الخميس، 30 مايو 2013

خطبة جمعة : من أسباب البركة في الرزق

الخطبة الأولى: 

اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله عز وجل قد تكفل بأرزاق العباد وحددها من قبل أن يظهروا في  هذه الدنيا قال صلى الله عليه وسلم ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد "

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله " 

ورغب ديننا في اكتساب الحلال ورهب وحذر من اكتساب الحرام ، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) البقرة: ١٧٢  ، وقال صلى الله عليه وسلم :" أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ "  

وإذا أراد الله بعبده خيرا بارك له في ما آتاه من رزق ، والبركة هي كثرة الخير ودوامه  ، ولحصول هذه البركة التي من هي من الله سبحانه وتعالى في الرزق أسباب إذا حصلها العبد حلت له البركة في ماله ونفسه ، ومن هذه الأسباب تقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ التِي هيَ سببُ لحصول جميع البركاتِ في الدنيا والآخرة ، وأساسُ العطايَا والخيراتِ ، قالَ تعالَى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) الأعراف: ٩٦، وتتحقق التقوى للعبد في طلبه للرزق بامتثال أوامر الله تعالى في طلبه للحلال وبعده عن الشبهات وحسن تعامله مع الناس ، وباجتناب ما عنه نهى وزجر من طلب الحرام وغش الناس 

ومن أسباب حصول البركة في الرزق كثرة الاستغفار ، فبالاستغفارِ تُسْتَمْطَرُ البركاتُ، وينْزلُ الغيثُ ويكثرُ المالُ والبنونَ، قالَ تعالَى (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) نوح: ١٠ - ١٢ قال القرطبي : في هذه الآية ... دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » 
جماعة المسلمين : ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ: الصدقُ فِي المعاملاتِ، وتركُ الغشِّ والكذبِ وغيرِهِمَا مِنَ الأُمورِ التِي تَمْحَقُ البركةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » ، فقوله (فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا ) أي بين كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن وصدق في ذلك ، كثر نفع المبيع والثمن 

ثم قال :( وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) والمحق هو النقصان وذهاب البركة ، وقيل هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر 
واليمين الكاذبة في البيع من أسباب تخلف البركة عن الرزق قال صلى الله عليه وسلم : " الحَلِفُ مَنفَقَةٌ للسلعةِ ، مَمَحَقَةٌ للبركة " قال العلماء : أوضح الحديث أن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة ، فيؤدي إلى قلة العدد في الدنيا ونقص الأجر في الآخرة  

ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ – والتي يغفل عنها كثير من الناس -  صلةُ الأرحامِ وودُّهُمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » قال العلماء : معنى البسط في الرزق البركة فيه ، فَصِلُوا عبادَ اللهِ أرحامَكُمْ، وأَدْخِلُوا عليهِم السرورَ، فمَنْ وصلَهُمْ وصلَهُ اللهُ تعالَى، وبارَكَ لَهُ فِي رزقِهِ 

اللهُمَّ ارزقْنَا رزقًا حسنًا وبارِكْ لنَا فِيهِ ، وارزقْنَا شكرَ نعمتِكَ وحُسْنَ عبادتِكَ .


الخطبة الثانية : 

أيهَا المؤمنونَ: ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ: شكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى إحسانِهِ ، فالشكرُ دليلُ الرضَا وعنوانُ الزيادةِ قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) إبراهيم: ٧ ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ..، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد " 

ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ : القناعةُ وتركُ الحرصِ والطمعِ ، فعَنْ حكيمِ بنِ حزامٍ : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ :« يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ » 
فقوله (أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ ) أي بغير شره ولا إلحاح ولا إشراف وتطلع ، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من تقنع بما آتاه الله من الرزق فقال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " 
وأما الطمع فعاقبته كما قال صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ " فتمنع البركة عنه ولا ينتفع صاحب المال به بل يكون وبالا عليه 

ومن أسباب حصول البركة في الرزق الأخذُ بالأسبابِ وإتقانُ العملِ ، فالموظف إذا أراد أن تحل البركة في ماله ورزقه فليتقن عمله كما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل سواء بالحضور والانصراف في الوقت المحدد ، أو أداء ما يوكل إليه من مهام وظيفية ، فلا يؤجل عمل اليوم إلى الغد ، أو يؤخر مصالح الناس ، أو يستغل أموال الدولة العامة في مصالحه الشخصية ، أو أن يقدم إلى جهة عمله إجازة طبية وهمية لكي يتغيب عن العمل ولا يعاقب ، أو ينشغل عن العمل بقراءة الجرائد وتصفح الإنترنت ومتابعة الأسهم أو نحو ذلك من الأمور الشخصية ، فكل ذلك من أسباب محق البركة في الرزق ، فالأجر وهو الراتب في مقابل العمل فإذا أدى الموظف عمله استحق أجره ، وإن أهمل وأخل نقص من أجره وراتبه على قدر إخلاله وإهماله ، وكان ما يأخذه من أجر مع هذا الإخلال والنقص سحت وحرام  .



خطبة جمعة : عبر ودروس من الإسراء والمعراج

الخطبة الأولى :جماعة المسلمين :اعلموا رحمكم الله أنّ الله تعالى قد اصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، وخصهُ بخصائصَ عديدة وفضائلَ كثيرة، فاق بها الأولين والآخرين، فمن خصائصه العظيمة خبر الإسراء به صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أولاً، ثم العروج به إلى السماء ثانيًا، تلك الرحلة العجيبة والآية العظيمة الباهرة.
يقول ربنا عز وجل " {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء
إن الإسراء والمعراج من المعجزات الإلهية التي أيد الله بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، وثبت بها فؤاده فقد اشتد إيذاء قومه له بأن كذبوه وسبوه، ولما ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الله رموه بالحجارة حتى أدموا قدمه صلى الله عليه وسلم ، ولما عاد فوجئ بمرض عمه الذي كان يحوطه ويحميه، ثم وفاته، وتبع ذلك وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها. 

أيها المسلمون : الإسراء والمعراج وقع للنبي صلى الله عليه وسلم حقيقة لا مناما ، وبالروح والجسد جميعا، فأسري به من المسجد الحرام بمكة المكرمة، إلى المسجد الأقصى بفلسطين، ثم عرج به إلى السماء ، وكل ذلك جرى في جزئ يسير من الليل ، وهذا دليل على قدرة الله الذي لا يعجزه شيء في السماء والأرض { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (44) سورة فاطر 
ونحن معاشر المسلمين ، علينا أن نستعرض في قلوبنا ذكريات الإسراء والمعراج ، وأن نتفهم معانيها ونستخلص منها الدروس والعبر ، والتي من أهمها : 

أن فيها علو مرتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث رفعه الله مكانا عليا ، لم يصله ملك مقرب ولا نبي مرسل ، فقال صلى الله عليه وسلم " وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللَّهِ فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ.  فقال أنس بن مالك راوي الحديث: ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ  " وعند أحمد والترمذي بإسناد صحيح (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَبِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ. قَالَ فَارْفَضَّ عَرَقًا. "  فينبغي علينا أن نعرف لنبينا حقه ومكانته ، وذلك بطاعته في ما أمر واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وتصديقه فيما أخبر وأن لا نعبد الله إلا بما شرع قال تعالى  {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران 

ومن الدروس والعبر ، أهمية الصلاة ورحمة الله ورسوله بهذه الأمة ، حيث فرضت الصلاة فوق السموات السبع وبلا واسطة ، قال صلى الله عليه وسلم ( ثم فرضت علي خمسون صلاة كل يوم  ، قال فرجعت فأتيت موسى عليه السلام فقال : ما صنعت ؟ قلت : فرضت علي خمسون صلاة كل يوم . فقال إني والله أعلم بالناس منك ، إني عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، وإن أمتك لن يطيقوا ذلك فارجع إلى ربك فأسأله أن يخفف عنك " 
قال صلى الله عليه وسلم : فلم أزل بين ربي وبين موسى ، ويحط عني خمسا خمسا ، حتى قال : يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسئية فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة " 
أفيعجز الواحد منا أن يؤدي لله في اليوم والليلة خمس صلوات ، ويحصل على أجر خمسين صلاة ، لقد تهاون كثير من المسلمين في أمر الصلاة فمنهم من أخرها عن وقتها بسبب اللعب والانشغال بأمور الدنيا ، وبعضهم لا يصلي إلا الجمع والأعياد ، وآخرون قد طبع على قلوبهم فتركوا الصلاة مطلقا.  
فتأمل أخي رحمه الله ورسوله بهذه الأمة بأن خفف عنهم الصلاة من خمسين إلى خمس في العدد ، وخمسين في الأجر ، ألا فاشكروا الله على هذه النعمة بأن تقيموا الصلاة لربكم كما علمكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم 

ومن الدروس والعبر في قصة المعراج إثبات صفة العلو لله عز وجل وأنه سبحانه فوق السماء السابعة فوق العرش مستو على عرشه استواءً يليقُ بجلالهِ وعظيمِ سلطانهِ ، قال تعالى ( الرحمن على العرش استوى " أي علا وارتفع ، وقال سبحانه (سبح اسم ربك الأعلى ) وقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة أهل السنة على أن الله فوق سمواته على عرشه دل على ذلك القرآن والسنة والإجماع والفطرة السليمة .

عباد الله ، في حادثة المعراج يتبن لنا فضل هذه الأمة على باق الأمم ، فهي أكثر أهل الجنة عددا ، قال صلى الله عليه وسلم (فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ فَقَالَ: يَا رَبِّ هذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخلُ مِنْ أُمَّتِي )  وسبب ذلك -عباد الله - هو توحيد هذه الأمة لله عز وجل ، لأن الجنة إنما هي للموحدين الذين أخلصوا العبادة لله وحده دون سواه فلم يشركوا به شيئا ، قال تعالى { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (72) سورة المائدة ، ألا فتعلموا التوحيد وعلموه أولادكم ، وخافوا الشرك والوقوع فيه ، فمن أشرك بالله فقد ضل ضلالا مبينا   .

وفي المعراج رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافا من أنواع العذاب  ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَمَّا عُرِجَ بِى مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِى أَعْرَاضِهِمْ)  ألا فحاسبوا أنفسكم ؟ هل تصبرون على هذا العذاب ؟ بسبب الكلام في أعراض الناس وغيبتهم والكذب عليهم ، والتلذذ بذلك ، ألا فكفوا ألسنتكم عن الناس وعيوبهم وانشغلوا بأنفسكم قال صلى الله عليه وسلم " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ  "  
  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (18) سورة الحشر  



الخطبة الثانية : عباد الله لقد رأى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الجنة وما أعد الله لأمته من النعيم المقيم ، وقد رأى صلى الله عليه وسلم نبي الله إبراهيم-عليه السلام- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 
"لقِيْتُ إبْرَاهِيمَ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمّدُ أقْرِىءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الماءِ ، وأنَّهَا قِيعَانٌ وأنَّ غِرَاسَهَا : سُبْحَانَ اللهِ ، والحَمْدُ للهِ ، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، واللهُ أكْبَرُ " ألا فأكثروا من ذكر الله عز وجل ومن قراءة القرآن .

ورأى صلى الله عليه وسلم الكوثر فقال صلى الله عليه وسلم (بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذْ عُرِضَ لِي نَهَرٌ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ.قَالَ: فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ -عَزَّ وَجَلَّ – قَالَ: فَضَرَبْتُ بِيَدَيَّ فِيهِ فَإِذَا طِينُهُ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَإِذَا رَضْرَاضُهُ اللُّؤْلُؤُ)  .

ومن العبر والعظات أن الله ينصر أولياءه على عدوهم ، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يخبر الناس بخبره فكذبوه واستهزءوا به و قَالُوا وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ قَالَ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ قَالَ فَقَالَ الْقَوْمُ أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ * 

ومع هذا الدليل القوي إلا أن الكفار زادوا في كفرهم وغيهم وضلالهم وأما أهل الإيمان من الصحابة فقد قابلوا الخبر بالتصديق التام ، وهذه حال المؤمن المخلص لله تعالى يصدق رسوله فيما أخبر بدون تردد أو شك قال تعالى " {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) سورة الحجرات.

الجمعة، 10 مايو 2013

خطبة جمعة : الاعتذار


الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن حسن الخلق له مكانة عليا في ديننا الحنيف، فهو من أكثر أسباب دخول الجنة فروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ اَلْجَنَّةَ تَقْوى اَللَّهِ وَحُسْنُ اَلْخُلُقِ "  كما أن حسن الخلق أساسٌ من أسس كمال الإيمان، ومظهر من مظاهر الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم : ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا ، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا )).قال ابن القيم رحمه الله: الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين) . 
ومن جملة الأخلاق الحسنة التي على المسلم أن يتخلق بها في تعامله خلق الاعتذار، وحقيقته إظهار الندم على فعل الذنب، مع الإقرار بأن له عذرا في فعله،  وقال المُناوي: 
الاعتذار تحري الإنسان ما يمحو به أثر ذنبه " 

وذلك لأن الأصل في الإنسان الخطأ والظلم والجهل، قال تعالى : (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) ، وقال صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ, وَخَيْرُ اَلْخَطَّائِينَ اَلتَّوَّابُونَ " ، فإذا عُلم من ذلك أن الخطأ والزلل واقع من العبد ولا بد، ثم من رحمة الله تعالى أن جعل لعباده من الأسباب ما يصلحون به أخطاءهم وزللهم، ومن ذلك الاعتذار . 
جماعة المسلمين: الخطأ والظلم والجهل من العبد إما إن يقع في حق الله تعالى، وإما أن يقع في حق المخلوق، وإما أن يقع في حق نفسه.

فإن وقع الخطأ من العبد في حق ربه بأن أذنب وعصى، فترك ما به أمر، أو تجرأ على فعل ما عنه نهي وزجر، فاعتذاره لربه بتوبة نصوح، مع ندم من القلب، وعزم على عدم العودة ، قال تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)  ، ومن تودد ربنا –جل في علاه- إلى عباده أنه يحب منهم الاعتذار إليه بسبب تقصيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: لاَ شَخْص أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ " قال القاضي عياض :أى اعتذار العباد إليه من تقصيرهم وتوبتهم من معاصيهم فيغفر لهم" .
وقد وعدك الله أيها التائب بقبول توبتك، ومحو خطيئتك ، فقال التواب الرحيم: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون). 
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم كثير التوبة والاستغفار، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً )) . 

وإن وقع الخطأ من العبد تجاه نفسه، بأن قصر في حقوقها، أو ظلمها بفعل الذنوب والمعاصي والمنكرات، فعليه أن يحاسب نفسه، فيكمل نقصه، ويستدرك تقصيره، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )

أيها المسلمون: وإن وقع الجهل والظلم والخطأ على الغير، فلا بد من التوبة إلى الله أولا، ثم الاعتذار وطلب العفو من الغير ثانيا، مع رد حقوقهم إن اغتصبت أو أتلفت. 
ولن ينجو العبد يوم القيامة إلا بالسلامة من حقوق الناس، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرن حقوقهم بحقه – جل في علاه- كقوله تعالى : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) فجمع الله بين حقه في العبادة وبين حقوق الخلق، ليدل على وجوب احترامها وأدائها على الوجه الأكمل. 

ومن السنة ما رواه أبو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ».
فهذا العبد قد أتى بحق الله تعالى من الصلاة والصيام والزكاة، ولكنه قصر في حق الخلق، بأن انتهك أعراضهم بالشتم والقذف، وأموالهم بأكلها دون وجه حق، ودماءهم بأن سفكها ظلما، واعتدى عليهم بالضرب، فلما لم يعتذر منهم في الدنيا، ويطلب العفو والمسامحة، حصلت المقاصة بين الحسنات والسيئات، فكان سبيله إلى النار . 


الخطبة الثانية: إنَّ الاعتذَارَ مَظْهَرٌ حضارِيٌّ، يدلُّ علَى احترامِ الإنسانِ لنفسِهِ، وتقديرِهِ لغيرِهِ، فلاَ ينبغِي لعاقلٍ أَنْ يتعالَى عنْهُ ، فإذا اخطأت تجاه أحد من الخلق فأعترف بذنبك، واطلب العفو والمسامحة، فإنك إن فعلت ذلك فأنت من الأخيار. 

وقَدْ أَصَّلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لثقافةِ الاعتذارِ بينَ الناسِ بِمَا يبعَثُ بينَهُمْ المحبَّةَ، ويزرعُ فيهِمُ الثقةَ والمودةَ، فنَهَى عَنِ الهجْرِ فوقَ ثلاثِ ليالٍ، وجعلَ لِمَنْ بادرَ بالاعتذارِ وإلقاءِ السلامِ الفضلَ والنوالَ، قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لاَ يحِلُّ لِرجُلٍ أنْ يَهجُرَ أخَاهُ فَوقَ ثلاثِ ليَالٍ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هذا وَيُعرِضُ هذا، وَخَيرُهُمَا الذي يَبدَأُ بِالسّلامِ» 

ومَا أجملَ أَنْ تنتَشِرَ ثقافةُ الاعتذارِ فِي بيوتِنَا، فيعتذِرَ الزوجُ لزوجِهِ، وتعتذرَ الزوجةُ لزوجِهَا، إِنْ بدَرَ مِنْ أحدهِمَا خطَأٌ، وذلكَ بكلمةٍ تَبْعَثُ فِي نفسِ الطرفِ الآخرِ الرضَا والقرارَ، وتُشعِرُهُ بإعادةِ الاعتبارِ، وتُوَثِّقُ بينَهُمَا عُرَى المحبةِ والاستقرارِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي الدرداءِ أَنَّهُ قالَ لزوجتِهِ أُمِّ الدرداءِ رضيَ اللهُ عنْهُمَا: إذَا غَضِبْتِ أَرْضَيْتُكِ، وإذَا غَضِبْتُ فَأَرْضِينِي، فإنَّكِ إِنْ لَمْ تَفْعَلِي ذلكَ فمَا أسرَعَ مَا نفتَرِقُ " 

وعلى المسلم الذي اعتذر إليه، وطلب أخوه المسلم منه العفو والصفح أن يقبل عذره ولا يرده، متأسيا بربنا جل في علاه الذي يقبل التوبة من عباده، وبنبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يقبل عذر المعتذر فروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي موسى الأشعري قال: أتاني ناس من الأشعريين فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لنا حاجة . قال: فقمت معهم فقالوا: يا رسول الله استعن بنا في عملك فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قالوا . وقلت: لم أدر ما حاجتهم . فصدقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرني وقال: " إنا لا نستعين في عملنا من سألناه " 

وتأملوا حال الصحابة رضوان الله عليهم فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ – أي يتغير لونه -، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ .." فتأملوا رَحِمكُم اللهُ كَيْفَ كان الصحابةُ رضِيَ الله عنهم يَتَأَلَّمون عِندَ وقوعِ أَحَدِهِم في خَطأ يسيرٍ, وكيفَ كانوا يُبادِرونَ إلى الاعترافِ بالخَطَأ والاعتذارِ بألطفِ الأساليب, بل إن الواحدَ مِنهم يُحمِّل نفسَه الخَطَأ وإن كان صاحِبُهُ مخطِئاً في حقه " 
أيها المؤمن: إن قبول اعتذار أخيك عز لك ورفعة لمقامك ، قال صلى الله عليه وسلم: " 
وَمَا زَادَ اَللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا, وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ " 

كما على المسلم أن يحذر من الأقوال والأفعال التي يخشى أن يعتذر منها، فعن أنس بن مالك قال: قال صلى الله عليه وسلم : إياك وكل ما يعتذر منه " 
وعلى المسلم أيضا إن رأى من أخيه شيئا لم يعجبه أو سمع عنه خبرا لا يرتضيه أن يقيم له عذره قبل أن يعتذر، روى البيهقي عن جَعْفَر بْنِ مُحَمَّدٍ قال: " إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإِنْ أَصَبْتَهُ وَإِلَّا قُلْ: لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لَا أَعْرِفُهُ " وهذا من كمال الأخوة الإيمانية بين المسلمين. 

وسلطان المسلمين وولي أمرهم أولى الخلق بالاعتذار له عما صدر منه، قال الإمام الطرطوشي المالكي – رحمه الله : كان العلماء يقولون: إن استقامت لكم أمور السلطان فأكثر واحمد الله تعالى واشكره، وإن جاءكم منه ما تكرهون وجهوه إلى ما تستوجبونه منه بذنوبكم وتستحقونه بآثامكم، فأقيموا عذر السلطان بانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة واستئلاف الأعداء ورضاء الأولياء، وقلة الناصح وكثرة المدلس والفاضح"