الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

مقال : الدفاع عن السنة ج 1

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

فمن سنة الله في خلقه أن جعل الصراع بين الحق والضلال مستمرا، قال تعالى: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" 

ومن الضلال المستمر الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم والطعن في كتب الحديث، واعتبارها من الموروث الثقافي.

مع أن الله سبحانه يقول : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بظهور أصحاب هذا الفكر المنحرف فقال : ألا إني قد أوتيت القرآن ومثله  ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه  وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.

وقال صلى الله عليه وسلم: " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وإلا فلا "

وقال صلى الله عليه وسلم: هلاك أمتي في الكتاب واللبن.
قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟
قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع، ويبدون ".

وإلا لا يوجد عاقل قرأ القرآن وفهمه، وتتبع السنة وعلم مكانتها في التشريع، وعلم طريقة السلف في حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم وصيانته من أي تحريف يقول بإنكار السنة وعدم صلاحيتها للتشريع والتدين .

 قال الشاطبي المالكي في الموافقات : الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم، خارجين عن السنة؛ إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء، فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله"

 قال الشافعي رحمه الله: " أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس" 

وقال الشوكاني : " والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة، واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام" 

كيف والذي يدعونا لترك السنة أصحاب فكر ليبرالي تنويري غربي مستورد منحرف لا يمت للإسلام بصلة بل هو عدو للإسلام.

فعلينا بأن نلزم الكتاب والسنة، ونهتدي بهدي السلف من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين، لنكون على الصراط المستقيم، ونحصل على رضا رب العالمين.

قال تعالى : "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" 


الأحد، 18 نوفمبر 2018

مقال : نعمة الزواج على العباد

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد

نعم الله على العباد كثيرةٌ لا تحصى، قال تعالى : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" [النحل:18] وإنّ من نعم الله على العبد الزواج، قال تعالى : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] ،فجعل سبحانه الزواج من آياته الدالة على قدرته ورحمته وعنايته بعباده، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يكون بينهما وبين غيرهما، فلا ألفة بين شخصين أعظم مما بين الزوجين، وبين الله سبحانه وتعالى العلة من هذا الزواج فقال : " لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا " وقال في آية أخرى : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف:189] ، والسكن يوحي بالطمأنينة والأمن والسكينة والراحة، وكل هذه المزايا متوافرة في الزواج.

وهذا السكن الذي أشار الله إليه في الآية فيه دلالة إلى قرب الزوجين من بعضهما، وقد وصف الله درجة القرب بينهما بقوله "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ " [البقرة:178] واللباس هو أقرب ما يكون للبدن.

وبسبب هذا القرب تتولد المودة والرحمة بينهما ، فيعيشان مطمئنين سعيدين، مهما اختلفا أو تخاصما.

كما قد بين صلى الله عليه وسلم نعمة الزواج وفضله لكل من الزوجين،  فقال في الرجل يرزقه الله زوجة صالحة :" من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني " أخرجه الطبراني والحاكم ، وحسن الألباني إسناد الحديث لغيره (صحيح الترغيب ح 1916) ، فالمرأة الصالحة خير معين للرجل في دنياه، وفي تربية ولده وذريته، وفي أدائه لشعائر عبوديته لله تعالى .

ومن صفات هذه الزوجة الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم : خير النساء التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره " رواه أحمد والنسائي، وهو حسن ينظر السلسلة الصحيحة ح 1838

ومن صفاتها كذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْد زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى" رواه النسائي وهو حسن، ينظر صحيح الجامع ح 2604

وتأمل معي أخي الفاضل هذه المواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين أثر المرأة الصالحة في حياة الرجل، فلما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء، وأصابه ما أصابه من الفزع، إلى أين ذهب ؟

ذهب إلى خديجة رضي الله عنها دون غيرها من أهل مكة، وكان لها رضي الله عنها الأثر البالغ في مواساة النبي صلى الله عليه وسلم وطمأنته.

ومن المواقف كذلك ما حصل في صلح الحديبية لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتحلل من إحرامهم، فتأخروا في الاستجابة له، فدخل مغضبا على أم سلمة، فأشارت عليه برأي أذهب غضبه، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم .

ومن المواقف كذلك التي استفادت منها الأمة قاطبة ما نقلنه رضي الله عنهم من السنة الفعلية والقولية للأمة مما كان معهنّ في بيوتهنّ.

ولعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على صدر زوجته عائشة رضي الله عنها يبين لك أيها الزوج مكانة الزوجة في حياة الزوج.

وفي المقابل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الصالح من نعم الله على الزوجة ، فقال:" لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله زوجا ويرزقها منه مالا وولدا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وأحمد، وهو صحيح ينظر السلسة الصحيحة ح 823 ، فسمى الزوج والولد رزقا، والرزق حقه الشكر لا الكفر، فمن شكرت بورك لها في زوجها وولدها.

والمرأة تتقرب إلى الله بطاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد .

أربعة أعمال : المحافظة على الصلاة ، وأداء الصيام، وتحصين العرض، وطاعة الزوج، والجزاء أن يقال للمرأة يوم القيامة : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت.

ومما ورد في عظيم حق الزواج على زوجته ما رواه أحمد في المسند عن حصين بن محصن رضي الله عنه أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: أذات زوج أنت ؟
 قالت : نعم 
 قال فأين أنت منه؟
 قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. 
 قال : فكيف أنت له فإنه جنتك ونارك.

إخواني القراء :

مما مضى يتضح لنا جليا نعمة الله علينا بالزواج، رجلا أو امرأة، فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، بقلوبنا وألسنتنا وأعمالنا.

ومن شكر نعمة الزواج القيام بالحقوق والواجبات المنوطة بكل من الزوجين تجاه الآخر، وهذه الحقوق مما سيسألنا الله عنها يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، ...والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري

والحمد لله رب العالمين