الخميس، 20 فبراير 2014

خطبة :من صفات المتقين

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين لقد أمر الله عباده بالتقوى فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " وبين عظم الجزاء لمن اتقى فقال : "تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا" ، ومن دخل الجنة فقد فاز قال تعالى "فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ" ، وقد ذكر الله في القرآن صفات المتقين الذين سيحوزون هذا الفضل العظيم، فينبغي للعاقل أن يتدبر هذه الصفات ويعمل بها لتكون طريقا يسلكه إلى رضوان ربه سبحانه وتعالى ونيل رحمته .

فمن صفات المتقين قول ربنا سبحانه وتعالى : " ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " فالمتقون يجمعون بين الإيمان والاعتقاد الصحيح من الإيمان بالغيب وبالرسل وما أنزله الله عليهم من كتب والإيمان باليوم الآخر وما يكون فيه من أحداث جسام، وبين العمل بالجوارح فيقيمون الصلاة كما أمرهم ربهم وينفقون مما رزقهم الله تعالى سرا وعلانية.

ومن صفات المتقين قول ربنا سبحانه وتعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ،الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ،وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"

فمن صفات المتقين أنهم ينفقون أموالهم للسائل والمحروم في حال عسرهم ويسرهم، وإذا حصل لهم أذية من غيرهم توجب غيظهم بما يدفعهم للانتقام بالقول أو الفعل، كظموا غيظهم ولم يعملوا بمقتضى الطباع البشرية، وَذَلِكَ هُوَ مُنْتَهَى الْحِلْمِ وَالْكَرَمِ، وَغَايَةٌ فِي تَحَمُّلِ الأَلَمِ وَالتَّغَاضِي عَنِ اللَّمَمِ، كُلُّ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكظم الغيظ مع القدرة على إنفاذه هو الشجاعة الحقيقة قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» ، وَثَمَرَةُ كَظْمِ الْغَيْظِ الْعَفْوُ عَنِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْكَرِيمَةِ لِلْمُتَّقِينَ التي ينالون بها درجة الإحسان في الدين ، وَانْظُرْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ عَفَا عَمَّنْ أَسَاءَ الأَدَبَ مَعَهُ، بَلْ وَأَحَسَنَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ"

فَمَا أَعْظَمَ خُلُقَ الْعَفْوِ وَأَكْرَمَهُ، وَمَا أَجْدَرَنَا أَنْ نَتَخَلَّقَ بِهِ مَعَ زَوْجَاتِنَا وَأَبْنَائِنَا وَأَرْحَامِنَا وَجِيرَانِنَا، وَمَعَ كُلِّ مَنْ حَوْلَنَا لِنَحْظَى بِشَرَفِ النِّسْبَةِ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَعْفُونَ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ "

  
الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : من صفات عباد الله المتقين أنهم " إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"  فإِذَا ارْتَكَبُوا مَعْصِيَةً مِنَ الْمَعَاصِي صغيرة أو كبيرة  تَذَكَّرُوا جَلاَلَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتَهُ، فَأَقْلَعُوا عَنْ ذُنُوبِهِمْ، ولم يصروا عليها بل َتَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَطَلَبُوا الْعَفْوَ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُمْ .

ثم ذكر الله الجزاء العظيم لمن اتصف بهذه الصفات فقال:  أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "

جماعة المسلمين : ومن صفات المتقين التي ذكرها الله في القرآن قول ربنا سبحانه:"وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "  فمن صفاتهم الوفاء بالعهود سواء مع الله سبحانه بالإيمان به وتوحيده وفعل الطاعات، أو كانت مع الخلق.

ومن صفاتهم الصبر في البأساء وهي حالة الفقر، لأن الفقير يحتاج إلى الصبر  على ما يتحصل في قلبه من الآلام بسبب حاجته وقلة ذات يده، وما يراه في يد غيره ولا يقدر على الحصول عليه. ويصبرون كذلك في حالة الضراء وهي المرض حيث يضعف البدن ويتألم، خصوصا إذا تطاول زمنه واشتدت علته.

ويصبرون كذلك حين البأس وهو وقت القتال ضد الأعداء الذين أمر بقتالهم، فلا يفر ويوليهم دبره، بل يقدم راجيا ثواب الله تعالى وتحقيق النصر للإسلام.

فإن اتصفوا بذلك فقد أثبتوا صدق إيمانهم وكانوا من المتقين حقا قال سبحانه : " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "


فلنسع رحمكم الله إلى التحلي بهذه الصفات والسجايا، لعل الله سبحانه أن يجعلنا من المتقين الفائزين برضوان الله ورحمته . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق