الجمعة، 7 يونيو 2013

خطبة جمعة بعنوان: الإسراف وفضل صيام شعبان

جماعة المسلمين قال ربنا عز وجل في محكم التنزيل:( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)  الأعراف: ٣١ ، ينهى الله عباده المؤمنين عن الإسراف، وهو مجاوزة الحد في الإنفاق، وهذا النهي عام عن كل شيء، فعن عطاء بن أبي رباح قال في تفسير الآية: نهوا عن الإسراف في كل شيء" ، ثم بين الله سبحانه وتعالى أنه لا يحب المسرفين ولا يرتضي أفعالهم، وذلك لما فيه من إضاعة المال في غير فائدة، بل ربما عاد على منفقه بما يضره في دينه ودنياه، وقد ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله 
كره لكم ثلاثا قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال "  

جماعة المسلمين: ينبغي للمؤمن أن يعلم أن نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى،( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) النحل: ١٨ ، وهذه النعم التي نتقلب فيها ومنها المال والصحة والعمر لا بد أن تشكر، وشكرها بالاستعانة بها على طاعة الله، لا بالإسراف فيها وصرفها فيما لا يحبه الله، قال سفيان بن عيينة : إن من شكر الله على النعمة أن تحمده عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته" 
وأرشدنا الله ورسوله إلى أن نستعين بهذه النعم على طاعته، لأجل بلوغ الدار الآخرة، وليس للركون  والخلود بها في الدنيا، فقال تعالى :( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) غافر: ٣٩ ، وتأملوا حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع هذه النعم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما شبع آل محمد صلى الله عليه و سلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض " ، وأما وصف بيته صلى الله عليه وسلم فاسمع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصفه، فروى ابن ماجة عن عمر قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَالَ فَجَلَسْتُ فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ وَقَرَظٍ فِى نَاحِيةٍ فِى الْغُرْفَةِ وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاىَ فَقَالَ « مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ». فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَمَا لِىَ لاَ أَبْكِى وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِى الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. قَالَ « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ». قُلْتُ بَلَى " 
هذه حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لعائشة: فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة " 
وإن الإسراف في الأموال والنعم من أكبر أسباب زوال النعم وقلتها بين يدي العبد، ولأجل ذلك كان عليه السلام يحث على الاقتصاد والكفاف في العيش فقال صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه. 

أيها المسلمون: من صور الإسراف الذي نعيشه في مجتمعاتنا الإسراف في الطعام والشراب واللباس، وقد نهى الله عن ذلك صراحة فقال : (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)الأعراف: ٣١ ، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة) وبين النبي صلى الله عليه وسلم الهدي السليم في الطعام والشراب فقال : ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " قد روي أن ابن أبي
ماسويه الطبيب وكان نصرانيا، لما قرأ هذا الحديث قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات ، سلموا من الأمراض والأسقام ، ولتعطلت المارستانات – المستشفيات- ودكاكين الصيادلة" 
وفي هذا الوقت ربما تجد على الوجبة الواحدة أصنافا من الطعام كثيرة جدا، وخصوصا في الولائم والأفراح لا تؤكل كلها بل بعضها يرمى في الزبالات، وحظائر الحيوانات. 
بل نسمع عن بعض الشباب ممن أغدق الله عليهم بالأموال الوفيرة يشتري النظارات والساعات والأحذية بمبالغ خيالة تفوق الوصف، وربما اشترى لعبة لولده أو أخيه بالآلاف، وإذا دعي للتبرع والتصدق أخرج ما فضل في جيبه من الدراهم المعدنية.

ومن صور الإسراف في مجتمعنا الإسراف في بناء البيوت، مما جر على أصحابها الديون التي أرهقت الأسر، مع أن التطاول في البينان لغير حاجة مذموم شرعا، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبة على باب رجل من الأنصار فقال ما هذه ؟ قالوا: قبة بناها فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ما كان هكذا فهو وبال على صاحبه يوم القيامة فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها فمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلم يرها فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لمِا بلغه. فقال يرحمه الله يرحمه الله. 
وقد سمعنا عن أقوام صرفوا عشرات الآلاف على تزيين حمام، أو صبغ جدار، أو نحوه مما لا يستفيد منه إلا السمعة والمباهاة . 
ومن صور الإسراف في مجتمعنا الإسراف في حفلات الزواج، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: أولم ولو بشاة " وفي زماننا ثلاث حفلات ، للخطوبة وعقد القران والزواج، غير ما يسمى بفستان الزواج الذي يستأجر لسويعات بمبالغ تصل إلى العشرين ألفا وزيادة ، أليس هذا من الكفر بنعمة الله ؟ 
فاتقوا الله عز وجل في ما ملكم فيه من الأموال ، فإنكم ستحاسبون على هذا المال بسؤالين، من أين اكتسبته وفيما أنفقته، واسع إلى إعمار آخرتك فهو أسلم لك ، قال رجل من السلف لأبيه :  يا أبت لم نكره الموت ؟  قال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، والعبد يكره الانتقال من العمار إلى الخراب . 
قال تعالى :( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد )       آل عمران: ١٤ - ١٥


الخطبة الثانية : عباد الله إن لله في دهره نفحات فتعرضوا لنفحات الله، و لقد منّ الله علينا بمواسم للعمل، هي مجال للتحصيل الحسنات، والرفعة في الدرجات، ومن هذه المواسم التي يتنافس فيها المتنافسون شهر شعبان الذي سيحل علينا بعد أيام ، وقد نبها إليه النبي صلى الله عليه وسلم لاغتنامه بصالح الأعمال فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ :  ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ "   فالنبي صلى الله عليه وسلم ينبهنا إلى فضيلة هذا الشهر الكريم ويبين لنا سبب ذلك ، فهو شهر يغفل الناس عنه لانشغالهم برجب الحرام وبرمضان ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يرفع عمله إلى الله وهو صائم ، كما ورد ذلك في قوله (وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) ، وكان صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بالصيام فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال " وكان أحب الصوم إليه في شعبان " وعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ  " ، فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على استحباب الصيام في شهر شعبان لمن قدر على ذلك . 
فاستغلوا هذه الأيام المباركات في العمل الصالح، فهو خير ما تدخرونه لموتكم وآخرتكم، قال صلى الله عليه وسلم: يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق