الخميس، 6 مارس 2014

خطبة : اسم الله ( السلام )

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن لله تعالى أسماء حسنى تَسمى بها، فقال سبحانه: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعينَ اسْماً، مائَةً إلا واحِداً، مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجنَّةَ " وبتعلم الأسماء الحسنى ومعرفة معانيها ومقتضياتها يعرف العبد ربه، قال ابن القيم رحمه الله : " وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ، ومحبته وذكره والابتهاج به وطلب الوسيلة إليه .. ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه " ا.هـ  
ومن أسماء الله الحسنى التي ذكرها الله في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته اسم السلام، قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ" وعَنْ ثَوْبَانَ-رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"

ومعنى هذا الاسم الكريم : الذي سلم من كل عيب ونقص وآفة، لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله، فأسماؤه جميعها حسنى قد بلغت من الحسن غايته، وصفاته كلها عليا لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فلا يشابه المخلوقين قال سبحانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" وليس له نظير ولا سمي قال سبحانه " رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا "  
ومن دلائل هذا الاسم المبارك السلام- وآثاره في الخلق، دلالته على السلامة والأمن من كل خوف وضلال يفضي إلى الهلاك قال سبحانه : "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ووصف الله سبحانه السبيل الموصل إليه بأنه " سلام" لأن من سلكه سلم من العذاب وفاز الجنة ، وقال صلى الله عليه وسلم: "أَفْشُوا السَّلَامَ تَسْلَمُوا" ، ففي إفشاء السلام سلامة من الضغينة والعداوة، لأنه يورث المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع.

و سمى سبحانه- دار النعيم والخلد بدار السلام قال سبحانه : "لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ"  قال المفسر السعدي رحمه الله: " وسميت الجنة دار السلام، لسلامتها من كل عيب وآفة وكدر، وهم وغم، وغير ذلك من المنغصات، ويلزم من ذلك، أن يكون نعيمها في غاية الكمال، ونهاية التمام، بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون، ولا يتمنى فوقه المتمنون، من نعيم الروح والقلب والبدن، ولهم فيها، ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون"

ومن أثر هذا الاسم المبارك أن جعل الله التحية بين عباده باسم الله السلام، وحث على إفشائه بينهم قال تعالى : "تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا" وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»
وأول ما يدخل أهل الجنة الجنة تستقبلهم الملائكة بهذه التحية العظيمة " وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"
فأفشوا السلام بينكم يا عباد الله ، ولا تبخلوا على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم به، فإنه مورث للمحبة، قاطع للعداوة، موجب لحسن العلاقة، ولما سأل رَجُلٌ النبي صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ :« تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

ولفضل السلام في ديننا وأثره البالغ في تقوية أواصر المحبة بين المسلمين حسدنا عليه الأعداء، فعَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ»

وفي إلقاء السلام على الناس أجر وفضل عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: «عَشْرُ حَسَنَاتٍ» ، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ حَسَنَةً» ، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ حَسَنَةً»


الخطبة الثانية : عباد الله : علمنا ديننا الإسلامي الإعراض والعفو عمن أساء إلينا  في خطابه مع إلقاء السلام عليه قال سبحانه مخاطبا نبيه :" فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" قال أهل التفسير : "  أي: اصفح عنهم ما يأتيك من أذيتهم القولية والفعلية، واعف عنهم، ولا يبدر منك لهم إلا السلام الذي يقابل به أولو الألباب والبصائر الجاهلين، كما قال تعالى عن عباده الصالحين: {وإذا خاطبهم الجاهلون} أي: خطابا بمقتضى جهلهم {قالوا سلاما} "

ففي إلقاء السلام على من عاداك تخفيف لعداوته لك، وكف لأذاه عنك، وربنا يقول : " وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"
وخير ما ينهي به المتخاصمون خصامهم السلام قال صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثةِ أيام، يلتقيانِ، فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيرُهما الذي يَبدَأ بالسلام"

ومن دلائل الخير والبركة في اسم الله السلام ترغيب الله تعالى لعباده في تحقيق السلام بينهم، ونبذ القتال والحروب، وذلك لأجل الانشغال بتحقيق العبودية لله تعالى قال سبحانه : " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" فإن طلب الأعداء من المسلمين المسالمة والمصالحة والمهادنة فعلى المسلمين أن يجيبوا طلبهم إن ترجحت المصلحة في ذلك، لما في ذلك من الفوائد والتي تعود عليهم، فيصير هذا السِّلم عونا للمسلمين على عدوهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق