الجمعة، 25 أبريل 2014

خطبة جمعة: الأجر العظيم في معاونة المسلمين

الخطبة الأولى : اعلموا رحمكم الله أننا في هذه الدار مكلفون بعبادة ربنا و طاعتة، ثم سنرجع إليه ليحاسبنا على طاعاتنا، قال سبحانه : " وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" وقال سبحانه في الحديث القدسي: " يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " ، وفي يوم القيامة يفرح أهل الطاعات والبر بأعمالهم، فيأخذون كتبهم بأيمانهم منقلبين إلى أهلهم في سرور وسعادة قال تعالى  "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ،فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " وأما من فرط في هذه الدار في اكتساب الحسنات و طاعة رب الأرض والسموات فإنه من النادمين المذلولين الذي يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليزداد من الخير قال سبحانه "وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"

عباد الله : ولقد علم الله سبحانه ضعف عباده، وتكالب الأعداء عليهم، من النفس الأمارة بالسوء وحبها للشهوات والملذات وشياطين الجن والإنس، فخفف عن العباد في التكاليف، وجعل لهم من الأسباب ما تعظم به أعمالهم وتضاعف به حسناتهم، وترتفع به درجاتهم، قال سبحانه : " يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا" .
ومن الأسباب التي ذكرها أهل العلم في مضاعفة الأجور والحسنات  أن يكون العمل له أثر عظيم ونفع كبير، إذ يتعدى أثره إلى الخلق، كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة وإزالة ضرر عن متضرر، وكشف كرب عن مكروب، فهذا العمل أجره مضاعف بحسب الأثر المرتب عليه وما يقوم في قلب العامل من الإخلاص وحب الخير للآخرين.

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ "  ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ  مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ رضى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ»

عباد الله : إن فعل الخيرات بمساعدة الخلائق عبادة جليلة اتصف بها خير الناس وأعلاهم منزلة ،  فوصف أهل الجنة بأن من أعمالهم في الدنيا : " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ،إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا "  فما هو الجزاء على هذا الفعل قال سبحانه : " فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا "

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل دخل الجنة لأنه رأى غصن شجرة في طريق الناس فخشي أن يؤذيهم فأزاحه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ طَرِيقٍ كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ"
 وإزالة الأذى من طريق الناس من أرجى الأعمال وأعظمها عند الله تعالى فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي - حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا- فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا: أَنَّ الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ .

عباد الله : إن مساعدة الناس ومعاونتهم يجعلُ المجتمعَ مُترابطًا مُتلاحمًا، مُتوادًّا مُتراحمًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
فاللهُمَّ أعنا على فعل الخيرات، والبعد عن المنكرات، وزِدْنَا مِنْ فضلِكَ، إِنَّكَ أنتَ الجوادُ الكريمُ


الخطبة الثانية: عباد الله لقد رتب ديينا الإسلامي مضاعفة الأجر والثواب على الأعمال التي يتعدى نفعها للآخرين، ولو كانت في حق البهائم والحيوانات ، فروى البخاري عن أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ:"غُفِرَ لامرأةٍ بَغِيٍّ من بَغَايا بني إسرائيلَ ، مَرَّتْ بكلبٍ على رأسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قالَ: كادَ يَقْتُلُهُ العطشُ، فنَزَعَتْ خُفِّها فأوثَقَتْهُ بخِمارِها، فنَزَعَتْ لهُ مِن الماءِ، فسَقَتْهُ، فغُفِرَ لها بذلك" ، قال بعض أهل العلم أي وفقها الله سبحانه وتعالى بهذا العمل وهو سقيها الكلب إلى التوبة من عملها السيئ  ووفقها لعمل الخير.

قال ابن القيم وهو يصف عمل هذه المرأة وسبب فوزها بالمغفرة من الله : " مَا قَامَ بِقَلْبِ الْبَغِيِّ الَّتِي رَأَتْ ذَلِكَ الْكَلْبَ - وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ يَأْكُلُ الثَّرَى - فَقَامَ بِقَلْبِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ - مَعَ عَدَمِ الْآلَةِ، وَعَدَمِ الْمُعِينِ وَعَدَمِ مَنْ تُرَائِيهِ بِعَمَلِهَا - مَا حَمَلَهَا عَلَى أَنْ غَرَّرَتْ بِنَفْسِهَا فِي نُزُولِ الْبِئْرِ، وَمَلْءِ الْمَاءِ فِي خُفِّهَا، وَلَمْ تَعْبَأْ بِتَعَرُّضِهَا لِلتَّلَفِ، وَحَمْلِهَا خُفَّهَا بِفِيهَا، وَهُوَ مَلْآنٌ، حَتَّى أَمْكَنَهَا الرُّقِيُّ مِنَ الْبِئْرِ، ثُمَّ تَوَاضُعُهَا لِهَذَا الْمَخْلُوقِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِضَرْبِهِ، فَأَمْسَكَتْ لَهُ الْخُفَّ بِيَدِهَا حَتَّى شَرِبَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْجُوَ مِنْهُ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، فَأَحْرَقَتْ أَنْوَارُ هَذَا الْقَدْرِ مِنَ التَّوْحِيدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا مِنَ الْبِغَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا"

ومثل ذلك كذلك ما رواه البخاري ، قال صلى الله عليه وسلم: "بَيْنا رجُلٌ بطريقٍ  يمشي، فاشتدَّ عليه العطَشُ، فنزَلَ بئراً، فشرب منها، ثمَّ خَرَجَ، فإذا هو بكلبٍ يَلْهَثُ، يأكلُ الثَّرى من العَطَشِ، فقالَ الرجلُ: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلَغَ بي، فنزل البئرَ، فملأ خُفَّهُ، ثمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ، ثمَّ رَقِيَ فسقى الكلبَ، فشَكَرَ الله له، فغَفَرَ لهُ وفي روايةٍ: فأدخله الجنة. قالوا: يا رسولَ الله! وإنَّ لنا في البهائمِ لأجْراً؟ قال: في كل ذاتِ كَبِدٍ رطبةٍ أجْرٌ"

فتأملوا رحمكم الله : إذا كان الله سبحانه قد غفر لمن سقى كلبا على شدة ظمأه فكيف بمن سقى العطاش وأشبع الجياع وكسى العراة من المسلمين ، فأجره أعظم وأعظم .

عباد الله : لا تحقروا من المعروف شيئا ، فإنكم لا تعلمون أي العمل تقومون به أرجى عند الله، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : "اتَّقوا النارَ ولوْ بشقِّ تمرةٍ"

فكونوا لإخوانكم خير عون في ملماتهم، بل بادر إليه قبل أن يطلبك ، قال عبد الله بن جعفر رحمه الله: ليس الجواد الذي يعطيك بعد المسألة، ولكن الجواد الذي يبتدئ، لأن ما يبذله إليك من وجهه أشد عليه مما يعطى عليه. وعن عبيد بن عباس قال : إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإذا سألك فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذله لك .

وكان السلف رحمهم الله من العلماء والصالحين يعرفون قدر معاونة الآخرين وكشف الكرب عنهم، فعن مجاهد قال : صحبت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني أكثر" 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق