الجمعة، 21 مارس 2014

خطبة جمعة : فضل الوالدين

جماعة المسلمين : قال تعالى في محكم التنزيل : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"  

فقضى ربنا عز وجل علينا قضاء دينيا وأمرا شرعيا أن نوحده سبحانه بأن نفرده بالعبادة لكونه المعبود المستحق لها دون سواه ، ثم ذكر جل ذكره بعد حقه العظيم القيام بحق الوالدين فقال وبالوالدين إحسانا ، ليدلنا سبحانه على عظم حق الوالدين .

والإحسان للوالدين يعم كلَّ إحسان قولي أو فعلي مما هو إحسان إليهما  ، قال ابن كثير رحمه الله: " فلا تقل لهما أف " أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ "ولا تنهرهما" أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح .

ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالقول الحسن والفعل الحسن فقال: "وقل لهما قولاً كريماً" أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم "واخفض لهما جناح الذل والرحمة" أي تواضع لهما بفعلك وعن عروة قال " لا تمتنع من شيء أحباه   "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" أي في كبرهما وعند وفاتهما".

أيها المسلمون: إن بر الوالدين يعتبر من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها بعد الصلاة، فعن عبد اللهِ ابن مسعود قالَ: سألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمَلِ أَحَبُّ إلى اللهِ؟ وفي روايةٍ:  أفضل ؟  قالَ: "الصلاةُ على وقتِها". قالَ: ثم أيُّ؟ قالَ: " بِرُّ الوالدَينِ". قالَ: ثم أيُّ؟ قالَ:"الجهادُ في سبيلِ الله"

ومن عظم حق الأب والأم أن جعل الله رضاه عن العبد برضاهما وغضب الرب على العبد بغضبهما عليه فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ()رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ "

وبر الوالدين – إخواني في الله - سبب لدخول الجنة والنجاة من النارفعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَشِيرُهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «الْزَمْهُمَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ أَرْجُلِهِمَا» رواه الطبراني بإسناد جيد  ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرجل : أتفرق من النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله. قال أحيٌّ والداك؟ قلت: عندي أمي. قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلنَّ الجنةَ ما اجتنبتَ الكبائر.

واعلم رحمك الله، أنك مهما أحسنت لوالديك فلن تجزيهما حقهما فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ .

وبر الوالدين لا ينتهي بموتهما، فعن أبي أُسَيدِ مالكِ بنِ ربيعة السَّاعدىِّ، قال: بينا نحنُ عندَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءهُ رجل مِن بني سَلِمةَ، فقال: يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم -، هل بقي مِن بِرِّ أبوَىَّ شيٌ أبَرُهما به بعدَ موتهما؟ قال: "نعم، الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهِما من بعدِهِمَا، وصِلَةُ الرحِمِ التي لا توصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صَدِيقِهما"

ولقد ضرب السلف الصالح رحمهم الله أورع الأمثلة في برهم لوالديهم مع علو شأنهم، فمن ذلك ما رواه البخاري في الأدب المفرد عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَلَيْكِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ، تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَقُولُ: رَحِمَكِ اللَّهُ رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا

وعن ابن عون أن محمد بن سيرين إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه، ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها) ، وبكى إياس بن معاوية حين ماتت أمه بكاء شديدًا، فقيل له في ذلك فقال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما، بل كان بعضهم ليقوم الليل سهرا على مرض والدته ، قال ابن المنكدر: بات أخي عمر يصلي، وبِتُّ أغمزُ قدم أمي، وما أحب أن ليلتي بليلتهفكان يرى أن عمله بسهره على أمه أرجى عند الله من قيام أخيه الليل يصلي.  

ومن كبار حفاظ الحديث الثقات منصور بن المعتمر التابعي وصفه الذهبي بقوله:"الحافظ الثبت القدوة،.. أحد الأعلام كان من أوعية العلم العلم، صاحب إتقان وتأله وخير " أراده الوالي في بلده أن يوليه القضاء فلم يرض، فيقول أبو بكر بن عياش : ربما كنت مع منصور بن المعتمر في منزله جالسا، فتصيح به أمه، وكانت فظة غليظة، فتقول : يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى عليه ؟ وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها"

ومن العلماء من ترك السفر لطلب العلم برا لوالدته فبارك الله له في علمه، قال عبد الله بن جعفر المروزي: سمعت بُنْدار يقول: أردت الخروج للعلم فمعتني أمي، فأطعتها فبورك لي فيه"
ألا فليتق الأبناء الله في الوالدين  ، فإنهما سبب وجودك في الدنيا ، وسبب دخولك الجنة إن بررتهما ، فلا تترك برهما ما استطعت إلى ذلك سبيلا


الخطبة الثانية : أخي المسلم تأمّل ـ يا رعاك ربيّ ـ حالَ صغرك، تذكّر ضعفَ طفولتكَ، فقد حملتكَ أمكَ في بطنها تسعةَ أشهرٍ وهنًا على وهن، حملتكَ كَرهًا ووضعتك كَرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وعند الوضعِ رأت الموتَ بعينها،فحالها يقول :" يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا "  زفراتٌ وأنين، غُصصٌ وآلام، ولولا رحمةُ الرحمن الرحيم لكانت حياتكَ سبباً في موتها ووجودُكَ سببا في فقدها ، وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحكَ وتحسست أنفاسك تتردّد نسيت آلامها وتناست أوجاعها، رأتكَ فعلّقت فيك آمالها ورأت فيك بهجةَ الحياة وزينتها، ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تطعمك من خالص جسدها لبنا خالصا بسببه جسدها يضعف وبه يقوى جسدك ويشرُفُ ، تجوع هي لتشبع أنت، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إن غابت عنك دعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثتَ بها، تحسبُ الخير كلَّه عندها، وتظنّ الشرّ لا يصل إليك إذا ضمّتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، تؤثرك على نفسها بالغذاء والراحَة، فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها وتتبعك نظراتها وتسعى وراءك خوفًا عليك، صورتكَ أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، صوتكَ أبدى على مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحكَ أروعُ عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، يرخصُ عندها كلُّ شيء في سبيل راحتك، ترخصُ عندها نفسُها التي بين جنبيها، فتؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى.

لذلك كان حق الأم عليك عظيما فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَةِ " ، ومن عظيم فضل بر الأم أن برها مكفر للذنوب والمعاصي فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِرَّهَا.
وهذا صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أدخله الله الجنة ببره لأمه فعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ قَارِئًا، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، وَكَانَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ "

ونبينا صلى الله عليه وسلم يخبر عن رجل يأتي من بعده، شهد له بالخير، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» ، وانظروا رحمكم الله إلى خبر عمر رضي الله عنه مع أويس ، فروى مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ"

فهذا التابعي الجليل قد زكاه النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ولم يره، وذكر من أجل أعماله بره بأمه، وهذا العمل جعل له مكانة عظيمة عند ربه، حتى أنه لو أقسم على الله لأبرَّ الله قسمه.

ولعظم مكانة بر الأم وصى الله ورسوله بحقها خصوصا فعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ- ثَلَاثًا - إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ"

واعلم أيها الموفق أنك لن تستطيع أن توفيَّ هذه الأم حقها الواجب لها عليك فروى البخاري في الأدب المفرد عن سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ أي مما يعرض للأم عند الوضع من الألم .

إن من العيب والعار ، أن يتفاجئ الوالدان بالتنكر للجميل ، إذ كانا يتطلعان للإحسان ويؤملان الصلة والمعروف ، فإذا بهذا العاق المخذول قد تناسى ضعفه وطفولته وأعجب بشبابه وقوته ، غره تعليمه وثقافته وماله ومركزه ، فيؤذيهما بالقول والفعل ، يريدان حياته ويتمنى موتهما  ، وكأني بهما أن لو كانا عقيمين .
أيها العاق اعلم أن الجزاء من جنس العمل ، وقال صلى الله عليه وسلم ( كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لوالديه قبل الممات "
وأما من اعتدى على والديه بالضرب أو السب ، فقد لعنه النبي صلى الله عليه وسلم ، واللعن هو الطرد من رحمة الله، فعن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لعن الله من سب والديه " 

الجمعة، 14 مارس 2014

خطبة جمعة: فضل العلم وطلبه

الخطبة الأولى : أيها المسلمون قال ربنا عز وجل في محكم التنزيل : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) دلت هذه الآية على فضيلة عظيمة للعلم وأهله قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله –في بيانها " ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها ترتفع الدرجات ، ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت ، والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة" ، وفي صحيح مسلم أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ ابْنَ أَبْزَى . قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى ؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا . والمولى هو العبد الذي اعتق-  قَالَ فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى ! قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هكذا العلم يزيد الشريف شرفا ويجلس المملوك على الأسرة" ، وقال داوود بن مخراق- وهو من علماء السلف- : من أراد شرف الدنيا والآخرة فليتعلم العلم " ، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي أن الخليفة هارون الرشيد قدم الرقة، فانجفل الناس خلف عبد الله ابن المبارك، - وقد وصفه الذهبي بقوله : الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته- وتقطعت النعال،وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب ، فقالت: ما هذا ؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم.فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان"

أيها المسلمون: ومن فضل العلم وعلو شأنه أن الله عز وجل لم يساوي بين العالم والجاهل فقال :" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" والغرض من الآية نفي المسواة بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والقاعدة عند أهل التفسير في مثل هذا النفي أنه يحمل على أعم معانيه وأحواله.

ومن فضل العلم الشرعي أن الله قرن شهادة الذين أوتوا العلم بشهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود وهي كلمة التوحيد. قول ربنا عز وجل :" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ، قال القرطبي رحمه الله " في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء " وقال المفسر السعدي رحمه الله " وفي ضمن ذلك تعديلهم وأن الخلق تبع لهم وأنهم هم الأئمة المتبوعون وفي هذا من الفضل والشرف وعلو المكانة ما لا يقادر قدره "

ومن فضل العلم وشرفه وشرف أهله أنهم أعرف الناس بربهم وأخوفهم له وأكثرهم محبة وتعظيما لربهم قال تعالى : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، قال أهل العلم : من كان بالله أعرف كان منه أخوف "

عباد الله : سالك طريق طلب العلم الشرعي سالك لطريق الجنة قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ سلَكَ طريقاً يَطلُبُ فيه علماً سَلَكَ الله عزّ وجلّ به طريقاً من طُرُقِ الجنة) فالنبي صلى الله عليه وسلم رتب الجزاء في الحديث على مجرد سلوك طلب العلم وليس على حصول النتيجة وهي كون طالب العلم من العلماء، بل يكفيه شرفا وفخرا أنه طالب للعلم الشرعي .

ومن فضل طلب العلم الشرعي تعظيم الملائكة له وحبها إياه وحفظهم له، فعن صَفْوَان بْن عَسَّالٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بُرْدٍ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بطالبِ الْعِلْمِ، طَالِبُ الْعِلْمِ لَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، ثُمَّ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغُوا السَّمَاءَ الدُّنْيَا مِنْ حُبِّهِمْ لِمَا يَطْلُبُ "

ومن فضل العلم الشرعي أن طالبه وارث للنبي صلى الله عليه وسلم، فما أعظمه من إرث ، قال صلى الله عليه وسلم : " وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياءَ لم يُورِّثُوا ديناراً ولا دِرْهماً، ورَّثُوا العِلْمَ، فمن أخَذَه أخَذَ بحظٍّ وافِرٍ"  ، ورى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه- أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: «ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ» قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: « فِي الْمَسْجِدِ» فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟» قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
أيها المسلمون : إن فضائل العلم الشرعي أكثر من أن تحصر في مثل هذا المقام، فهي كثيرة جدا، ومن قرأ القرآن وتدبره، والسنة وتأملها، وأحوال السلف رأى ذلكم الفضل رأي عين.


 الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : قال ابن القيم رحمه الله : " أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان "
فما هو العلم الذي من سلك طريق طلبه نال ذلكم الفضل؟ إنه العلم الشرعي ، علم كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، بجميع الفروع والتخصصات من اعتقاد وتفسير وعبادات وبيع وشراء وزواج وطلاق ومواريث مما حواه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله " فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبطُ نصوصِ الكتابِ والسنةِ وفهمُ معانيهما والتقيدُ في ذلك بالمأثورِ عن الصحابةِ والتابعينَ وتابعيهم في معاني القرآنِ والحديثِ وفيما وردَ عنهم من الكلامِ في مسائلِ الحلالِ والحرامِ والزهدِ والرقائقِ والمعارفِ وغيرِ ذلك ، والاجتهادُ في تمييزِ صحيحهِ من سقيمهِ أولاً ثم الاجتهادُ في الوقوفِ على معانيه وتفهمه ثانيا ، وفي ذلك كفاية لمن عَقَل " أ.هـ 

وهذا العلم الشرعي النافع إنما ينال بالتفقه والتعلم وحضور مجالس أهل العلم في المساجد ودور العلم التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من رياض الجنة فقال : "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ، فَارْتَعُوا» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ: «مَجَالِسُ الْعِلْمِ " والرياض هي البساتين الخضراء وارفة الضلال. 

والمقصود بحلق الذكر في الحديث مجالس تعلم أحكام الحلال والحرام والبيع والشراء والعبادات، وليس مجرد القصص والأخبار . قال أبو قلابة رحمه الله " ما أمات العلم إلا القصاص ، يجالس الرجل الرجل القصاص سنة ، فلا يتعلق منه بشي ويجلس إلى العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشئ "

وهذا والله هو الواقع إنك لتسمع لأحدهم مئات المحاضرات والمقابلات سواء في الفضائيات أو السمعيات ولا تستفيد من أمر دينك شيئا أبدا ؟ بل خطرهم على الإسلام عظيم إذ أن الناس يثقون بهم لأنهم يتكلمون بقال الله قال رسوله ، ثم يدسون السم في العسل فيروجون لأحاديث ضعيفة وموضوعة ويحثون الناس على البدع ويظهرونها على انها سنة وربما كانت مجالسهم مجالس اختلاط بين الرجال والنساء فتعظم الفتنة وينتشر الشر  ، قال الإمام مالك رحمه الله محذرا منهم " إني لأكره هذه القصص في المساجد ، ولا أرى أن يجلس إليهم ، إن القصص لبدعة ، وليس عليهم أن يستقبلوه كالخطيب  "

فاحرص أيها الموفَّقُ على طلبِ العلمِ من العلماءِ قبلِ فَقْدِهم، فإنَّ من أعظم ما يُصِيبُ الأمَّةَ من مصائبَ: موتَ العلماء؛ لأنَّهم ورثةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورَّثوا العلم.

قال ابن مسعود رضي الله عنه : «موتُ العالم ثُلْمَةٌ في الإسلام لا يَسُدُّها شيءٌ، ما اختلفَ الليلُ والنهارُ».

فاتّقوا الله عباد الله، واعرفوا لعُلمائِكم قَدْرَهم ومكانتَهُم، وانهلوا من عُلومِهم وأخلاقِهم وسَمْتِهم، وترحَّموا على من مات منهم، وسيروا على نَهجِهِم، واستقيموا على ذلك؛ تكونوا من المفلحين .

الخميس، 6 مارس 2014

خطبة : اسم الله ( السلام )

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن لله تعالى أسماء حسنى تَسمى بها، فقال سبحانه: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعينَ اسْماً، مائَةً إلا واحِداً، مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجنَّةَ " وبتعلم الأسماء الحسنى ومعرفة معانيها ومقتضياتها يعرف العبد ربه، قال ابن القيم رحمه الله : " وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ، ومحبته وذكره والابتهاج به وطلب الوسيلة إليه .. ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه " ا.هـ  
ومن أسماء الله الحسنى التي ذكرها الله في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته اسم السلام، قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ" وعَنْ ثَوْبَانَ-رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"

ومعنى هذا الاسم الكريم : الذي سلم من كل عيب ونقص وآفة، لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله، فأسماؤه جميعها حسنى قد بلغت من الحسن غايته، وصفاته كلها عليا لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فلا يشابه المخلوقين قال سبحانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" وليس له نظير ولا سمي قال سبحانه " رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا "  
ومن دلائل هذا الاسم المبارك السلام- وآثاره في الخلق، دلالته على السلامة والأمن من كل خوف وضلال يفضي إلى الهلاك قال سبحانه : "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ووصف الله سبحانه السبيل الموصل إليه بأنه " سلام" لأن من سلكه سلم من العذاب وفاز الجنة ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا" ، ففي إفشاء السلام سلامة من الضغينة والعداوة، لأنه يورث المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع.

و سمى سبحانه- دار النعيم والخلد بدار السلام قال سبحانه : "لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ"  قال المفسر السعدي رحمه الله: " وسميت الجنة دار السلام، لسلامتها من كل عيب وآفة وكدر، وهم وغم، وغير ذلك من المنغصات، ويلزم من ذلك، أن يكون نعيمها في غاية الكمال، ونهاية التمام، بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون، ولا يتمنى فوقه المتمنون، من نعيم الروح والقلب والبدن، ولهم فيها، ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون"

ومن أثر هذا الاسم المبارك أن جعل الله التحية بين عباده باسم الله السلام، وحث على إفشائه بينهم قال تعالى : "تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا" وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»
وأول ما يدخل أهل الجنة الجنة تستقبلهم الملائكة بهذه التحية العظيمة " وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"
فأفشوا السلام بينكم يا عباد الله ، ولا تبخلوا على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم به، فإنه مورث للمحبة، قاطع للعداوة، موجب لحسن العلاقة، ولما سأل رَجُلٌ النبي صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ :« تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

ولفضل السلام في ديننا وأثره البالغ في تقوية أواصر المحبة بين المسلمين حسدنا عليه الأعداء، فعَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ»

وفي إلقاء السلام على الناس أجر وفضل عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: «عَشْرُ حَسَنَاتٍ» ، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ حَسَنَةً» ، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ حَسَنَةً»


الخطبة الثانية : عباد الله : علمنا ديننا الإسلامي الإعراض والعفو عمن أساء إلينا  في خطابه مع إلقاء السلام عليه قال سبحانه مخاطبا نبيه :" فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" قال أهل التفسير : "  أي: اصفح عنهم ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية، واعف عنهم، ولا يبدر منك لهم إلا السلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين، كما قال تعالى عن عباده الصالحين: {وإذا خاطبهم الجاهلون} أي: خطابا بمقتضى جهلهم {قالوا سلاما} "

ففي إلقاء السلام على من عاداك تخفيف لعداوته لك، وكف لأذاه عنك، وربنا يقول : " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"
وخير ما ينهي به المتخاصمون خصامهم السلام قال صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثةِ أيام، يلتقيانِ، فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيرُهما الذي يَبدَأ بالسلام"

ومن دلائل الخير والبركة في اسم الله السلام ترغيب الله تعالى لعباده في تحقيق السلام بينهم، ونبذ القتال والحروب، وذلك لأجل الانشغال بتحقيق العبودية لله تعالى قال سبحانه : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" فإن طلب الأعداء من المسلمين المسالمة والمصالحة والمهادنة فعلى المسلمين أن يجيبوا طلبهم إن ترجحت المصلحة في ذلك، لما في ذلك من الفوائد والتي تعود عليهم، فيصير هذا السِّلم عونا للمسلمين على عدوهم.