الخميس، 28 مارس 2013

خطبة جمعة :القيم الشرعية لاستمرار الحياة الأسرية

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين: اعلموا رحمكم الله أن من المقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بها والحث عليها والعناية بأمورها مقصد حفظِ العرضِ والنسل، فبتحقيق هذا المقصد تحصلُ الطمأنينة ويتحقق والأمن في نفوس الأفراد ، وتبنى الأسر التي هي قوام المجتمعات، وتستمر الحياةُ نتيجةَ التكاثرِ الناتجِ عن الزواج، وقد جعل الله الزواج من النعم التي تحتاج إلى تفكرٍ وتتدبرٍ قال تعالى(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)  الروم: ٢١، فيمتن الله علينا أن جعل لنا من أنفسنا أزواجاً من جنسنا وأشكالنا، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة، فالمجانسة من دواعي الائتلاف والتعارف، كما أن المخالفة من أسباب الاختلاف والتنافر، ومن نعم الله على الزوجين أيضا أن جعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يوجد بين غيرهما، من غير أن يكون بينهم سابق معرفة. ولقد عبر الله عن العلاقة بين الزوج وزوجته بالسكن، الذي يؤوي إليه الإنسان ليحصل على الراحة والطمأنينة، فكذلك الزواج يحقق السعادة للزوجين مع راحة وطمأنينة ومودة 
ورحمة.  

بل قد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الزواج نعمةً من خير نعم الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وبهذه النعمة يستعين العبد على طاعة ربه قال صلى الله عليه وسلم: ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي" فكل هذه النعم وغيرها تحتاج إلى اعتراف وشكر للمنعم وهو الله سبحانه وتعالى. 
أيها المسلمون: ومع كل هذه النعم إلا أننا نلاحظ ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية وحالات الطلاق، مما يؤدي إلى تفكك الأسر وانهيارها ، وذلك ناتج عن سوء فهم بين الأزواج لحقيقة التعامل فيما بينهما.

فلا بد أن يعلم الزوجان أن الشريعة الإسلامية اهتمت بجانب الأسرةِ اهتماما بالغا، وسعت إلى استمرارها واستقرارها،  فبين الله الكثير من أحكامها التفصيلية في القرآن أكثر من بقية العبادات، كما وضح النبي صلى الله عليه وسلم الأسس والأحكام في التعامل بين الزوجين في سنته القولية أو العملية، فمن أراد أن يهنأ بنعمة الزواج وتكوين أسرة سعيدة فعليه أن يقتفي الهدي الشرعي في التعامل بين الزوجين والمأخوذ من الكتاب والسنة قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)  الأحزاب: ٢١. 

أيها المسلمون: من أجل الحفاظ على كيان الأسرة من التصدع والانهيار، لا بد أن يعيي الأزواج جملة من القيم والمبادئ الشرعية في التعامل بينهما.
فمن القيم الزوجية التي بينها الله ورسوله قيمةُ العشرة بالمعروف بين الزوجين قال تعالى آمرا الزوج (وعاشروهن بالمعروف) النساء: ١٩ ، وهذا يشمل حسن العشرة في الأقوال والأفعال مما أمر به الشرع أو ما اعتاده الناس وألفوه مما لا يخالف الشرع، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس عشرة لزوجاته، فكان يصرح بحبهن، ويلاطفهن قبل الخروج وبعد الدخول، ويدلل من أسمائهن تحببا إليهن، ويتزين ويتطيب لهن، ويداعبهن في إقامته وسفره، ويطيب من خاطر إحداهُن إذا غضبت، وغير ذلك كثير جدا من أفعاله صلى الله عليه وسلم. 

و من القيم الزوجية التي ينبغي للزوج مراعاتها مع زوجته قوله تعالى (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) النساء: ١٩  ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَكْ -أي لا يبغض- مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقا ، رضي منها آخَرَ  )، فعلى الزوج أن ينظر إلى إيجابيات زوجته، وأن لا يكتفي بسلبياتها للحكم عليها لأن كل بني آدم خطاء، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة في تعامل الرجال مع النساء فقال: استوصوا بالنساءِ خيرًا فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أعوجَ وإنَّ أعوجَ شىءٍ فى الضلعِ أعلاه فإنْ ذهبتَ تقيمَه كسرتَه وإنْ تركتَه لم يزلْ أعوجَ فاستوصوا بالنساءِ خيرًا   " وفي رواية : إِن المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلَع ، ولن تستقيمَ على طريقة ، فَإِن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وبها عِوَج ، وإِن ذهبتَ تُقيمُها كسرتَها ، وكسرُها طلاقُها) قال الحافظ ابن حجر معلقا:( وفي الحديثِ الندبُ إلى المداراةِ لاستمالةِ النفوسِ وتألفِ القلوبِ وفيه سياسةُ النساءِ بأخذِ العفوِ منهنَّ والصبرِ على عوجهِنَّ وانَّ من رامَ تقويمهُنَّ فاتهُ الانتفاعُ بهنَّ مع أنه لا غنى للإنسانِ عن امرأةٍ يسكنُ إليها ويستعينُ بها على معاشه فكأنه قال (الاستمتاعُ بها لا يتم إلا بالصبرِ عليها) 
بل أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن طبع في النساء لا بد للمرأة من السعي لتغييره، وعلى الرجل أن يتحمله ويتجاوز عنه قال صلى الله عليه وسلم: ( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ , تَصَدَّقْنَ . فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ , فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ , وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ " وفي رواية قال: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط)
فإذا رأى الزوج من زوجته أمرا يكرهه فلا يسارع إلى الطلاق، بل عليه أن يتروى وأن لا يستعجل في اتخاذ القرار حتى لا يقع في الندم. 

معاشر المسلمين: من القيم الزوجية التي أرشدنا إليها شرعنا الإسلامي لأجل استمرار الحياة الأسرية على أتم ما يكون، قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) البقرة: ٢٢٨ ، وقال صلى الله عليه وسلم (ألا وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا) ذلك هو مبدأ الاشتراك في الحقوق والواجبات، فكل من الزوجين له حقوق على الآخر، وعليه واجباتٌ تجاهه، فمتى ما حقق كل من الزوجين ما عليه تجاه الآخر دامت بينهم العشرة وتعمقت أواصر المحبة بينهم. 
واعلموا أنه ما من خلاف بين زوجين إلا كان من أكبر أسبابه إخلال أحد الطرفين أو كلاهما بواجبه تجاه الآخر. 
والإخلال بالواجبات الزوجية من الظلم الذي سيحاسب عليه الزوج أو الزوجة يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " 
وقال في الرجل لا يعدل بين زوجتيه في الواجبات والحقوق (مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ , فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا , جَاءَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) ويشمل ذلك عدم العدل في المبيت أو النفقة وغير ذلك من الواجبات. 


الخطبة الثانية :  ومن القيم الزوجية التي على الزوج أن يراعيها مع زوجته لاستمرار الأسرة قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: ٢، فيتعاون الزوجان في أمور الدين والدنيا، فكان صلى الله عليه وسلم يوقظ زوجاته لقيام الليل، ويتعاهد أداء الفرائض منهن، كما كان يعاونهن في أعمال المنزل فكان يفلي ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، وهو أكرم البشر وأسيدهم. 

فعلى الزوجان أن يتعاونا في أمور تدبير المنزل، وتربية الأبناء، وفي كل ما يحقق السعادة لهم في حياتهم الزوجية. 

إخواني في الله : إن من أعظم وظائف الأسرة هي إيجاد جيل صالح وذرية طيبة، تحقق الهدف من الوجود وهو عبادة الله تبارك وتعالى، ثم تعمر الأرض وفق شرع الله، وهذا الأمر لا بد أن تتكامل فيه جهود الأسرة. خصوصا في هذا الزمان الذي انفتح فيه العالم على بعضه بسبب العولمة وسهولة التواصل، فانتشرت فيه الإباحية تحت مظلة الحريات، وتيسر فيه الوصول إلى الشهوات والشبهات بأيسر الطرق وأقلها تكلفة، فأصبحت الهواتف الذكية و شبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي  كالتويتر والفيس بك وغيرها من أعظم وسائل الشيطان في إهلاك العبد، ما لم يُقُوى جانب الوازع الديني لدى الإنسان، واستشعاره لمراقبة الله له . فإن هذه الأجهزة والشبكات قد احتوت على الخير والشر، فإذا لم تراقب الأسرة أبناءها في استخدامهم لهذه الشبكات وإلا وقعوا في المحضور. 
أيّها الأزواج، إنَّ السهرَ والسمَر خارجَ المنزل مما يثير القلق والأرق في الأسرة، وينغِّص على الزّوجة حياتَها، ويزعزع ويزلزل استقرارَها، ويَضيع بسببه الأولاد فلذةُ الأكباد وثمرة الفؤاد، حتّى يصيروا فريسةً لوحوش الظلام وفتنِ هذا الزّمان، فاحذروا هذا السهرَ واجتنبوه ولا تقربوه.

أيّها المسلمون، إنّ ظهورَ المعاصي والمخالفات وانتشارَ المنكرات في كثير من البيوت من أعظم أسباب خرابِها ودمارها، ولقد دبَّ الشّقاء والشقاق وثارَت ثائرة الغيرة واشتعلت نيران الشكّ والحيرة بين كثير من الأزواج، بسبب خيانة الزوج لزوجته في مكالمته لأخريات، أو مصادقته للخليلات، أو نظره للنساء العاريات، وإن من انقلاب الموازين وانتكاس الفطر  في زماننا أن يجلس الزوجان ليتابعا مسلسلا أو فلما أجنبيا قد حوى من العري أشده، دون أن تتحرك غيرة الرجل على زوجته أن تنظر إلى ممثل وسيم قد يتحلى من الصفات ما لا يوجد عند الزوج، ودون أن تتحرك غيره الزوجة على زوجها وهو يناظر بعينيه صور الممثلات وقد اكتملت زينتهن وظهرن في صورة أجمل منها، ثم تنكر عليه إلى نظر إلى امرأة في الطريق، أليس هذا من العجب؟ وما هو الفرق بين الأمرين ؟ 
فاتقوا الله في أنفسكم، فإن الله شرع الزواج لغض البصر حفظ الفرج، قال تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) المؤمنون: ٥ - ٧
وقال صلى الله عليه وسلم: اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَأَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق