الخميس، 28 نوفمبر 2013

خطبة الجمعة: مفهوم الجماعة ونعمة الاتحاد

الخطبة الأولى : أيها المسلمون من المقاصد الشرعية التي جاءت نصوص الدين بتأكيدها الاجتماع والوحدة والنهي عن التفرق والاختلاف، قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وقال سبحانه(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، ومن السنة ما رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ " وحذر من مفارقة الجماعة والاختلاف فقال : مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة َ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ " فشبه الإسلام بالربقة وهي الحبل يوضع حول عنق الدابة يقودها ويحفظها، فإذا فارق الرجل الجماعة فقد ترك حدود الإسلام وأحكامه.

أيها المسلمون: إن الجماعة التي حثنا على لزومها شرعنا الإسلامي ونهانا عن التفرق عنها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي جماعتان، الأولى  هي الكتاب السنة وملازمتهما وعدم الإعراض عنهما، وهذه الجماعة هي أساس كل اتفاق، ومخالفتها أساس كل افتراق، قال ابن تيمية رحمه الله : ولست تجد اتفاقا وائتلافا إلا بسبب اتباع آثار الأنبياء من القرآن والحديث وما يتبع ذلك، ولا تجد افتراقا واختلافا إلا عند من ترك ذلك وقدم غيره عليه "

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى للجماعة فقال : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَةُ"  وفي رواية : "ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، قال ابن تيمية: فوصف الفرقة الناجية بأنهم المستمسكون بسنته وأنهم هم الجماعة"

وأما المعنى الآخر للجماعة فهو لزوم إمام المسلمين وحاكمهم وولي أمرهم، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " البخاري ومسلم.  قال النووي: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم " والمراد بالمفارقة كما نقله ابن حجر : هو السعي في حل البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق" .

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاني للجماعة في بعض أحاديثه، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في وصيته لأصحابه وأمته من بعده: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ "

فأمر صلى الله عليه وسلم بتقوى الله ولزوم سنته وهديه وهدي الصحابة من بعده وحذر من البدع والمحدثات، وهذا هو المعنى الأول للجماعة، ثم أمر وحث على السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، وهذا هو المعنى الثاني للجماعة، فكانت وصيةً جامعةً منه عليه الصلاة والسلام لأمته.

أيها المسلمون: إن في التزام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة نجاة وعصمة من الانحراف، مع ما يحققه ذلك من مقاصد عظيمة في الدين والدنيا، ومن هذه المقاصد تحقيق العبودية لله تعالى، وذلك باتباع الكتاب والسنة والعمل بما فيهما، وهذا هو المقصد الأعظم من وجود الخليقة، ومن المقاصد أيضا حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع، فينزع الخوف، ويسود العدل، فيعطى كل ذي حق حقه، ومن مقاصد لزوم الجماعة حفظ الأعراض من أن تنتهك، والأموال من أن تنتهب، والأنفس من تسفك دماؤها، والعقول من أن تزول أو تطيش.

 ومن تأمل التاريخ الغابر، والزمن الحاضر الذي خرجت فيه فئام من الناس عن  أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة بمعنييها، رأى تهاوي هذه المقاصد رأي عين، فانشغل الناس بالثورات عن العلم والعبادة والذكر وقراءة القرآن وصار همهم متابعة الأخبار والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي وقراءة الصحف ، وسفكت الدماء فقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وانتهكت أعراض المسلمين، وصودرت أموالهم ونهبت، وطاشت عقولهم، كل ذلك لأنهم خالفوا الأمر النبوي بلزوم الجماعة وعدم مفارقتها، وتحقق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةِ اْلإسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ" فضيعوا حدود الله باسم المطالبة بالحريات المكبوتة، فأوكلهم الله إلى أنفسهم فوقعوا في الذل والهوان مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " وجعل الذل والصغار على من خالف أمري"

فعليكم أيها المسلمون بلزوم الجماعة التي أمركم بها نبيكم، فتمسكوا بسنته وهديه، واحذروا البدع والمحدثات، واسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم، ولا تشقوا عصا الطاعة، روى الإمام مسلم في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ فَمَاتَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي بِسَيْفِهِ فَيَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لَا يَتَحَاشَى مُؤْمِنًا لِإِيمَانِهِ، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يُقَاتِلُ لِلْعَصَبِيَّةِ، أَوْ يَدْعُو إِلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ"
 

الخطبة الثانية : أيها المسلمون من نعم الله علينا أن وحد الله بين هذه الإمارات السبع، تحت راية واحدة، وحاكم واحد، فجُمِع الشمل، وتآلفت القلوب، وقوية الشوكة، وهابها العدو، وتبوأت مكانا عليا، وأفاض الله عليها من الخيرات فعاش الناس في رغد وخير عميم، وأمن واستقرار، وصحة وعافية، كل ذلك بفضل الله تعالى المنعم، ثم بفضل مؤسس هذا الاتحاد الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله تعالى وأسكنه الجنة، وبفضل إخوانه الحكام الذين بذلوا ما يستطيعون لرفعة هذا البلد وسعادة أهله .

وبفضل الله تآلفت القلوب بين الراعي والرعية، فأحب الناس ولاة الأمر في هذه البلاد، وأقبل ولاة الأمر على الرعية يجالسونهم ويمدون يد العون لهم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ "
أيها المسلمون: هذه النعم تحتاج إلى شكر منا حتى تدوم وتزيد، وقد قال تعالى :" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ  " ، والشكر أولا إنما هو لله تعالى وذلك بالإقرار بهذه النعم في قلوبنا وعدم جحدها، ثم التحدث بها وعدم إنكارها، ثم العمل بشرع الله تعالى ولزوم هديه، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ثم الشكر لولي أمرنا الشيخ خليفة وذلك بالسمع والطاعة له، والسعي إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، ونبذ كل ما يفرق المسلمين، ويزرع التفرق والتباغض بينهم.

ومِنْ واجباتِ الوفاءِ لِمَنْ أَسَّسُوا الاتحادَ وأَرْسَوْا دعائِمَهُ أَنْ نذْكُرَهُمْ بالدعاءِ، ونَخُصَّهُمْ بالذِّكْرِ والشُّكر والعِرفانِ، قال صلى الله عليه وسلم: " لَا يَشْكُرُ النَّاسَ مَنْ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ، وَمَنْ لَا يَشْكُرُ فِي الْقَلِيلِ لَا يَشْكُرُ فِي الْكَثِيرِ، وَإِنَّ حَدِيثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَالسُّكُوتَ عَنْهَا كُفْرٌ، وَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةَ عَذَابٌ "

عباد الله: ليس من شكر نعمة الاتحاد ما يفعله البعض في هذه الأيام من طريقة خاطئة في التعبير عن حبهم للوطن عبر مخالفتهم لشرع الله ولأنظمة الدولة، مما أدى إلى وقوع حوادث أليمة، وإصابات بالغة، كل ذلك تحت شعار حب الوطن.

يظهر ذلك جليا في ما يفعله الشباب من الذكور والإناث في المسيرات التي يكثر فيها تبرج النساء ورقصهن ومعاكسات الشباب وميوعتهم، وتلويث الشوارع بالنفايات، وإزعاج الآخرين بالضوضاء، خصوصا من أصحاب السيارات المخالفة التي تزود بأجهزة تضخم الصوت وتثير الضجيج .

أما عَلِمَ أولئكَ أنَّ التعبيرَ عن الولاء لهذا الوَطَنِ يَكْمُنُ في التَّضْحِيَةِ لأجلِهِ، والتعاونِ على الخَيرِ مع ولاةِ أمْرِه، والبذلِ والتَّضحيةِ والعَطاءِ -كلٌّ في مجالِهِ-؛ وذلك في سبيلِ تطويرِ وَطَنِنا الغالي وتَنْمِيَتِه .

فلنسع للقضاء على هذه الظواهر السلبية، ولنتعاون مع الجهات الرسمية على القضاء عليها، ولنظهر بمظهرنا الإسلامي، وعاداتنا الوطنية، من السماحة والتواضع وعدم التكبر والله يقول : " وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ "

 
 
 

هناك تعليق واحد:

  1. جزاك الله خيرا وبارك الله فيك ونفع بعلمك
    استفدت من موقفك الطيب ومن علمك المبارك
    وأتمنى لو يعنى بإضافة التخريجات للأحاديث والعزو للآيات والنقولات حتى يتم النفع
    وجزاكم الله خيرا

    ردحذف