الأحد، 29 أكتوبر 2017

مقال : الألباني وبراءته من الفكر الثوري - رد على ما ذكره ( د ) جمال السويدي من تأثر جهيمان التكفيري بفكر الألباني السلفي-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد ..

فإن من أشرف الناس بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والصحابة رضوان الله عليهم العلماء، فإنهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين بعدهم، ومن يدافع عنه بالحجة والبرهان، ويرد كيد أهل الزيغ والبهتان، فما انحرف زائغ عن الشرع إلا وكانوا ضده مجتمعين، ولشبهاته كاشفين، ولدين الله ناصرين، لذلك لا يحبهم ويواليهم إلا أهل الحق.

ومن العلماء الذين شهد العالم بجهودهم في خدمة الدين والرد على أهل البدع والمحدثات، ودحض شبهات أهل التكفير والتنفير، الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له وأجزل له المثوبة .

ولأجل جهوده العظيمة فقد ابتلي رحمه الله كما ابتلي العلماء قبله بالنقد والتجريح بلا حجة ولا دليل صحيح، فاتهمه أهل الشبهات بالإرجاء، وتطاول عليه بعض الأصاغر فرموه بالتجهم، فدافع عنه أهل العلم، وبينوا مكانته وجهوده،  ولا يعرف لأهل الحق مكانتهم إلا أهله، ففي عام 1419 هـ تم تكريمه رحمه الله في المملكة العربية السعودية بأن حصل على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية.

ومن رفعة الله سبحانه وتعالى لهذا الإمام أنك لا تكاد تجد دراسة علمية دينية إلا وكتبه عمدة في التصحيح والتضعيف، والاعتناء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، فمثل هذا الإمام محله التوقير والإجلال لا الإهانة والإذلال.

وبالأمس قرأت – ولأسف – تغريدات في تويتر للدكتور جمال سند السويدي مؤلف كتاب السراب، عرّض فيها بالشيخ الألباني   - رحمه الله – واتهمه بما هو منه براء، إذ قال في تغريدة له : " الجماعه السلفيه المحتسبه نشأت في المدينه المنوره في منتصف ستينات القرن الماضي وتأثرت بأفكار الألباني،بما فيها الوهابيه.

وما ذكره د جمال عن تأثر جهيمان بفكر الألباني والوهابية على حد زعمه كلام عار عن الصحة تماما،  ولا يليق أبدا بالدكتور أن يقحم نفسه في هذا الاتهام، وهو الخبير – على ما يدعي- في الفرق والجماعات الإسلامية أو ما يسميه بالإسلام السياسي، وألف في موضوعه كتاب السراب، على ما فيه من ملاحظات حول نظرته للإسلام والسياسة، سأبين بعضها لاحقا بإذن الله . 

فالألباني رحمه الله وأئمة الدعوة في المملكة العربية السعودية - والذين يلمزهم ( د ) بالوهابية اتباعا لأعداء دعوتهم القائمة على محاربة البدع والشركيات- منهجهم منهج أهل السنة والجماعة، وهو منهج أهل الوسط والاعتدال، القائم على اتباع الهدي النبوي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم وأئمة الهدى والنور من الأئمة والعلماء، وهذا المنهج من أهم أسسه التحذير من التكفير وحفظ دماء المسلمين وأموالهم واعراضهم، وتحريم الثورات بكافة أنواعها، ولا يرونها سبيلا للإصلاح والتغيير .

ولو استمع ( د ) لمناظرات الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله للتكفيريين، والتي امتدت لأيام وساعات لم ينهها في كل يوم إلا أذان الفجر لعلم منهج الشيخ وعقيدته القائمة على التحذير من التكفير والخروج على الحكام والثورات.

بل من أرّخ لفتنة المدعو جهيمان وأحداث فتنته ذكر أن الشيخ الألباني رحمه الله قد ناصحه وبين له عوار فكره وانحرافه، وكذلك الشيخ ابن باز رحمه الله وغيرهم من العلماء الأجلاء.

فلا يجوز أن ننسب انحراف جهيمان وفتنته للشيخ الألباني أو الشيخ ابن باز – رحمهما الله -فقط لأنه كان يحضر دروسهما، ويقرأ في كتبهما، فهذا ظلم وفيه مجانبه للمنهج العلمي الأكاديمي القائم على الموضوعية. 

ولا يجوز أن ننسب انحراف جهيمان وفتنته للدعوة السلفية النقية القائمة على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثر صحابته لأنه سمى جماعته باسم ( السلفية المحتسبة) فالعبرة بالمعاني لا بالمباني.

ولا ينبغي أبدا أن يكون الانترنت وموسوعاته وما يكتبه بعضهم في المنتديات مصدر التلقي في الحكم على الآخرين خصوصا أهل العلم ومن لهم مقام شريف في العالم، فهذا يتعارض مع الموضوعية في الطرح والنقد.

فهل يستطيع  ( د ) جمال أن يبرهن للقراء وجه التشابه بين فكر جهيمان التكفيري وعقيدة الشيخ الألباني  ومنهجه الذي بثه في كتبه وأشرطته ؟ 

ولو كلف ( د ) نفسه النظر في كتب الشيخ الألباني رحمه الله لرأى نقد الشيخ لجهيمان وفتنته، ومن ذلك قوله : " ومثل جماعة (جهيمان) السعودي الذي قام بفتنة الحرم المكي على رأس سنة (1400) هجرية، وزعم أن معه المهدي المنتظر، وطلب من الحاضرين في الحرم أن يبايعوه، وكان قد اتبعه بعض البسطاء والمغفلين والأشرار من أتباعه ، ثم قضى الله على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيرا من دماء المسلمين، وأراح الله تعال العباد من شرهم" ينظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/235)

ومن الأدلة المعاصرة على عقيدة الشيخ -رحمه الله- ومنهجه تجاه التكفير والثورات موقفه من الثورة المسلحة التي حدثت في الجزائر أيام الفتنة، فحذر - رحمه الله - منها وكشف شبهات الثوريين والتكفيريين، وكذلك إخوانه من العلماء كالشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، حتى أن حكومة الجزائر أذاعت هذه الفتاوى للمشايخ الثلاثة عبر مكبرات الصوت في الشوارع وفي وسائل الإعلام المختلفة، الأمر الذي كان له أثر فعال في إنهاء الثورة ورمي السلاح والاستسلام للحكومة.

فمثل هذه العقيدة لهؤلاء الأئمة تكون سببا في خروج جهيمان وحدوث فتنته ؟ 

واستغرب من ( د ) جمال ثناؤه على دعوة جمال الدين الأفغاني في كتابه السراب، وهذه الشخصية عرفت بأنها شخصية ثورية سياسية منحرفة، ومع ذلك قال ( د) عنها في ص 66 : " ولماذا أجهضت حركة الإصلاح الديني الواسعة التي بدأت على يد العديد من الفقهاء والمفكرين المسلمين من أمثال الشيخ حسن العطار وقاسم أمين والأئمة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي ، وغيرهم من رواد النهضة في العالمين العربي والإسلامي منذ الثورة الفرنسية .." 

فاعتبر ( د)  حركة جمال الدين الأفغاني حركة إصلاح ديني، مع أنه المؤسس الحقيقي لما يسمى بالحاكمية والإسلام السياسي الثوري الذي انتقده ( د ) جمال في كتابه السراب.

قال خامئني المرشد الأعلى في إيران في كتاب خليفة الإمام الراحل ص .348 : " إن مسألة الحاكمية والبعث الإسلامي الجديد طُرحتا للمرة الأولى في القضاء العالمي على يدي السيد جمال الدين " ، وقال عنه تلميذه ميرزا حسين خان دانش الأصفهاني نزيل الآستانة : " ولهذا أقول : إن السيد لم يكن شيئا سوى رجل ثوري المقصد ، ناري الطبع ، على بصيرة وعلم ، وكان داعية للهياج ، فلسفي المشرب ، غليظ القلب ، شديد البطش ، ولم يكن مؤمنا بإمكان رقي شعب في سلم التطور والتكامل " ينظر : حقيقة جمال الدين الأفغاني 1/ 108 .

فرجل مثل هذا تصفه بأنه من رجال الإصلاح الديني، وتنسب فكر جهيمان الثوري للشيخ الألباني، الذي حذر من الثورات وصرح بحرمتها في كتبه ومحاضراته، إن هذا لشيء عجاب .

كذلك من العجيب عند ( د ) جمال في كتابه السراب ثناؤه على الثورة الفرنسية - وأنا أسميها الثورة الفرنسية البائسة-  وثناؤه على مفكريها، واستشهاده بآراهم وأفكارهم، مع ما تحتويه الثورات – ومنها الثورة الفرنسية البائسة – من قيم الضياع والهلاك والدمار، الذي ثبت للعالم بدليل واقعي شهد به الجميع.

أما الشيخ الألباني رحمه الله وأئمة الدعوة النجدية الذين يلمزهم ( د ) بالوهابية فهم ضد منهج جمال الدين الأفغاني ومنهج الثورة الفرنسية البائسة، لأنه منهج ثوري مشابه لمنهج وطريقة جهيمان. 

فمن الذي تأثر بفكر الآخر  ؟ 

ولكن أقول : لو تأثر جهيمان التكفيري بفكر الألباني والوهابية -كما يسميهم الدكتور- لما خرج ولا حدثت هذه الفتنة، ولكنه خالف عقيدتهم ونصحهم فأصبح من الهالكين.


أخيرا أذكر ( د ) جمال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : "إن الله قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب.." 

أخي ( د ) جمال : هذه نصيحة مريد للخير لك، فليتسع صدرك لها، فإن كانت حقا فاتباعها اتباع للحق وليس لقائلها، وإن كانت مجانبة للحق والصواب لم تضرك.

فاللهم ارحم الشيخ الألباني وعلماء الأمة واجزهم خير الجزاء .

وفقني الله وإياك أخي ( د ) جمال لما فيه الخير وهدانا لمعرفة الحق واتباعه، وصرف عنا مضلات الهوى، إنه على كل شيء قدير .

هناك 11 تعليقًا:

  1. جزاك الله خيرا
    وزادك من فضله

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا على رد العلمي و عن دفاعك عن عرض الشيخ الألباني رحمه الله

    ردحذف
  3. جزيت خيراً أبا محمد وبارك فيك ونفع بك

    ردحذف
  4. جزيت خيراً أبا محمد وبارك فيك ونفع بك

    ردحذف
  5. جزاك الله خيرا ورحم الله العلامة المحدث الألباني

    ردحذف
  6. جزاك الله أبا محمد خير الجزاء •

    ردحذف
  7. جزاك الله خير يا دكتور وبارك الله في علمكم ونفع بكم

    ردحذف