الأربعاء، 6 يوليو 2022

مقال : المطالبات العلنية لولاة الأمور

بسم الله الرحمن الرحيم  

المطالبات العلنية لولاة الأمور

الحمد لله رب العالمين .. 

في ظل تطور وسائل التواصل الاجتماعي تطورت كثير من المفاهيم، وبعد أن كانت الخواطر والهموم يبثها كبار رجال الدولة في خواص مجالسهم، صارت هذه الخواطر بثاً علنياً يصل إلى كافة شرائح المجتمع، بل يتعدى ذلك ليصير حديثاً للآلة الإعلامية، والجميع وهو يشارك في بث هذه الخواطر يشعر بسعادة، ومتعة عرض الرأي والرأي الآخر، وكذا متعة الحوار مع شريحة واسعة من الأطياف. 


تكمن مشكلة هذا النمط السلوكي حينما يتم تداول قضايا المال والأرزاق بين فئات المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي، وآلية توزيع الأرزاق والمنح واستحقاقها، وفي مقابل عطاء فئة مقصورة مستحقة؛ هناك فئة أخرى طامعة ترجو النوال والعطاء أيضا. 


ومشكلة العطاء منذ صدر الإسلام إلى اليوم لم تحظ بالرضا والقبول، فإذا أعطيت فئة من الناس فلا تزال فئة أخرى طامعة، وهذا هو الذي حصل في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، يقول الحسن البصري رحمه الله: أدركتُ عثمان بن عفان رضي الله عنه على ما نقموا عليه، قلَّما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا، يقال لهم: يا معشر المسلمين، اغدوا على أعطياتكم. فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على السمن والعسل، الأعطيات جاريةٌ، والأرزاق دارَّةٌ، والعدوُّ مَنفِيٌ، وذات البين حسن، والخير كثير، وما من مؤمن يخاف مؤمنا، من لقيه فهو أخوه من كان؛ أُلْفَتُهُ ونصيحته ومودته. 

قال الحسن: فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير، قالوا: لا والله ما نصابرها. فوالله ما ردوا وما سلموا، والأخرى كان السيف مغمداً عن أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم، فوالله ما زال مسلولاً إلى يوم الناس هذا، وأيم الله إني لأراه سيفاً مسلولا إلى يوم القيامة"

والمتقرر عند فقهاء الشريعة أن مطالبات ولاة الأمور لا تكون في المجالس العامة، ولا يكون في وسائل التواصل الاجتماعي، بل تكون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلاَّ كان قد أدَّى الذي عليه. 

وعن شقيق بن سلمة، عن أسامة بن يزيد رضي الله عنهما قال: قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلِّمه فيما يصنع؟! فقال: أترون أنِّي لا أكلِّمه إلاَّ أُسمعكم؟! والله، لقد كلَّمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا لا أحبُّ أن أكون أوَّل من فتحه. هذا لفظ مسلم. وعند البخاري: إنِّي أكلِّمه في السرِّ دون أن أفتح بابًا لا أكون أوَّل من فتحه.

فمطالبة ولاة الأمور تكون بالطرق الشرعية وليست بالطرق البدعية التي تجلب الشر، وتفسد أكثر مما تصلح، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:" فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلي تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس.

كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى.

وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها.

فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن.

لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم وأن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم، فحصل الشر والفساد.

فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب، وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة.

والحمد رب العالمين .

كتبه : ناصح إماراتي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق