الجمعة، 13 مارس 2015

خطبة جمعة : حقوق الطريق

الخطبة الأولى  : أيها المسلمون : يقول الله عز وجل في محكم آياته { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }  قال ابن كثير – رحمه الله - في تفسير هذه الآية ( هذه أكبرُ نعم الله تعالى على هذه الأمة ، حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا جعله الله تعالى خاتم خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه ، ولا دين إلا ما شرعه .."أ.هـ

وأخرج الطبراني عن أبي ذر الغِفاري رضي الله عنه قال :( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علما . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار ؛ إلا وقد بين لكم "  

ومما بينه الله للأمة حق الطريق ، الذي يستخدمه العباد في مسيرهم اليومي ، وذلك لأن الطريق شركة بين الناس جميعا ، فلا يحق لأحد أفراد الناس أن يستأثر به دون الباقين من إخوانه. 

روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ. فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ .

كلماتٌ جامعةٌ من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- توضحُ لنا حقَّ الطَّريقِ الواجبِ علينا ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( اعطوا الطريق حقه ) أمر بمراعاة حقوقِ الطريقِ وآدابه والتي منها :
( كف الأذى ) فالمسلم مأمورٌ بأن يكفَ أذاهُ وشرهُ عن الآخرين قال صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار ) بل من صفات المسلم الصادق عدم إيذاء الآخرين قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ ). 

ويدخل في ذلك – أي في الإيذاء – عدم الاستخدام الأمثل للمركبات على الطريق ، فبتهور كثير من السائقين -هداهم الله- حصل كثير من أنواع الإيذاء للمسلمين ، فكم من دماء للمسلمين سفكت على قارعة الطريق ، فرملت زوجات ويتم أبناء وثكلت أمهات .

فَكَمْ مِنْ كَوَارِثَ أَفْجَعَتْ، وَأَرْوَاحٍ أُزْهِقَتْ، وَأُسَرٍ فَقَدَتْ عَزِيزًا عَلَيْهَا، وَإِعَاقَاتٍ مَسْتَدِيمَةٍ حَصَلَتْ، وَأَمْوَالٍ أُهْدِرَتْ، وَطُرُقٍ أُتْلِفَتْ، بِسَبَبِ الْحَوَادِثِ النَّاجِمَةِ عَنِ التَّفْرِيطِ وَالتَّسَاهُلِ، وعدم الالتزام بالهدي النبوي الشريف الذي يوجب على المسلم أن يعطي الطريق حقوقه. 

أيها المسلم: إن من نعم الله عليك أن يسر لك وسائل النقل لاستخدامها في حوائجك ، قال تعالى في بيان نعمته علينا  "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " 

فلا بد لهذه النعمة من الشكر لله -سبحانه وتعالى- وذلك بحسن استخدامها لما وضعت له ، فتتأدب بأدب الله  ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا ما ركبت دابتك قال تعالى " وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ" ، وعن علي بن ربيعة قال :  شهدت علياً -رضي الله عنه- وأتي بدابةٍ ليركبَها، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال :بسم الله . فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله . ثم قال :  سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون . ثم قال : الحمد لله ثلاث مرات ، ثم قال : الله أكبر ثلاث مرات . ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . ثم ضحك فقيل يا أمير المؤمنين : من أي شيء ضحكت قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال : إن ربك يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري . 

وفي هذا الذكر عند الركوب تبرك باسم الله تعالى في قولك : بسم الله ، ثم اعتراف بنعمة الله عليك أن يسر لك هذا المركوب في قولك : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين )  ، ثم إقرار بمصيرك إليه يوم القيامة وذلك في قولك ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون )   ، وفي نهايته طلب للمغفرة من الذنوب  ، فهو ذكر مبارك على المسلم أن لا يدعه عند ركوبه لمركبته .  

ومن تلكم الآداب التواضع وعدم الطيش في القيادة ، قال تعالى في وصف عباده المؤمنين  " وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " ، بل تعتبر القيادة بالسرعة الجنونية من البطر والمرح المنهي عنه والله يقول "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" 

فعلى المسلم الصادق أن يتأدب بالأدب الشرعي في حال قيادته لمركبته ،مراعيا حقوق العباد عليه، وأن يراعي النظم والقوانين التي سنتها الدولة لحفظ الأرواح والممتلكات ، وإن مراعاة هذه القوانين والنظم واجب شرعي على المسلم ، يجب عليه أن يتقيد به ويعمل به لقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ "   



الخطبة الثانية :قال عز وجل "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " ، قال أهل التفسير : ( ولا تقتلوا أنفسكم )  أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، ولا يقتل الإنسان نفسه . ويدخل في ذلك ، الإلقاء بالنفس إلى التهلكة ، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك . " إن الله كان بكم رحيما "  ومن رحمته ، أن صان نفوسكم وأموالكم ، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها ، ورتب على ذلك ، ما رتبه من الحدود " 

جماعة المسلمين : إن احترام الأنظمة التي سنتها الدولة لتنظيم السير والمرور في الدولة واجب شرعي على كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ، وإن مخالفتك أخي المسلم لهذه الأنظمة يوجب عليك عقوبتان ، عقوبة دنيوية تتثمثل في الغرامات المالية أو ما شابهها من العقوبات ، وعقوبة أخروية وهي حصولك على الإثم والسيئات. 

جماعة المسلمين : نداء للشباب خاصة ، اتقوا الله في أنفسكم ، اتقوا الله في آبائكم ، اتقوا الله في إخوانكم من المسلمين . لا تهلكوا أنفسكم وتهلكوا الغير بالتهور في القيادة ، فإن ذلك ليس من صفات المؤمنين . قال صلى الله عليه وسلم ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )  
 وإذا حصل لك حادث بسبب مخالفة أنظمة المرور فلا تخلوا من أحوال ، إما أن تصاب بإصابات خطيرة من كسور ورضوض وغيرها ربما جعلتك مقعدا لا تستطيع الحركة فخسرك أهلك ومجتمعك وخسرت نفسك لأنك أصبحت عالة على الناس ، وإما أن تقتل نفسك فتفجع والديك وتصيبهما بالحسرة والندامة ، وربما كتبت من المنتحرين ، لأنك قتلت نفسك بسرعتك الطائشة  ، وإما أن تصيب أو تقتل غيرك فتحمل نفسك العقوبة في الدارين من حبس ودية مسلمة لأهل الميت ثم كفارة ذلك صيام شهرين متتابعين ، وقد كنت السبب في حرمان عائلة من الأب الذي كان يعولها أو حرمت والدين من ابنهما الذي كانا ينتظرانه  .  

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ حِفْظَ الأَبْدَانِ وَالأَرْوَاحِ، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرَرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ فَقَالَ:« لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَنَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَإِخَافَتِهِمْ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَقَالَ :« لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الاِلْتِزَامَ بِقَوَانِينِ السَّيْرِ يُعَبِّرُ عَنْ رُقِيِّ ثَقَافَةِ السَّائِقِ، وَمَدَى احْتِرَامِهِ لِلنُّظُمِ وَالْقَوانِينِ، الَّتِي وُضِعَتْ لأَجْلِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَنَفْعِ الْعِبَادِ وَالْبِلاَدِ، وَحِفْظِ الأَنْفُسِ وَالأَرْوَاحِ، وَصِيَانَةِ الْمُنْشَآتِ وَالْمُمْتَلَكَاتِ، فَلْنَتَعَاوَنْ لِتَحْقِيقِ السَّلاَمَةِ الْمُرُورِيَّةِ مُمْتَثِلِينَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا
    خطبة مباركة وفقك الله

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا
    خطبة مباركة وفقك الله

    ردحذف