الجمعة، 18 أبريل 2014

خطبة جمعة: فضل القرآن الكريم

الخطبة الأولى : أيهَا المؤمنونَ: قال تعالى في محكم التنزيل: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "  إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أنزلَهُ علَى قلبِ نبِيِّهِ محمدٍ خاتمِ النبيينَ، قالَ عزَّ وجلَّ:( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ،عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)  هذا الكتابُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، وفُصِّلَتْ كلماتُهُ، وحُفِظَتْ مِنْ عَبَثِ العابثينَ، وتحريفِ الْمُحَرِّفينَ، قالَ تعالَى:( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ، سَمَّاهُ اللهُ تعالَى بأسماءٍ كريمةٍ، ووصفَهُ بصفاتٍ حكيمةٍ، فهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وهوَ الشفاءُ النافِعُ، والدواءُ الناجِعُ، عِصْمةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بهِ، ونجاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وهدايةٌ لِمَنْ عَمِلَ بِهِ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ:( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ولذلك أوصانا الله بالتمسك به وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على لزومه، قال صلى الله عليه وسلم: أَلاَ وَإِنِّى تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلاَلَةٍ "

ويستلزِمُ التمسكُ بالقرآنِ الكريمِ العنايةَ بحفظِهِ وتلاوتِهِ، والمواظبةَ علَى قراءتِهِ وتدبُّرِهِ، والحرصَ علَى العملِ بأحكامِهِ ومبادئِهِ، والتخَلُّقَ بأخلاقِهِ وقِيَمِهِ، والقيامَ بتَعَلُّمِهِ وتعليمِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»

عبادَ اللهِ: إنَّ للتمسكِ بالقرآنِ الكريمِ ثمراتٍ شتَّى، وفوائدَ عُظْمَى، تعودُ علَى الإنسانِ بِخَيْرَيِ الدنيَا والآخرةِ، فقارئُ القرآنِ الكريمِ قد أثنى الله عليه ووعده بالأجر العظيم قال تعالى : :"إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ" ، ومن عظيم بركة القرآن مضاعفة الحسنات لقارئه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)  فكم من الحسنات ضيعت يا عباد الله بالإعراض عن تلاوة القرآن وتدبره .

وبالقرآنِ وحفظه يرتقِي المؤمنُ يومَ القيامةِ درجاتِ الجنانِ قَالَ صلى الله عليه وسلم :( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا) قال بعض شراح الحديث:وصاحبُ القرآنِ هُوَ مَنْ يُلَازِمُهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَمَلِ.
وفي ذلكم اليوم العظيم الذي تقترب فيه الشمس من الرؤوس ويلجم العرق الناس، يأتي القرآن شفعيا لأصحابه، فعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ " أي السحرة . رواه مسلم.   

بل إن في تعلم القرآن أجر وفضيلة تعلو وتزيد على أنفس الأموال وأغلاها ثمنا في الدنيا، فروى مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ :خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ والناقة الكوماء هي العظيمة السنام وهي من أفضل أنواع النوق عند العرب- فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ"

فإذا خرجت أخي المسلم إلى المسجد لتتعلم كتاب ربك وتقرؤه فأبشر بهذه البشارة العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ» فإذا جلست في حلقات القرآن فأنت في خير عظيم وفضل عميم قال صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ "

فاللهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ العظيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ أبصارِنَا، وَجِلاَءَ همومِنَا، وَذَهَابَ أحزانِنَا، وارزُقْنَا تلاوتَهُ، ووفِّقْنَا للعملِ بهِ والتخلُّقِ بأخلاقِهِ


الخطبة الثانية : أيهَا المسلمونَ: مِنْ ثمراتِ التمسُّكِ بالقرآنِ استقامةُ الإنسانِ علَى طاعةِ الرحمنِ، فيتلُو القرآنَ الكريمَ حقَّ تلاوتِهِ، ويتَّبِعُهُ حقَّ اتِّبَاعِهِ، فيعملُ بآياتِهِ، ويقِفُ عنْدَ حُدودِهِ، ويُحِلُّ حلالَهُ، ويُحَرِّمُ حرامَهُ، ويتخلَّقُ بأخلاقِ القرآنِ، فقَدْ سُئِلَتِ أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " .
والتمسُّكُ بالقرآنِ الكريمِ سببٌ لسعادةِ الأُسر والبيوت واستقرارِهَا، والبركةِ فِي حياتِهَا، وكَثْرَةِ خيراتِهَا، وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ في الْبَيْتُ إذَا تُلِيَ فِيهِ كِتَابُ اللهِ اتَّسَعَ بِأَهْلِهِ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ، وَحَضَرَتْهُ الْمَلائِكَةُ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، وَالْبَيْتُ إذا لَمْ يُتْلَ فِيهِ كِتَابُ اللهِ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، وَقَلَّ خَيْرُهُ، وَحَضَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ
ومِنْ ثمراتِ التمسُّكِ بالقرآنِ شفاءُ الإنسانِ، قالَ عزَّ وجلَّ:( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ففيه الشفاء من أمراض الشبهات والشهوات، والأوجاع والأسقام وما يصيب القلوب من هموم وغموم وأحزان .
جماعة المسلمين: لقد انشغل الكثير منا بأمور الدنيا وتغافلنا عن كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وفي ذلك علامة على مرض القلوب قال ابن القيم: فالقلب الطاهر، لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث، لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، بخلاف القلب الذى لم يطهره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التى تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة. فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التى تلائم الصحيح "
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره "
فاعمروا قلوبكم وبيوتكم بتلاوة كتاب ربكم، واحفظوه وحفظوه أولادكم، وقَدْ هيأَتْ حكومتُنَا الرشيدةُ كلَّ الوسائلِ التِي مِنْ شأنِهَا خدمةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ منذُ عهدِ المغفورِ لهُ الشيخِ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذِي أسَّسَ مشروعَ الشيخ زايد لحفظِ القرآنِ الكريمِ، وهَا هيَ الجهودُ مستمرةٌ بطباعةِ المصاحفِ وتوزيعِهَا، وإنشاءِ مراكزِ ومعاهدِ تحفيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي أنحاءِ الدولةِ، التِي يدرسُ فيهَا الصغارُ والكبارُ الذكورُ والإناثُ، والتِي خَرَّجَتْ بفضلِ اللهِ تعالى أعدادًا كبيرةً مِنْ حفظةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فاستثمِرُوهَا يرحمكُمُ اللهُ.

 فمَنْ علَّمَ أبناءَهُ القرآنَ أُلْبِسَ تاجاً مِنْ نُورٍ عنْدَ الرحمنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:( مَن قَرَأَ الْقُرآنَ وَتَعَلَّمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجَاً مِنْ نُورٍ، ضَوْؤُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَاْلِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ تُقَوَّمُ بِهِمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا؟ فَيُقَاْلُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرآنَ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق