الجمعة، 21 يوليو 2017

مقال : المخرج من الفتن ( 2 )

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أما بعد ..

إخواني الأفاضل 

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ" رواه مسلم ، وإنّ مما بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وطريق النجاة منها ليسلم المسلم على دينه ونفسه وعقله وعرضه ونسله وماله.

ومن الأحاديث التي بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وحذر منها والطريق المنجي منها ما رواه البخاري ومسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ – رضي الله عنه – قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟
قَالَ: « نَعَمْ » . 
قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟
 قَالَ: « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » .
 قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟
قَالَ : « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . 
قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
قَالَ « نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . 
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا . 
قَالَ: « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا » . 
قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟
قَالَ: « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . 
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ.
قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ».

فما أوضحه من بيان، وأدقه من تعبير .

فذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم الفتنة وطريق الخلاص منها بأوجز عبارة، وجعلها قاعدة كلية، تبين للمسلم الطريق الواجب سلوكه عند اختلاف الأمور واختلاط الأحوال وكثرة الشبهات.

والفتنة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فتنتان:

الأولى : فتنة الشبهات والتحريف والاختلاف في أحكام الدين، حتى لا يُعرف حق من باطل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" وفي رواية عند أبي داود : " فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ" أي تعمي وتصم عن اتباع الحق، أو أنّ الناس لا يعرفون الحق فيما من الباطل لكثرة الاختلاف والافتراق، وفي تمام الحديث قال صلى الله عليه وسلم: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا" فدل على وجود أحزاب وفرق مختلفة.

الثانية : فتنة الخروج على ولاة أمر المسلمين، ولذلك قال : " تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا .. " 

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم العلاج من هاتين الفتنتين المتمثل في :

العلاج الأول : لزوم جماعة المسلمين وإمامهم. 

والجماعة جماعتان : جماعة الدين والحق وأهله ،  فالاجتماع المأمور به هو الذي يكون على الكتاب والسنة على طريق سلف الأمة رحمهم الله من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين .

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجماعة في حديث الافتراق، فقال : " وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَةُ" رواه أبوداود.وفي رواية عند الترمذي " ما أنا عليه وأصحابي" 

الجماعة الثانية : الاجتماع على إمام المسلمين وجماعته مهما كانت صفة هذا الإمام من حيث العدل أو الفسق والظلم، فقد وردت رواية في صحيح مسلم بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم صفة لبعض هؤلاء الأئمة الذي حث على لزومهم فقال : يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ" فصفتهم مخالفة الشرع، وعدم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لما سأله حذيفة: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟
فذكر له العلاج من هذه الفتنة فقالَ له « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ » . 

العلاج الثاني: اعتزال هذه التحزبات والفرق كلها وعدم اتباع واحد منها، وفي رواية عند أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: " فَإِنْ تَمُتْ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ " 

 فدل الحديث النبوي على أن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم الذي عليهم، وترك الخروج عليه، وعدم اتباع التحزبات والفرق الخارجة على جماعة المسلمين وإمامهم هو الطريق المنجي من الفتن ومن سوء عاقبتها.

فأين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي وهم يفرقون المجتمعات إلى أحزاب تسمى بأحزاب المعارضة، وأحزاب دينية، وأحزاب دنيوية، تتقاتل فيما بينها للوصول إلى الحكم، وكل مها يكيد للآخر .

أين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي وهم يدعون الشعوب للخروج عن جماعة المسلمين والخروج على الحاكم بحجة عدم صلاحيته للحكم والسلطة، والنبي صلى الله عليه وسلم بينّ في الحديث حالتين لا ثالث لهما :

الأولى : وجود حاكم على الجماعة المسلمة، فأرشد إلى لزومه وعدم الخروج عليه، مهما كانت صفته وحاله.

الثانية: عدم وجود حاكم على الجماعة المسلمين، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك هذه الأحزاب كلها، وعدم اتباع واحد منها دينية – بدعية -  كانت أو دنيوية.

وقد دل الواقع المرير في أحداث ثورات الربيع العربي التي خالفت فيها الشعوب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن سوء عاقبة مخالفة الهدي النبوي، فوقعت في الذل والمهانة والقتل والتشريد والنهب . 

فمن أراد النجاة فليزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .

 وفقنا الله لما يحيه ويرضاه . 

الاثنين، 17 يوليو 2017

مقال : المخرج من الفتن ( 1 )

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، أما بعد ..

إخواني الأفاضل 

     روى الطبراني وغيره عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي، قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» ومما قد بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفتن، فحذر منها وبين أسبابها والطريق المنجي منها، وفي هذا الزمان رأينا مخالفة الناس للهدي النبوي في التعامل مع الفتن، فضيعوا دنياهم وأخراهم، ومكنوا عدوهم منهم، وأضعفوا أنفسهم وبلدانهم حتى أصبحوا لعبة يتحكم بها الأعداء والأحزاب المتعاونة مع العدو.

وإذا تأملنا النصوص الشرعية الصحيحة الواردة في الفتن والاختلاف، نجد النبيّ صلى الله عليه وسلم يحذر منها ويذكر العلاج والمخرج منها.

ولا شك ولا ريب أن العلاج والمخرج الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو سبيل النجاة.

فلنتأمل بعض هذه الأحاديث التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيها الفتن وطريقة النجاة منها .

روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ ... إِذْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا.  وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ »

 فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ :هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. 

فتأمل معي -أيها الموفق- حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقد حذر من الفتن، وبين اختلاف درجاتها، وأن بعضها أهون من بعض، وبين أن هذه الفتن تقود إلى النار بقوله : " فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ " وأن النجاة منها سبب لدخول الجنة، ثم ذكر العلاج وهو : 

أ - فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ . 

ب -وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ.

ج -وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ.

فجعل العلاج في أمور ثلاثة، أولها تحقيق الإيمان وهو أداء حق الله، وثانيها حسن التعامل مع الخلق وهو حق الغير، وثالثا السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، والدفاع عنه ومناصرته.

فإن حقق العبد هذه الثلاثة فقد نجا من الفتن، وفاز بإذن الله بالجنة ونجا من النار، ومن أخلّ بواحدة منها وقع في الفتنة ولا بدّ .

ثم أورد في تمام الحديث اعتراضا، يكثر ذكره في هذه الأيام، فقال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ  لعبد الله بن عمرو راوي الحديث : " هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) .

فذكر الاعتراض واستدل عليه بآية من القرآن، فالحاكم – كما يزعم – يأمر بما نهى الله عنه من عدم أكل أموال الناس بالباطل، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ففي هذه الأوامر معصية لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

فجاء الرد من الصحابي رضي الله عنه الفقيه بالفتن وعلاجها : " أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ

فأين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي، الذي يضمن للأمة السلامة والنجاة من مهلكات تنغص عليهم دنياهم وأخراهم.

أين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذه التوجيهات النبوية وهم يحثون الشعوب على الخروج على حكامهم والخروج في مظاهرات شعارها الحقيقي رفض الشعوب للبيعات التي في أعناقهم لحكامهم، والمطالبة بعزلهم عن الحكم تحت شعار : ارحل ارحل ، والشعب يريد إسقاط النظام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ. " 

ثم يحتج دعاة الفتن والثورات بأن هذا الحكم خاص بالإمام العدل الثقة، مع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر كلمة ( إمام) وهي نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط من الصيغ الدالة على العموم، فتشمل أي أمام له سلطة وشوكة، وكذلك الصحابي لما سُئل عمن يفعل المعاصي من الأئمة ويخالف الشرع قال : " أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " 

فإذا أردنا السلامة لنا ولأبنائنا ومجتمعنا في الدراين والنجاة من الفتن فلنتمسك بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم .

وفقنا الله جميعا لطاعته 


الأربعاء، 12 يوليو 2017

مقال : حصاد ثورات الربيع العربي المر

الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... أما بعد : 

فإنّ الناظر في الثورات على الحكام على مر الأزمان، لا يرى فيها إلا التهلكة وضياع النعم والأمان.

فلو قلبت ناظريك -أخي الموفق - في التاريخ الغابر والواقع المعاصر المرير لوجدت العجب وما يشيب له رؤوس الصغار من عواقب السوء التي ألمت بالشعوب جراء تطاولهم على حكامهم، ومخالفتهم لهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم في التعامل معهم.

لنتأمل هذا الحصاد المر الذي عانت منه شعوب الربيع العربي خلال الفترة من 2010م ولغاية 2014م .









دماء تسفك فقد قتل وجرح في ثورات الربيع العربي خلال الفترة من 2010 إلى 2014م ما يزيد على مليون ونصف مسلم ومسلمة .

أموال تنتهب، حيث بلغت الخسائر ما يزيد على 834 مليار دولار .

عوائل وأسر شردت ، فبلغ عدد اللاجئين ما يزيد على 14 مليون لاجئ .

عقول تطيش، حتى لا يدري القاتل لم قتل، ولا المقتول لماذا قتل.
ضيعت البلاد وهدمت البيوت والبنايات والجسور والطرقات.

تأملوا فيما وقع في مصر الحبيبة ، وما وقع في ليبيا التي لا زالت تنزف ومنذ سنين، وما وقع في اليمن السعيد، وأخيرا ما وقع ويقع في سوريا الخضراء التي تحولت لساحة يتقاتل فيها العدو.

وفي المقابل نسأل : 

هل حققت ثورات الربيع العربي  لشعوبها ما رجوه منها، وهم يصرخون في وجه حكامهم : ارحل ارحل ... الشعب يطالب بإسقاط النظام ؟

أين العزة والكرامة التي كانوا يأملونها ؟

أين الحريات التي زعموا أنهم قد حرموا منها ؟

خالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الحاكم، ولو قلنا إنه فاسق ظالم، فما هم فيه أعظم من ظلم الحاكم وفسقه وجوره.

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ .

قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟

فقال: " لاَ؛ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ.

فالنبي صلى الله عليه وسلم  أخبر عن صفة صنف من الأئمة، ووصف علاقتهم برعيتهم أنها من أسوأ العلاقات لدرجة البغض المتبادل بينهم، ودعاء كل منهم على الآخر، ومع ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرعية عن نزع يدهم من بيعتهم، مع بغض ما هم عليه من المعاصي والظلم، ما داموا مصلين آمرين بها.


فالزموا -حفظكم الله- هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم وحافظوا على دينكم ودمائكم ومكتسبات بلادكم وأمنكم لتأدوا الغاية من خلقكم وهي تحقيق العبودية له سبحانه . 

وفقكم الله لما يحبه ويرضاه . 



الاثنين، 3 يوليو 2017

مقال : من سبل النجاة من الفتن وتحقيق السعادة في الدراين

الحمد لله رب العالمين 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ...، أما بعد 


فمن المعلوم قطعا عند كل مسلم أنّ شريعتنا الإسلامية جاءت بتحقيق كل ما يكفل السعادة والراحة والطمأنينة للعباد في الدارين، ولأجل ذلك أمر الله سبحانه وتعالى العباد باتباع هذه الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن ذلك من أسباب تحقيق الحياة الطيبة، فقال سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " سورة الأنفال :24 . فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي بما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان وأن جميع أحكام الشريعة غايتها مصلحة العبد وسعادته.

ومن الأحكام التي جاءت بها الشريعة السمحة الغراء السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين من الحكام والأمراء في غير معصية الله، لما يحققه ذلك من مصالح عظيمة للأفراد والمجتمعات والدول.

ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الحكم في أعظم الوصايا وأعظم المناسبات، يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه: وعظنا النبي صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب "

فتأمل - أيها الموفق - وصف الصحابي لتأثير هذه الموعظة عليهم، وكيف أنها بلغت فيهم مبلغاً عظيماً. 

فقال قائل يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟

فوصف الموعظة بأنها موعظة مودع، والمودع يوصي أحبابه بما يحقق نجاتهم وسعادتهم من بعده، وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليهم بوصية جامعة تحقق لهم النجاة في الدراين.

فما هي هذه الوصية  ؟ 

تأمل معي أخي الحبيب وصية النبي صلى الله عليه وسلم :
-أوصيكم بتقوى الله.
- والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا .
-فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا.
-فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.
-وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

فمن ضمن هذه الوصايا النبوية الأمر بالسمع والطاعة وإن كان الحاكم غير مستجمع لصفات الحكم، ولكنه اكتسبها بالقوة مثلا، فهو عبد حبشي، ومع ذلك تأتي الوصية للصحابة بالأمر بالسمع والطاعة له.

فما يترتب على السمع والطاعة للحاكم - ولوكان غير جامع للصفات الشرعية في الحكم- من المنافع والمصالح الشيء الكثير؛ ففيه صيانة للدماء من أن تسفك، وحماية للأموال من أن تنهب، وتحقيق للأمن في البلاد وبين العباد.

ولما خالفت الشعوب الإسلامية هذه الوصية بأن قامت بما يسمى بثورات الربيع العربي وقعت في الفتن وتحولت طلبات الحريات والحقوق إلى عبودية وذل ومهانة.

وهذه سنة ماضية في كل ثورة مخالفة للهدي النبوي في التعامل مع الحاكم عدلا كان أو ظالما، حتى قال ابن تيمية - رحمه الله - في منهاح السنة (3/391) وهو الخبير بالفتن وآثارها : 

" ولعله لا يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته"

وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (3/ 4) :

" الإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر" 

ومن تأمل كلام الأئمة في التحذير من الثورات والخروج على الحكام بحجة ظلمهم، ورأى الواقع المرير الذي تعيشه شعوب الربيع العربي، أيقن بصدق وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها المخرج من الفتن، والسبيل لتحقيق النجاة.

قال ابن القيم -رحمه الله- في تمام كلامه السابق : " ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على المنكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه"  

فهلا أخذنا بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم لننجو من مظلات الفتن ونحصل على الأمن والسعادة في الدارين .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه . 

السبت، 1 يوليو 2017

مقال : مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم سبب للوقوع في الفتن

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد 

قال الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "  سورة النور: 63

يقرر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنّ من أسباب وقوع الفتن مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم بترك أمره أو فعل نهيه.

ولعل من الأحداث والأمثلة التي تبين هذا الأمر ما وقع للصحابة رضوان الله عليهم في غزوة أحد، حيث خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يلزموا أماكنهم على الجبل ولا ينزلوا منها مهما جرى من أمر، ولكنهم لما رأوا هزيمة المشركين، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وقالوا: يا قوم الغنيمة. فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعة.

فماذا كانت النتيجة ؟

أحاط المشركون بالمسلمين، وقتلوا منهم سبعين شهيدا، وجُرح النبي صلى الله عليه وسلم وسال الدم من وجهه، وأشيع أنه قتل، وفر بعض الجيش، ووقعت فتنة عظيمة .

ما السبب ؟ 

مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم .

والناظر في الفتن التي وقعت في بلاد المسلمين المعروفة ببلاد الربيع العربي يرى أثر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا.

فالشريعة حرمت الخروج على الحاكم المسلم عدلا كان أو ظالما جائرا فاسقا، وأمرت بالسمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين ما لم يأمر بمعصية، حقنا لدماء الرعية، وحفظا لأموالهم، وصيانة لدينهم وأعراضهم.

 ووضعت للخروج على الحاكم الكافر شروطا وموانع، لا يجوز الخروج عليه إلا بتحقق هذه الشروط وانتفاء هذه الموانع، ولكن لما خالفت الشعوب هذه السنة النبوية المتواترة وقعت في الفتن التي نعايشها ونرى أثرها.

والعلاج يمكن في رجوع المسلمين حكاماً ومحكومين إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فنهضة الأمة والدول لن تتحقق إلا باتباع السنة . 



وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه