الثلاثاء، 24 يناير 2017

مقال : لماذا علينا أن نهتم بجانب العقيدة ؟


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

فإن من أعظم النعم التي منّ الله بها علينا أن جعلنا مسلمين، ننتمي لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم – فالله -سبحانه وتعالى- وصف هذه الأمة بأنها خير الأمم وأوسطها وأعدلها، فكان الانتساب إليها من أعظم الشرف.

فإذا علمنا ذلك وجب علينا أن نفخر بهذا الدين وبتعاليمه وأحكامه، وبانتمائنا له، ولهذه الشريعة الكاملة التي ختم الله بهذا الشرائع السابقة، وجعلها دينا يعتنقه العباد إلى يوم المعاد.

ولأجل ذلك كان لزاماً علينا أن نتعلم أحكام هذه الشريعة الغراء، ونعلمها لأجيالنا، وأن نلحق العمل بالعلم، وأن ندافع عن ديننا وأحكامه ضد من يسعى للنيل منه، ببث الشبهات وتحريف النصوص أو تأويلها بوجه باطل، ثم ندعو الناس إلى هذا الخير وإلى هذه الفضائل، مع التواصي بالصبر والحكمة.

وإن من أعظم ما نتعلمه ونعمل به وندافع عنه وندعو إليه التوحيد والعقيدة والإيمان بالله.

فإن قال قائل : ما سبب هذا الاهتمام بأمر التوحيد والعقيدة والإيمان بالله ؟

الجواب : الاهتمام بأمر التوحيد والعقيدة والإيمان بالله يرجع إلى جملة من الأسباب لعل من أهمها : 

أولا:  العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه جميع أحكام الشريعة من العبادات والمعاملات والسلوكيات، فمنزلة العقيدة في الإسلام كمنزلة الأساس للمبنى، فكما أن فساد الأساس يستلزم فساد المبنى، وصحته تستلزم صحة المبنى، كذلك هو شأن العقيدة بالنسبة إلى الأحكام العملية، فإذا كان الأساس هزيلاً وضعيفاً فإما أن ينهار أو يكون هشاً لا يقوى على تحمل تكاليف الشرع المطهر.

ولذلك اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم – بأمر العقيدة في دعوته من أول مبعثه إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم – وهو يرسخ قيمها ومبادئها.

ثانيا: العقيدة والتوحيد والإيمان بالله هو أول ما يدخل به الإنسان هذا الدين، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وفي هذا أبلغ دلالة على أهمية العقيدة في حياة الإنسان.

فهل يليق بمسلم ينطق بالشهادة، وهو لا يعلم معناها، ولا ما يلزم من نطق بها من أحكام ؟ 

الجواب : لا يليق به، بل الواجب عليه تعلمها ومعرفة شروطها وأركانها، لأن الله أمره بذلك، كما قال سبحانه : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " (محمد:19)

ولن يتمكن من معرفة هذه الأركان إلا بأن يتعلم العقيدة والتوحيد والإيمان بالله.

ثالثا : لن ينجو أحد يوم القيامة إلا إذا أتى بعقيدة سليمة خالية من الشبهات والانحراف، كما دلّ عليه قول الله سبحانه وتعالى : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء 88-89) والقلب السليم هو القلب الخالي من الشبهات التي تقدح في العقيدة، ومن الشهوات التي توقع في المعاصي.

رابعا: العقيدة الصحيحة من أسباب حفظ الإنسان من الانحراف الفكري والعقدي، فإنّ أهل الزيغ والانحراف يسعون جاهدين لإضلال البشرية عن طريق الحق، بما يثيرونه من شبهات، قال تعالى في وصفهم: " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ" (آل عمران:7).

وإذا تحقق الأمن العقدي والفكري بين الناس تحقق الأمن العام في المجتمع، فيُحفظ أمن الدولة، ويأمن الناس على ضرورياتهم من الدين والنفس والعقل والمال والعرض من أن يُعتدى عليها أو تُنتهك .

كما أنها تسهم في انتشار العدالة بين الناس، وبث روح التسامح بين جميع الفئات التي تسكن على أرض الدولة، وفق أحكامها التي تقرر صيانة دم وأموال غير المسلمين من أتباع الشرائع المختلفة، مع اعتزاز المسلم بأصول دينه وأحكامه، ليكون ذلك دافعا لهم للدخول في هذه الشريعة الإسلامية الخاتمة، وهذا الأمر لا يعرفه حق المعرفة، ويعمل به كما شُرع إلا من تعلم العقيدة الصحيحة، وترسخ الإيمان بها في قلبه.


خامسا: العقيدة الصحيحة هي أساس دعوة جميع المرسلين، قال تعالى : "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"  (النحل:36)، وأساس كل دعوة صحيحة تنتهج سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلَمَّا بَعَثَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى.." رواه البخاري فكانت العناية بها متحتمة وضرورية.


سادسا: تعلم العقيدة الصحيحة يعصم الإنسان من الوقوع في الشرك الذي هو أكبر ذنب عُصي الله به، ولذلك لا يغفره الله أبدا، فإذا تعلم الإنسان العقيدة الصحيحة وحد ربه ولم يشرك به شيئا.

سابعا : تعلم العقيدة الصحيحة يسد حاجة النفس في رغبتها الملحة بأن تتعلق برب تعرفه، وتلجأ إليه، وتعبده، فهذه فطرة فطر الله الناس عليها، كما قال تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" (الأعراف:172) .


فالعقيدة تُعرّف الإنسان بربه، فيعرف أسماءه وصفاته وما تتضمنه من المعاني.


يعرف ما أعده ربه له إن هو أطاعه، والجزاء الذي أعده له إن هو خالفه وعصاه، كما أنه يعرف أحواله في هذه الحياة من وصوله لسن التكليف إلى دخوله الجنة أو النار.

كما أنها تجيب الإنسان على أهم الأسئلة التي يواجهها في حياته ولا يجد لها جوابا منطقيا يقنعه.

فالعقيدة تعرفك – أخي القارئ - من أنت ؟

ومن الذي أوجدك؟

وما سبب وجودك في هذه الحياة؟

وما مصيرك بعد هذه الحياة؟

هذه هي الأسئلة التي تشغل بال الإنسان منذ أن أوجده الله تعالى في هذا الكون، فإن لم يجد إجابة صحيحة ومقنعة فسيظل حائرا.

لهذه الأسباب ولغيرها نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرر أمور العقيدة في كتابة في مواضع عديدة، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – اعتنى بتعليم العقيدة للناس عموما وللصحابة خصوصا، ففي مكة استمر - صلى الله عليه وسلم- يُعلم الناس العقيدة مدة ثلاث عشرة سنة، لم يُفرض خلالها شيء من العبادات ما عدا الصلاة التي فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات.

لذلك كان لزاماً علينا أن نتعلم أركان الإيمان بالله تعالى، وأحكام توحيده، وأن نُعلّم ذلك لأبنائنا وأهلينا .

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه . 
  

الثلاثاء، 17 يناير 2017

مقال: دور الخطاب الديني المعتدل في الإصلاح وعلاج الفكر المنحرف ( إشكاليات الخطاب الديني) ج 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

كان الحديث في المقال السابق عن دور الخطاب الديني المعتدل في الإصلاح وعلاج الفكر المنحرف، وبينت أهميته، وذكرت الأمثلة التي أثبت فيها الخطاب الديني جدارته في العلاج.

ولكن بقيت استفسارات وإشكالات قد تثار حول إمكانية استعمال الخطاب الديني المعتدل في العلاج، أذكرها وأبين التوجيه الصحيح حولها.

الإشكال الأول: إذا كان للخطاب الديني أثر في الإصلاح وعلاج الفكر المنحرف، فلماذا نرى – في الواقع- ضعف هذا التأثير، وذلك من خلال وجود الأفكار المنحرفة، والتي قد تصدر ممن يتكلم بالخطاب الديني وينادي به ؟ 

الجواب : الخطاب عموما والديني خصوصا – وحديثنا عنه- يتكون من عناصر وهي : المُخاطِب ، والمُخاطَب ، وفحوى الخطاب ومضمونه، والصيغة التي يؤدى بها هذا الخطاب، والوسيلة المستعملة في تبليغه.

فمن أجل أن يعطي الخطاب الديني ثمرته ونتيجته المتوقعة لا بد أن تتحقق الشروط اللازمة لذلك، وتنتفي الموانع التي تحول دون تحقق هذه النتيجة، فإذا تخلف أثر الخطاب فإنّ ذلك يرجع إلى وجود إشكال في أحد هذه العناصر بتخلف شرط أو وجود مانع، الأمر الذي أدى إلى عدم ظهور نتيجته.

فقد يكون فحوى الخطاب الديني غير صحيح، إما من جهة ثبوته كأن يستدل المخاطِب بحديث ضعيف، وإما جهة فساد الاستدلال.

وقد يكون لدى المخاطَب – وهو المقصود بالخطاب- من الموانع ما يحول بينه وبين فهم الخطاب الديني، كالهوى والتعصب والتقليد المذموم وعدم الفهم والإدراك أو ضعفه ونحو ذلك.

ولبيان ذلك أضرب مثالاً لنبي الله نوح -عليه الصلاة والسلام-، ولاستعماله الخطاب الديني في دعوته لقومه.

فالمخاطِب: هو نوح عليه الصلاة والسلام، والمخاطَب : قومه، وفحوى الخطاب ومضمونه  سليم وثابت لأنه من الله سبحانه وتعالى، لا شك فيه ولا مرية، والصيغة التي يؤدى بها هذا الخطاب أفضل الصيغ لأن الله سبحانه وتعالى اختار نوحاً عليه الصلاة والسلام واصطفاه، مع تنوع الوسيلة المستعملة في تبليغ هذا الخطاب فاستعمل الترغيب والترهيب، والنصيحة العلنية والسرية ، قال تعالى : "إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . " [نوح:1-4] ، وقال : " ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا " [نوح 8-9]

فما هي النتيجة ؟ 

قال تعالى : "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ" [هود:40 ] .

فما هو السبب في عدم إيمان قوم نوح به وتأثرهم بالخطاب الديني ؟

الجواب : السبب يرجع إلى المخاطبين وهم ( قوم نوح ) ، لأنهم رفضوا الاستمرار في الاستماع لخطابه الديني، قال تعالى : " وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا." [نوح:7 ]، وظهر هذا الاستكبار في احتقار نوح – عليه الصلاة والسلام- ومن آمن من قومهم معه، كما قال تعالى : "فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ. " [هود:27].

إذاً الخطاب الديني سليم وله أثره لأنه من لدن حكيم خبير بالناس وأحوالهم وما يصلحهم، ولا يمكن الطعن في المخاطِب ولا في فحوى خطابه وصيغته لأنه نبي من أولي العزم اختاره الله واصطفاه، ولكن وجد مانع حال دون وقوع أثره وهو رفض قوم نوح لهذا الخطاب وتكذيبه واحتقار المُخاطِب ومن معه، فلا نلقي باللوم على المخاطِب – نوح عليه السلام- لعدم ظهور نتيجة خطابه الديني المحكم، وإنما يلقى اللوم والخطأ على قومه المخاطبين.

وهذا هو الحال مع بقية الرسل والأنبياء، لدرجة أن بعضهم يأتي يوم القيامة ولم يتبعه أحد، قال - صلى الله عليه وسلم - : " عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِي وَمَعَهُ الرَّهْطَ وَالنَّبِي وَمَعَهُ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ وَالنَّبِي وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ " متفق عليه . 

ولهذا فإن الله – سبحانه وتعالى- جعل مهمة الرسل والدعاة البلاغ ومحاولة الإقناع والإرشاد، وهداية الناس هداية البيان والدلالة والتعليم ، وأما الانقياد للحق واتباعه فهذه مسؤولية المُخاطَبين،  قال تعالى : " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ." [النور:54 ] ، وقال سبحانه : "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"  [البقرة:272] . 

الإشكال الثاني: الاختلاف في مضمون الخطاب الديني الناتج عن اختلاف الفرق والجماعات التي تدعي استعمال الخطاب الديني، مع وجود التناقضات فيما بينها، يؤدي إلى عدم الثقة في دوره في عملية الإصلاح وعلاج الانحراف الفكري . 

الجواب : هذا الإشكال مبني على عدم فهم طبيعة الاختلاف الواقع بين البشر عموما، وبين المسلمين خصوصا.

فالله -سبحانه وتعالى – بينّ أن الاختلاف سنة كونية ولا بدّ من وقوعه بين الناس، ابتلاءً واختباراً لهم، ليتبين الصادق من الكاذب، والمتبع من المبتدع، فقال : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ." [هود:118-119].

وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بوقوع الاختلاف في هذه الأمة في أحاديث كثيرة، وحذر الله – سبحانه وتعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم – من خطابهم الذي يستعمل فيه الدين على غير وجهه الصحيح. 

قال تعالى : " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ" [آل عمران:7 ] فيتركون المحكمات من الأدلة، ويركنون إلى المتشابه لينصروا انحرافاتهم العقدية والفكرية.

والنبي - صلى الله عليه وسلم – بين ذلك جلياً لما قال لحذيفة : " دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، فقال حذيفة : صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا " متفق عليه. 

فبين - صلى الله عليه وسلم – أن هؤلاء الدعاة الذين انحرفوا عن الحق يستعملون الخطاب الديني، ولكن لا لينصروا به الحق، وإنما ليضلوا الناس عنه.

ومن الأمثلة الجلية التي تبين استعمال بعض الفرق المنحرفة للخطاب الديني لنصرة فكرهم المنحرف الخوارج، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - : يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِى يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَيءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. " رواه مسلم ، وفي رواية عند البخاري: "يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ."

فأخبر - صلى الله عليه وسلم – عن الخوارج أنهم يستعملون الخطاب الديني المتضمن للنصوص الشرعية، ولكنه خطاب منحرف، أدى بهم للمروق من الإسلام وأحكامه، لأنهم استدلوا بالنصوص في غير ما وضعت له، وفسروها بأهوائهم.

ومن حرص النبي - صلى الله عليه وسلم – على الأمة أن بين لها الخطاب الديني الواجب الاتباع عند حصول الاختلاف والفتن فقال : " فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».

فالخطاب الديني العاصم من الانحراف العقدي والفكري هو الخطاب الوسطي الصحيح القائم على اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – واقتفاء فهم السلف وعلى رأسهم الصحابة رضوان الله عليهم.

ومن لم يفهم هذا الأمر اشتبه عليه الأمر ورمى الخطاب الديني بالتناقض والفشل.

الإشكال الثالث : الخطاب الديني خطاب قديم له وقته الذي يناسبه، ولكنه لا يَصلح ولا يُصلح وقتنا المعاصر المتطور، والمختلف كليا عن وقت تكوين الخطاب الديني.

والجواب عن ذلك : 

أولا: هذا الإشكال نابع عن جهل بحقيقة هذا الدين وهذه الشريعة التي جعلها الله خاتمة لجميع الشرائع إلى قيام الساعة.

وإذا اعتقدنا بأنها شريعة خاتمة، وأنه لا شريعة بعدها، فيلزم من ذلك صلاحيتها مطلقاً وأبدا، وإلا احتاجت لشريعة أخرى تكملها وتكمل نقصها، وهذا لا يقوله مسلم.

ثانيا: المسلم يعتقد أن الواقع المتطور هو الذي يخضع في أحكامه للشريعة الإسلامية، وليست الشريعة هي التي تخضع وتتغير لتغير الواقع وتطوره، وإن كانت قواعدها تراعي اختلاف الزمان والمكان، وفيها من المرونة ما يسع هذه التغيرات، ولكن توجد أصول وثوابت وقواعد هي الأساس الذي ينبغي أن تنطلق منه أي حضارة وأي تقدم.

وهذه الأصول والثوابت تشتمل على أرقى القيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية المصلحة لكل زمان ومكان، وتجمع أصول الكمال والتقدم والحضارة.

ثالثا : مما يدلنا على صلاحية الخطاب الديني ومواكبته لأي تطور وتقدم قيام حضارة إسلامية امتدت نحو ثمانية قرون، استفاد منها الغرب – وباعترافهم- في حضارتهم الحالية.

فلم يكن الخطاب الديني سبباً في توقف التطور والتقدم، بل نصوص الشريعة الإسلامية تدعو إلى التعلم والتطور بما يخدم الناس في هذه الحياة، من أجل تحقيق الهدف الأعظم من وجودهم على الأرض وهو تحقيق العبودية لله تعالى . 

رابعا: الخطاب الديني المعتدل يسعى إلى تهذيب التطور الحضاري والتقدم الفكري البشري بما يعود بالخير والسعادة على البشرية جمعاء، وربط العلوم الحياتية بالأخلاق، ولذلك يحرم كل ما فيه ضرر بالإنسان وما يحيط به، لأن الإنسان مؤتمن على نفسه والآخرين والمكان الذي يعيش فيه.

أما الحضارة القائمة على تقديس المادة ولو على حساب الروح وأحكام الدين فإنها تقوم على مبدأ : الغاية تبرر الوسيلة .

فلأجل التقدم المزعوم صنعت الأسلحة المدمرة للبشرية، وللحيوان، والأرض، والبحار والمياه، في حين أن الخطاب الديني المعتدل ينص كما في قوله تعالى على : " وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ." [الأعراف:56 ] وقال سبحانه : " وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ،وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ." [البقرة:205-206]

الحضارة التي تغلو في المادة على حساب القيم والأخلاق انتهكت باسم التطور والتقدم آدمية الإنسان واحتياجاته الفطرية، فأصبح الإنسان لديهم حقل تجارب، أما الخطاب الديني المعتدل فيحترم الإنسان لبشريته ودينه، ويصون دمه وماله وعرضه، ليعيش في أمن وسلامة وسعادة.

إذاً الخطاب الديني المعتدل القائم على اتباع النصوص الشرعية، بفهم السلف الصالح من الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، والمهتدي باجتهادات العلماء الربانيين، والذي يدعو إلى جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المفاسد وتقليلها، ويتضمن خيري الدنيا والآخرة وما يحقق السعادة للعبد فيهما هو الخطاب القادر على الإصلاح وهداية البشرية وإنقاذها من الانحرافات العقدية والفكرية التي تعصف بهم.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه . 


الاثنين، 9 يناير 2017

خطبة للاستسقاء

الخطبة الأولى : اعلموا رحمكم الله أن الله –سبحانه وتعالى- خلق الخلق لغاية عظيمة،  وهي توحيد الله- جل في علاه- وإفراده بالعبادة دون سواه ، قال سبحانه :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"  ، وأمر بذلك جميع الناس فقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"

 والعبادة تكون بطاعة الله فيما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر، ورتب سبحانه على طاعته حصول الفوز و والسعادة والنجاة في الدارين قال سبحانه:" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " ، كما رتب سبحانه على الكفر والمعاصي الخسارة والضلال والشقاوة في الدارين .

  ولذلك قال أهل العلم " قد دل العقل والنقل والفطر وتجارب الأمم  على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمه بمثل عبادته وطاعته وتوحيده "
   
وما وقعت الشرور والفتن والمحن إلا بالذنوب والمعاصي قال تعالى :" فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " . ومن تدبر آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك رأي عين ويقين 

عباد الله : إن للذنوب والمعاصي أضرارا على الأفراد والمجتمعات، ويمتد أثرها السيئ إلى البهائم والجمادات، قال صلى الله عليه وسلم : (الْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) 

وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أضرار الذنوب ومخالفة أحكام الشرع فقال صلى الله عليه وسلم : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ . 

وقال ابن القيم  : ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن قال تعالى : "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" ا.هـ

ومن أضرار المعاصي على أهل الأرض حصول القحط وتأخر المطر عن أوانه وزمانه، ونزول المطر من نعم الله على عباده إذ به حياة أهل الأرض لا غنى لهم عنه أبدا، وقد امتن الله به على عباده في غير ما آية من كتابه، فبالمطر تُنبت الأرضُ شجرَها فيأكل الإنسان وترعى البهائم قال تعالى  :" الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى " 

بالمطر يحيي الله الأرضَ بعد موتها قال تعالى: "وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"  ويجعلُها خضراء تسر الناظرين قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" ، بالأمطار تسقى الخلائق على اختلاف أجناسها قال تعالى  " وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ" ولكن هذه النعمة قد يحجبها الله عن العباد بسبب الذنوب والمعاصي، فيحصل لهم العنت والعذاب، وتحل بهم المجاعة، والفقر والحاجة، وتغلوا الأسعار، ويهلك الناس. 

ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط فكادوا أن يهلكوا فروى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَقَالَ ( لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِىءٌ ). قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) قَالَ فَمُطِرُوا.

أيها المسلمون : لقد استهان كثير من المسلمين – هداهم الله- بمخالفة أحكام الشرع فضيعوا الفرائض وانتهكوا المحرمات، ونسوا قدرة الله عليهم وأنه يراهم ويسمعهم ويعلم حالهم، فركنوا إلى جانب المغفرة ونسوا أن الله شديد العقاب، قال تعالى: "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ " ، و ركنوا إلى حسن الظن بالله فتركوا العمل وغفلوا أن حسن الظن بالله لا يكون إلا  مع العمل، وركن بعضهم إلى آيات وأحاديث الرجاء بالله، وتناسوا أحاديث الخوف، وغفلوا أن من رجا شيئا خاف فواته وسعى إلى تحصيله بحسب الإمكان قال تعالى :" فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" ومن غلّب جانب الأمن من عذاب الله في الدنيا أخافه الله يوم القيامة قال تعالى في الحديث القدسي:  وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . 

وربما اغتر هؤلاء العصاة بما يرون من نعم الله عليهم تتوالى وتزيد ويظنون أن ذلك من محبة الله لهم وأنه سيعطيهم في الآخرة أفضل من ذلك، وتناسوا أن ذلك إنما هو استدراج قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِى الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" . أي آيسون منقطعون من كل خير . 

فنرى في مجتمعنا من المعاصي التفريط في الصلاة والتهاون في أدائها وخصوصا صلاة الفجر،ونرى تركا للزكاة وهذا من أسباب منع القطر من السماء، ونرى أكلا للربا مع العلم بحرمته وأنه من أكبر الكبائر وأن فيه محاربة لله ورسوله ولكنه أبيح بدعوى الحاجة، وانتشر التبرج بين النساء حتى صارت المرأة المحجبة غريبة بين النساء شاذة بلباسها، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتبرجات وأخبر أنهن من أهل النار، وانتشر الزنا والتعارف بين الشباب والفتيات بدعوى الصداقة والحريات الشخصية، وأقبل كثير من الناس على التدخين بيعا وشراء وشربا وتفاخرا، ولا كأنه محرم قد اتفقت كلمة العلماء على تحريمه  وغير ذلك كثير من الذنوب والمعاصي التي أصبحت تفعل علانية . 
ولكن الله – عز وجل- يعامل الناس برحمته وبحلمه فهم الرحيم الحليم بعباده، يذيقهم بعض ذنوبهم، ولو عاقبهم على جميع ما يصدر منهم لهلكوا  قال تعالى:" وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا "

جماعة المسلمين : لقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى ما نستجلب به نعمة الأمطار ألا وهو تحقيق التقوى بفعل أوامره واجتناب نهيه مع الإكثار من الاستغفار قال تعالى:" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"  وقال سبحانه :" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " 

 وفي آخر الزمان عند نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال وحكمه بشرع الله مع تحقيق العدل يبارك الله في الأرض ونباتها ومائها قال صلى الله عليه وسلم : ثم يرسل الله مطرا لا يَكُنُّ منه بَيْتُ مَدَر،ولا وَبَر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلَفَة، ثم يقال للأَرض : أنْبتي ثمرتك ، ورُدِّي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابةُ من الرُّمَّانة ، ويستظلُّون بِقِحْفِها (بقشرها) ، ويبارَك في الرِّسْلِ (اللبن)، حتى إِن اللقْحَةَ من الإِبل لتكفي الفئام من الناس، واللِّقْحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفَخِذَ من الناس. 

كما أن الاستغفار والتوبة من أسباب رفع العذاب وصرف البلايا والمحن قال تعالى:"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". وقال تعالى:" وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " 

فأكثروا من الاستغفار ، واتقوا الله واتعظوا واعتبروا وبادروا بالتوبة، وردوا المظالم إلى أهلها، ولا تمزقوا بالغيبة أعراضكم، وتسامحوا وتراحموا ولا تشاحنوا ولا تباغضوا ، وأكثروا من الصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تنشغلوا بأموالكم وأهليكم عن طاعة ربكم. 

واعلموا أنما هي ساعات وأيام وتنقضي الأعمار وإن طالت، فهي يوم القيامة كساعة من نهار أو عشية أو ضحاها، ثم تصيرون إلى قبور مظلمة، نورها العمل الصالح. 

نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . 


الخطبة الثانية : أيها المسلمون إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِيخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ . 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَنِىُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ 

اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيًّا مَرِيعًا  غَدَقًا طَبَقًا  عَاجِلاً غَيْرَ رَائِثٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ   . 

اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا . 

اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرق. اللهم اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا بركاتك، واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع بذنوبنا فضلك

الخميس، 5 يناير 2017

مقال: دور الخطاب الديني المعتدل في الإصلاح و علاج الفكر المنحرف ( ج 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد ..

فمن المعلوم قطعاً عند كل مسلم أن الله – سبحانه وتعالى- قد ختم بشريعة الإسلام جميع الشرائع السابقة، وختم برسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم – جميع الرسالات فلا نبي ولا رسول بعده.

 ولكون هذه الشريعة هي الخالدة إلى قرب قيام الساعة جعلها الله – سبحانه وتعالى- صالحة ومصلحة لجميع الأفراد والمجتمعات، على مدى الدهور والأعصار، مهما تطاول الزمان وتطورت الحياة وتغيرت.

لذلك جاءت نصوص الشريعة من كتاب وسنة تأمر العباد باتباعها وعدم مخالفتها، ووعدهم ربهم – سبحانه وتعالى- بالسعادة في الدارين، وتوعد من خالفها بالذل والمهانة والشقاء في الدارين، قال تعالى : " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"  [طه:123-126] .

وبين - صلى الله عليه وسلم – أنّ اتباع هدي الكتاب والسنة سبب لتحقيق الهداية والخروج من الخلاف مهما عظم، فقال: " تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ " رواه مالك والدارقطني.
ولذلك كل من أراد الصلاح والإصلاح، وقمع الفساد والإفساد فلن يجد غير الهدي الرباني كوسيلة لتحقيق هذه الغاية .

بل كل وسيلة تعارض الشرع الحكيم فإنها سبب في الفساد والإفساد، وإن رآها بعضهم ذات نفع،  وإلا لما منعها الشرع وحرمها، فالمقصد من التشريع هو الأمر بكل ما فيه صلاح وإصلاح، والنهي والمنع عن كل ما فيه فساد وإفساد.

ومن الإشكالات التي عالجها الشرع الحنيف مشكلة الانحرافات العقدية والفكرية، حيث أخبر الله عن وقوعها،  وطرق الوقاية منها، وحذر من أسبابها، وبين طرق علاجها في حال وقوعها.

والانحراف العقدي والفكري قديم الوقوع منذ عهد نوح عليه الصلاة والسلام، قال سبحانه : " "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ،إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " [هود:118-119 ] ، بل هو من الابتلاء الذي جعله الله – سبحانه وتعالى- في الأرض، ليمحض الصادقين من الكاذبين، قال سبحانه: "الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. " [العنكبوت:1-3].

ومن فضل الله على هذه الأمة أن بين لها سبيل الخلاص من هذا الانحراف والاختلاف، عن طريق الخطاب الديني المعتدل المبني على اتباع الوحي، فقال سبحانه : "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [آل عمران:101]، والنبي - صلى الله عليه وسلم – بيّن سبيل النجاة من الانحرافات العقدية والفكرية في غير ما حديث، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" رواه أبوداود . 

فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم – الداء وهو الافتراق والاختلاف، ثم ذكر الدواء وهو اتباع سنته وهديه، واتباع سنة وهدي الصحابة من بعده وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، والحذر من البدع والمحدثات. 

فمن أراد النجاة من هذه الاختلافات العقدية والفكرية فلا بد أن يتضمن خطابه وحواره مع المنحرفين هذا المنهج النبوي، فإنه كفيل بحماية العباد وصيانة عقيدتهم وفكرهم، لذلك قال الزهري –رحمه الله- : السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك . 

والصحابة رضوان الله عليهم بادروا إلى استعمال خطاب ديني قائم على تطبيق هذا المنهج الشرعي عند الاختلافات والفتن فنجوا، ومن أعرض عنه هلك .

ومن ذلك ما رواه الدارمي عن عَمْرو بْن يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟  
قُلْنَا: لاَ .
فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعاً، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. 
قَالَ: فَمَا هُوَ؟ 
فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ - قَالَ - رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً.
 قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ 
قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ. 
قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ.
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟
قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. 
قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِى نَفْسِي فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِي بَابِ ضَلاَلَةٍ.
 قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ. 
قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. 
ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ. رواه الدرامي .

فتأمل – أخي القارئ الموفق- كيف زين الشيطان للناس الابتداع في أمر دينهم، إذ أظهر لهم البدعة في صورة عبادة يتقربون بها إلى الله، وفي حقيقتها انحراف في الاعتقاد والسلوك.

والصحابة رضوان الله عليهم رجعوا في تقويم هذا الانحراف إلى أهل العلم، لأنهم الأقدر على معرفة الخطأ وتصويبه والطريقة المناسبة لذلك. 

فلما عرض الأمر على الصحابي الجليل العالم عبد الله بن مسعود، خاطبهم وحاورهم  بأسلوب تضمن المنهج النبوي في العلاج، فرد الانحراف العقدي والفكري إلى السنة وأقوال الصحابة، فقال لهم ابن مسعود رضي الله عنه: "هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم -  مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِى نَفْسِى فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِي أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ مُفْتَتِحِي بَابِ ضَلاَلَةٍ".
   
ولما ناظر ابن عباس -رضي الله عنهما- الخوارج ليعالج انحرافهم العقدي والفكري استند في خطابه الديني معهم على المنهج النبوي فقال لهم : "جئتكم من عند أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله"  أخرجه عبد الرزاق في المصنف. 

ثم سار العلماء الربانيون رحمهم الله على ذات المنهج، يعالجون الانحرافات العقدية والفكرية بخطاب ديني معتدل، أساسه كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وطريقة الصحابة وهديهم.

 فهذا هو إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله- لما وقعت فتنة القول بخلق القرآن، وهي انحراف عقدي خطير، اتبع ذات المنهج في خطابه الديني فكان يقول لهم: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أقول به. ينظر : سير أعلام النبلاء (11/ 247)

ولكن أهل الأهواء لا يرتضون بهذا المنهج، فكان أحمد بن أبي دؤاد – رأس الفتنة – يقول للإمام أحمد :  أنت لا تقول إلا ما في الكتاب أو السنة ؟ " ، معترضاً على المنهج النبوي الذي سلكه الإمام أحمد -رحمه الله- في خطابه وحواره، فماذا كانت النتيجة ؟
نصر الله الإمام أحمد –رحمه الله- لاتباعه المنهج النبوي السليم في علاج الانحراف العقدي والفكري، وخذل الله رأس الفتنة ورد كيده في نحره .

ومن الأمثلة التي تبين سلامة الخطاب الديني المعتدل القائم على المنهج النبوي في علاج الانحرافات العقدية ما ورد في مناظرة شيخ كبير عالم لأبن أبي دؤاد في فتنة خلق القرآن بحضرة المعتصم، إذ قال المعتصم لابن أبي دؤاد: سلْهُ. 
فقال الشيخ: المسألة لي، تأْمُره أن يجيبني، فقال: سل.
فأقبل الشيخ على ابن أبي دؤاد يسأله فقال: أخبرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه، أشيء دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ 
قال: لا! 
قال: فشيء دعا إليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - بعده؟
 قال: لا! 
قال: فشيء دعا إليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعدهما؟ 
قال: لا! 
قال الشيخ: فشيء دعا إليه عثمان بن عفان بعدهم؟ 
قال: لا! 
قال: فشيء دعا إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعدهم؟ 
قال: لا! 
قال الشيخ: فشيء لم يدعُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله تعالى عنهم تدعو أنت الناس إليه ؟! 
ليس يخلو أن تقول: علِموه أو جهِلوه؛ فإن قلتَ: علِموه وسكتوا عنه، وسِعَنا وإياك ما وَسِع القوم من السكوت، فإن قلتَ: جهِلوه وعلِمتُه أنا، فيا لُكَعُ بن لكع! يجهل النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم شيئا وتعْلمه أنت وأصحابك؟! . روى القصة الذهبي في السير والآجري في الشريعة وابن بطة في الإبانة.

فهذا الشيخ العالم استعمل في  علاج الانحراف العقدي الخطاب الديني القائم على السنة النبوية وهدي الصحابة – رضوان الله عليهم- فقُطع ابن أبي دؤاد، وكانت النتيجة ما ذكره الذهبي بقوله : " وسقط من عينه –يعني الخليفة- ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعدها أحداً . " السير (10/309) ، والأمثلة في هذا الباب يكثر ذكرها. 

فالخطاب الديني المعتدل القائم على النصوص الشرعية، والاستدلال الصحيح، وفهم السلف الصالح هو أفضل طريقة يمكن للأفراد والدول استعمالها لعلاج جميع الانحرافات، عقدية كانت أو فكرية. 

سأستكمل الكلام على دور الخطاب الديني المعتدل في الإصلاح في المقال القادم بإذن الله .

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه

الأحد، 1 يناير 2017

مقال: متفيهقة تويتر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

فمن المعلوم لدى العقلاء بداهة أنّ أساس الرأي هو العلم، وأكبر آفاته الجهل، ويعظم الخطبُ لمّا يعتقد الجاهل في تخصص ما أنَّ لديه علماً فيه، فإنه سيفسدُ فيه ولا بدّ، وقديماً قيل: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.

وبعض التخصصات من الخطورة بمكان أن يخوض غمارها من لا يتقن مبادئها وأسسها، فإن ضرره متحتم ولا بد، كالطب والسياسة ونحوها، فإن تحذلق متحذلق فيها بغير علم أتى بالعجائب.

ومن هذه التخصصات التي ولجها من لا يتقنها أحكام الشريعة الإسلامية، إذ تفنن فيها بعض الجهلة وأنصاف المتعلمين وقطاع الطرق وحطاب الليل، فأتوا فيها بالمتناقضات، وأنكروا المسلمات الواضحات، وخاضوا في لجج بحارها فغرقوا وأوشكوا على الهلاك، وأهلكوا من معهم ممن اتبعهم، واغتر بغيهم.

مع أن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قد حذرا من الخوض في الشرع بلا علم، وتوعدا فاعل ذلك بالعقوبة الأليمة، قال تعالى : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" [الإسراء:36] ، وقال سبحانه: " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ." [النحل:116-117] . 

ولكن شياطين الإنس لم يعيروا هذا التهديد اعتبارا، بل تمادوا في غيهم وضلالهم، فصيروا من أنفسهم مفتين في نوازل الأمة والمسلمين، واتخذوا من وسائل التواصل الحديثة منبراً، ينشرون من خلالها جهلهم.

فكلما نزلت بالمسلمين نازلة وفاقرة، خرجوا عليهم بجرأة قبيحة فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، ذامين من خالفهم، مع نسبتهم للدعشنة تارة، وللفكر الظلامي أخرى.

مع رفعهم لبعض الشعارات الموهمة، التي تحتوي حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، فأغروا الناس بها، واغتر من لا علم له بحالهم بهم، فأيدوهم ونصروا أقوالهم، مع بعدهما عن الحق.

وهذه حال أهل الضلال والزيغ كما وصفهم الله عز وجل بقوله : " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ. " [آل عمران:7 ] ، فطفقوا يستدلون بآيات من الكتاب الحكيم، وبأحاديث من سنة سيد المرسلين، على أحكام يعلمون في قرارة أنفسهم مخالفتهما للشرع الحكيم.

فإن قيل : ألا تكفي دلالة النصوص المذكورة على تقرير هذه الأحكام التي ترون بطلانها؟

الجواب: لا يكفي الاستدلال بالنص على تقرير الحكم حتى يكون النص صحيحاً، ووجه الاستدلال به صحيح كذلك، مع النظر في طريقة استدلال العلماء –رحمهم الله- به.

ومع ذلك نجد الكثير من غير المتخصصين في العلوم الشرعية في وسائل التواصل الاجتماعي يتجرؤون على جناب الشريعة بالافتراء عليها، وذلك بتقرير أحكام لا تتفق مع أحكامها وأصول عقيدتها وما قرره الأئمة الأعلام، أو بنفي ما لا يتناسب مع توجهاتهم – حزبية كانت أو فكرية-.

وبعض الكتاب والمغردين ربما كتب له بعض أهل السوء ما يود نشره بين الناس ليفسد عليهم دينهم، فينشره باسمه لينال بذلك حظوة لدى القراء.

وبعض الكتاب والمغردين –مع جهله بأسس الدين-  يطعن في الإسلام – والإسلام بريء مما افتراه عليه- نتيجة توجهه الليبرالي، وذلك تحت شعارات مكتسبة من توجهات فكرية مخالفة للإسلام، كالتنوير والعلمانية والإلحاد.

وخطر هذه الفئة من الكتاب والمغردين كبير جدا، حيث أنهم :
أ ) يشككون المسلمين في عقائدهم فيفسدون عليهم دينهم، وهذا من أكبر المفاسد والمكاسب التي يسعون إليها.

ب ) يحرفون الناس عن تحقيق العبودية لربهم سبحانه وتعالى، فيتركون السنن بل يكرهونها، ويقبلون على البدع والمحدثات، فيتعبدون الله بغير ما شرعه.

ج ) يسعون إلى مسخ هوية المسلم ودمجه في هوية أصحاب الملل الأخرى، حتى يشعر المسلم بالذل والمهانة والتخلف لكونه مسلما، ويشعر بالعزة والفخر كونه متشبها بغير المسلمين ، فتراه يلبس شعاراتهم ويعشق بلادهم بل وربما شاركهم في بعض شعائرهم.

د ) يكمن خطرهم كذلك في أنّ بعضهم يعمل لجهات خارجية أو يخدم هذه الجهات بدون قصد بسبب توجهاته المنحرفة التي تتفق مع أهداف تلكم الجهات، ومن ثمّ ينفذون أجنداتها، وبعضهم يحمل بيعات في عنقه لتلكم الجهات، وبعضهم يسعى لتجنيد أبناء الوطن للانخراط في هذه الجهات وأخذ البيعة منهم، وفي هذا تهديد لأمن البلاد. 

هـ ) تكوين جمهور قوي لهم ولمنابرهم، وهذا يعطيهم قوة في الطرح، وقوة لآرائهم، بل قد تشكل هذه الجماهير المتابعة لهم ضغطاً إعلامياً -داخليا وخارجيا- للانتصار لآراء هؤلاء المغردين والكتاب ولو كانت مخالفة للدين وللنظام والقانون.

ولهذه الظاهرة – متفيهقة تويتر- أسباب منها :

الأول: الأفكار المستوردة من الخارج، كالفكر الليبرالي والتنويري والإلحادي، فيسعى متبني هذا الفكر الذي يعيش في دولة إسلامية إلى نشر فكره، متستراً بنقد المتشددين الإسلاميين، مع رفعه لشعارات تغرّ القراء والمتابعين، كالعدالة والحرية والمساواة، ومحاربة الإرهاب.

فيدس السم في العسل، ويشكك الناس في عقيدتهم وما عاشوا عليه من العادات والتقاليد التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.

كما يحاولون محاربة السنن النبوية، بنسبة مطبقيها والداعين إليها إلى الفكر المتشدد، والفكر الظلامي، لينفروا عامة المجتمع عنهم، مع دعمهم للبدع والمحدثات، ودعوتهم إلى عدم التفريق بين الشرائع المختلفة، وهو ما يسمى في الاصطلاح ( وحدة الأديان) بل يرفضون إطلاق كلمة كافر التي أطلقها الله ورسوله على كل من لم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.

الثاني: الحزبية المقيتة التي تربى عليها هؤلاء الكتاب والمغردين، والتي تملي عليهم مناصرة الحزب والجماعة ولو على حساب تحريف أحكام الدين، وهو ما يسمى عند بعض الأحزاب بـ(فقه الحركة)
فيحق للمُنظّر في الحزب تغيير الأحكام الشرعية بما يتناسب مع سياسة الحزب .

الثالث : الرغبة في الحصول على منافع خاصة من وراء الدفاع عن أصحاب الفكر المنحرف، أو أرباب الحزبيات، فتراه يتلون في كل زمن حسب المنفعة التي يبتغيها، ولو وقع في التناقض.

الرابع: التقليد للغير وهم أتباع كل ناعق، ولا يدري أحدهم ما يقول أو ما يخرج منه، وإنما يُنظّرُ ويكتب في تويتر حسب ما يملى عليه، ومن هؤلاء أصحاب شهادات علمية عليا، ولكن حبه لمن قلده أعماه وأصمه عن الحق.

الخامس: حب البعض للجدل والمراء ولو علم أنه على غير حق، ويسعى للظهور بذكر غرائب المسائل وشواذها . 

وأما علاج هذه الظاهرة فيتحقق من خلال :
أولا: نشر العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وما عليه علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، في وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر.

ثانيا: توعية المجتمع بخطورة هذه الأفكار والشبهات، والتحذير منها والرد عليها، على أن يتصدى لذلك أهل العلم من المتخصصين في العقيدة والفقه الإسلامي، ممن لا ينتمي لحزب ولا لفكر منحرف.

ثالثا : توعية القراء حول من يتابعون في وسائل التواصل الاجتماعي ، فلا يتأثرون بكل ما يكتب باسم الإسلام، بل لا بد أن يعرف القارئ الكاتب وعلمه، وثناء أهل العلم عليه، فكما قال ابن سيرين –رحمه الله- إن هذا العلم دين فاعرفوا عمن تأخذون دينكم. 
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" رواه البخاري 

وأخيرا أقول الصراع بين الحق والباطل مستمر، وأهل الباطل يسعون إلى نشر باطلهم بكل ما لديهم من قوة وأساليب، فعلى أهل الحق أن يبينوا الحق الذي معهم نصحا لله ولرسوله وللمؤمنين.

وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه .