الجمعة، 10 أكتوبر 2014

الإسلام دين اليسر

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن من مقاصد الإسلام وحكمه التيسير ورفع الحرج والضيق عن الناس، فهو دين يكفل للناس أجمعين تحقيق السعادة والمنافع في الدارين، قال الله تبارك وتعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " قال أهل التفسير: "أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله "

فالتيسيرُ شِعَارُ الدين في العبادات والأخلاقِ والمعاملاتِ، وسِمَةٌ العاداتِ والعباداتِ، فهو خيرُ مَا يَدِينُ بهِ المسلِمُ ربَّهُ، قالَ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ" فالله سبحانه وتعالى شرع الدين وأمر به العباد دون أن يتضمن أية مشاق تخرج عن الاستطاعة بل متى ما وقعت المشقة وتحققت وجد التيسير، ولأجل ذلك اتفقت كلمة أهل العلم والدين على وضع قاعدة: المشقة تجلب التيسير ، وهذا من سماحة الإسلام ويسره ووسطيته.

قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ لَهَا الْعُسْرَ".  وَلَقَدْ أَرسَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم باليسر والسهولة قال صلى الله عليه وسلم:" بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ " وجَبَلهُ الله بأوصافِ الرحمةِ والتيسيرِ، فقالَ تعالَى:( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) قال السعدي رحمه الله: " فالله يسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا"  فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التخفيفَ والتيسير والتبشيرَ، ويقول: "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ"  أَيِ الشريعةُ السمحةُ السهلةُ فِي العمَلِ، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَين إِلَّا اختَارَ أَيْسَرهُمَا مَا لَمْ يَكُن إِثْمًا، فإِذا كَان إِثْمًا كَان أَبْعَد النَّاسِ مِنْهُ"  

 بل كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعثا أو أرسل رسولا إلى قوم أوصاهم بالتيسير، فلما بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لهما: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا"

جماعة المسلمين : لقد شمل التيسير كافة مجالات الدين فقَدْ يسَّرَ اللهُ عَلَى عبادِهِ فِي التكليفِ، ورَفَعَ عَنْهُمُ المشقَّةَ، قالَ اللهُ سبحانَهُ:( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقَدْ سهَّلَ القرآنَ الكريمَ لِلذِّكْرِ لِمَنْ أرادَ التذكُّرَ بهِ، قالَ سبحانَهُ:( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)

والصلاةُ عمودُ الدينِ، أوجبَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَى جميعِ عبادِهِ، وقَدْ رَاعَى التيسيرَ فِي أدائِهَا، فرخَّصَ للمسافِرِ قَصْرَهَا، وللمريضِ أَنْ يُصَلِّيَ بالهيئة التي يستطيعها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حينَ أصابَهُ مرَضٌ:" صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" ومعَ أهميةِ الصلاةِ ومكانَتِهَا فقَدْ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالتخفيفِ عَلَى المصلِّينَ فَقَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ" ويسر على المسافر فشرع له القصر والجمع، ويسر على من فقد الماء للوضوء بأن شرع له التيمم .

والصيامُ ركنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ، وقَدْ خُفِّفَ عَنِ المريضِ والمسافرِ، وأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أرادَ التطَوُّعَ بهِ أَنْ يعتدِلَ ولا يشدد على نفسه فيه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ أي لمن يزورك من الأضياف- عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»

والزكاةُ لَمْ تُفْرَضْ إلاَّ عَلَى مَنْ ملكَ النِّصَابَ، وحددها الله بمقدار لا يشق على الناس، وَفِي الحجِّ رَاعَى اللهُ تعالَى فيهَا أحوالَ الناسِ، فلَمْ يُكَلِّفْ بهِ إلاَّ القادرَ المستطيعَ . وقَدْ وضعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هديًا للناسِ فِي التَّدَيُّنِ، لاَ يشقُّونَ عَلَى أنفسِهِمْ، ولاَ عَلَى غيرِهِمْ قال صلى الله عليه وسلم:" خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا "



  
الخطبة الثانية : أيهَا المسلمونَ: إنَّ التيسيرَ لاَ يقتَصِرُ عَلَى العلاقةِ بينَ العبدِ وربِّهِ، بَلْ يشمَلُ كذلِكَ العلاقاتِ بينَ الناسِ معَ بعضِهِمْ، فالكلامُ هوَ وسيلةُ التواصلِ بينَهُمْ، ومَنْ أرادَ الوصولَ إلَى قلوبِهِمْ فعليهِ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بأيسَرِ الكلامِ، وقَدْ أرسلَ اللهُ تعالَى موسَى وهارونَ عليهِمَا السلامُ إلَى فرعونَ، فقالَ لهُمَا:( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) فإذَا كانَ هذَا معَ مَنْ قالَ:( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) فكيفَ بِمَنْ سجدَ لربِّهِ وقالَ: سبحانَ ربِّي الأعْلَى؟

وفِي العلاقاتِ الأُسَرِيَّةِ لَنْ ينالَ الابنُ بِرَّ والدَيْهِ حتَّى يترَفَّقَ معَهُمَا فِي الحديثِ، ويختارَ مِنَ الكلامِ ألْيَنَهُ، ومَنْ تعامَلَ معَ الناسِ فِي بيعٍ وشراءٍ، وجَبَ عليهِ أَنْ ينتهِجَ التيسيرَ هديًا لهُ،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»

ومَنْ كَانَ لهُ دَيْنٌ عَلَى الناسِ فَلْيُيَسِّرْهُ عَلَيْهِمْ لعَلَّ اللهَ أَنْ يُيَسِّرَ عليهِ، قالَ تعالَى:( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ لَا قَالُوا تَذَكَّرْ قَالَ كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَجَوَّزُوا عَنْهُ " رواه مسلم .

والتيسيرُ لاَ يعنِي تَتَبُّعَ الرُّخَصِ دون سبب معتبر أو دليل صحيح والتَّهاونَ بِشَرْعِ اللَّهِ تعَالَى، فَمَا أَمَرَ اللَّهُ سبحانَهُ بهِ فَهُوَ وَاجِبُ التنفيذِ والاتباعِ، ومَا نَهَى عنْهُ يَقْتَضِي الانتهاءَ والإقلاعَ، لكِنَّ الإسلامَ فِي أَمْرِهِ ونَهْيِهِ يُراعِي أَحْوَالَ الناسِ وقُدُرَاتِهِمْ، قالَ اللهُ تعالَى:( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»

واعلموا رحمكم الله أن التدين الصحيح: هو الذي يتميزُ بالاعتدالِ والوسطيةِ، والاتباعِ لا الابتداع، فلا غلوَّ ولا تفريط، ولا تشدَّدَ ولا تساهل، هذا هو الصراطُ المستقيم الذي ندعوا ربَّنا في كل صلاةٍ أن يهدينا إليه، ومعالمُ هذا الصراط تتبينُ من خلال نصوصِ الكتاب والسنةِ الصحيحةِ الثابتةِ عن الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وما سار عليهِ العلماءُ الربّابنيونَ الصالحون من سلفِ هذه الأمةِ رضوانُ الله عليهم، قال صلى الله عليه وسلم : "تركتُ فيكُم أمرينِ لنْ تضلّوا ما إِنْ تمسَّكتُم بهما: كتابُ الله وسنّتي" وقال: "أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ وإن كانَ عبداً حبشياً، فإنه مَنْ يعشْ منكُم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكُم ومحدثاتِ الأمور؛ فإن كلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة".


وقَدْ منَّ اللهُ تعالَى علينَا فِي دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ بِنِعَمِهِ الوافرةِ، فنحنُ نحيَا فِي خيرٍ واستقرارٍ ورغَدٍ مِنَ العيشِ، فلْنَشْكُرِ اللهَ عَلَى مَا خَصَّنَا بهِ مِنْ تمامِ فضلِهِ، وعَلَى مَا أنعَمَ بهِ علينَا مِنْ قيادةٍ رشيدةٍ، ووطَنٍ مُستقِرٍّ فِي مَأْمَنٍ مِنَ الفتَنِ وسَفْكِ الدماءِ وتدميرِ الأوطانِ، وتشريدِ الإنسانِ، كمَا يحدثُ فِي كثيرٍ مِنَ البلدانِ الأُخرَى، ولنحذر جحود النعم بمعصية الله تعالى، فإن النِّعمَ إذا شُكرت استقرَّت وزادت، وإذا جُحدت سُلبت وزالت، قال تعالى: (وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق