الجمعة، 4 يوليو 2014

أجل النعم على العبد - مبادرة سقيا الإمارات

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين قال ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" فيذكرُ اللهُ عباده بنعمه عليهم التي لا يمكن لهم إحصاؤها فضلا عن شكرها ولذلك قال " إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " فربنا يرضى من عباده باليسير من الشكر، وينعم عليهم بالكثير، إذ لو طالبنا بشكر جميع نعمه لعجزنا عن القيام بذلك، "وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ "  .

عباد الله : ومن أجل النعم التي على العباد أن يتحدثوا بها ويشكروا عليها ربهم نعمة الإسلام والإيمان قال تعالى : " يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" ، فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره يوم القيامة قال تعالى : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " وهذه الخسارة تقتضي دخول النار لمن لم يكن منعما عليه بنعمة الإسلام. 

ولتدرك أيها الموفق هذه النعمة العظمى عليك فتأمل حال المنعم عليهم بالإسلام في الدنيا والآخرة، وحال من فقد هذه النعمة وما ترتب عليها من فوات السعادة الأبدية والنعيم السرمدي، فستدرك ولا بد أنك في نعيم عظيم . 

أيها المؤمنون : ومن نعم الله على العبد نعمة السنة بأن يكون متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، سالكا طريقه وهديه، مجتنبا البدع والمحدثات. 

فإن السنة حصنُ الله الحصين، الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين، تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارهم، وأهل السنة هم المبيضة وجوههم إذا اسودت وجوه أهل البدعة، قال تعالى: " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ"  قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدعة والتفرق" وهي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه قال سبحانه: " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " فصاحب السنة حي القلب مستنير البصيرة، وصاحب البدعة مريض القلب مظلم البصيرة. 

وهاتان النعمتان هما اللتان يفرح بهما على الحقيقة قال تعالى : " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "  وقد تضافرت أقوال السلف من العلماء والمفسرين على أن فضل الله ورحمته يشمل الإسلام والقرآن والسنة . 

وقد أدرك علماء أهل السنة هذه النعم فقد قيل لأبي عبد الله الإمام أحمد بن حنبل:  من مات على الإسلام والسنة مات على خير . قال : اسكت, بل مات على الخير كله.

وكانوا رحمهم الله يظهرون الفرح بسلامتهم من البدع والمحدثات والأهواء التي تضاد السنة فروى اللالكائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنها  قَالَ: «مَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ أَشَدَّ فَرَحًا بِأَنَّ قَلْبِي لَمْ يَدْخُلْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ» ، يعني الأهواء المخالفة للسنة.

أيها المسلمون: ومن نعم الله علينا نعمة الأمن والطمأنينة والعيشة الهنيئة ، فالأمن منة إلهية وهبة ربانية ؛ فالله جل وعلا وحده هو الذي يؤمّن الخائف ويجير المستجير قال تعالى :" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " وقال سبحانه : " الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" وقال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ مُعَافًى فِى جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) فتأملوا رعاكم الله كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأمن في هذا الحديث على العافية والرزق !! لأن العبد إن وُجدت عنده العافية وتحصّل له الرزق ولم يتهيأ له الأمن لم ينعم بعافية ولم يهنئ برزق


الخطبة الثانية : أَيُّهَا الصائمونَ: يقولُ الله عزَّ وجلَّ:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فنحنُ نعيشُ فِي بلادٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً بفَضْلِ صاحبِ الحوْلِ والمنَّةِ عزَّ وجلَّ، فالناسُ يغدونَ ويروحُونَ آمنينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وأموالِهِمْ وأعراضِهِمْ، ومَا أعظَمَهَا مِنْ نعمةٍ لاَ يُدْرِكُهَا إلاَّ مَنْ فقَدَهَا، وإنَّهُ لَمِنْ عظيمِ فضْلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ علينَا بهِ مِنْ قيادةٍ رشيدةٍ تَسْعَى فِي خِدْمَةِ أبنائِهَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ رمضانَ شهرُ الخيرِ والكرمِ، شهرُ العطايَا والنِّعَمِ، والناسُ يَشْهَدُونَ لِعَطَاءِ هذهِ الدولةِ فِي الداخلِ والخارجِ، وذلكَ بفضْلِ اللهِ تعالَى ثُمَّ بِفَضْلِ توجيهاتِ قادَتِهَا ومَا يُقَدِّمُهُ أهلُ الخيرِ ، فأقبلَ رمضانُ وأقبلَ الخيرُ، فتَمَّ توزيعُ الْمِيرِ الرمضانِيِّ علَى الأُسَرِ، وكَثُرَتِ الْخِيَمُ الرمضانيةُ التِي يُفطِرُ فيهَا الصائمونَ، كمَا تميَّزَتْ هذهِ الدولةُ برعايَتِهَا للقرآنِ الكريمِ، امتثالاً لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم :« خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» فتعاهَدَتْ كتابَ اللَّهِ تَعَالَى بالتشجيعِ عَلَى تَعَلُّمِهِ، وطباعَتِهِ وتوزيعِهِ داخلَ الدولةِ وخارجَهَا، ورصَدَتِ الجوائزَ القيمةَ لِمُسابقاتِ القرآنِ.

ولَقَدِ امتَدَّتْ أيادِي الفضلِ بالخيرِ فِي هذهِ الأيامِ للإفراجِ عَنِ المسجونينَ وفَكِّ كرْبِهِمْ، وإدخالِ السرورِ عَلَى ذَوِيهِمْ وأَهْلِيهِمْ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:( أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ) ولقَدْ تميَّزَتْ هذهِ الدولةُ المباركةُ بسعْيِهَا للخيرِ فِي كُلِّ أرضٍ تُصيبُهَا نازلةٌ أَوْ تَحِلُّ بِهَا جائِحَةٌ حتَّى أصبحَتْ دولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ الأُولَى عالميًّا فِي إغاثةِ البُلدانِ المنكوبةِ والمحتاجَةِ.  

عبادَ اللَّهِ: لقَدْ كَثُرَتِ المبادراتُ العظيمةُ والأعمالُ الجليلةُ لصنائعِ المعروفِ وأعمالِ البِرِّ, ومِنْ هذهِ المبادراتِ مُبادرةُ "سُقْيَا الإماراتِ" التِي أطلقَهَا صاحبُ السموِّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله وذلكَ لتوفيرِ مياهِ الشُّربِ النظيفةِ لخمسةِ ملايين شخصٍ حولَ العالَمِ، ومَا أعظمَهَا مِنْ مُبادرةٍ، فقَدِ استودعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الماءِ أسرارَ الحياةِ، قَالَ تَعَالَى:( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ، وَقَدْ بَشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سعَى إلَى توفيرِ الماءِ بحفْرِ بئرٍ أَوْ وَقْفِهِ سُقْيَا بالأجرِ العميمِ والثوابِ الكريمِ؛ فقالَ صلى الله عليه وسلم : مَنْ حَفَرَ بئرَ مَاءٍ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرَّى مِنْ جِنٍّ وَلاَ إِنْسٍ وَلاَ طَائِرٍ إِلاَّ آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وسُقْيَا الماءِ مِنْ أفضلِ الصدقاتِ، وأجَلِّ القُرباتِ؛ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:« سَقْىُ الْمَاءِ»

وفضلُ السُّقْيَا لاَ يخْتَصُّ بالإنسانِ فقطْ، بَلْ هوَ فِي الحيوانِ أيضًا، فقَدْ جاءَ فِي الحديثِ أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ غفرَ لرجُلٍ، لأنَّهُ سقَى كَلْبًا شَرْبةَ ماءٍ؛ فالحمدُ للهِ علَى نِعمِهِ الكثيرةِ، وإنَّهَا لَفُرصةٌ عظيمةٌ لنَا للمشاركةِ فِي مُبادرةِ "سُقْيَا الإماراتِ" طلبًا للأجرِ والْمَثوبةِ فِي هذَا الشهرِ الفضيلِ. فبارَكَ اللهُ فِي تلكَ الأيادِي البيضاءِ وتلكَ الجهودِ المباركةِ التِي تبحثُ عَنِ الفقيرِ والمحتاجِ مِنْ أجلِ سَدِّ حاجتِهِ وتفريجِ كرْبِهِ, وخاصةً فِي شهرِ رمضانَ، شهرِ الخيرِ والإحسانِ.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    الشيخ أبوعبدالرحمن
    خطبك جمييييلة ونستفيد منها،، لكن لو تضعها في المدونة قبل الساعة 10:30 صباح الجمعة.

    ردحذف