الخميس، 25 سبتمبر 2014

النهي عن التفرق والتحزب في الإسلام وذكر صفات الخوارج

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين: اعلموا رحمكم الله أن من المقاصد العظيمة التي جاءت النصوص بتقريرها وتأكيدها وحدة الدين والتمسك به وعدم التفرق فيه، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ " قال ابن كثير رحمه الله : " يقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِرَسُولِهِ: أنْ يَأْخُذُوا بِجَمِيعِ عُرَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، وَالْعَمَلِ بِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكِ جَمِيعِ زَوَاجِرِهِ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ ذَلِكَ " ، ولتحقيق هذا المقصد نهى الله ورسوله عن التفرق في الدين وتوعدوا من فعل ذلك بالعقاب الأليم، فقال سبحانه: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  " ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيماً » ، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصراط الذي ينبغي للمسلم سلوكه عند الافتراق والاختلاف فقال صلى الله عليه وسلم: أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ " وبين صلى الله عليه وسلم هذه الجماعة بقوله : " وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» فَقِيلَ لَهُ: مَا الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» ، وأكد صلى الله عليه وسلم ذلك في وصية عظيمة فقال : أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة وَإِن كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعًا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكل بِدعَة ضَلَالَة"

عباد الله: إن الاختلاف بين المسلمين والخروج على الجماعة المسلمة شر عظيم، وعواقبه عظيمة على الإسلام والمسلمين، قال تعالى : " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ " أي تذهب قوتكم ، فكل أمة متفرقة هي أمة فاشلة ضعيفة، وقد روى الإمام أحد عن الحسن قال: شهدتهم يوم تراموا بالحصى في أمر عثمان، حتى جعلت أنظر فما أرى أديم السماء من الرَّهَجِ أي من الغبار- فسمعت كلام امرأة من بعض الحجر ، فقيل لي هذه أم المؤمنين فسمعتها تقول: إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب"

فالحزبيات مقيتة يذكي شررها الشيطان ، ويجمع حطبها أهل الأهواء والبدع، ويشب نارها أهل الكفر، فَفرِقت الأمة وشُتت شملها ومُزقت صلات أبنائها، إذ جعلهم يتقاتلون ويتهارجون، حتى لا يعلم القاتل لم قَتل، ولا يعلم المقتول فيم قُتل  .

ولقد كان أول اختلاف وتحزب في صف الإسلام الخروج على عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنها،إذ تحزبت جماعات، ورأسوا عليهم أميرا منهم، وخرجوا منكرين على خليفة المسلمين، بدعوى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم رفعوا السلاح في وجه إخوانهم المسلمين، فماذا كانت النتيجة ؟
وقع القتال وسفكت الدماء وقتل خير أهل الأرض في زمانهم، وهما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما،فكان ذلك أول اختلاف وقع في الإسلام على أيدي الخوارج الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الآجري رحمه الله في كتابه الشريعة  في بيان حقيقة الخوارج :" لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمُ سُوءٍ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا، وَاجْتَهَدُوا فِي الْعِبَادَةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ، يُظْهِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى مَا يَهْوُونَ، وَيُمَوِّهُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ، وَحَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَذَّرَنَاهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، .. وَالْخَوَارِجُ هُمُ الشُّرَاةُ الْأَنْجَاسُ الْأَرْجَاسُ، ..َيَخْرُجُونَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ "  

ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فتنهم وجلى حقيقتهم ليحذرهم أهل العقول والنهى، ولا يغترون بهم .
فمن صفاتهم جرأتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة الأفاضل والعلماء الأكارم، فهذا أول الخوارج ظهورا في الإسلام يتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالْجِعْرَانَةِ وَهُوَ يَقْسِمُ التِّبْرَ أي الذهب -وَالْغَنَائِمَ، وَهُوَ فِي حِجْرِ بِلَالٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ بَعْدِي إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟» فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا فِي أَصْحَابٍ، أَوْ أُصَيْحَابٍ لَهُ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»  
وجرهم ذلك للطعن في الصحابة رضوان الله عليهم فحاصروا عثمان وقتلوه، ثم اقتتلوا مع الصحابة والتابعين في معركة النهروان، ثم قتلوا علي بين أبي طالب رضي الله عنه.

الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : ومن صفات الخوارج جرأتهم على دماء المسلمين وأعراضهم فيقتلون أهل الإسلام ويستحلون أموالهم وأعراضهم ففي "الصحيحين" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنهم يقتُلُون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان، لئن أدركتُهم لأقتُلنَّهم قتلَ عاد».
وفي زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسروا عبد الله ابن الصحابي خباب بن الأرت ومعه زوجته وكانت حاملا، فقطعوا رأسه أمامها، ثم قتلوا زوجته وشقوا بطنها.
ومن صفاتهم أنهم صغار السن يرفعون شعار الإسلام، ويتكلمون بالقرآن، وهم من أبعد الناس عنهم قال صلى الله عليه وسلم في وصفهم: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
ومن صفات الخوارج خروجهم على ولاة أمر المسلمين وتكفيرهم لمن لا يكون معهم، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا بِالْقُرْآنِ، حَتَّى إِذَا عَرَفَ الإِسْلامَ، وَرَأَى عَلَيْهِ بَهْجَتَهُ اخْتَرَطَ سَيْفُهُ فَضَرَبَ بِهِ جَارَهُ، وَرَمَاهُ بِالْكُفْرِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْكُفْرِ، الرَّامِي أَمِ الْمَرْمِيٌّ؟ قَالَ: " بَلِ الرَّامِي ".
عباد الله: ولخطر الخوارج على الإسلام والمسلمين وصفهم النبي صلى الله عليهم وسلم بأنهم كلاب النار وأنهم شر الخلق والخليقة فقال : " الخوارج كلاب النار" وقال : "هم شر الخليقة" وتوعدهم بالقتل فقال : "  لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ "  ، ووصف قتلاهم بأنهم شر القتلى، وأثنى على من قاتلهم أو قتلوه ، فعن  عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنُهْ رَأَى رُءُوس الخوارج مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: " كِلَابُ النَّارِ كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثًا، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ. خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ، ثُمَّ قَرَأَ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} فقيل لِأَبِي أُمَامَةَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمْ " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ السَّمَاءِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ "
عباد الله : عليكم بجماعة المسلمين فالزموها واحذروا ممن يشق وحدة الصف ويكفر الأمة ويدعو لسفك دماء أبنائها قال تعالى : وإن هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ "
وقال صلى الله عليه وسلم: من خرجَ من الطاعة، وفارقَ الجماعة، فمات ماتَ ميتةً جاهليةً، ومن قاتلَ تحت رايةٍ عُمِّيََّة، يغضبُ لعُصبةٍ أو يدعُو لعُصبةٍ، أو ينصُرُ عُصبةً، فقُتِل فقِتلةٌ جاهليَّةٌ، ومن خرجَ عن أمَّتي يضرِبُ برَّها وفاجِرَها، ولا يتحاشَى من مؤمنِها، ولا يفِي لذي عهدٍ عهدَه فليس منِّي ولستُ منه».



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق