الخميس، 21 يوليو 2016

خطبة جمعة : الثقة بالله

الخطبة الأولى :
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعلموا رحمكم الله أن العبد المؤمن يقر ويعتقد بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، ومدبر شؤونهم، حياة وإماتة، وصحة وسقما، وخيرا وشرا، فالْكَوْنَ يَجْرِي وَفْقَ تَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَمُرَادِ الْخَبِيرِ الْحَكِيمِ، وَأَمْرِ الْخَالِقِ الْعَظِيمِ (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وهذا يوجب على العبد تمام الثقة بربه والتوكل عليه سبحانه، وكمال التسليم والانقياد والرضى بقضاء الله وقدره، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم يعلم ابن عباس كلمات عظيمة تدل على هذه المعاني وتزرعها في قلبه وهو صغير السن لينشأ عليها، فروى الإمام أحمد والترمذي عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كنت خلف النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، فَقَالَ : (( يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ " ، فما احوجنا أن نتعلم هذه الكلمات ونعلمها أبناءنا لينشؤوا على الثقة بالله تعالى. 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الثِّقَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنْحَةٌ كَبِيرَةٌ، تَفْتَحُ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالأَمَلِ، وَتَدْفَعُ أَسْبَابَ الْيَأْسِ وَالْكَسَلِ، وَتُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ، وَالِإخْلاَصَ فِي الْعَمَلِ، وَالتَّفْوِيضَ لِمَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْعِبَادِ فِي الأَزَلِ، وَعِبَادَةَ اللَّهِ، وَالاِسْتِعَانَةَ بِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، كَمَا يَقْرَأُ الْمُسْلِمُ فِي كُلِّ صَلاَة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال ابن القيم: " وَالِاسْتِعَانَةُ تَجْمَعُ أَصْلَيْنِ: الثِّقَةُ بِاللَّهِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ " ، والْعَبْدَ إِذَا وَثِقَ بِرَبِّهِ، انْقَادَ لَهُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ، وَفَوَّضَ الأَمْرَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي جَمِيعِ شُؤُونِهِ، مُمْتَثِلاً قَوْلَهُ تَعَالَى:( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) ، وهذه هي حقيقة التوكل وخلاصته ولبه، فيتبرأ العبد من الحول والقوة، ويفوض الأمر إلى ربه سبحانه، فيحمله ذلك على الإقبال عليه وعبادته، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة والتوكل في أكثر من آية منها قوله تعالى : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " 

والتوكل على الله والثقة به يحمل المؤمن على حسن الظَّنِّ بربه سُبْحَانَهُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ دَخَلَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ ظَنُّكَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: ظَنِّي بِاللَّهِ وَاللَّهِ حَسَنٌ. قَالَ: فَأَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا" فَظُنُوا بِاللَّهِ تَعَالَى الظَّنَّ الْحَسَنَ، وَثِقُوا بِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْمِنَنِ وَالْمِحَنِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الثِّقَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ هِيَ شِعَارُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَدِثَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَهَذَا الْخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ، يَضْرِبُ أَبْلَغَ الْمَثَلِ لِلثِّقَةِ وَالتَّسْلِيمِ (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وَمِنْ كَمَالِ ثِقَتِهِ بِرَبِّهِ، وَتَمَامِ تَسْلِيمِهِ لأَمْرِهِ؛ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَوَّأَ لَهُ مَكَانَ الْبَيْتِ، مَضَى بِزَوْجَتِهِ هَاجَرَ وَبِطِفْلِهَا الرَّضِيعِ إِلَى قَفْرَاءَ قَاحِلَةٍ، بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا! فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا! فَقَالَتْ لَهُ: أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا اللَّهُ.
يَا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ رَاسِخَةٍ كَالْجِبَالِ، دَفَعَتْ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لِلتَّسْلِيمِ لأَمْرِ اللَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، فَعِنْدَمَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَنْ يُضَيِّعَنَا اللَّهُ؛ لَمْ يَكُنْ يَدُورُ فِي خَلَدِهَا أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ سَتَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ ابْنِهَا، لِتَرْوِيَ ظَمَأَهَا وَتُشْبِعَ رَضِيعَهَا.
ونبي الله موسى عليه قد أدركه فرعون وجنوده من خلفه، والبحر أمامه، وظن أصحابه الهلاك كما قال سبحانه " فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " ولكن موسى عليه السلام الواثق بربه قال : " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ "

وها هو نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة لنا في الثقة بربه والتوكل عليه، يبشر أمته بالعزة والتمكين قبل أن تحقق بسنين، فقال : " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ " ، ومن تأمل في سيرته وغزواته رأى ثقته بربه في أكمل صورها، فلما كان في الغار وقد وصل المشركون إلى بابه، فقال أبو بكر رضي الله عنه :لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟»  هنا تظهر قوة الإيمان وتام الثقة بالله سبحانه

وفي بدر بعد أن أخذ بالأسباب ودعا ربه سبحانه أوحى الله إلى ملائكته " إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ" وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

قال ابن القيم : وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ"

ثم اعْلَمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنَّ ثِقَتَكَ بِرَبِّكَ تَسْتَلْزِمُ أَنْ تَثِقَ بِكَلاَمِهِ، وَتَعْمَلَ بِقُرْآنِهِ، وَتَتَّبِعَ هَدْيَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَإذَا وَقَعْتَ فِي الْخَطَايَا فَأَقْبِلْ عَلَى غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ، وَاثِقاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) وَإِذَا أَصَابَتْكَ الْبَلاَيَا وَالْكُرُبَاتُ، وَغَشِيَتْكَ الْخُطُوبُ وَالظُّلُمَاتُ، فَكُنْ مِنَ الْوَاثِقِينَ، الصابرين الموقنين بأن مع اليسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين.

وإذا مرضت فثق بأنه خير لك عجله الله لك في الدنيا يكفر الله به من خطاياك ويرفع به درجاتك، وتأملوا في الحمى التي يكثر الابتلاء بها قال صلى الله عليه وسلم عنها: لا تسبوا الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " وقال : الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة "

وإذا أصابتك قلة في المال ورأيت الناس يستكثرون منه، وتغدق عليهم العطايا فثق بربك أن المال ماله، والرزق زرقه يهبه لمن شاء بحكمته وخبرته قال تعالى :" إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا "


الخطبة الثانية : اعلموا رحمكم الله أن الثقة بالله ليس معناها العجز والكسل عن العمل، وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَوَثِقَ بِاللَّهِ فِي طُلُوعِ ثَمَرَتِهِ، وَتَنْمِيَتِهَا وَتَزْكِيَتِهَا، كَغَارِسِ الشَّجَرَةِ، وَبَاذِرِ الْأَرْضِ. وَالْمُغْتَرُّ الْعَاجِزُ قَدْ فَرَّطَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ وَاثِقٌ بِاللَّهِ. وَالثِّقَةُ إِنَّمَا تَصِحُّ بَعْدَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ.

والواثق بالله تعالى لا يخاف إلا الله سبحانه وتعالى، وتأملوا حال إبراهيم عليه السلام وقد ألقاه قومه في النار فقال : حسبي الله ونعم الوكيل ، فروى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِىَ فِى النَّارِ حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " فما هي النتيجة والعاقبة التي حصلها إبراهيم عليه السلام نتيجة ثقته بربه قال تعالى : قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ، وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ "

وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يتعرض وأصحابه للهجوم من الكفار يوم أحد، ويقتل منهم سبعون، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الخروج لتتبع قريش خَوَفَهم المنافقون، قال تعالى "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" ، فما هي الثمرة قال سبحانه : فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ"

فمن أهم ثمرات الثقة بالله إقبال العبد على ربه وتوكله عليه وحسن عبادته له، وحسن ظنه بربه، وهذه الأمور تجمع للعبد كمالات الدين وتوصله لأعلى عليين، درجات النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا


خطبة جمعة : تحقيق تقوى الله في زمن الفتن

الخطبة الأولى : أيها المسلمون قال الله عز وجل في محكم التنزيل :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "  ، فهذا خطاب من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين الذين صدقوا في إيمانهم بأن يتقوا الله حق التقوى فيخافوه في السر والعلن بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى ويكون ذلك إلى الممات (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي مذعنون له بالطاعة مخلصون له بالتوحيد والعبادة مجتنبون للشرك والمعاصي ، فبذلك يحصل الفوز في الدنيا والآخرة كما قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" 

جماعة المسلمين : ما هي التقوى التي يأمرنا الله ورسوله بها ؟ هي العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابا وأمرا ونهيا ، فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالأمر وتصديقا بوعده ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي وخوفا من وعيده ، كما قال طلق بن حبيب " إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى " قالوا : وما التقوى ؟ قال " أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله  "  

قال ابن القيم رحمه الله " وهذا من أحسن ما قيل في حد التقوى ، فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية فلا يكون العمل طاعة وقربةً حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لا بد أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله تعالى وابتغاء مرضاته وهو الحساب  "  ا . هـ

عباد الله ، إنما تتحقق التقوى لله تعالى بفعل الواجبات وترك المحرمات فالمتقي لله تعالى حق التقوى هو الذي يأتي بأركان الإسلام الخمسة فيصلي الصلوات الخمس مع الجماعة وفي وقتها ويزكي ماله ويصوم رمضان ويحج بيت الله الحرام .
وأول واجب على العبد فعله هو أن يوحد الله تعالى في عبادته ولا يشرك معه أحدا كائنا من كان ، فعن معاذ بن جبل قال : ينادى يوم القيامة :أين المتقون ؟ فيقومون في كنف الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر ، قالوا له : من المتقون ؟ قال : قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة  

وفي الأمر بالتقوى وصية بطلب العلم الشرعي علم الحلال والحرام علم الواجبات والمناهي قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله " أصل التقوى أن يعلم العبد ما يُتَقى ثم يَتقي ، وعن بكر بن خنيس قال " كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي "

فتعلموا رحمكم الله العلم الشرعي الصحيح الذي يرشدكم إلى أداء العبادات على الوجه المرضي والمقبول عند الله تفلحوا في الدنيا والآخرة وتنالوا التقوى التي هي السبيل إلى الجنة قال تعالى {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا}  

أيها المسلمون : إذا اتقى العبد ربه يسر له الله أمره وفرج كربه وجعل له من هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا قال تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } وقال سبحانه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}

بالتقوى ينجو العبد من نار جهنم قال تعالى   (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجّي الَّذينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمينَ فيها جِثِيّاً )

بالتقوى ينال العبد رحمة الله {واكْتُبْ لَنا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الْآخِرَةِ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابي أُصيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ والَّذينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنونَ ) 

عباد الله : أمرنا الله عز وجل بالتزود من التقوى لأننا على سفر نوشك أن نصل إلى منتهانا وهو الموت فمن مات فقد قامت قيامته ولا يدري العبد متى أجله قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر
  


الخطبة الثانية : أيها المسلمون : لقد أوضح التابعي طلق بن حبيب يرحمه الله- في وصيته طريق النجاة من الفتن وهو تحقيق تقوى الله عز وجل في حال وقوع الفتنة، ويتحقق ذلك بما وضحه ابن القيم رحمه الله بأن تكون أعمال المكلفين عموما وفي زمن الفتن خصوصا الباعث عليها الإيمان المحض أي بالإخلاص لله تعالى، وليس لمجرد الهوى أو طلب محمدة أو رياسة.

وقد قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى بعدما نقل وصية طلق بن حبيب : (قلت: أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل، ولا عمل إلا بترو من العلم والإتباع ... ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله .."

أيها المسلمون: لأجل تحقيق تقوى الله في زمن الفتنة، لا بد من التزام المسلم بأمر الله ونهج رسوله صلى الله عليه وسلم، ليكون من المتقين.

ففما أمرنا به شرعنا الحنيف في زمن الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، تحقيقا لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا "، والمراد بأولي الأمر في الآية أمراء المسلمين ، فقد بوب البخاري في كتاب الأحكام من صحيحه فقال : باب قول الله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال ابن حجر : وفي هذا إشارة من المصنف رحمه الله إلى ترجيح القول الصائر إلى أن الآية نزلت في طاعة الأمراء " ثم روى  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال في قوله (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) هم الأمراء .  قال ابن حجر في الفتح (إسناده صحيح ) .

وهذا هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حال وقوع الفتن واضطراب الناس فروى مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ :« تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ». وفي رواية عند البخاري قال حذيفة : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ ( نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ). قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ ( هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا )قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ ( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ) . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ ( فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ) . فهذه هي وصايا نبينا صلوات الله وسلامه عليه في حال وقوع الفتن بأن يلزم المسلم جماعة المسلمين وإمامهم ولا يخرج عليه، بل أوصى عند عدم وجود الإمام وجماعة المسلمين بأن يعتزل جميع تلكم الفرق والأحزاب، وأن لا ينظم تحت راياتها.  

فأين الخوارج من هذا الهدي الشرعي في التعامل في زمن الفتنة، بل نراهم يؤسسون أحزابا وتجمعات بأسماء براقة وشعارات مبهرجة تهدف إلى معارضة ولي أمر المسلمين وتفريق صفهم، فهؤلاء قد حادوا عن تقوى الله تعالى بل حادوا الله ورسوله، ولو كانوا من رؤوس الإصلاح والدعوة، فقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج على الرغم من شدة عبادتهم وقراءتهم، روى أبو داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « سَيَكُونُ فِى أُمَّتِى اخْتِلاَفٌ وَفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِى شَىْءٍ مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ ».  وفي رواية قال (يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصومه مع صومهم ) ومع ذلك ذمهم صلوات الله وسلامه عليه لأنهم خالفوا الهدي الشرعي في التعامل زمن الفتن.

فالواجب على المسلمين عموما وفي هذه البلاد خصوصا الالتفاف حول ولي أمرهم وعدم منازعته حكمه وسلطانه، ومن أراد نصحه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح فليسلك الطريق الشرعي في ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ " .

قال ابن مسعود رضي الله عنه- : عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ ، وَقَبْضُهُ أَنْ يُذْهَبَ بِأَصْحَابِهِ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِى مَتَى يُفْتَقَرُ إِلَيْهِ أَوْ يُفْتَقَرُ إِلَى مَا عِنْدَهُ ، وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَقْوَاماً يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ .




خطبة جمعة : خلق الأمانة

الخطبة الأولى : قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل :" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " ، قال المفسر عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية " يعظم الله شأن الأمانة التي ائتمن الله عليها المكلفين التي هي امتثال الأوامر واجتناب المحارم ، في حال السر والخفية كحال العلانية ، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة السماوات والأرض والجبال ، عرض تخيير لا تحتيم  .. ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، خوفا أن لا يقمن بما حُملنَ، لا عصيانا لربهن، ولا زهداً في ثوابه  ، وعرضها الله على الإنسان على ذلك الشرط المذكور ( يعني القيام بحقها من طاعة الله فيما أمر وترك ما نهى عنه ورسوله ) فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله ... " أ .هـ [1]

عباد الله : لقد أمرنا الله بحفظ الأمانة ورعايتها والقيام بها وأدائها إلى أصحابها, وأخبر سبحانه وتعالى أن القيام بها والعناية بها شيمة من شيم المؤمنين، وخصلة من خصال الأخيار الصالحين، فقال في كتابه المبين وهو يُثني على عباده المفلحين "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ " " أي مراعون لها ضابطون حافظون حريصون على القيام بها وتنفيذها ، وهذا عام في جميع الأمانات التي هي حق لله والتي هي حق للعباد "[2]

والأمانة مما حث عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بالالتزام بها وجعل جزاء الوفاء بها الجنة ، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اضْمَنُوا لِى سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ  " وفي رواية عن أنس قال وإذا ائتمن فلا يخن "[3]

والأمانة من الصفات الحميدة التي اتصف بها الأنبياء والرسل فوصف الله بها نبيه نوح فقال تعالى "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ" ، ووصف بها هودا فقال: "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ " ، وكذلك وصف بها لوطا وشعيبا وداود عليهم الصلاة والسلام،  ووصف الله بالأمانة جبريل عليه السلام ملك الوحي فقال " وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ "  ، ولقد كان خلق الأمانة بارزا في شخص رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، فقد كان معروفا بالصادق الأمين.

  فالأمانة من صفات أهل الخير والصلاح  ، وضدها الخيانة التي هي من صفات أهل الشر والنفاق .

و قد نهى الله ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن خيانة الأمانة قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"  قال السدي " إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم "

وجعلها صلى الله عليه وسلم من صفات أهل الشر فروى البخاري في صحيحه من حديث عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ .

وخيانة الأمانة من صفات المنافقين التي يعرفون بها فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ . وفي رواية لمسلم " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم .

وحذر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من تضييع الأمانة فقال رضي الله عنه " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة  ، يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال : أدً أمانتك ، فيقول أي رب كيف وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال انطلقوا به إلى الهاوية ، فينطلق به إلى الهاوية وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين  ثم قال " الصلاة أمانة ، والوضوء أمانة ، والوزن أمانة ، والكيل أمانة ، وأشد ذلك الودائع " [4]

أيها المسلمون، إن الأمانة مسئولية عظيمة وعبء ثقيل إلا من أعانه الله عليها. وأكثر الناس اليوم لا يعرف عن الأمانة إلا أنها أداء الودائع التي استودع إياها من قبل الناس ( وهو أشد أنواع الأمانة كما أخبر عبد الله بن مسعود )، وهذا المفهوم هو جزء من مفهوم الأمانة الحقيقية، فالأمانة بمفهومها الشرعي الصحيح التزام الإنسان المسلم بالقيام بحق الله وعبادته على الوجه الذي شرعه الله مخلصاً له الدين ، و الالتزام بالقيام بحقوق الناس من غير تقصير .

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه. والله أعلم 

  
الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : قال ابن مسعود رضي الله عنه " الصلاة أمانة ، والوضوء أمانة ، والوزن أمانة ، والكيل أمانة ، وأشد ذلك الودائع " فالصلاة يا عباد الله أمانة في عنق المسلم لا بد أن يأتي بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، قال النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا كما رأيتموني أصلي " والوضوء والغسل من الجنابة أمانة عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَصَامَ رَمَضَانَ وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ قيل يا رسول الله وما أداء الأمانة ؟ قال " الغسل من الجنابة ، إن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها "  ، وجميع العبادات أمانة في أعناقنا يجب أن تؤدى بإخلاص وكما جاء الأمر بها .

و الموظف وظيفته أمانة في عنقه يجب عليه أن يتقي الله عز وجل في ذلك، وأن يقوم بأداء ما أسند إليه من عمل على أكمل وجه وأتمه، فحرص الإنسان على أداء واجبه كاملاً في العمل الذي يوكل إليه مظهر من مظاهر الأمانة.

أيها المسلمون، ومن الأمانة أيضاً حفظ العبد جوارحه وحواسه ومعرفته نعم الله عليه في نفسه وأهله وماله، ومن أدى هذه الأمانة فإنه لا يختار لنفسه إلا الأنفع، ومن الخيانة أن يستسلم المرء لشهواته ويخضع لكل رغباته ويقصر في شئون آخرته.

وأحوال البيت وأمور الأسرة أمانات محفوظة وحرمات مصونة يجب أن تحفظ بستر الله، والمرأة إذا حفظت نفسها وبرت زوجها وأدت حق ربها لم يكن بينها وبين الجنة إلا الأجل.

ومن الأمانة أيضاً: التجارة في البيع والشراء فلا يغش المسلمين في بيعه ولا يبخس منه شيئاً ولا يتاجر بما يضر المسلمين في دينهم ودنياهم.

ومن الأمانة أيضا إيصال الحقوق إلى أصحابها، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومن خيانة الأمانة عدم إعطاء العمال والخدم أجورهم ورواتبهم، أو ظلمهم وبخس حقوقهم. 

ومن الأمانة أيضاً  المحافظة على الأبناء وتربيتهم تربية سليمة وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة وتذكيرهم بثواب الله وتخويفهم من عقاب الله حتى ينشأ الفتى دائم المراقبة لله عز وجل.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ .

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حفظ الأمانة وأن يعيننا على أدائها وأن يوفقنا جميعا لطاعته والسير على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..





[1]  - تفسير السعدي /الأحزاب / الآية 72 بتصرف يسير ص 620
[2]  -المصدر السابق ص 497
[3]  - صيح الترغيب 3/ 121 حديث 2925
[4]  - حسن صحيح الترغيب 3/152 

الجمعة، 1 يوليو 2016

خطبة جمعة : ليلة القدر - بعض أحكام زكاة الفطر والعيد

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين ، اعلموا رحمكم الله أن الدنيا دار اختبار وابتلاء ، والآخرة دار جزاء ، وقد أمرنا ربنا بالتزود لها بالعمل الصالح قال تعالى : (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) .  
  
ومن نعم الله علينا أن جعل لهذه الأمة مواسم تزداد فيها الحسنات وتضاعف فيها الدرجات ، ومنها موسم شهر رمضان المبارك ، ولقد مر من الشهر أكثره ولم يبق منه إلا اليسير من الليالي والأيام ، فمن كان منكم قام بحقه فليتم ذلك وليحمد الله وليسأله القبول ، ومن كان منكم قد فَرَّطَ فيه وأساء فليتب إلى ربه فباب التوبة مفتوح . 

جماعة المسلمين : في هذا الشهر ليلة عظيمة جدا جعلها ربنا –سبحانه وتعالى- موسما عظيما للتنافس ونيل الأجر العظيم، من حرم خيرها فهو المحروم حقا  ، فعن أنس بن مالك :قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم "

إنها ليلة القدر قال تعالى مبينا فضلها وعلو قدرها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ،وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) ، فهذه الليلة المباركة اختارها الله عز وجل لإنزال أعظمِ كتابٍ وهو القرآنُ الكريم كما قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ،فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " 
قال ابن كثير –رحمه الله - : أيْ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ.

وسميت بليلةِ القدرِ لأنها عظيمةُ القدرِ والمنزلةِ، فهي ذاتُ قدرٍ لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، وما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة ، وأن الذي يحييها يصير ذا قدر .
ثم قال سبحانه معظما من أمر هذه الليلة (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) فكان الجواب (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) أي أن العبادة فيها تعادل عبادة ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، وهذا فضل من الله عظيم على العباد أن جعل لهم ليلةً واحدةً في العمر من عبد الله فيها كأنه عبده في ألف شهر كاملة .

قال تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) قال صلى الله عليه وسلم : ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى  " ، والروح هو جبريل عليه السلام يتنزل مع الملائكة الكرام في هذه الليلة لعظم شأنها وعلو قدرها.

أما عن تحريها وطلبها فقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى وقتها فقال ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ، وقال صلى الله عليه وسلم: (ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ) فعلى المسلم أن يتحرى ليلة القدر فيما تبقى من ليالي هذا الشهر، وأن يكثر من العبادة فيها بقيامها قال صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه صلى بالصحابة بعض الليالي من رمضان صلاة القيام، فلما كانت ليلة السابع والعشرين قال أبو ذر : جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ. قَالَ قُلْتُ مَا الْفَلاَحُ قَالَ السُّحُورُ. فعلى المسلم أن يغتنم هذه الليالي المباركة بالمحافظة على الفرائض وإتقانها، والزيادة من النوافل والمندوبات، عن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قال : مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا" كما تستغل هذه الليلة بكثرة الدعاء، فعن عائشة – رضي الله عنها -أنها قالت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ قال تقولين : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني "

ولها علامات تعرف بها حددها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ لاَ حَارَّةً  وَلاَ بَارِدَةً – أي معتدلة- تُصْبِحُ شَمْسُهَا صَبِيحَتَهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ."
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك



الخطبة الثانية : عباد الله شرع الله- سبحانه وتعالى- لنا في ختام هذا الشهر عبادات جليلة ، يزداد بها الإيمان ويكمل بها الصيام ، ومن هذه العبادات زكاة الفطر ، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, عَلَى اَلْعَبْدِ وَالْحُرِّ, وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى, وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ. وَأُمِرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ اَلنَّاسِ إِلَى اَلصَّلَاةِ " فقد دل الحديث على وجوب زكاة الفطر.

وتجب على كل مسلم عن نفسه ملك قوت يومه وليلته، وعمن تلزمه نفقته من والدين وزوجة وأبناء  ، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون " وعن نافع أن ابن عمر : ( كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم ،عمن يعول ، وعن رقيقه ، ورقيق نسائه ) 

والخادم والعامل تجب عليه زكاة الفطر بنفسه ، فإن أخرجها عنه كفيله برضاه أجزأت ، ولا تخرج إلا عن المسلم . 

والحكمة من مشروعيتها هو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين " 

وتخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نخرج في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، يوم الفطر صاعا من طعام . وقال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر " .

ويخرج المسلم منه صاعا ، والصاع هو أربعة أمداد ، وقد قدره العلماء بما يساوي 2 كيلو و أربعين جرام إلى ثلاثة كيلوا تقريبا . ويختلف تقدير الصاع في الوزن باختلاف نوع الطعام المخرج في الزكاة . 

وتدفع للفقراء والمساكين دون بقية أهل الزكاة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :  فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ) 

ويخرجها المسلم في بلد إقامته فإن زادت الزكاة عنهم فلأقرب بلد مسلم ، وإن أخرجها عنه وكيله أو وليه في بلد غير بلد الإقامة أجزأت . 

وأما وقت إخراجها فلها ثلاثة أوقات :الأول وقت جواز : وهو قبل العيد بيوم أو يومين ، لحدث ابن عمر ( كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ) رواه البخاري .فإن أخرجها قبل ذلك فلا تجزئ عنه . 
الثاني : وقت وجوب وهو قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )
الثالث : وقت تحريم وهو بعد الصلاة ، ولا تجزئ عنه وإنما هي صدقة من الصدقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ، ومن أخرها لعذر صحيح أخرجها بعد الصلاة وهي مجزئة إن شاء الله .

عِبَادَ اللَّهِ: يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِصَلاَةِ الْعِيدِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. كَمَا يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى صَلاَةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَنْ يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وِتْرًا: ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. وَكَذَلِكَ يُسَنُّ لَهُ التَّكْبِيرُ حتى يشرع الإمام في صلاة العيد

فتمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة تفلحوا .