الخميس، 13 أغسطس 2015

فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله ونصرة المستضعفين

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن من مقاصد الجهاد الشرعي في الإسلام تحقيق الاستقرار والسلام، وَالدَعَوة لِلْخَيْرِ وَالْوِئَامِ، لأجل إقامة الدين لله، فيعبد الناس ربهم كما أمرهم، قال تعالى : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ" 

ومن مقاصد الجهاد كذلك رد اعتداء المعتدين، والدفاع عن المستضعفين ونصرتهم، قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"

وَحَذَّرَ مِنْ أَهْلِ الاِعْتِدَاءِ وَالإِجْرَامِ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ عَلَى النَّاسِ حَيَاتَهُمْ، وَيَعْتَدُونَ عَلَى الآمِنِينَ فِي أَوْطَانِهِمْ، فَأَمَرَ بِدَفْعِ شَرِّهِمْ، وَدَحْرِ عُدْوَانِهِمْ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). 

وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ الْمُعْتَدِي، لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:« تَحْجُزهُ أو تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». 

ومن شروط الجهاد –أيها المؤمنون- أن يكون تحت راية الحاكم، فهو الذي يدعو إليه، ويأمر به، فَطَاعَتُهُ آنذاك وَاجِبة مؤكدة، وليس لأفراد الناس أو قادة الجماعات أن يجاهدوا دون إذنه ومشورته، ومتى ما وقع ذلك حصلت الفوضى واختل الأمن كما هو واقع ومشاهد.

فطاعة الحاكم وعدم منازعته آكَدُ فِي مَوَاضِعِ الشَّدَّةِ وَالْحَزْمِ وَرَدْعِ الْمُعْتَدِينَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقِ الْخَيْرَاتِ وَالْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الشُّرُورِ وَالْمَفَاسِدِ، وَإِرْسَاءِ دَعَائِمِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». أَيْ يُقْتَدَى بِرَأْيِهِ وَنَظَرِهِ فِي الأُمُورِ الْعِظَامِ وَالْوَقَائِعِ الْخَطِيرَةِ، وَلاَ يُتَقَدَّمُ عَلَى رَأْيِهِ، وَلاَ يُنْفَرَدُ دُونَهُ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ.

قال النووي رحمه الله : " الإمام جنة كالستر يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام .. وقوله : " يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ" أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا" ا.هـ

وهذه المسألة قررها علماء أهل السنة والجماعة في معتقدهم، وخالفوا بها أهل البدع من الخوارج وغيرهم ممن يقاتلون دون إذن الحاكم والسلطان، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك" ، وقال ابن رشد المالكي:ويجاهد العدو مع كل إمام بر وفاجر" وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويرون-أهل السنة والجماعة- إقامة الحج والجهاد والجمع مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا"

ولأجل ذلك منع العلماء الخروج للقتال بدون إذن الإمام، ومتى ما وقع ذلك كان قتالا غير شرعي

عباد الله : إن فضل الجهاد الشرعي الذي تحققت فيه أحكامه عظيم، وثوابه جزيل،فَهَنِيئًا لِمَنْ لَبَّى نِدَاءَ ولي أمره ، وَسَاهَمَ فِي الدِّفَاعِ دينه ووطنه، وَقَدَّمَ الْعَوْنَ لأَشِقَّائِهِ، فَظَفِرَ بِالْفَضْلِ الْعَظِيمِ، الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُرَابِطِينَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:« رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». وَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا». وَمَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَذًى وَهُوَ مُرَابِطٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ الْكَرَامَةُ عِنْدَ اللَّهِ، وَالشَّرَفُ الْعَظِيمُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ -أَيْ جُرْحٍ يُجْرَحُ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ»

فاللهم انصر جنود المسلمين على من عدوهم ومن بغى عليهم، ووفق ولاة أمورنا لنصرة دينك وإقامة شرعك والدفاع عن المستضعفين.


الخطبة الثانية : أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: من أعظم فضائل الجهاد الشرعي نيل الشهادة، ونيلها فِي سَبِيلِ اللَّهِ دِفَاعًا عَنِ الإسلام والأَوْطَانِ مَكْرُمَةٌ جَلِيلَةٌ، يَمُنُّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ  "إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" أَيْ: لِيُكْرِمَ مِنْكُمْ بِالشَّهَادَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرِمَهُ بِهَا، فَدَرَجَةُ الشُّهَدَاءِ كَبِيرَةٌ، وَمَنْزِلَتُهُمْ رَفِيعَةٌ، فَهُمْ أَحْيَاءٌ فَرِحُونَ، عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ مُذَكِّرًا بِعِظَمِ مَنَازِلِهِمْ:( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

 فَطُوبَى لمن قتل في سبيل الله مجاهدا مدافعا عن دينه ووطنه ناصرا للمستضعفين ومدافعا عنهم، فنرجو لهم أن يكونوا قد الْتَحَقُوا بِرَكْبِ الشُّهَدَاءِ الأَطْهَارِ، الْمَوْعُودِينَ بِأَعْظَمِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ.

وَإِنَّ بَرَكَةَ الشَّهِيدِ لاَ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، بَلْ تَتَعَدَّاهُ إِلَى أَهْلِهِ وَذَوِيهِ وَأَقَارِبِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ». 

فَلْيَسْتَبْشِرْ أَهْلُ الشُّهَدَاءِ وَلْيَصْبِرُوا، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ صَبُورٌ عِنْدَ الاِبْتِلاَءِ، ثَابِتٌ عِنْدَ الْمِحَنِ، لاَ تَزِيدُهُ الْمَصَائِبُ إِلاَّ رُسُوخًا وَصُمُودًا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِي بَيَانِ جَزَاءِ الصَّابِرِينَ الثَّابِتِينَ:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). فَيَا لَهُ مِنْ ثَنَاءٍ عَظِيمٍ يَنَالُهُ الصَّابِرُ الَّذِي يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وَيُوقِنُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ، فَيَتَسَابَقُ إِلَى تَأْدِيَةِ الْوَاجِبِ بِثَبَاتٍ وَيَقِينٍ، مُرَدِّدًا قَوْلَهُ تَعَالَى:( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

جماعة المسلمين : اعْلَمُوا أَنَّ جُنُودَ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ الْبَوَاسِلَ فِي الْقُوَّاتِ الْمُسَلَّحَةِ هُمْ حِصْنُنَا الْحَصِينُ، وَدِرْعُنَا الْمَتِينُ، وَهُمْ مَوْضِعُ فَخْرٍ وَاعْتِزَازٍ، لَبَّوْا نِدَاءَ ولي أمرهم ، وَضَرَبُوا أَرْوَعَ الأَمْثِلَةِ فِي نُصْرَةِ الحق والدفاع عن الشَّقِيقِ وَالصَّدِيقِ المحتاج، وَسَطَّرُوا صَفَحَاتٍ مَجِيدَةً مِنَ الْبَذْلِ وَالتَّضْحِيَةِ، وَرَفَعُوا رَايَةَ الدَّوْلَةِ خَفَّاقَةً عَالِيَةً، مُتَحَلِّينَ بِالشَّجَاعَةِ وَالْبَسَالَةِ،مَتَآزِرِينَ مُتَلاَحِمِينَ، وَبِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمِينَ، وَبِالأَجْرِ الْعَظِيمِ مُسْتَبْشِرِينَ، وَبِنَصْرِ اللَّهِ مَوْعُودِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). وَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق