الجمعة، 20 يونيو 2014

خطبة : خطر المخدرات والمسكرات و الاهتمام بالأبناء في الإجازة

الخطبة الأولى : قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا "  ، كرم الله -عز وجل- بني آدم بخلال كثيرة ، امتاز بها عن غيره من المخلوقات، كرمه بالعقل  وزينه بالفهم ، فكان العقل من أكبر نعم الله على الإنسان ، به يميز بين الخير والشر، والضار والنافع .  وإذا ما فقد الإنسان عقله ، لم يفرق بينه وبين سائر الحيوانات والجمادات ، بل لربما فاقه الحيوان الأعجم  بعلة الانتفاع . 

هذا العقل الثمين ، الذي هو مناط التكليف ،وأحد الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها، يوجد في بني الإنسان من لا يعتني بأمره ، بل يضعه تحت قدميه ، يبدو ذلك ظاهرا جليا  في مثل كأس خمر ، أو جرعة مخدر ، تفقد الإنسان عقله ؛ فينسلخ من عالم الإنسانية ، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك والفاحشة ، وينسى السكران ربه ، ويظلم نفسه ، يتم أطفاله ، ورمل زوجته وأزرى بأهله لما فقد عقله ، فعربد ولهى ولغى 

جماعة المسلمين :  لقد حرم الإسلام الخمر والمخدرات بأنواعها تحريما قطعيا واعتبرها أما للخبائث لأنها مصدر كل خبث وشر ومعصية، والمخدّرات بأنواعها شرٌّ من الخمر، فهي تشارك الخمر في الإسكار وتزيد عليها في كثرة الأضرار، قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ، فرتب حصول الفلاح على ترك ما حرمه الله . 

وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ   ، بل لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على شارب الخمر في الدنيا أن يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ " رواه مسلم 
فيا من كرمه الله بنعمة العقل ، يا من كرمه الله بنعمة الإيمان ، كيف تزري بنفسك فترديها المهالك بسبب شربة خمر أو جرعة مخدر يعقبها من الندم الشهور والسنون ، أي لذة يشعر بها من يتعاطى الخمر والمخدر ، وقد حرم نفسه من خيري الدنيا والآخرة 
جماعة المسلمين: الخمر والمخدرات أدت إلى وجود خلل في المجتمع لا يمكن أن يصلح إلا بمحاربة المخدرات والخمور ، فكم سمعنا عن بيوت تهدمت وتشرد الأبناء بسبب ضياع الأب مع المخدرات والخمور ،  والله الكثير مما يشيب لذكره الولدان  ، كما أن المخدرات والمسكرات سبب للعار والفضيحة في المجتمع فمن شرب الخمر فعليه الحد بأن يجلد ثمانين جلدة على ظهره أمام الناس ،ومن تجرع المخدر عرض نفسه للسجن وربما الإعدام إن كان مروجا . كما أن متناول المخدر معرض نفسه للأمراض الفتاكة التي لا دواء لها ، والمسكرات بأنواعها تؤدي إلى انتشار الجريمة في المجتمع والتحلل الأخلاقي حتى يغدو متناول المسكر كالديوث لا يغار على أهله وعرضه .

    هذه خسارة الدنيا فما بالكم بخسارة الآخرة ، خسارة يوم القيامة ، الويل الويل لمن مات على الخمر والمخدر ، والله قد هلك ، طُرد من رحمة الله ،فقد لعنه الله قال صلى الله عليه وسلم " لعن الله الخمر وشاربها .. " وعرض نفسه للحرمان من دخول الجنة فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يدخلون الجنة : الديوث ، ورجلة النساء ، ومدمن الخمر " فأي خسارة هذه يا أيها الإنسان أن تفقد الجنة ونعيمها لمجرد سكرة ساعة ولذة دنيا ،  ربما تموت بعدها وتفارق الدنيا .

وقد وصل بشارب الخمر إلى أن عده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعباد الأصنام من الكفار على حد سواء إذا ما لقي الله وهو على المخدر والمسكر عاكف ،فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن " رواه أحمد 

ولا يقبل الله لشارب الخمر صلاةً مدة أربعين يوما وإن مات مات ميتة جاهلية قال صلى الله عليه وسلم " ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة ، ولا يموت وفي مثناته منه شيء إلا حرمت بها عليه الجنة ، فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية  " فإن دخل النار توعده الله بأن يشربه من دم وصديد وعرق أهل النار قال صلى الله عليه وسلم ( كل مسكر حرام ، وإن عند الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا يا رسول الله ! وما طينة الخبال ؟ قال ( عرق أهل النار أو عصارة أهل النار " 

فإذا علمت يا شارب الخمر أن العذاب والويل لك إن شربت الخمر أو تناولت المخدر ، أفما يجدر بك أن تتركها ، أن تترك لذة يوم ، لذة دنيا ، لتكسب لذة دائمة ، لذة طاعة الله ورسوله ، أتبيع جنة عرضها السماوات والأرض وتشتري مقاما في النار بشربة خمر أو شمة مخدر ، هل هذا من العقل في شيء ، إنك كمن يبع الذهب بالتراب  . 
فإن قال قائل قد شربت الخمر وتعاطيت المخدرات فما علي الآن ، تب إلى الله فإنه يغفر الذنوب جميعا ، واعزم على ترك الخمر والمخدر أبدا ، ولا يخدعنك الشيطان بأن الله لن يغفر لك قال ربنا عز وجل : " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"        


الخطبة الثانية : عباد الله ومما يتعلق بالمخدرات والمسكرات التدخين الذي عمَّ وانتشر بين جميع أطياف المجتمع دونما نكير من أحد ، بصوره الكثير  كالسيجارة أو الشيشة أو المدوخ والغليون وغير ذلك ، فهو بلاء عظيم ومنكر جسيم استهونه كثير من الناس مع ما يرونه من واقع أليم للمدخنين .
 وتدخين السيجارة حرام ، فيحرم شراؤها وبيعها لما تسببه من أمراض وأضرار صحية على المدخن ، فالتدخين من الخبائث بشهادة العقلاء من بني آدم ، بل ضرره شديد جدا على صحة الفرد فاحذروه .

فاتق الله في نفسك وفي ذريتك وأهلك فإن المدخن يؤذي أهله وأولاده برائحته حتى الملائكة في المسجد تتأذى منه ومن رائحته ، فاعزم الأمر واترك التدخين وقوعك في المرض أو انقضاء أجلك وعنده لا ينفع الندم.

عباد الله : أيام قلائل وينتهي أبناؤنا من أداء امتحاناتهم النهائية وتبدأ إجازتهم الدراسية، وهنا تقع على الآباء مسؤولية كبرى تتمثل في توجيه أبنائهم للاستغلال الأمثل للوقت في هذه الإجازة حتى لا يكونوا فريسة سهلة لشياطين الجن والإنس من أصحاب السوء.
ووقت الفراغ نعمة تحتاج إلى شكر واستغلال حسن وليست مشكلة كما يسميها البعض، قال صلى الله عليه وسلم: " نعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ " 

ولقد عرف السلف الصالح رضوان الله عليهم أهمية حياتهم ووقتهم فاستغلوها خير استغلال فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول " ما ندمت على شيء ندامتي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي " و يقول ابن القيم رحمه الله: "السَّنةُ شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حلو الثمار من مرها" 

لذلك عليكم بتوجيه أبنائكم لتعلم ما هو نافع لهم في دينهم ودنياهم، كلزومهم حلقات تحفيظ القرآن الكريم،  والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ، وإذا عزمتم على السفر فليكن لبيت الله والعمرة وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم نصيب من سفركم.

كذلك يحتاج الأبناء إلى جملة من الدورات العلمية في مجالات شتى لتعزيز مهاراتهم وقدراتهم العلمية والعقلية، فلا بأس من التحاقهم بدورات تعلم اللغات والحاسوب ونحو ذلك مما يكسبهم معارف جديدة تعود عليهم بالنفع في دراستهم وعملهم في المستقبل. 

معاشر الآباء : من حسن تربيتكم لأولادكم أن تشركوهم في أمور حياتكم ومجالسكم، فإذا خرجت إلى السوق مثلا فخذ ولدك معك ليتعلم طريقة التعامل مع الناس في البيع والشراء، وإذا ذهبت للمسجد لصلاة الجماعة والجمعة  أو لزيارة أرحامك أو زيارة مريض أو صديق فخذه معك ليعتاد هذه العبادات ويألفها. 

وكذلك الأم لتشرك بناتها في أمور المنزل وأعماله بدلا من جلوسهن أمام الفضائيات وكلامهن مع الصديقات فيما لا يعود عليهن بالنفع .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق