الثلاثاء، 18 مايو 2021

مقال: أسس حماية الشباب من الانحراف

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد 

    فمن المعلوم أنّ الدول والمجتمعات لا تستطيع المحافظة على استمرار وجودها وتقدمها ورقيها إلا بفضل الله أولا، ثم عن طريق إعداد أجيالها المتعاقبة الإعداد السليم المتكامل، وبقدر ما تحافظ الدول والشعوب على تربية هذه الأجيال تربية صحيحة تقوم على التمسك بدينها وعقيدتها وأخلاقها، بقدر ما تحافظ على بقائها وعلو شأنها، ولا تفسد المجتمعات إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا نالوا من شبابها وصغارها.


لذلك وجهنا الإسلام إلى الاهتمام والعناية بالشباب وتنشئتهم التنشئة صالحة، على أسس قوية وسلمية .

 

     فالشبابُ يُعتَبر ثروة الدولة الغالية وذخرها الثمين، يكون خيرا ونعمة حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررا مستطيرا وشرّا وبيلاً حين يفترسه الانحراف فكرياً كان أو سلوكياً.


      فالانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ، ما لم تتداركه عنايةُ الله، ولذلك حث نبينا صلى الله عليه وسلم على اغتنام مرحلة الشباب قبل المشيب، فقال لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظهُ : " اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس ، شَبَابك قَبْل هَرَمك ، وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك ، وَغِنَاك قَبْل فَقْرك، وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك ، وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك " رواه الحاكم  ، والغنيمة لا تكون إلا لشيء يُخشى فواته وضياعه إن لم يُتدارك ويستغل.


وقد خُصت هذه المرحلة بالمسؤولية والسؤال عنها يوم القيامة، فروى الترمذي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ."


    ومما لا شك فيه أن الواجب في هذه المجتمعات مشترك بين المسلمين جميعا شباباً وشيوخاً ، ولكن خُص الشباب بالذكر لأنها مرحلة مهمة جداً في حياة المسلم نفسه، وفي حياة المجتمع، فهم الذين يقومون بالواجب بعد رحيل الجيل الذي سبقهم .


كما أن لديهم من النشاط والحيوية ما يمكنهم من تحقيق أهدافهم بسرعة وبكفاءة عالية، مما يسهم في خدمة دينهم ووطنهم، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ زَيْداً أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ قَالَ: زَيْدٌ ذُهِبَ بِي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأُعْجِبَ بِي، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا غُلاَمٌ مِنْ بَنِى النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَال: " يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي ". قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَبَ" 

فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب من زيد وهو غلام في مقتبل عمر الشباب أن يتعلم اللغة السريانية، فتعلمها في أقل من شهر. 


    ولأجل أن يقوم الشباب المسلم بدوره الصحيح في مجتمعهم فلا بد من إعداده الإعداد السليم، ولقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى سلوك الطريق الصحيح في تربية هذا النشء ، بدءاً من اختيار الزوجة الصالحة المؤمنة التي تعتبر بحق هي المدرسة الأولى لتربية الشباب منذ طفولتهم، فتزرع فيهم الأخلاق الحسنة والمبادئ السامية فينشؤوا على أرض صلبة وأساس متين.


    وقد ضربت نساء السلف أروع الأمثلة في ذلك ، فهذه أم سفيان الثوري تقول لولدها : يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي" فما هي النتيجة ؟ أصبح من أعلام الدنيا وأئمة الدين، قال الذهبي في ترجمة الثوري: هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه" ، وكذلك أبوحنيفة والشافعي وأحمد – رحم الله الجميع - إنما قامت أمهاتهم على تربيتهم وتنشئتهم فأصبحوا أئمة الدنيا وأئمة الدين.


    ومن الأمور التي تحصن الشباب وتربيهم التربية الحسنة تنشئتهم على العقيدة الصحيحة وربطهم بربهم سبحانه وتعالى، ولقد وضع النبي صلى الله عليهم وسلم منهجاً واضحاً للآباء والمربين لتربية الشباب حينما وجه هذه الوصية لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنه الله عنهما، التي تمثل أساسا صلبا ينشأ عليه الشاب فقال له: ((يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ." رواه الترمذي.


    فأول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة السليمة، فقوة الإيمان وصدق التعلق بالله وحده يقوم على أسس، منها حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده وحفظ أمره ونهيه، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها والتوكل عليه واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، وإنما يتحصل الشاب على هذه الأسس عن طريق العلم الشرعي.


    والعلم الشرعي والعقيدة الصحيحة إنما تُتلقى على أيدي الأمناء من علماء أهل السنة والجماعة الذين يربون الناس على صغار العلم قبل كباره، ويربطون الناس بالكتاب والسنة، ولا يرتبطون بأحزاب ولا بتنظيمات، قال أيوب السختياني: "إن من سعادة الحَدَث والأعجميّ أن يوفقهما الله لعالمٍ مِنْ أهل السنة " وقال عمرو بن قيس الملائي: "إذا رأيت الشاب أوّل ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايْأس منه؛ فإنّ الشاب على أوّل نشوئه."


فالناس لا يزالون بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإن أخذوه عن أصاغرهم هلكوا، والأصاغر هم علماء السوء وأتباعهم من أهل البدع والضلالات وأصحاب الأفكار المنحرفة، وإذا ما انفصل الشباب عن العلماء الربانيين وارتبطوا بعلماء السوء تلقفتهم التيارات المنحرفة من خلال الجرائد أو الفضائيات أو الإنترنت فأصبحوا لقمة سائغة لأصحاب الأغراض السيئة  .


      ومن أسس تربية الشباب وحفظهم حفظ شهواتهم وعرائزهم،  ها هو نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ينادي الشباب ليوجههم إلى حفظ شهواتهم وغرائزهم حتى لا يسقطوا في وحل الإثم والمعصية، فقَالَ صلى الله عليه وسلم ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) متفق عليه


    ومن المنهج النبوي في تربية الشباب ذكورا كانوا او إناثا تعويدهم على العبادة منذ نعومة أظفارهم قال صلى الله عليه وسلم (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) رواه أبوداود، فبالرغم من أن ابن السابعة ليس مكلفا بالواجبات ولكنه يؤمر بالصلاة لأجل أن يعتادها ويألفها فتنطبع في ذهنه ، وذلك لأن الصلاة فيها سر عظيم في تربية النشء على الإسلام الصحيح قال تعالى في ذلك " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " . العنكبوت:45

ثم قال صلى الله عليه وسلم (وفرقوا بينهم في المضاجع ) أي لا تتركوهم ينامون تحت غطاء واحد أو على فراش واحد خشية أن يطلع بعضهم على عورات بعض فتقع الفتنة التي لا تحمد عاقبتها .


    فالتربية مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق المربين، وليست مجرد رعاية يقدمها المربي لأولاده، بل غرس للعقيدة الصحيحة، والمبادئ السليمة، والعادات والقيم النبيلة، مع تقويم السلوك ليتماشى مع الأسس والثوابت التي نشأ عليها أهل الإسلام.

ولن يستطيع الشباب أن يسهموا في نهضة بلادهم دون أن يتم تربيتهم على أسس وقواعد تحميهم من الانحراف، وتضمن لهم تربية سليمة . 

ودمتم بخير، والحمد لله رب العالمين . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق