الجمعة، 28 أغسطس 2015

خطبة جمعة : فوائد وعبر من حديث : مثل القائم على حدود والواقع فيها

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين روى البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا»
هَذَا مَثَلٌ نَبَوِيٌّ عَظِيمٌ، اشْتَمَلَ عَلَى مِثَالٍ مَحْسُوسٍ، لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ أَصْحَابُ الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ، تَضَمَّنَ أَبْلَغَ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَأَجْمَلَ الْمَعَانِي الْبَاهِرَاتِ، حَيْثُ شَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُجْتَمَعَ بِالسَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ، الَّتِي يَجْدُرُ بِالْجَمِيعِ حِمَايَتُهَا لِيَعِيشُوا فِيهَا آمِنِينَ سُعَدَاءَ، فِي سَعَةٍ وَرَخَاءٍ، وَمَحَبَّةٍ وَإِخَاءٍ، مُتَوَاصِينَ بِتَحْقِيقِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ الْمُخْتَلِفَةِ، إلا أن فيهم من يسعى لإحداث الضرر لمصالح خاصة بحسن نية أو سوء قصد، إذ عمد من في أسفل السفينة إلى إحداث خرق في السفينة بحجة واهية وهي الوصول إلى الماء دون إزعاج وإيذاء من في أعلى السفينة، فإما أن يتركهم أهل السفينة يفعلون ما يشاءون بدعوى حريتهم فيهلكوا جميعا، أو يمنعوهم فينجوا جميعا.

إخواني المسلمين: لقد تضمن هذا المثل النبوي جملة من الدروس والعبر والأحكام فلا بد أن نتأملها ونعمل بها

فمن هذه الدروس والعبر: وحدة المجتمع المسلم ووحدة مصالحه، وأن على المسلمين جميعا أن يسعوا إلى تحقيق مصالحه وعدم الإضرار به، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم حال المسلمين مع بعضهم البعض بمثال حسي آخر فقال :" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"

وعَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا » . وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ، فمن كانت هذه حاله وصفته وجب عليه أن يسعى إلى تقوية الصف وعدم إضعافه، قال تعالى : "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا " 

ومن هذه الدروس والعبر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم في تحقيق الأمن بجميع صوره في المجتمع المسلم، فأهل السفينة لن يتحقق لهم الأمن ولن يصلوا بسلامة ما لم ينكروا المنكر ويأخذوا على يد الظالم.

والله سبحانه وتعالى جعل تحقق الفلاح في تحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ، وبين صلى الله عليه وسلم أن عدم منع الظالم من ظلمه خصوصا إذا تعلق بالأمن العام من أسباب وقوع العقوبة من الله، فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ »

ولكن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط ودرجات، فقد قال صلى الله عليه وسلم:مَنْ رَأَى مِنكُم مُنْكَراً فَليُغيِّرهُ بيدِهِ ، فإنْ لَمْ يَستَطِعْ فبِلسَانِهِ ، فإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقلْبِهِ ، وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ " 

عباد الله : ومن الدروس والعبر في الحديث تحديد ما يسمى بالحرية الشخصية، فقد دل الحديث على عدم وجود حرية مطلقة للعبد يقول أو يفعل ما يريد دون مراعاة لضوابط وأحكام شرعية، أو مراعاة لحقوق الآخرين، فهؤلاء القوم في أسفل السفينة إنما أرادوا التصرف في مكانهم لا مكان غيرهم، ومع ذلك كان لا بد من معهم لأن في تصرفهم إضرارا بالمصلحة العامة وإلحاقا للأذى بالآخرين.

فحريتك أيها المسلم تقيد بأحكام الشرع وضوابطه، وأن لا تؤدي تصرفاتك إلى إلحاق الضرر بالآخرين وَحَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ فَقَالَ:« مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ». أَيْ: مَنْ أَدْخَلَ عَلَى أَحَدٍ مَضَرَّةً فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ عِرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ جَازَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْمَضَرَّةَ، وَمَنْ أَوْصَلَ مَشَقَّةً إِلَى غَيْرِهِ ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ جَزَاءً وِفَاقًا، فَخَيْرُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِبَادِهِ .

ومن الدروس والعبر في الحديث أن مصلحة الجماعة تقدم على المصلحة الخاصة، فالمسلم لا يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة مع تفويت مصلحة أعلى منها وأعظم، فهؤلاء القوم في السفينة أرادوا تحقيق مصلحة خاصة بهم من التيسير في جلب الماء وعدم التكلف بالصعود إلى الأعلى إلا أن هذه المصلحة تتعارض مع مصلحة الجماعة في الوصول إلى البر آمنين. 

فكذلك المسلم يقدم مصلحة جماعته ودولته على مصالحه الخاصة ومن ذلك ما ذكره الله في سورة النور فقال:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" قال المفسر عبد الرحمن السعدي: "هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع، أي: من ضرورته أو من مصلحته، أن يكونوا فيه جميعا، كالجهاد، والمشاورة، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم، فالمؤمن بالله ورسوله حقا، لا يذهب لأمر من الأمور، لا يرجع لأهله، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم، إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده، فجعل موجب الإيمان، عدم الذهاب إلا بإذن، ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله وولي الأمر منهم.."

ومن الدروس والعبر المأخوذة من الحديث أنه لا عبرة بحسن النية في تصحيح الفعل الخطأ، فهؤلاء الذين أرادوا خرق السفينة كانت نيتهم حسنة وهي عدم إيذاء من في أعلى السفينة عند طلبهم الماء، ولكن فعلهم إن لم يمنع لأدى إلى مفسدة عظيمة، ولهذا كان من أصول أهل السنة إنكار البدع والمخالفات في الشرع دون النظر إلى حسن قصد فاعليها من زيادة تقربهم إلى الله تعالى أو غيره.

وَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْفَوَائِدِ: دَفْعُ الشَّرِّ وَالضَّرَرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَسَدُّ ذَرَائِعِ الْفِتَنِ قَبْلَ حُلُولِهَا، بِتَوْعِيَةِ الْجَاهِلِ، وَتَنْبِيهِ الْغَافِلِ، وَتَعْلِيمِ الصَّغِيرِ، وَالأَخْذِ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ مُخْتَارُ الْحُكَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْوِقَايَةَ خَيْرٌ مِنَ الْعِلاَجِ

الخطبة الثانية : اعْلَمُوا رحمكم الله  أَنَّ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ لَهَا مَوَاقِفُ تَارِيخِيَّةٌ مَجِيدَةٌ مَعَ الْيَمَنِ الشَّقِيقِ، إِيمَانًا مِنْهَا بِالرَّوَابِطِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ، مُنْذُ عَهْدِ الْمُؤَسِّسِ الشَّيْخِ زايد طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَالْقِيَادَةُ الرَّشِيدَةُ لَهَا اهْتِمَامُهَا بِمُسَانَدَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَالْوُقُوفِ مَعَهُمْ فِي مُخْتَلَفِ الظُّرُوفِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ دَوْرُ الْمُؤَسَّسَاتِ الْخَيْرِيَّةِ فِي الدَّوْلَةِ وَمَا تُقَدِّمُهُ مِنْ عَوْنٍ وَمُسَاعَدَةٍ لِلشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ الشَّقِيقِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». فَعَلَيْنَا جَمِيعًا أَفْرَادًا وَمُؤَسَّسَاتٍ وَاجِبُ الدَّعْمِ وَالْمُسَانَدَةِ مَادِيًّا وَمَعْنَوِيًّا لِلشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ الشَّقِيقِ، كُلٌّ قَدْرُ اسْتِطَاعَتِهِ. 
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً». 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق