الخميس، 12 سبتمبر 2013

حل المشكلات الزوجية والطلاق

الخطبة الأولى : يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "  
ينوِّه الله جلّ وعلا إلى نعمةٍ عظيمة امتنَّ بها على عباده، ألا وهي العلاقة بين الزّوجين التي يحصُل بها السّكون والطمأنينة في هذه الحياة، فيجِب على العبدِ أن يرعاها حقَّ رعايتها، ولا يتسبَّب في زوالها وفِصامها بعدَ توكيد عُراها. 

ولقد بين الإسلام حقوقَ كلٍ من الزوجين أتمَ بيان ، وأوصى كلاً منهم بالآخر ، لأن من الأهدافِ المرعية في الشريعة الإسلامية في ما يخصُ جانبَ الأسرةِ هو استمرارها ودوامُها فقال تعالى: " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"  فإذا عرف الزوج الحقوقَ والواجباتِ التي عليه تجاه زوجته وقام بها ، وعرفت الزوجةُ الحقوقَ والواجبات تجاهَ زوجها وبيتها وأدتها على حسب استطاعتها ، دام الزواج واستمر وكانت نتيجته بيتا مسلما وذرية طيبة تخدم الدين والوطن .  

وإذا ما تنكر أحد الزوجين للآخر فأهمل في واجباته وحقوقه حصل الخصام والشقاق حتى يصل الأمر إلى الفراق والطلاق ، وهذا الذي يفرح به الشيطان ويسعى له، فعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ "  

أيها المسلم : إن حصول المخاصمات والمشاحنات بين الزوجين أمر واقعٌ لا محالة ، لاختلاف الطباع والأمزجة ، ولكن شريعتنا السمحة وضعت من الحلول ما يكفل إصلاح الخلل تجنبا للفراق فقال تعالى:" وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" فأمر الله تعالى إذا ما عصت المرأة وخالفت طاعة زوجها أن يعظها ويذكرها بالله فالذكرى تنفع المؤمنين ، فإذا ما استجابت هجرها بأن لا يكلمها ولا يضاجعها في نوم ولا غيره ، فإن لم تستجب شرع للزوج ضرب الزوجة ضربا غير شديد وإنما القصد منه التأديب والزجر لا الإيلام والإعاقة . 

فإن لم يحصل بذلك صلح ووفاق قال تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" فيختار كل من الزوجين رجلا عدلا عاقلا من أهل العلم والديانة لينظرا في حالهما فيقربا وجهات النظر ويسعيا إلى لم الشمل ورأب الصدع ، فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماع الزوجين وإصلاحهما إلا على وجه المعادات والقطيعة فلهما التفريق بينهما .

جماعة المسلمين أيها الأزواج قال : " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" وقال نبينا صلى الله عليه وسلم " لا يفرُك مؤمن مؤمنة – أي لا يبغض زوج زوجته - إن كره منها خلقا رضي منها آخر "  
فهذا توجيه من الله ورسوله للمسلمين أن يحسنوا لزوجاتهم بالمعروف، فإذا رأى الزوج من زوجته خطأ أو تقصيرا فلا يكون ذلك سببا للعداوة والخصام بل عليه أن يلحَظَ ما في زوجتِه من الأخلاقِ الحميدة والحسنات التي لا تحصل إلا بوجودها، وأن يجعلها في مقابَلة ما كرِه من أخلاقها، وليعلَم الرجل أنّ الكمالَ متعذِّر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرشد الأزواج ويوصيهم بالنساء خيرا فقال : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِى الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"  وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا " قال أهل العلم في الحديث دليل على أنه لا يمكن للرجل الاستمتاع بالمرأة إلا بالصبر عليها .  

أيتها الزوجة : اعلمي أن حق الزوج عليك عظيم جدا قال صلى الله عليه وسلم: " لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا" فاعرفي لزوجك عليك حقه، واسعي إلى إرضائه وطاعته ما استطعت إلى ذلك سبيلا، روى الإمام أحمد في المسند عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ، أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: " كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ " قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: " فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ " 

فلا تتعاملي مع زوجك تعامل الند مع نده، بل وإن أخطأ في حقك فاسعي إلى مراضاته وتطييب خاطره فإن ذلك من صفات نساء أهل الجنة قال صلى الله عليه وسلم: " نساؤكم من أهل الجنة الودود العؤود على زوجها التي إذا غضبت جاءت حتى تضع يدها في يده ثم تقول : لا أذوق غمضا حتى ترضى " 

وليكن مبدأ الصلح هو شعارك دائما في خصومتك مع زوجك قال تعالى : " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " 
إخواني في الله : إن في التزام الزوجين للوصايا الشرعية في طريقة التعامل بينهما خير معين لهما على استمرار حياتهما الزوجية، وشكر الله عليها . 


الخطبة الثانية : عباد الله لقد أباح الإسلام الطلاق ولكن جعله آخر الحلول بين الزوجين ، فإذا تكدرت الحياة الزوجية واستحال الاستمرار فيها وخيف من معصية الله ورسوله شُرع للرجل أن يطلق زوجته وشرع للمرأة أن تطلب الخلعَ من زوجها أو أن ترفع أمرها للقاضي ليفرق بينهما .

ولكن ليس للمرأة أن تطلب الطلاق لغير سبب أو عذر شرعي قال صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة "  

 وعلى الرجل أن يحكم عقله في أمر بيته وأسرته ، فلا يجعل كلمة الطلاق وسيلة للتهديد والوعيد ، أو يمينا يحلف به متى ما احتاج إلى ذلك وربما لأتفه الأسباب ، أو أن يتكلم بالطلاق هازلا فإن ذلك من الحمق والسفه ، وعقوبة له أوقع الإسلام طلاق الهازل ولو لم يرده .

إن محاكمنا الشرعية لتشتكي من كثرة قضايا الطلاق وما يتعلق بها من مسائل وأحوال ، وإنما يرجع ذلك إلى عدم الفقه السليم للطلاق وأحكامه من قبل الزوجين، فالشريعة الإسلامية بينت أحكام الطلاق ولم تجعله عبثا ،  فجعلت للرجل أن يطلق المرأة عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها فله ذلك بلا مهر ولا عقد جديدين، وإن انقضت عدتها قبل أن يراجعها بانت منه، ولم تحل له إلا بعقد جديد قال الله تعالى: " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ "، والطلاق المحرم كأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد أو يطلقها وهي حائض أو نفساء، أو يطلقها في طهر وطئها فيه ولم يتبين حملها. كل هذا يعد من الطلاق المنهي عنه .

يا أيها الآباء والأمهات انصحوا لبناتكم أن يحسن عشرة أزواجهن والصبر عليهم ولا يتسرعن بطلب الطلاق فهذا من تمام تربتكم لابنتكم، فهذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينصح ابنته حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ذات مرة:)أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ . فقال : قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم – فَتَهْلِكِى، لاَ تَسْتَكْثِرِى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِى شَىْءٍ ، وَلاَ تَهْجُرِيهِ ، وَسَلِينِى مَا بَدَا لَكِ ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - - يُرِيدُ عَائِشَةَ  " 

أما أن يكون الأب والأم سببا لطلاق ابنتهما من زوجها لأتفه الأسباب، فهذا مما يرفضه العقل وتمجه الفطر السليمة . 

كماأنبه الرجال على وجوب تنفيذ الشروط التي اشترطت عند عقد الزواج، فالكثير منهم يوافق عند العقد ثم لا يوفي به بعد الزواج، وقد قال صلى الله عليه وسلم:( أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ) ، وكذلك الزوجة لا يحق لها طلب الطلاق من أجل أن زوجها قد تزوج عليها، بل تتقي الله وتصبر لأن هذا من شرع الله تعالى الذي أباح التعدد للرجال بشرط العدل بين الزوجات.

فاتقوا الله جميعا في أنفسكم واجعلوا همكم طاعة ربكم والاستعداد لليوم الآخر، واهتموا بتربية أولادكم على طاعة الله ليكونوا لكم ذخرا في ميزان حسانكم يوم القيامة . 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق