الأحد، 27 يوليو 2014

خطبة عيد الفطر 1435هـ

الخطبة الأولى: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
جماعة المسلمين: من النعم العظيمة على العبد أن يوفقه الله لإدراك شهر رمضان ، إذ به تزيد حسناته، وترتفع درجاته، ويستكمل أركان دينه، عن طلحة بن عبيد الله أَنَّ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخِّرَ الآخَرُ بَعْدَ الْمَقْتُولِ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ. قَالَ طَلْحَةُ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُ الآخَرَ مِنَ الرَّجُلَيْنِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَوَّلِ، فَأَصْبَحْتُ فَحَدَّثْتُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَبَلَغْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ وَصَلَّى بَعْدَهُ سِتَّة آلَاف رَكْعَة وَكَذَا كَذَا رَكْعَة " فقد دلت هذه القصة على فضيلة إدراك رمضان، فعلينا أن نشكر المنعم بأن نحسن في عباداتنا فنؤديها كما أمرنا سبحانه وتعالى، فننال شرف العبودية وعظيم الأجر والجزاء.

والصائم موعود بفرحتين ينالهما جزاء عبادته، قال صلى الله عليه وسلم: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " فهذا يوم الفرح والسرور بإكمال العبد لعبادة عظيمة يرجو ثوابها، وبقيت فرحة اللقاء بالرب الجليل الكريم، ليوفي العاملين أجرهم، وقد وعدهم به والله لا يخلف الميعاد.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

أيها المسلمون : اعبدوا ربكم وأخلصوا له، فإنه حق الله عليكم أجمعين، ولذلك خلقكم، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وروى البخاري ومسلم عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا  "

بإخلاص العبادة لله تعالى تتحقق للعباد السعادة في الدارين، أمنٌ وهدايةٌ في الدنيا وعند الموت وفي القبر ويوم الحساب والجزاء قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )

بالتوحيد ونبذ الشرك يتحقق التمكين للعباد في البلاد، وبضده ينقلب الأمنُ خوفا، والسعادةُ شقاء، قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

وحقيقة التوحيد أن تفرد الله تعالى بجميع أنواع العبادة وأن لا تصرفها لمخلوق كائنا من كان، ولو كان ملكا مقربا، أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا، فمن صرف شيئا من العبادة لهم فقد أشرك،  قال تعالى : "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "  ، وأبطل الله صرف شيء من العبادة لغيره وأخبر عن عجزهم عن جلب النفع لأنفسهم أو دفع الضر عنها فضلا عن غيرهم فقال : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ "

ومن الشرك بالله دعاءُ غير الله تعالى وسؤالُهُ جلبَ المنافع ودفع المضار، كأن يتوجه للجن كما يفعل السحرة والكهان، وقد قال تعالى : "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " ، أو يتوجه بذبحه ودعائه لقبر ولي صالح، والدعاء عبادة لا تصرف إلا لله قال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة"

ومن صور الشرك الذهاب للسحرة والعرافين وسؤالُهم علاجَ المس والعين أو جلب منفعة موهومة أو دفع مضرة، أو لطلب التفريق بين زوجين أو عملِ ما يزيد المحبة بينهم، فكله باطل محرم. قال تعالى : "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ " وقال صلى الله عليه وسلم: -صلى الله عليه وسلم- قال « من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

أيها المسلمون : لقد ابتليت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم بجملة من الفتن التي حذرنا منها ، وإن من أعظمِ تلك الفتن وأكثرِها ضرراً فتنةُ التكفيرِ وظهورِ الخوارج، فقد اصطلى بها خير القرون وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزالون يظهرون ويفسدون في الأرض تحت شعار الإصلاح وإقامة الحاكمية لله.

ولقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم وجلاهم لهذه الأمة ليحذروهم، فمن ذلك ما رواه أبو داود قال صلى الله عليه وسلم : سيكونُ في أمَّتي اختلافٌ وفُرقة، قومٌ يُحسنون القِيلَ ويُسيئون الفعلَ، يقرؤون القرآنَ، لا يُجاوزُ تراقيَهُم، يَمرُقون من الدّينِ مُروقَ الَّسَّهْم من الرَّميَّة... هم شرُّ الخلْق والخليقة، طُوبى لمن قَتَلَهُمْ وقتلوه، يَدْعُون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، مَن قاتَلَهم كانَ أولى بالله منهم " قالوا: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما سيماهُم؟ قال: "التحليق"

فهم من أشد الناس تعبدا لله تعالى في الظاهر، ولكنهم من أشد الناس إفسادا في دين الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الصحابة : يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ "

ومن صفاتهم تكفير أمة الإسلام ممن ليس معهم، فلا يسلم حاكم ولا محكوم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: «بَلِ الرَّامِي"
فقد ظهروا زمن عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم فكفروهم واستحلوا دماءهم وهم خير أهل الأرض آنذاك .

ومن صفاتهم جرأتهم على سفك دماء المسلمين بحجة أنهم أهل ردة وكفر، قال صلى الله عليه وسلم: " يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود"
ومن صفاتهم في زماننا أنهم يدعون إلى خلع يد الطاعة من ولاة أمر المسلمين ومبايعة رجل مجهول منهم ينسبونه لقريش، يدعونه خليفة المسلمين.

ولخطرهم حذر منهم أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين والأئمة الأعلام، لأنهم يخدعون الناس بتدينهم وشعاراتهم التي ظاهرها نصر الدين وباطنها الإفساد .
ففي زمن علي رضي الله عنه كان شعارهم " لا حكم إلا لله" فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل.
وقال الإمام التابعي وهب بن المنبه رحمه الله وهو ممن درس على الصحابة وأخذ العلم عنهم: " إني قد أدركت صدر الإسلام، فو الله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهرَ أحدٌ منهم قولَهُ إلا ضربَ اللهُ عنقهُ، ولو مَكَّنَ اللهُ لهم من رأيهم لفسدت الأرض، وقُطِّعت السبل والحج، ولعادَ أمرُ الإسلامِ جاهليةً، حتى يعود الناسُ يستغيثون برؤوسِ الجبالِ كما كانوا في الجاهلية، وإذا قام أكثر من عشرة أو عشرين رجلا، ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة ، مع كل واحد منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضا ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفا على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك أو مع من يكون "

  فاحذروهم يا أمةَ الإسلام فقد غرروا الشبابَ المتحمس لطاعة ربهم بالجهاد، وأمروهم باللحاق بهم، ثم  شجعوهم على التفجير والانتحار، وهذا مخالف للشرع الحكيم، فإن من أحكام الجهاد أنه لا يقام إلا تحت راية معلومة وإمام متبوع، ولا يجوزُ الخروج للجهاد دون إذن ولي الأمر، قال الإمام أحمد بن حنبل: والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك" وقال البخاري : يقاتل من وراء الإمام ويتقى به، ثم روى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الإمام جُنة يقاتل من ورائه" قال النووي : " أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا".

فمن قاتل مع هذه الرايات السود وأضرابها فإنما يقاتل تحت لواء الخوارج، وإن قُتل فميتته جاهلية، اسمع أيها الموفق لما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَتِهِ، وَيُقَاتِلُ لِعَصَبَتِهِ وَيَنْصُرُ عَصَبَتَهُ فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، ولا يتحاشى من مؤمنها ، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ "  
فالزموا رحمكم الله عبادة ربكم وأخلصوا له، واتبعوا سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، فإن فيها النجاة والسعادة، والزموا جماعة المسلمين وإمامهم، وعليكم بالجماعة وإياكم والفرقة.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد



  الخطبة الثانية : الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:  لقد كنتم في شهر الصيام في عبادة وإقبال على الله سبحانه وتعالى- تصومون نهاره، وتقومون ليله، تقرؤون كتاب الله وتتدبرون آياته، تتصدقون بالمال والطعام، فداوموا على ما كنتم عليه من الخير.  

ومما سنّه رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-، ورغّبَ فيه بعد رمضان صيامُ سِتٍّ مِن شوال. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ "
وسارعوا إلى إصلاح ذات البين فإن العيد أعظم مناسبة لذلك ، فمن كانت له خصومة مع أخيه المسلم فليبادر إلى التسامح منه والعفو عما بدر منه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام والذي يبدأ بالسلام يسبق إلى الجنة"

يا معاشر النساء : اسعينَ رحمكنَّ الله إلى فكاك أنفسكُنُّ من النار، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاِسْتِغْفَارِ فَإِنِّى رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قَالَ « تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ "  ، وروى أحمد في المسند قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْفُسَّاقَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ الْفُسَّاقُ ؟ قَالَ النِّسَاءُ. قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَلَسْنَ أُمَّهَاتِنَا وَأَخَوَاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ إِذَا أُعْطِينَ لَمْ يَشْكُرْنَ وَإِذَا ابْتُلِينَ لَمْ يَصْبِرْنَ "

والسبيل إلى الخلاص من النار هو أن تأَدينَ حقَّ الله عليكُنَّ بأداءِ ما فرضه الله، وانتهينَ عما نهاكُنَّ عنه تَكنَّ من أهل الفوز والسعادة قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .

أختي المسلمة : اعلمي أن سبب نهضة الأمة هو قرارك في مملكتك وهو بيتك، والتزامك بحجابك وحشمتِك، فإن فعلت ذلك فقد صُنتِ المجتمع من فتنة عمياء صماء مهلكة، قال عليه الصلاة والسلام: ألا فاتَّقوا الدُّنيا، واتَّقوا النساءَ، فإنَّ أولَ فتنةِ بَني إسرائيلَ كانتْ في النساءِ "
وإياك والتبرج فإنه سبب للعذاب قال صلى الله عليه وسلم: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَمْثَالِ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وأنت أيها المسلم، يا من جعلك الله وليا على هذه المرأة، أبا كنت أو زوجا أو أخا، فإنك مأمور بوقاية نسائك ومن هم تحت ولايتك من النار بتأديبهم وتعليمهم أمور الدين وحملهم عليها قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، ثم ستحاسب على ذلك بين يدي الله قال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"

معاشر الرجال : استوصوا بالنساء خيرا فهذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لنا نحن الرجال فقال ( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله) فأدوا إليهن حقهن ، واصبروا عليهن قال تعالى { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} ، ومن كان ذا زوجتين فليعدل بينهن قال صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط"

جماعة المسلمين: من سنن العيد أن من جاء من طريق رجع من طريق آخر، ولم يكن من هديه في العيد زيارة القبور فإن العيد يوم سرور فلا تدخلوا الحزن على أنفسكم، ومن فاتته صلاة العيد قضاها كما يصلي في المصلى ، ومن السنن أيضا التي تركها الناس في الأعياد خاصة المصافحة أثناء السلام فالسنة هي المصافحة باليد ، واحذروا من مصافحة النساء فإن هذا مما انتشر وعم بين الناس . وهو محرم .



الخميس، 17 يوليو 2014

التعليق على حديث " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... "

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد 

فقد روى مسلم في صحيه عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أَبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر جندب بن جُنادة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي ، عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : (( يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ ضَالّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ . يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ . يَا عِبَادي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً. يَا عِبَادي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلاَّ كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ . يَا عِبَادي ، إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ )) .

شرح الحديث :
هذا حديث عظيم القدر والمنزلة رواه أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر، وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه .

قال الله تبارك وتعالى : " يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا"  ، وقد دل القرآن الكريم كذلك على هذا المعنى قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ " وقال سبحانه : " وَمَا رَبُّكُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ "  وهذا من كمال عدله سبحانه .

وفي الحديث النهي عن الظلم، وهو نوعان : ظلم النفس وهو ظلمها بالشرك والكفر وفعل الذنوب والمعاصي ، وظلم العبد لغيره .

أما الأول : فالكفر والشرك لا يغفره الله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا "  ، وقد سماه الله ظلما فقال : " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ " ، وذلك لأنه وضع العبادة في غير موضعها الصحيح .

وأما الذنوب والمعاصي فإن لها آثارا سيئة في الدنيا وعقابا في الآخر إن لم يتب العبد منها أو يغفرها الله له.

وأما النوع الثاني من الظلم فهو اعتداء العبد على حق غيره من عرض أو مال أو نفس، وقد جعل لها الشرع حرمة قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِماءكُمْ ، وَأمْوَالَكُمْ ، وأعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ "

والظلم عاقبته وخيمة يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم: " "الظلم ظلمات يوم القيامة"

وفي البخاري عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيه ، مِنْ عِرضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ قبْلَ أنْ لاَ يَكُونَ دِينَار وَلاَ دِرْهَمٌ ؛ إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلمَتِهِ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ ))

ثم قال الله تعالى : " يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ ضَالّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ " الهداية نوعان: هداية مجملة للإسلام والإيمان ، وهداية مفصلة وهي معرفة تفاصيل أجزاء الإسلام والإيمان ، وهذا يحتاجه المسلم في جميع حياته .

ثم قال : " يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ "

فالعباد مفتقرون إلى الله في جميع شؤونهم من جلب المصالح ودفع المضار، وأن من لم يتفضل الله عليه بالرزق فلن يرزقه أحد قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " وقال سبحانه : " أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ " .


ثم قال : " إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ"

وهذا طبع العبد وهو الوقوع في الذنب، ولكن الله سبحانه غفار لمن طلب المغفرة، قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "

والاستغفار من الذنوب من صفات المؤمنين قال تعالى : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى
مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ "

وقد دل الحديث على افتقار العباد إلى ربهم في حياتهم ، وأن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية .

وكل ما مضى يبين نقص العبد وحاجته إلى ربه ، ثم انتقل الله ليبين غناه عن الخلق فقال :

" إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً. يَا عِبَادي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلاَّ كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ "

فالله غني عن عباده لا تنفعه عبادة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، قال تعالى "وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "

وقال سبحانه : " وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "  
 لكن من سعى في المجاهدة بفعل الطاعات واجتناب المعاصي وفقه الله بمنه وكرمه ولطفه قال تعالى : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "

وهذا يورث في العبد الخوف والرجاء والمحبة لله تعالى. 

ثم بين سبحانه أن هذه الأعمال إنما تنفع صاحبها يوم القيامة فقال : " يَا عِبَادي ، إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ " .

ومصداق ذلك من القرآن قول الله تبارك وتعالى : " يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "
ولذلك نجد أن من أوشك على الموت أو الاموات أو أهل النار يتمنون الرجوع إلى الدنيا للعمل قال تعالى : حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ "

وقال عن أهل النار : وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ "

فعلى المسلم أن يتفكر في هذا الحديث القدسي وينظر في نفسه ونقصها وافتقارها إلى خالقها، ويوقن بغنى الله عنه وأن الله تعالى عدل لا يظلم عباده بل يتفضل عليهم بمضاعفة الحسنات وتكفير السيئات . 

وفقنا الله جميعا لما يحيه ويرضاه ... 



الجمعة، 4 يوليو 2014

أجل النعم على العبد - مبادرة سقيا الإمارات

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين قال ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" فيذكرُ اللهُ عباده بنعمه عليهم التي لا يمكن لهم إحصاؤها فضلا عن شكرها ولذلك قال " إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " فربنا يرضى من عباده باليسير من الشكر، وينعم عليهم بالكثير، إذ لو طالبنا بشكر جميع نعمه لعجزنا عن القيام بذلك، "وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ "  .

عباد الله : ومن أجل النعم التي على العباد أن يتحدثوا بها ويشكروا عليها ربهم نعمة الإسلام والإيمان قال تعالى : " يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" ، فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره يوم القيامة قال تعالى : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " وهذه الخسارة تقتضي دخول النار لمن لم يكن منعما عليه بنعمة الإسلام. 

ولتدرك أيها الموفق هذه النعمة العظمى عليك فتأمل حال المنعم عليهم بالإسلام في الدنيا والآخرة، وحال من فقد هذه النعمة وما ترتب عليها من فوات السعادة الأبدية والنعيم السرمدي، فستدرك ولا بد أنك في نعيم عظيم . 

أيها المؤمنون : ومن نعم الله على العبد نعمة السنة بأن يكون متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، سالكا طريقه وهديه، مجتنبا البدع والمحدثات. 

فإن السنة حصنُ الله الحصين، الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين، تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارهم، وأهل السنة هم المبيضة وجوههم إذا اسودت وجوه أهل البدعة، قال تعالى: " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ"  قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدعة والتفرق" وهي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه قال سبحانه: " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " فصاحب السنة حي القلب مستنير البصيرة، وصاحب البدعة مريض القلب مظلم البصيرة. 

وهاتان النعمتان هما اللتان يفرح بهما على الحقيقة قال تعالى : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "  وقد تضافرت أقوال السلف من العلماء والمفسرين على أن فضل الله ورحمته يشمل الإسلام والقرآن والسنة . 

وقد أدرك علماء أهل السنة هذه النعم فقد قيل لأبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل:  من مات على الإسلام والسنة مات على خير . قال : اسكت, بل مات على الخير كله.

وكانوا رحمهم الله يظهرون الفرح بسلامتهم من البدع والمحدثات والأهواء التي تضاد السنة فروى اللالكائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنها  قَالَ: «مَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ فَرَحًا بِأَنَّ قَلْبِي لَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ» ، يعني الأهواء المخالفة للسنة.

أيها المسلمون: ومن نعم الله علينا نعمة الأمن والطمأنينة والعيشة الهنيئة ، فالأمن منة إلهية وهبة ربانية ؛ فالله جل وعلا وحده هو الذي يؤمّن الخائف ويجير المستجير قال تعالى :" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " وقال سبحانه : " الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" وقال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ مُعَافًى فِى جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) فتأملوا رعاكم الله كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأمن في هذا الحديث على العافية والرزق !! لأن العبد إن وُجدت عنده العافية وتحصّل له الرزق ولم يتهيأ له الأمن لم ينعم بعافية ولم يهنئ برزق


الخطبة الثانية : أَيُّهَا الصائمونَ: يقولُ الله عزَّ وجلَّ:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فنحنُ نعيشُ فِي بلادٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً بفَضْلِ صاحبِ الحوْلِ والمنَّةِ عزَّ وجلَّ، فالناسُ يغدونَ ويروحُونَ آمنينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وأموالِهِمْ وأعراضِهِمْ، ومَا أعظَمَهَا مِنْ نعمةٍ لاَ يُدْرِكُهَا إلاَّ مَنْ فقَدَهَا، وإنَّهُ لَمِنْ عظيمِ فضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ علينَا بهِ مِنْ قيادةٍ رشيدةٍ تَسْعَى فِي خِدْمَةِ أبنائِهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ رمضانَ شهرُ الخيرِ والكرمِ، شهرُ العطايَا والنِّعَمِ، والناسُ يَشْهَدُونَ لِعَطَاءِ هذهِ الدولةِ فِي الداخلِ والخارجِ، وذلكَ بفضْلِ اللهِ تعالَى ثُمَّ بِفَضْلِ توجيهاتِ قادَتِهَا ومَا يُقَدِّمُهُ أهلُ الخيرِ ، فأقبلَ رمضانُ وأقبلَ الخيرُ، فتَمَّ توزيعُ الْمِيرِ الرمضانِيِّ علَى الأُسَرِ، وكَثُرَتِ الْخِيَمُ الرمضانيةُ التِي يُفطِرُ فيهَا الصائمونَ، كمَا تميَّزَتْ هذهِ الدولةُ برعايَتِهَا للقرآنِ الكريمِ، امتثالاً لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم :« خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» فتعاهَدَتْ كتابَ اللَّهِ تَعَالَى بالتشجيعِ عَلَى تَعَلُّمِهِ، وطباعَتِهِ وتوزيعِهِ داخلَ الدولةِ وخارجَهَا، ورصَدَتِ الجوائزَ القيمةَ لِمُسابقاتِ القرآنِ.

ولَقَدِ امتَدَّتْ أيادِي الفضلِ بالخيرِ فِي هذهِ الأيامِ للإفراجِ عَنِ المسجونينَ وفَكِّ كرْبِهِمْ، وإدخالِ السرورِ عَلَى ذَوِيهِمْ وأَهْلِيهِمْ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:( أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) ولقَدْ تميَّزَتْ هذهِ الدولةُ المباركةُ بسعْيِهَا للخيرِ فِي كُلِّ أرضٍ تُصيبُهَا نازلةٌ أَوْ تَحِلُّ بِهَا جائِحَةٌ حتَّى أصبحَتْ دولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ الأُولَى عالميًّا فِي إغاثةِ البُلدانِ المنكوبةِ والمحتاجَةِ.  

عبادَ اللَّهِ: لقَدْ كَثُرَتِ المبادراتُ العظيمةُ والأعمالُ الجليلةُ لصنائعِ المعروفِ وأعمالِ البِرِّ, ومِنْ هذهِ المبادراتِ مُبادرةُ "سُقْيَا الإماراتِ" التِي أطلقَهَا صاحبُ السموِّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله وذلكَ لتوفيرِ مياهِ الشُّربِ النظيفةِ لخمسةِ ملايين شخصٍ حولَ العالَمِ، ومَا أعظمَهَا مِنْ مُبادرةٍ، فقَدِ استودعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الماءِ أسرارَ الحياةِ، قَالَ تَعَالَى:( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ، وَقَدْ بَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سعَى إلَى توفيرِ الماءِ بحفْرِ بئرٍ أَوْ وَقْفِهِ سُقْيَا بالأجرِ العميمِ والثوابِ الكريمِ؛ فقالَ صلى الله عليه وسلم : مَنْ حَفَرَ بئرَ مَاءٍ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وسُقْيَا الماءِ مِنْ أفضلِ الصدقاتِ، وأجَلِّ القُرباتِ؛ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:« سَقْىُ الْمَاءِ»

وفضلُ السُّقْيَا لاَ يخْتَصُّ بالإنسانِ فقطْ، بَلْ هوَ فِي الحيوانِ أيضًا، فقَدْ جاءَ فِي الحديثِ أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غفرَ لرجُلٍ، لأنَّهُ سقَى كَلْبًا شَرْبةَ ماءٍ؛ فالحمدُ للهِ علَى نِعمِهِ الكثيرةِ، وإنَّهَا لَفُرصةٌ عظيمةٌ لنَا للمشاركةِ فِي مُبادرةِ "سُقْيَا الإماراتِ" طلبًا للأجرِ والْمَثوبةِ فِي هذَا الشهرِ الفضيلِ. فبارَكَ اللهُ فِي تلكَ الأيادِي البيضاءِ وتلكَ الجهودِ المباركةِ التِي تبحثُ عَنِ الفقيرِ والمحتاجِ مِنْ أجلِ سَدِّ حاجتِهِ وتفريجِ كرْبِهِ, وخاصةً فِي شهرِ رمضانَ، شهرِ الخيرِ والإحسانِ.