الخميس، 1 مايو 2014

خطبة جمعة : حق كبار السن - شهر الله المحرم رجب

الخطبة الأولى:  جماعة المسلمين : قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ" ، فقوة الإنسان بَين ضَعفَين: ضعفٌ في أوَّل الأمرِ وضعفٌ في آخِر الأمر، ضعف الطفولة، وضعف الهرم والشيخوخة الذي هو آخر منازل الحياة ولا يعقبها إلا الموت قال صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ ابْنِ آدَمَ، وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً، إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ حَتَّى يَمُوتَ"  فهي مرحلة عصيبة ، ولا عجب أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعوَّذ منها عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتعوذُ يَقول: "اللهُمَّ إِني أَعوذُ بِك مِن الكَسلِ، وأَعوذُ بِك مِن الجُبنِ، وأَعوذُ بِك مِن الهَرمِ، وأَعوذُ بِك مِن البُخل "

ومن رحمة الإسلام أن أرشد المسلمين إلى حقوق كبار السن باحترامهم وتقديرهم ومعاونتهم في شؤون حياتهم .

وهذا الأدب في توقير كبار السن متوارث بين الأمم والأجيال ، فهُوَ منهجُ الأنبياءِ ، وخُلُقُ الأصفياءِ ، قالَ اللهُ تعالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عليهِ السلامُ " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ.."  فسقَى موسَى عليهِ السلامُ لَهُمَا لَمَّا عَلِمَ أنَّ أباهُمَا شيخٌ كبيرٌ .

وقد حث على هذا الأدب نبينا صلى الله عليه وسلم فعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مِنْ إجلالِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ إجْلالَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ "  ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لَيس مِنا مَن لَم يَرحم صَغيرنَا ويُوقِر كَبيرنَا" وفي هذا وعيد لمن أهمل حق كبار السن بأنه ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وغير ملازم لطريقته.

وأول من تجب رعايته وتوقيره في حال كبره الوالدان قال تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"  وإنما خص كبر السن بالذكر ، لأن الوالدين أحوج ما يحتاجان للولد عند بلوغهما سن الكبر ، فأمر الله الأبناء ببر الآباء عموما وخصوصا حال الكبر ، بل جعل برهما في هذا العمر من أسباب دخول الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ، رَغِمَ أَنْفُهُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبْرِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ» فكيف يتجرأ عاق قد نسي جميل والديه عليه إذ كان طفلا ضعيفا ، فيتأفف منهما ويضجر من مجالستهما لكبر سنهما، وربما ساقه الجحود والتكبر إلى أن ينقلهما إلى دور العجزة ليغلق بابا من أبواب الجنة قد فتح له ، ويعرضّ نفسه للعقوبة الدنيوية قبل الأخروية قال صلى الله عليه وسلم :" ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " 

جماعة المسلمين : من رعاية الإسلام لكبار السن في مجال العبادات أن أمر من يصلي بالناس أن يراعي حال المسنين . قال صلى الله عليه وسلم : "إذا صلَّى أحدُكم للناسِ فليخفِّفْ، فإنَّ فيهِمُ الضعيفَ، والسَّقيمَ، والكبيرَ، وإذا صلَّى أحدُكم لنفسِه فليطوِّلْ ما شاءَ"
عباد الله ومن حق كبير السن أن يفسح له في المجلس إذا دخل فعن أنس بن مالك قال :  جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا " فحثهم على أن يوسعوا له في المجلس.

وقدْ أُمر الصغيرُ أنْ يبدأَ بالسلامِ علَى الكبيرِ ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم:« يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ » ، وقدْ بيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ كبارَ السنِّ والضعفاءَ سببٌ مِنْ أسبابِ الرزقِ لدعائِهِمْ الصالحِ وقربِهِمْ مِنَ اللهِ تعالَى ، فقالَ صلى الله عليه وسلم :« هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ » ، كمَا أنَّ البركةَ معهُمْ لقولِهِ صلى الله عليه وسلم :« الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ »

وكما يدين المرء يدان، والجزاء من جنس العمل فمن راعى حقوق هؤلاء وحافظ على واجباتهم في شبابه وصحته ونشاطه، هيأ الله له في كبره من يرعى حقوقه ، فعن يحيى بن سعيد قال : بلغنا أنه من أهان ذا  الشيبة لم يمت حتى يبعث الله عليه من يهين شيبته إذا شاب"

عباد الله : إن كبار السن يعيشون مرحلة إقبال على الآخرة، فالطاعة فيهم تزيد والخير فيهم يكثر، فروى ابن أبي الدنيا قال: دخل سليمان بن عبد الملك المسجد فرأى شيخا كبيرا فدعا به فقال : يا شيخ أتحب أن تموت؟ قال : لا . قال : بم قال : ذهب الشباب وشره وجاء الكبر وخيره، فإذا قمت قلت بسم الله، وإذا قعدت قلت الحمد لله، فأنا أحب أن يبقى لي هذا" فالواجب على الشباب أن يراعوا حقوق أمثال هؤلاء الناس، اتباعا لشرع الله وإظهارا لخلق الإسلام الكريم.

فهذه النصوص تدعونا إلى احترام كبار السن، ومعرفة حق ذي الشيبة المسلم ولزوم الأدب معهم، باحترامهم وتوقيرهم وملاحظة ضعفهم ووهن أبدانهم.

الخطبة الثانية : أيها الناس: قدْ أظلَّنا شهرُ رجب وهو أحدُ الأشهُرِ الأربعةِ الحُرُم،  قال الله ـ عز وجل ـ: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "

وعن أبي بكرة رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)

ألا فاحذروا أشدَّ الحذرِ أنْ تظلموا أنفسكُم في هذا الأشهرِ الحُرُمِ خاصّةً وفي بقيّة أيّامكم عامّة: بالشرك، والبدعِ، والذنوبِ والمعاصي، والظلمِ، فإن الله ـ جل شأنه ـ قد زجرنا ونهانا عن ذلك فقال:" فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ."

عبادَ الله: إنّ من الأخطاء التي يرتكبها البعض في شهرِ رجبٍ أنّهم يصلّون ما يسمى بصلاةَ الرَّغائبِ، يؤدُّونها في أولِ ليلةِ جمعةٍ منه بين المغربِ والعشاءِ، وهي بِدعَةٌ باتفاقِ أهلِ العلم، وإنَّ مما أحدثهُ الناسُ في شهر رجبٍ تخصيصهم هذا الشهرَ بأنواعٍ من العبادات لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رجب؛ كصيامِ هذا الشَّهرِ أو أيامٍ منه، ومن ذلك -أيضاً- تخصيصهم شهر رجبٍ بالعمرة فيه يسمونها: العمرةَ الرَّجبية، فلا أصل لها في الشرع ، قال الحافظ ابن حجرٍ  -رحمه الله تعالى-: "لم يردْ في فضلِ رجب، ولا في صيامهِ، ولا في صيامِ شيء منه معين، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصة ٍفيه حديثٌ صحيحٌ يصلحُ للحجة" اهـ

ومنْ كانَ مواظباً على عملٍ معينٍ في سائرِ الشهورِ فليواصلْ عملهُ وليْثبُتْ عليه، ومنْ وجدَ في نفسهِ نشاطاً وإقبالاً على الطاعةِ فليتقربْ إلى الله من غيرِ اعتقادٍ بخصوصية أو مزيّةٍ لهذا الشهر.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، ومن عمل عملا ليس عليه هدي النبي صلى الله وسلم فهو مردود عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق