الخميس، 11 أبريل 2013

خطبة جمعة : الجنة ونعيمها

الخطبة الأولى :جماعة المسلمين: يقول ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) ، فيدعو الربُ الجليلُ عبادَه المؤمنين إلى دار الخلود والقرار، إلى دار السلام التي سلمت من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمالِ نعيمِها وتمامهِ وحسنهِ من كل وجه، إنها الجنةُ التي أعدها الله لعباده المؤمنين ،قال صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . واقرؤوا إن شئتم : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) 
فما هي الجنة وما صفتها ؟  ذكر الله-جل وعلا- في كتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم  في سنته خبر الجنة وصفتها، فالجنة خلقها الله وجعلها نزلا لمن أطاعه واتقاه ، قال تعالى (وإن للمتقين لحسن مآب (49) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب (50) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب (51) وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52) هذا ما توعدون ليوم الحساب (53) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) دارٌ أبديةٌ لا تفنى ولا تبيد، وعد الله أهلها بالخلود فقال.( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا  (107) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) 
يدخلها المؤمنون بعدما يجتازون الصراط على متن جهنم ، قال صلى الله عليه وسلم :" يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ، وَمَخْدُوشٌ بِهِ ثُمَّ نَاجٍ ، وَمُحْتَبِسٌ وَمَنْكُوسٌ فِيهَا " أي في النار
ثم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتَصُ بينهم؛ ليذهب الغِلّ والحقد الذي في قلوبهم، ، كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين)
ثم يأتي أهلُ الجنةِ الجنة، وأولهم دخولاً لها نبُينا صلى الله عليه وسلم يأتي فيقرعُ باب الجنة فيستفتحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فيقول : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ . ثم تدخل بعده أمتُه، فهي آخرُ الأممِ في الدنيا وأولُهم دخولاً الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: ((نحن الآخِرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة)) رواه مسلم.
وللجنة ـ عباد الله ـ ثمانيةُ أبواب، ما بين مصراعي الباب مسيرة أربعين سنة وليأتينَّ عليهِ يومٌ وهو شديدُ الزحام ، كلُ بابٍ منها مخصصٌ لصنفٍ من المؤمنين يُدْعون للدخول منه. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِىَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ بَابِ الرَّيَّانِ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ . هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ؟ فَقَالَ :« نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ ». 
وأولُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً؛ لاَ يَبُولُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلاَ يَتْفِلُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، ثم هم بعد ذلك منازل ودرجات، 
قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِهِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ اللَّهِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ  . يدخلها المؤمنون جرْدًا بِيضًا جُعد الشعر مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ ستون ذِرَاعًا في السماء. 
وأما نعيم الجنة (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)  ، يخبرنا الصادق المصدوق عن أدنى أهل الجنة منزلة ونعيما،  فقال صلى الله عليه وسلم : سألَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ : ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قال : هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلِ الجَنَّةَ . فَيَقُولُ : أيْ رَبِّ ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ ، وأخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ؟ فَيُقَالُ لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ فَيقُولُ : رَضِيْتُ رَبِّ ، فَيقُولُ : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَيقُولُ في الخامِسَةِ . رَضِيْتُ رَبِّ، فَيقُولُ : هذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ . فَيقُولُ : رَضِيتُ رَبِّ . قَالَ : رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ ؛ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"
وأما بناءُ الجنة ، فلَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، فيها نهر الكوثر حافتاه من ذهب وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج،  قال تعالى في وصف أنهار الجنة (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم)  ،  ليس لها أخدود في الأرض بل إنها لسائحة على وجه الأرض إحدى حافيتها اللؤلؤ والأخرى الياقوت ، طينها المسك الأذفر أي الخالص . 
وأما شجرها ففي الجنة أنواع من أشجار الفواكه مختلفة كما قال تعالى (فيهما من كل فاكهة زوجان) ،  فيها شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها ، ساقها من ذهب ، يأكل أهل الجنة من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ، وأما نخلها فعن ابنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ ، وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ ، وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلالِ أَوِ الدِّلاءِ ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ لَيْسَ لَهُ عَجْمٌ " أي نوى.
لمثل هذا فليعمل العاملون، فالجنة – يا عباد الله- أقرب إلى أحدنا من شراك نعله والنار مثل ذلك، فلا تؤثروا الحظ الفاني في الدنيا، على الحظ الباقي النفيس في الآخرة، لا  تبيعوا جنة عرضها السموات والأرض، بسجن في الدنيا.
والعمل قليل والوعد من الله عظيم . (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)



الخطبة الثانية : وأما نساء الجنة ، والحور العين فهن أزواج مطهرات من كل أذى وقذر، أنشأهن الله إنشاءً فجعلهن أبكارًا، كلما جامعها زوجها عادت  بكرًا، وجعلهن عُرُبًا أترابًا، والعَرُوب هي المرأة المتودّدة إلى زوجها، أترابًا على سِن واحد ، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينها ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها ـ أي خمارها ـ على رأسها خير من الدنيا وما فيها ، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا يكونون (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون (56) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون (57) سلام قولا من رب رحيم) 
وأما عن طعام وشراب أهل الجنة فكما قال تعالى (يطوف عليهم ولدان مخلدون (17) بأكواب وأباريق وكأس من معين (18) لا يصدعون عنها ولا ينزفون (19) وفاكهة مما يتخيرون (20) ولحم طير مما يشتهون) قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن أحدكم –في الجنة- ليعطى قوة مئة رجل في الأكل والشرب والجماع" 
وأما خيام أهل الجنة فقال صلى الله عليه وسلم : إنَّ لِلمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً . لِلمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً " وعن ابن عباس – رضي الله عنه- قَالَ : الْخَيْمَةُ لُؤْلُؤْة مُجَوَّفَةٌ ، فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ ، لَهَا أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ.
وأما أعظم النعيم فهو رؤية المؤمنين لربهم الكريم في الجنة قال تعالى (وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة) عن صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّض وُجُوهنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلنَا الْجَنَّة وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّار ؟ قَالَ : فَيَكْشِف الْحِجَاب , فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَر إِلَى رَبّهمْ عَزَّ وَجَلَّ . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)
جماعة المسلمين : هذا وصف قليل من كثير ، وإلا فوصف الجنة أعظم من هذا ، ولكن السؤال الذي ينبغي أن نسأله أنفسنا ، كيف السبيل إلى هذه الجنة ؟ 
فالجواب قال تعالى (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) ، والتقوى تكون بفعل الطاعات والاجتهاد فيها ، واجتناب المعاصي والابتعاد عنها . 
قال تعالى (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق