الخميس، 30 مايو 2013

خطبة جمعة : من أسباب البركة في الرزق

الخطبة الأولى: 

اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله عز وجل قد تكفل بأرزاق العباد وحددها من قبل أن يظهروا في  هذه الدنيا قال صلى الله عليه وسلم ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد "

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله " 

ورغب ديننا في اكتساب الحلال ورهب وحذر من اكتساب الحرام ، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) البقرة: ١٧٢  ، وقال صلى الله عليه وسلم :" أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ ، فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ "  

وإذا أراد الله بعبده خيرا بارك له في ما آتاه من رزق ، والبركة هي كثرة الخير ودوامه  ، ولحصول هذه البركة التي من هي من الله سبحانه وتعالى في الرزق أسباب إذا حصلها العبد حلت له البركة في ماله ونفسه ، ومن هذه الأسباب تقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ التِي هيَ سببُ لحصول جميع البركاتِ في الدنيا والآخرة ، وأساسُ العطايَا والخيراتِ ، قالَ تعالَى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) الأعراف: ٩٦، وتتحقق التقوى للعبد في طلبه للرزق بامتثال أوامر الله تعالى في طلبه للحلال وبعده عن الشبهات وحسن تعامله مع الناس ، وباجتناب ما عنه نهى وزجر من طلب الحرام وغش الناس 

ومن أسباب حصول البركة في الرزق كثرة الاستغفار ، فبالاستغفارِ تُسْتَمْطَرُ البركاتُ، وينْزلُ الغيثُ ويكثرُ المالُ والبنونَ، قالَ تعالَى (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) نوح: ١٠ - ١٢ قال القرطبي : في هذه الآية ... دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » 
جماعة المسلمين : ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ: الصدقُ فِي المعاملاتِ، وتركُ الغشِّ والكذبِ وغيرِهِمَا مِنَ الأُمورِ التِي تَمْحَقُ البركةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » ، فقوله (فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا ) أي بين كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن وصدق في ذلك ، كثر نفع المبيع والثمن 

ثم قال :( وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) والمحق هو النقصان وذهاب البركة ، وقيل هو أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر 
واليمين الكاذبة في البيع من أسباب تخلف البركة عن الرزق قال صلى الله عليه وسلم : " الحَلِفُ مَنفَقَةٌ للسلعةِ ، مَمَحَقَةٌ للبركة " قال العلماء : أوضح الحديث أن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة ، فيؤدي إلى قلة العدد في الدنيا ونقص الأجر في الآخرة  

ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ – والتي يغفل عنها كثير من الناس -  صلةُ الأرحامِ وودُّهُمْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ » قال العلماء : معنى البسط في الرزق البركة فيه ، فَصِلُوا عبادَ اللهِ أرحامَكُمْ، وأَدْخِلُوا عليهِم السرورَ، فمَنْ وصلَهُمْ وصلَهُ اللهُ تعالَى، وبارَكَ لَهُ فِي رزقِهِ 

اللهُمَّ ارزقْنَا رزقًا حسنًا وبارِكْ لنَا فِيهِ ، وارزقْنَا شكرَ نعمتِكَ وحُسْنَ عبادتِكَ .


الخطبة الثانية : 

أيهَا المؤمنونَ: ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ: شكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ علَى إحسانِهِ ، فالشكرُ دليلُ الرضَا وعنوانُ الزيادةِ قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) إبراهيم: ٧ ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " إن النعمة موصولة بالشكر ، والشكر يتعلق بالمزيد ..، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد " 

ومِنْ أسبابِ البركةِ فِي الرزقِ : القناعةُ وتركُ الحرصِ والطمعِ ، فعَنْ حكيمِ بنِ حزامٍ : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ :« يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ » 
فقوله (أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ ) أي بغير شره ولا إلحاح ولا إشراف وتطلع ، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على من تقنع بما آتاه الله من الرزق فقال : " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " 
وأما الطمع فعاقبته كما قال صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ " فتمنع البركة عنه ولا ينتفع صاحب المال به بل يكون وبالا عليه 

ومن أسباب حصول البركة في الرزق الأخذُ بالأسبابِ وإتقانُ العملِ ، فالموظف إذا أراد أن تحل البركة في ماله ورزقه فليتقن عمله كما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل سواء بالحضور والانصراف في الوقت المحدد ، أو أداء ما يوكل إليه من مهام وظيفية ، فلا يؤجل عمل اليوم إلى الغد ، أو يؤخر مصالح الناس ، أو يستغل أموال الدولة العامة في مصالحه الشخصية ، أو أن يقدم إلى جهة عمله إجازة طبية وهمية لكي يتغيب عن العمل ولا يعاقب ، أو ينشغل عن العمل بقراءة الجرائد وتصفح الإنترنت ومتابعة الأسهم أو نحو ذلك من الأمور الشخصية ، فكل ذلك من أسباب محق البركة في الرزق ، فالأجر وهو الراتب في مقابل العمل فإذا أدى الموظف عمله استحق أجره ، وإن أهمل وأخل نقص من أجره وراتبه على قدر إخلاله وإهماله ، وكان ما يأخذه من أجر مع هذا الإخلال والنقص سحت وحرام  .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق