى إليهم، وبذل الندَى لهم ولأولادِهم.

ومَن صنَع إليك معروفًا فكافِئْه عليه، فإن لم تجد ما تُكافِئُه فادعُ له فإنه من الوفاء.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . 


الخطبة الثانية : أيها المسلمون : ومن صور الوفاء بين الناس، الوفاء بالبيعة لولي أمر المسلمين وإمامهم، فالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من الأصول الشرعية، ومقصد من مقاصد الدين، دل عليه الكتاب والسنة الإجماع، ولذلك وجبت البيعة له، وحرم نقضها وخلعها . 
قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم الله يومَ القيامةِ ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ ، فذكر منهم : ورجلٌ بايع إماماً لا يُبايعه إلاَّ لدنيا ، فإنْ أعطاه ما يريد ، وفَّى له ، وإلا لم يفِ له ) 
وعن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عمهما- : قال : لما خلعوا يزيدَ بن معاوية ، واجتمعوا على ابنِ مُطيع ، أتاه ابنُ عمر ، فقال عبدُ الله بنُ مطيع : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وِسَادة ، فقال له عبدُ الله بنُ عمرَ : إني لم آتِكَ لأجلسَ ، أتيتُك لأحَدِّثَكَ حديثا ، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «مَن خَلَعَ يَدا من طَاعةٍ ، لقيَ اللهَ يوم القيامة ، ولا حُجَّة له ، ومن مات وليس في عُنقه بَيْعةٌ : مات مِيتَة جاهليَّة».أخرجه مسلم 

ومن الوفاء لولي الأمر الدعاء له بالصلاح والخير والتوفيق والسداد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ». أَيْ: تَدْعُونَ لَهُمْ، وَيَدْعُونَ لَكُمْ .

وَالْوَفَاءُ لِلْوَطَنِ مِنْ أَهَمِّ صُوَرِ الْوَفَاءِ، وَذَلِكَ بِحِرَاسَةِ تُرَابِهِ وَمُنْجَزَاتِهِ، وَصِيَانَةِ حُرُمَاتِهِ، وَالْحِفَاظِ عَلَى مُقَدَّرَاتِهِ، وَالْعَمَلِ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَطْوِيرِهِ، ونَشْرِ الخَيْرِ فيه، ونَفْيِ الشَّرِّ عنه، فَالْمَرْءُ يَتَربَّى فِي أَكْنَافِ وطنهِ، وَينْهِلَ مِنْ خَيْرَاتِهِ

جماعة المسلمين: والوفاء يكون بين الناس في وعودهم التي يتواعدون بها بينهم، وقد حث الله على الوفاء بها ومدح من أوفى بها قال تعالى :"وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ" ، وقال صلى الله عليه وسلم : اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ. 

إخواني في الله : الوفاء صفة جليلة تحمل العبد على مطابقة قوله لفعله، فينفذ وعده، وعقده، ويؤدي عمله بأمانة وإخلاص، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُونَ» .

الخميس، 12 نوفمبر 2015

خطبة جمعة :التحذير من الفكر الخارجي والرد على بعض شبهاتهم

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين : اعلموا رحمكم الله أن الله خلق الخلق وابتلاهم قال تعالى:الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " فيه يظهر الصادق من الكاذب، والسعيد من الشقي قال سبحانه : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" .

والابتلاء قد يقع في أمور الدين وفي أمور الدنيا، وفي الشبهات وفي الشهوات، والسلامة يوم القيامة لا تتحقق إلا بالسلامة من آثار هذا الابتلاء قال تعالى : يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ،إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " والقلب السليم هو الذي سَلِمَ من الشهوات الدنيوية من المعاصي والذنوب، وسلم من الشبهات في أمر الدين.

وإن من أعظم الابتلاءات والفتن والمحن التي يواجهها المسلم الابتلاء في الدين، ولأجل ذلك كان صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يحفظ له دينه وأن يثبته عليه إلى أن يلقاه، فكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه "يَا مُقّلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ"

وأثر الفتن على الدين عظيم جدا إذ قد يخرج الرجل من دينه بسببها قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيَبِيعُ فِيهَا أَقْوَامٌ خَلَاقَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".

عباد الله :ومن جملة الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجها وحذر منها فتنة الخوارج، وتكمن فتنهم في أنهم أهل عبادة وصلاح، فكلامهم معسول بالكتاب والسنة، وشعارهم الدين، فيتغتر بهم من لا علم له بهم، ولكنهم كما قال صلى الله عليه وسلم:إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ . 

جماعة المسلمين: ولأجل السلامة من هذه الفتنة وشبهاتها فلا بد من الرجوع إلى العلماء الربانيين ورثة الأنبياء، لأنهم يزيلون الشبهات وينشرون السنة والعقيدة الصحيحة، ويربطون الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

والفكر الخارجي إذا سيطر على عقل المسلم فلا يزعزعه إلا فكر صحيح يزيل شبهاته ويقوم اعوجاجه، وهذا هو ما يقوم به العلماء والمصلحون من طلاب العلم.

ولما خرج الخوارج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذهب إليهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فناظرهم ورد شبههم فرجع منهم ألفان وكانوا ستة آلاف ، وقُتل الباقون في معركة النهروان.

ومن أسباب انحراف فكر الخوارج في فهم القرآن والاستدلال به تركهم للسنة،  ومن الأمثلة الدالة على  ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ، قَالَ: فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ -جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ. 

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ وَاللَّهُ يَقُولُ: { إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } وَ { كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا }. فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟
قَالَ: فَقَالَ أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟  قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَام يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟قُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ.
قَالَ: قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا. قَالَ: يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيسُ.
 فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَرَجَعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ . 

فهذا الرجل قد عزم على الخروج على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استدل بآيات من كتاب الله سبحانه على فكره واعتقاده المنحرف، فلما رده الصحابي العالم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم صلح فكره واعتقاده، وحسن سلوكه بأن ترك ما كان قد خرج لأجله.

جماعة المسلمين ومن أعظم ما جناه الفكر الخارجي على أمة الإسلام تكفيرهم حكام المسلمين وأئمتهم، ثم انطلقوا بعد ذلك إلى تكفير الرعية والشعوب لأنهم يدينون بالولاء والطاعة لحكامهم وولاة أمرهم، فرفعوا راية الجهاد ضد بلاد المسلمين ففجروا في بيوت الله بزعم أنها معابد جاهلية، وسفكوا الدم الحرام، وهتكوا الأعراض، وانتهبوا الأموال، وهذه صفة الخوارج كما قال صلى الله عليه وسلم: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ" ، قال الآجري رحمه الله ( 360هـ ) " الخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ..يخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين"

وتكفير حكام المسلمين بقول الله تعالى : "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" ليس بصحيح على إطلاقه، فإن الخوارج القدامى قد خرجوا تحت شعار " لا حكم إلا لله"وكفروا  علي بن أبي طالب وجيشه بسببها، وخوارج اليوم شعارهم : الحاكمية ، فلا حاكمية إلا لله ، وكفروا بها أئمة الإسلام.  

مع أن الله سبحانه وتعالى جعل للحكم بغير ما أنزل الله ثلاثة أحكام فقال:"وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" وقال : "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" وقال : " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" ثلاثة ألقاب في ثلاث آيات متتاليات هل تعطي حكما واحدا ؟ 
فانظروا رحمكم الله إلى فقه السلف في فهم هذه الآية، فعن ابن عباس قال في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق " وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية" ليس بالكفر الذي تذهبون إليه " وإسناده صحيح ، وقال طاوس: ليس بكفر ينقل عن الملة " وإسناده صحيح، وقد ورد هذا التفسير عن مجاهد وعكرمة وهو اختيار شيخ المفسرين الطبري وأبوبكر الجصاص وابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم كثير، فكيف تجرؤون على تكفير أئمة المسلمين بأمر قد خالفكم فيه جملة من علماء الأمة.

عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ , حَتَّى رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا  لِلْإِسْلامِ , غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ , وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ " , قَالَ حُذَيْفَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ , قَالَ: " بَلِ الرَّامِي " 


الخطبة الثانية : عباد الله إن من أعظم الفتن التي جرت الويلات إلى المسلمين فتنة التكفير، ولأجل خطورة التكفير بلا موجب شرعي صحيح  حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق لفظ الكفر على المسلم في أحاديث متظافرة متوافرة ، منها ما رواه البخاري ومسلم: عن ابْن عُمَرَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ " وفي رواية" إذا كفر الرجل أخاهُ فقد باءَ بها أحَدُهُما " . ومعنى " باءَ بها " احتملها أو رجعت عليه . 

قال الشوكاني : " ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير"

قال ابن أبي العز الحنفي : " إنه لمن أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه، بل يخلده في النار فإن هذا حكم الكافر بعد الموت "

وبسبب التكفير بلا موجب شرعي صحيح تجرأ الخوارج فاعتبروا بلاد المسلمين بلاد كفر وردة، وأن دار الإسلام هي دارهم وأوجبوا على الناس الهجرة إليهم، وهذا بعينه فكر الخوارج القدامى، قال ابن تيمية في وصف الخوارج : " الخوارج ترى السيف، وحروبهم مع الجماعة مشهورة، وعندهم كل دار غير دارهم فهي دار كفر "، وكتب نافع بن الأزرق – وهو من رؤوس الخوارج- إلى أتباعه بالبصرة قائلا: الدار دار كفر والاستعراض مباح وإن أصيب الأطفال فلا حرج على من أصابهم".

والحق يا أمة الإسلام هو ما قرره الأئمة الأعلام من أن الحكم على الدار بأنها دار إسلام هو بما يكون فيها من إظهار شعائر الإسلام وأحكامه وأعظمها الصلاة والأذان، روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ .." رواه البخاري ومسلم

قال النووي-رحمه الله - :"وَفِي الْحَدِيثِ دليل على أن الأذان يمنع الإغارة عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِسْلَامِهِمْ" ، وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي الشافعي-رحمه الله-: (( ويرون (أي: أهل الحديث): الدار دار الإسلام، لا دار الكفر ..، ما دام النداء بالصلاة، والإقامة ظاهرين، وأهلها ممكنين منها آمنين )).

وقال الشوكاني رحمه الله :"الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام، بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفريّة فيها لأنها لم تظهر بقوّة الكفار، ولا بصولتهم.. وإذا كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس" أي دار حرب . 

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :" دار الإسلام هي التي تقام فيها شعائر الإسلام بقطع النظر عن حكامها ، حتى لو تولى عليها رجل كافر، و هي مما يظهر به شعائر الإسلام فهي دار إسلام ، يؤذن فيها، يقام فيها الصلاة، تقام فيها الجمع، يقوم فيها الأعياد الشرعية و الصوم و الحج وما أشبه ذلك هذه ديار إسلام ، حتى لو كان حكامها كفاراً.." 

وَإِنَّ بِلاَدَنَا هَذِهِ بِلاَدُ إِسْلاَمٍ، دِينُهَا الإِسْلاَمُ، وَحُكَّامُهَا مُسْلِمُونَ، وَإِلَى الْخَيْرَاتِ سَابِقُونَ، يُقِيمُونَ فِيهَا الْعَدْلَ، وَيُعَظِّمُونَ الشَّعَائِرَ، وَيُنْشِئُونَ الْمَسَاجِدَ، فَارْتَفَعَتْ فِي بِلاَدِنَا الْمَآذِنُ، وَصَدَحَتْ فِيهَا الْمَنَابِرُ، وَانْتَشَرَتْ فِي رُبُوعِهَا مَرَاكِزُ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَوُزِّعَتْ فِيهَا الْمَصَاحِفُ، وَالْكُتُبُ الإِسْلاَمِيَّةُ بِلُغَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لِنَشْرِ الدين والدعوة إليه.

فيا أمة الإسلام لا تغتروا بفكر الخوارج وما يستغلونه فيكم من حبكم لدينكم ورغبتكم في الدفاع عنه ونشره، فعليكم بكتاب الله وسنة رسول الله، وانظروا في فهم السلف من الصحابة والتابعين لنصوص الكتاب والسنة والزموا العلماء الأكابر واتركوا الأصاغر من المجاهيل ومن لا يعرف بعلم صحيح ولم يشهد له أهل العلم بالعلم تسلموا ويسلم لكم دينكم 

الخميس، 5 نوفمبر 2015

خطبة جمعة: المنهج الشرعي في العناية بالشباب وتربيتهم

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين ، اعلموا رحمني الله وإياكم أن الأمم والمجتمعات لا تستطيع المحافظة على استمرار وجودها وتقدمها ورقيها إلا بفضل إعداد أجيالها المتاعقبة الإعداد السليم المتكامل ، وبقدر ما تحافظ الأمم والشعوب على تربية هذه الأجيال على التمسك بدينها ومعتقداتها وأخلاقها ، بقدر ما تحافظ على بقائها وعلو شأنها ، لذلك وجهنا الإسلام إلى الإهتمام والعناية بالشباب وتنشئتهم تنشئة صالحة.

 فالشبابُ يُعتَبر ثروةَ الأمّة الغاليةَ وذخرَها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسه الشرُّ والفساد.

ولذلك إخواني في الله حث نبينا صلى الله عليه وسلم على إغتنام مرحلة الشباب قبل المشيب فقال صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظهُ : اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس , شَبَابك قَبْل هَرَمك , وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك , وَغِنَاك قَبْل فَقْرك , وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك , وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك "  ، والغنيمة لا تكون إلا لشيء يخشى فواته وضياعه إن لم يتدارك ويستغل. 

ومما لا شك فيه أن الواجب في هذه الأمة مشترك بين المسلمين جميعا شبابا وشيوخا ، ولكن خُص الشباب بالذكر لأنها مرحلة مهمة جدا في حياة المسلم نفسه ، وفي حياة مجتمعة المسلم ، فهم الذين يقومون بالواجب بعد رحيل الجيل الذي سبقهم .

ومن أجل هذا المطلب أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى سلوك الطريق النبوي في تربية هذا النشئ ، بدءا من اختيارك لزوجتك الصالحة المؤمنة التي تعتبر بحق هي المدرسة الأولى لتربية النشئ ، إلى أن يكبر الأبناء ليقوموا بدورهم من جديد .

ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم  منهجاً واضحاً للآباء والمربين لتربية شباب الأمة  ممثلاً في ابن عمه الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث غرس فيه أسس الاعتقاد الصحيح ولما يبلغ الخامسة عشر من عمره، فقال له : ((يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"

 فأول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة السليمة ، وقوة الإيمان وصدق التعلق بالله وحده ، فأرشده إلى حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده وحفظ أمره ونهيه، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها والتوكل عليه، واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، يأتي كل ذلك ليكون دافعاً للشباب، وهو في فورته وطموحه وتكامل قوته، ليكون قوي العزيمة عالي الهمة ، ولما ثبتت هذه المعاني في نفوس الشباب من السلف برعوا رحمهم الله في العلم الصحيح فحفظوا القرآن الكريم ولما يبلغ أحدهم الثانية عشر من عمره ورحلوا في طلب العلم عند العلماء بلا طائرات ولا وسائل نقل حديثة بل إن أحدهم ليعمل أجيرا لدى القوافل مقابل أن ينقلوه إلى بلد فيها عالم يطلب العلم على يديه، كما فعل ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. 

بل قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الشباب في أعمال الدولة، فمن ذلك ما رواه زيد بن ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَكَانَ شَابًّا- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « أَتُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ؟». قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّهُ تَأْتِينَا كُتُبٌ». قَالَ: فَمَا مَرَّ بِى نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ، فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ.

جماعة المسلمين: ومن الأسس المهمة في تربية الشباب وحفظهم حفظ شهواتهم وغرائزهم حتى لا يسقطوا في وحل الإثم والمعصية، فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم ناصحا وموجها فقَالَ ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) . 

ولما وجد شابا قد أوشك على الانحراف في الشهوات وعظه ونصحه ودعا له فروى أحمد في المسند عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا.!
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ". قَالَ: فَجَلَسَ . فقال له : قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ " 
" أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ " " أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ " قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ " قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ " وهو يقول: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " قَالَ  : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

ومن المنهج النبوي في تربية الشباب ذكورا كانوا أو إناثا تعويدهم على العبادة منذ نعومة أظفارهم قال صلى الله عليه وسلم (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) فبالرغم من أن ابن السابعة ليس مكلفا بالواجبات ولكنه يؤمر بالصلاة لأجل أن يعتادها ويألفها فتنطبع في ذهنه ، وذلك لأن الصلاة فيها سر عظيم في تربية النشئ على الإسلام الصحيح قال تعالى في ذلك " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ "  ، ثم قال صلى الله عليه وسلم (وفرقوا بينهم في المضاجع ) أي لا تتركوهم ينامون تحت غطاء واحد أو على فراش واحد خشية أن يطلع بعضهم على عورات بعض فتقع الفتنة التي لا تحمد عاقبتها .

ثم اعلم أيها المربي ، وأنت أيها الشاب ، إنَّ نشأة الشاب على طاعة الله ورسوله سبب لتحصيل الأجر العظيم عند الله، فروى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ  .." قال ابن حجر رحمه الله (خَصَّ الشَّابّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ; فَإِنَّ مُلَازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى " 

أيها المسلمون ، روى الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ  ، فالشاهد من الحديدث هو قوله صلى الله عليه وسلم (وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) فأنت أيها المسلم مسؤول أمام الله يوم القيامة عن هذه المرحلة التي تكون فيها قويا ماذا عملت فيها ؟ ، ألا فليقف كل واحد منا وقفت محاسبة مع نفسه ، ماذا قدمت لنفسك عند الله غدا ؟ قال تعالى "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "  



الخطبة الثانية : أيها المسلمون : إِنَّ جِيلَ الشَّبَابِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا هُمْ مُسْتَقْبَلُ الْوَطَنِ وَأَمَلُهُ، وَدِرْعُهُ وَحِصْنُهُ، يَحْمُونَ أَرْضَهُ، وَيَبْنُونَ مَجْدَهُ، بِعُقُولِهِمُ الْمُتَفَتِّحَةِ، وَأَفْكَارِهِمُ النَّاضِجَةِ، وعَقِيدَتِهمُ الصَّحِيحَةِ، وَقُلُوبِهِمُ النَّقِيَّةِ، وَسَوَاعِدِهِمُ الْفَتِيَّةِ، وَإِيمَانِهِمُ الصَّادِقِ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرَآنِ الْكَرِيمِ فِتْيَةً لإِيمَانِهِمْ فَقَالَ عَنْهُمْ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)

وإن على شبابنا واجبات تجاه أنفسهم وأهليهم وأمتهم منها أولا: عليهم أن يعتنوا بتعلم العلم الشرعي بالقدر الذي يستقيم به دينهم وتصح به عبادتهم، فيجب عليهم أن يتعلموا التوحيد والعقيدة الصحيحة وما يخالفها من العقائد الفاسدة ليحذروها، كما يجب عليهم تعلم أحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج وذلك حتى يقيموا دينهم على أساس صحيح .

 وإن الواقع  لأليم يا أولياء الأمور ، إننا نرى شبابا قد بلغوا السابعة عشر من العمر وهم على وشك أن الانتهاء من الثانوية وللأسف لا يعرفون كيف يقرؤون  كتاب الله عز وجل ، ولا يعرفون شيئا عن سيرة نبيهم صلى الله وعليه وسلم ، وهذا قصور في التربية عظيم.
فنشئوهم على القراءة وحب التعلم وحضور مجالس القرآن والعلم في المساجد.

ثانيا : على شباب المسلمين أن يرتبطوا بعلماء المسلمين من أهل السنة والجماعة وأن يرتبطوا بكبارهم ، فالناس لا يزالون بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإن أخذوه عن أصاغرهم هلكوا ، والأصاغر هم علماء السوء من أهل البدع والضلالات، وإذا ما انفصل الشباب عن العلماء الربانيين وارتبطوا بعلماء السوء والقصاصين  تلقفتهم التيارات المنحرفة فأصبحوا لقمة سائغة لأصحاب الأغراض السئية  . 

ثالثا : على الشباب – وفقهم الله – أن يجتنبوا أصدقاء السوء لأنهم سبب لشقاء الشاب في دينه ودنياه ، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم إلى من يخالل  .

كما عليهم أن تَلْتَحِمَ هِمَّتهم مَعَ خِبْرَةِ الآبَاءِ والأجداد، فَيُجَالِسَ الشَّبَابُ كِبَارَ السِّنِّ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمُ الْمُثُلَ الْعُلْيَا قَوْلاً وَعَمَلاً، وَيَتَرَّبُوا عَلَى الْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ الأَصِيلَةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ السَّمْحَةِ. 

عباد الله : لقد جَعَلَتْ دَوْلَتُنَا الْمُبَارَكَةُ مِنْ اهْتِمَامَاتِهَا اسْتِثْمَارَ الشَّبَابِ، فَأَنْشَأَتْ لَهُمْ وِزَارَةً خَاصَّةً لتَوْجِيهِ طَاقَاتِهِمْ وبَرَامِجِهِمْ، وَرِعَايَةِ إِبْدَاعِهِمْ.
كَمَا فَتَحَتْ قِيَادَتُنَا الرَّشِيدَةُ لِلشَّبَابِ أَبْوَابَ الْخِدْمَةِ الْوَطَنِيَّةِ، فَهِيَ مَيْدَانٌ جَلِيلٌ، وَعَمَلٌ نَبِيلٌ، يُسْهِمُ فِي تَعْزِيزِ الاِنْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ وَالْوَلاَءِ لِلْقِيَادَةِ، وَيُنَمِّي قِيَمَ الاِنْضِبَاطِ وَتَقْدِيرِ الْوَقْتِ، وَتَنْمِيَةِ الْمَهَارَاتِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْجَمَاعِيَّةِ، وَاحْتِرَامِ الْقَادَةِ وَذَوِي الْخِبْرَاتِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى إِنْجَازَاتِ السَّابقين، وَيُكْسِبُ الشَّابَّ اللِّيَاقَةَ الْبَدَنِيَّةَ، وَيُعَلِّمُهُ الْمُثَابَرَةَ وَالتَّحَمُّلَ وَالثِّقَةَ بِالنَّفْسِ، وَيُمَكِّنُ الشَبَابَ مِنَ الْقِيَامِ فِي نُصْرَةِ الْحَقِّ، وَرَدِّ الْعُدْوَانِ.

فيا أولياء الأمور يا معاشر الآباء والأمهات يا معاشر المعلمين اتقوا الله في شباب الإسلام نشئوهم على طاعة الله ورسوله كونوا لهم قدوة حسنة فأنتم مسئولون عن هذه الذرية يوم القيامة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها "  وقال ربنا عز وجل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"  "