الخميس، 29 مايو 2014

حسن الكلام والحديث مع التنبيه على اغتنام شعبان

الخطبة الأولى : قال الله سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"
يأمر الله عباده المؤمنين بأن يتقوه ويقولوا قولا سديدا، والقول السديد هو القول الموافق للصواب، أو المقارب له، المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وهذا يقتضي كفه عن كل ما حرم من القول، ثم وعدهم إن فعلوا ذلك بإصلاح أعمالهم ومغفرة ذنوبهم، وتحقق الفوز العظيم بدخول الجنة، كما قال سبحانه " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ " .

عباد الله : لقد دلت الآية الكريمة على أن حفظ اللسان بمنعه من الكلام المحرم ولزومه طيب القول، من أسباب صلاح الأعمال والجوارح، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ -أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ- ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) . رواه الترمذي . 

ولذا نجد تكرر الأمر في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالاهتمام باللسان وما يصدر منه من أقوال، ومن ذلك ما أوصَى اللهُ تعالَى به عبادَهُ من حُسنِ القولِ، فقالَ تباركَ اسمُهُ:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) بَلْ أمرَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ ألفاظِهِمْ مَا هُوَ أجْمَلُ وأتمُّ، فقالَ عزَّ وجلَّ:( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ) فالكلامُ الجميلُ وسيلةٌ مِنْ وسائلِ جَمْعِ القلوبِ ودَفْعِ الضغائنِ، قالَ تعالَى:( وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وقَدْ بيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دلالةَ القولِ وأثَرَهُ فِي الناسِ فقَالَ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ» ، بل إن الكلمة الواحدة تخرج من العبد لا يلقي لها بالا إما أن ترفعه إلى أعلى عليين أو تهوي به في أسفل سافلين، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ" 

وفي هذا ترهيب ووعيد شديد من إطلاق الكلام دون مراقبة لألفاظه ومعانيه، وفيه ترغيب وجزاء لمن أحسن في لفظه ومعانيه. 
جماعة المسلمين : على العبد المؤمن أن يتأدب عند كلامه مع الآخرين فلا يرفع صوتا، ولا يحتدَّ في الخطاب، وإنما يلين في قوله وخطابه، وقد أمر الله موسى عليه السلام أن يلين الخطاب لفرعون الطاغية فقال له : اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" .
وتأملوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يخاطب الناس على اختلاف أحوالهم ، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " والنغير طائر كان يلعب به . 

وفي خطابه للأعراب وهم البدو حاديّ الطبع فروى البخاري ومسلم عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا  فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: مَهْ مَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ "، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: " إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنَ الْقَذَرِ وَالْبَوْلِ وَالْخَلَاءِ "، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا هِيَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ: " قُمْ فَأْتِنَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشُنَّهُ عَلَيْهِ " فَأَتَاهُ  بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. 

وفي خطابه للمشركين وهم أعداؤه كان هينا لينا يريد استمالة قلوبهم والأمن من شرهم ومن ذلك ما رواه أصحاب السير من إرسال قريش لعتبة بن ربيعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يفاوضه في أمر الدين فقال عتبة محاورا النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي إنك منا حيث علمت ... وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ... فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها. 
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. 
ثم شرع عتبة يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والمال فلما انتهى قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أو قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم. قال صلى الله عليه وسلم: فاسمع مني. قال : أفعل. فقرأ عليه شيئا من القرآن. فلما انتهى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد سمعت يا أبا الوليد، فأنت وذاك. 

ففي هذا الحوار جملة من الآداب أولها حسن الاستماع من الطرفين للآخر، والتلطف بالكلام حيث لم يدعه باسمه بل بكنيته، والعرب تحب المناداة بالكنية، ولما انتهى عتبة مما عنده أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة لإضافة شيء يود إضافته ربما يكون قد نسيه فقال له: ( أو قد فرغت يا أبا الوليد).

وفي خطابه صلى الله عليه وسلم لأهل السوق والتعامل معهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه- قَالَ: " كَانَ لَمْ يَكُنْ النبي صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا صَخَّابًا  فِي الْأَسْوَاقِ " 
بل ربما مرّ على البائع وقد ارتكب مخالفة فينصحه ويوجهه بلطف ، فصح أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلاً ، فَقَالَ : (( مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ )) قَالَ : أصَابَتهُ السَّمَاءُ يَا رسول الله . قَالَ : (( أفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوقَ الطَّعَامِ حَتَّى يرَاهُ النَّاسُ ! مَنْ غشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " 

إخواني في الله: ما أحوجنا أن نراقب ألسنتنا وما نتلفظ به من كلام وما ننقله من حديث، قال تعالى : "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " ، وعن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثر خطإ ابن آدم في لسانه . 
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه ..


الخطبة الثانية : عباد الله لقد أمرنا الله بعبادته، وحثنا على المسارعة فيها، والمسابقة إليها، والموفق هو من اغتنم حياته وأيامه في طاعة الله، والمخذول الخسران من فرط في أيامه وحياته فأعرض عن طاعة ربه، حتى إذا قربت وفاته ودنا أجله قال : " رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " 

ومن مواسم الخير التي نعيشها موسم شهر شعبان وقد نبها إليه النبي صلى الله عليه وسلم لاغتنامه بصالح الأعمال فعن أُسَامَة بْن زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ؟ قَالَ :  ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ ، بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ "   

وبين لنا صلى الله عليه وسلم كيفية اغتنام هذا الشهر وذلك بالصوم فيه فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال " وكان أحب الصوم إليه في شعبان " وعَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ  " ، فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على استحباب الصيام في شهر شعبان لمن قدر على ذلك .


إخواني في الله: ومن كان عليه قضاء من رمضان السابق فليبادر إلى أدائه ولا يتأخر فيه، فإنه يتعين عليه ويجب قال تعالى : " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " 

فلنغتنم الفرصة ولنكثر من العمل فإننا مقبلون على عقبة عظيمة لا يستطاع تخطيها إلا بالعمل. 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق