الخميس، 10 أكتوبر 2013

خطبة جمعة: فضل يوم عرفة - الدروس والعبر من خطبة الوداع

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين :اعلموا رحمكم الله ، أن من مواسم الخير العظيمة التي امتن الله بها علينا يوم عرفة ، فقد اختصه الله – سبحانه وتعالى – بمزيد فضل وثواب ،وجعله موسما يتنافس فيه المتنافسون لنيل رضوان ربهم ومولاهم ، وربنا تعالى يقول: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ "   

عباد الله ، إن ليوم عرفة فضائل عديدة اختصه الله بها ، فمن ذلك أن الله عز وجل قد أقسم به، ولا يقسم ربنا إلا بعظيم وذلك في قوله تعالى : "وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"  ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ " 

ومن فضائله أنه اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم النعمة بذلك على عباده ، فروى مسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ يَهُودَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"   نَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِى أُنْزِلَتْ فِيهِ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ فَقَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِى أُنْزِلَتْ فِيهِ وَالسَّاعَةَ وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ نَزَلَتْ. نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَاتٍ. 

وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة من أعياد أهل الإسلام، فروى الترمذي عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " 

ومن فضائله أن الله ينزل سبحانه إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وعظيم سلطانه ليس كنزول البشر فهو كما قال تعالى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ، ينزل ليباهي بأهل عرفات أهل السماء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا وقف – أي الحاج -بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا .."  قال ابنُ عبد البر: "وهذا يدلُ على أنهم مغفورٌ لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم" اهـ

في هذا اليوم يعتق الله عبيده من النار قال صلى الله عليه وسلم : "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ"  رواه مسلم  

ما أعظمها من بشارة ! وما أجملها من جائزة ! العتق من النار والفوز بالجنة وربنا يقول: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " 

 في هذا اليوم العظيم يغفر الله لأهل عرفات ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : معاشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال : إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات . فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله : هذا لنا خاصة قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كثر خير الله وطاب .

في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فإذا وقف بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا فيقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج " أي ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض 

يجتمع الخلائق في هذا اليوم على اختلافهم في الأجناس والألوان واللهجات ، يسألون ربا واحدا كريما معطيا ، كل يدعوه بمسألته والله يسمعهم فهو السميع الذي وسع سمعه كل شيء ، وقال تعالى : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي " يا عبادي ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ " 

فكيف يسمع عاقل بهذه النصوص والآيات التي يدعو الله عباده فيها لدعائه ومسألته ثم يعرضون عنها فيدعون بشرا ضعيفا أو قبرا ووثنا يرجون جلب خيره أو دفع ضره ، إن هذا لهو الكفر الصراح والذنب الذي لا يغفر  قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ "

جماعة المسلمين : ومن فضائل هذا اليوم عند الله أن صيامه كفارة سنتين قال صلى الله عليه وسلم : " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده " 
فصوموا هذا اليوم واحفظوا جوارحكم عن المحرمات ، وأكثروا من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله " خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " 


الخطبة الثانية : جماعة المسلمين لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأسس والقواعد التي يبنى عليها أمر الدين والدنيا في حجة الوداع التي حجها مع صحابته رضوان الله عليهم، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته : أيهَا الناسُ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا " فهذا تأصيل لحرمة دم المسلم وماله، فلا يجوز الاعتداء عليه بأخذ ماله أو سفك دمه إلا بحق كما قال تعالى : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ"  ولقد ورد الوعيد الشديد لمن قتل مسلما بغير حق قال تعالى : "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " 

ومن القواعد التي أكد عليها صلى الله عليه وسلم هدم أمور الجاهلية وعاداتهم التي تخالف أحكام الإسلام فقال:" ألا وإن كل شيء مِن أمر الجاهليَّة تحت قدميَّ هاتَين موضوعٌ، ودماء الجاهليَّة موضوعة، وإن أول دمٍ أضَع مِن دمائنا دمُ ابن ربيعَة الحارث بن عبدالمطَّلب - كان مُسترضَعًا في بني سعد فقتلتْه هُذيل - ورِبا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع رِبانا؛ ربا العباس بن عبدالمطَّلب"

فيؤكد صلى الله عليه وسلم أن الحكم في الشرع إنما هو لله تعالى، وأن كل ما خالف هذا الشرع فهو مردود وباطل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"  

ومن الأمور التي أكد عليها صلوات الله وسلامه عليه حقوق النساء وحقوق الزوجية إذ قال : فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحلَلتُم فروجهنَّ بكلمة الله، وإن لكم عليهنَّ ألا يوطئْن فُرُشَكم أحدًا تَكرهونه، فإن فعلنَ ذلك، فاضْرِبوهنَّ ضَربًا غير مُبرِّح، ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف "  وهذا إنما يدل على عظيم هذا الحق بأن ذكر ضمن خطبة ترسي أهم قواعد الإسلام، فخذوا بوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم واستوصوا بالنساء خيرا، وليؤد كل واحد من الزوجين الحق الذي عليه للآخر حتى تستمر الحياة الزوجية التي هي من نعم الله على الناس. 

ثم ختم صلى الله عليه وسلم خطبته بتأصيل عظيم ووصية كبرى تضمن السلامة من الضلالة والانحراف، ولزوم طريق الهداية فقال : وإني قد تركتُ فيكم ما لن تَضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتابَ الله " فلزوم كتاب الله تعالى سبب للهداية والرشاد قال تعالى : "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق