الخميس، 3 أبريل 2014

خطبة جمعة: تأملات في سورة (ص)

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين من سور القرآن التي ينبغي للمسلم أن يتدبرها ويقف على معانيها سورة ص ، هذه السورة التي أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة، ومقصدها الرئيس هو التذكير بكتاب الله تعالى، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم بذكر قصص الأنبياء من قبله، وبيان عاقبة من أطاعه واتبعه، وعقوبة من كذبه وأعرض عنه.

فأقسم الله جل في علاه فقال : "ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ" فأقسم بالكتاب ذي الشرف والمكانة العالية، الذي من قرأه وتدبره ذكّرَهُ ووعظهُ، ولذلك حث على تدبره في السورة فقال : "كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ، وكرر سبحانه الأمر بالتذكر في جملة من آيات السورة فقال : "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ" وقال : "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" وقال : " هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ" بل ختم الآيات بالنص على هذا المعنى فقال : " إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" فيتعلم المسلم من ذلك أن عليه أن يتلو كتاب الله تعالى بتدبر وتفهم لمعانيه، فيتذكر بتذكيره، ويتعظ بمواعظه، قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- : " لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ , قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ , وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ , وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ " قال ابن القيم: " فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ " وقال رحمه الله: " فَلَو علم النَّاس مَا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن بالتدبر لاشتغلوا بهَا عَن كل مَا سواهَا"

          ومن موضوعات سورة ص ما ذكره الله فيها من الخصومات المتعددة، فذكر خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" ثم ذكر اختصام الخصمين عند داود عليه الصلاة والسلام في قوله: " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ" ثم ذكر تخاصم أهل النار فقال : " إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ " ثم ذكر اختصام الملأ الأعلى ولعله في الدرجات والكفارات فقال : " مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ" ثم ذكر مخاصمة إبليس واعتراضَه على ربه في أمره بالسجود لآدم، ثم خصامه في شأن بني آدم وحلفُه على إغوائهم.

فيتعلم العبد أن الاختلاف والخصومة سنة كونية واقعة بين الخلق لا محالة، كما قال سبحانه" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" فيطلب العبد من ربه الهدايةَ والثباتَ على الحق دائما وأبدا .

ومن موضوعات السورة بيان أن خصومةَ الأنبياءِ لأقوامهم كانت في إفرادِ اللهِ تعالى بالعبادةِ، وهو توحيد الألوهية، وليس في إقرارهم بأن الله هو الخالق الرازق المحيي، فهذا يؤمن به الكفار في الجملة ويسلِّمون به كما قال تعالى : " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ " وقال : " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" وهذا يسمى بتوحيد الربوبية، ولكن الكفار خاصموا أنبياءهم في إفراد الله بالعبادة وعدم صرفها للأصنام والقبور والأوثان والصالحين من الأنبياء والأولياء، فكان لكفار قريش ثلاثمائة وستون صنما حول الكعبة يعبدونها مع الله ويقولون: " مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى " فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يقولوا: " لا إله إلا الله" التي تعني إفراد الله بالعبادة وحده دون سواه، وإبطالَ ما يُعبدُ من الآلهة المزعومة فأبوا وامتنعوا وقالوا: " أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ، وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ "

فيتعلم المسلم أن معنى لا إله إلا الله أي لا معبود في السموات والأرض إلا الله، وليس معناها لا خالق ولا رازق إلا الله، كما يتعلم الداعية أن أول ما يدعو إليه هو إفراد الله تعالى بالعبادة فهي دعوة جميع الرسل وعليها يقوم الدين كما قال سبحانه : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" ولذلك لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له : " إنك تأتي قَوْماً أهلَ كِتاب، فادعُهمُ إلى شهادَةِ أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله، في رواية " فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ " ، فإنْ هُمْ أطاعُوكَ لذلكَ فأعْلِمْهُمْ أن الله افترضَ عليهم خمسَ صَلَواتٍ في كُل يَوْمٍ ولَيْلَةٍ"

جماعة المسلمين : ومن موضوعات سورة (ص) تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت قلبه بذكر قصص الرسل والأنبياء من قبله وكيف كذبهم قومهم مع بيان سوء عاقبتهم كما قال تعالى في سورة هود: " وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" فقال سبحانه : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ ،وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ ، إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ، وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ، وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ " ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال : " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ" فأمره بالصبر على قومه، وبأن يستعين على الصبر بالعبادة وأن يتذكر حال العابدين ومنهم نبي الله داود عليه السلام الذي وصفه بأنه أواب أي رجاع إلى الله في جميع أموره، وذكره بصبر نبي الله أيوب عليه السلام فقال له: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " فوصفه الله تعالى مع الصبر باستكمال مراتب العبودية فقال " نعم العبد" ووصفه بأنه " أواب"

فيتعلم المسلم الداعية أن عليه تبليغ هذا الدين للناس، وليس عليه هدايتهم، فالهداية بيد الله تعالى، وأنه لن يتبعه كل الناس، بل سيواجه التكذيب والإعراض، قال تعالى : "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" كما يستفيد الداعية إلى الله أن عليه الصبر على ما سيصيبه من بلاء بسبب الدعوة إلى الله وأمره بالمعروف نهيه عن المنكر، كما يستفيد المسلم أن عليه الاستعانة على الصبر بعبادة الله تعالى والإنابة إليه.
وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

  

الخطبة الثانية : عباد الله : من موضوعات سورة (ص) ذكر جزاء الطائعين المؤمنين، وعقوبة الطاغين المكذبين، فقال سبحانه : " هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ، مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ، إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ"  فهو رزق دائم مستقر متزايد لا انقطاع له .
وأما الطاغين المكذبين فقد توعدهم الله فقال : " هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ
لْمِهَادُ، هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ.."
فيسأل العبد ربه بلوغ جنته، والنجاة من ناره، وهذا هو الغرض من ذكر ما أعده الله للطائعين من النعيم، وما توعد به العاصين المكذبين من العقاب.

ثم بين سبب إعراض هؤلاء الناس عن طاعة ربهم، وإجابة دعوة رسله إليهم ألا وهو الشيطان الرجيم، فذكر قصته لما أمره بالسجود لآدم فامتنع وأبى استكبارا وحسدا فقال سبحانه: " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ،إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ، قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ،قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"
فكان عقابه أن قال الله له : " قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ"
فلما تيقن هلاكه ووقوع اللعنة عليه توعد وأقسم على إضلال بني آدم فقال : "قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ "

فيتعلم المسلم أن من خالف الأمر استحق العقوبة، فهذا إبليس على مكانته عند ربه لما عصى أمره عاقبه الله تعالى بأن طرده من رحمته ووعده بالخلود في النار، فيخشى العبد على نفسه من عقوبة الله إن هو خالف أمره وارتكب نهيه.

كما يحذر من الشيطان الرجيم الذي توعده بالإضلال فيتخذه عدوا لا وليا قال سبحانه محذرا عباده " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"  وعلى العبد أن يلجأ إلى ربه ليعيذه من شره ووسوسته وأن يجعله من عباد الله المخلصين الذين يجاهدون الشيطان فلا يضرهم كيده.

كما يحذر من الكبر والحسد فإنه من أكبر أسباب الصد عن الحق، فهو الذي منع إبليس من تنفيذ أمر ربه، وهو الذي منع كفار قريش من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى في أول السورة : " بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ" فتكبروا على الحق وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسدوه على نعمة الرسالة فقال سبحانه "أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا" وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا، وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " لَا، ذَاكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، وَازْدَرَى النَّاسَ"

ومن موضوعات السورة التحذير من الفتن، وأن من وقع فيها عليه أن يتوب ويؤوب إلى ربه، والله يقبل التوبة عن عباده، والعبد يفتتن على قدر دينه قال تعالى : "  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ "  ، فذكر الله وقوع الفتنة لداود عليه الصلاة والسلام وذكر توبته ورجوعه إلى الله قال سبحانه : "وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ" وذكر افتتان سليمان عليه السلام بالخيل التي ألهته عن عبادة ربه فقال سبحانه : "إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ  فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ، رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي .." وذكر فتنة أيوب عليه الصلاة والسلام بالمرض الذي طال زمانه حتى تقرح جسده وتقيح وتركه الأصحاب فقابل ذلك بالصبر والاحتساب.

فيتعلم المؤمن أن الدنيا دار ابتلاء وفتن ، فهؤلاء خيرة خلق الله من بني آدم ممن اصطفاهم واجتباهم قد وقعوا في الفتن، إلا أنهم رجعوا واستغفروا ربهم، فغفر الله لهم . قال تعالى : " وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ"

جماعة المسلمين:  هذه وقفات يسيرة مع بعض موضوعات سورة (ص) ذكرناها لنتدبرها ونستلهم منها الدروس والعبر، وإلا فما تركناه أكثر مما ذكرناه، فهي دعوة لتأمل كلام الله وتدبره ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لقد عشنا بُرْهَةً من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما أمره وما زاجره وما ينبغي أن يقف عند يَنْثُرُه نَثْرَ الدَّقَل"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق