الجمعة، 31 أكتوبر 2014

الأسس الشرعية لحماية الشباب من الانحراف

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين ، اعلموا رحمني الله وإياكم أن الأمم والمجتمعات لا تستطيع المحافظة على استمرار وجودها وتقدمها ورقيها إلا بفضل إعداد أجيالها المتعاقبة الإعداد السليم المتكامل ، وبقدر ما تحافظ الأمم والشعوب على تربية هذه الأجيال على التمسك بدينها ومعتقداتها وأخلاقها ، بقدر ما تحافظ على بقائها وعلو شأنها ، لذلك وجهنا الإسلام إلى الاهتمام والعناية بالشباب وتنشئتهم تنشئة صالحة.

 فالشبابُ يُعتَبر ثروةَ الأمّة الغاليةَ وذخرَها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسه الشرُّ والفساد.
الانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّد مصيرُ الأمّة والمجتمع.

ولذلك إخواني في الله- حث نبينا صلى الله عليه وسلم على اغتنام مرحلة الشباب قبل المشيب قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظهُ : اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْل خَمْس , شَبَابك قَبْل هَرَمك , وَصِحَّتك قَبْل سَقَمك , وَغِنَاك قَبْل فَقْرك , وَفَرَاغك قَبْل شُغْلك , وَحَيَاتك قَبْل مَوْتك "  ، والغنيمة لا تكون إلا لشيء يخشى فواته وضياعه إن لم يتداك ويستغل.
وقد خُصت هذه المرحلة بالمسؤولية والسؤال عنها فروى الترمذي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ .

ومما لا شك فيه أن الواجب في هذه الأمة مشترك بين المسلمين جميعا شبابا وشيوخا ، ولكن خُص الشباب بالذكر لأنها مرحلة مهمة جدا في حياة المسلم نفسه ، وفي حياة مجتمعة المسلم ، فهم الذين يقومون بالواجب بعد رحيل الجيل الذي سبقهم .

جماعة المسلمين: لأجل أن يقوم الشباب المسلم بدوره الصحيح في المجتمع المسلم لا بد من إعداده الإعداد السليم، فقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى سلوك الطريق النبوي في تربية هذا النشئ ، بدءا من اختيارك لزوجتك الصالحة المؤمنة التي تعتبر بحق هي المدرسة الأولى لتربية الشباب منذ طفولتهم فتزرع فيهم الأخلاق الحسنة والمبادئ السامية فينشؤوا على أرض صلبة وأساس متين.
وقد ضربت نساء السلف أروع الأمثلة في ذلك ، فهذه أم سفيان الثوري تقول لولدها : يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي" فما هي النتيجة ؟ أصبح من أعلام الدنيا وأئمة الدين قال الذهبي في ترجمة الثوري: هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه"
وكذلك أبو حنيفة والشافعي وأحمد إنما قامت أمهاتهم على تربيتهم وتنشئتهم فأصبحوا أئمة الدنيا وأئمة الدين.

ومن الأمور التي تحصن الشباب وتربيهم التربية الحسنة تنشئتهم على العقيدة الصحيحة وربطهم بربهم سبحانه وتعالى ولقد رسم النبي صلى الله عليهم وسلم فيما رسم منهجاً واضحاً للآباء والمربين لتربية شباب الأمة المحمدية ممثلاً في ابن عمه الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال له ولم يتجاوز عمره آنذاك الخامسة عشر: ((يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"

فأول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة السليمة الموروثة عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين، وقوة الإيمان وصدق التعلق بالله وحده ، إن أولها حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده وحفظ أمره ونهيه، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها والتوكل عليه واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، يأتي كل ذلك أيها الأخوة ليكون دافعاً للشباب، وهو في فورته وطموحه وتكامل قوته، ليكون قوي العزيمة عالي الهمة ، ولما ثبتت هذه المعاني في نفوس الشباب من السلف برعوا رحمهم الله في العلم الصحيح فحفظوا القرآن الكريم ولما يبلغ أحدهم الثانية عشر من عمره ورحلوا في طلب العلم عند العلماء بلا طائرات ولا وسائل نقل حديثة بل إن أحدهم ليعمل أجيرا لدى القوافل مقابل أن ينقلوه إلى بلد فيها عالم يطلب العلم على يديه، كما فعل ذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، لكن اليوم انقلبت المفاهيم فأصبح هم الأسرة حصول الشاب أو البنت على شهادات العلوم الدنيوية ، وليس ذلك بعيب، لكن إذا أهمل تعلم الدين وأحكامه فلا خير في شهادات الدنيا ولو حصل عليها جميعها . قال تعالى "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"

والعلم الشرعي والعقيدة الصحيحة إنما تتلقى على أيدي الأمناء من علماء أهل السنة والجماعة الذين يربون الناس على صغار العلم قبل كباره ويربطون الأمة بالكتاب والسنة ولا يرتبطون بأحزاب ولا تنظيمات، قال أيوب السختياني: "إن من سعادة الحَدَث والأعجميّ أن يوفقهما الله لعالمٍ مِنْ أهل السنة " وقال عمرو بن قيس الملائي: "إذا رأيت الشاب أوّل ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايْأس منه؛ فإنّ الشاب على أوّل نشوئه"
فالناس لا يزالون بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم فإن أخذوه عن أصاغرهم هلكوا ، والأصاغر هم علماء السوء من أهل البدع والضلالات، وإذا ما انفصل الشباب عن العلماء الربانيين وارتبطوا بعلماء السوء وعلماء الفضائيات تلقفتهم التيارات المنحرفة من خلال الجرائد أو الفضائيات أو الإنترنت فأصبحوا لقمة سائغة لأصحاب الأغراض السيئة  .
فعلموا أولادكم العلم الشرعي الصحيح وربوهم على الولاء والانتماء للبلاد وولاة الأمر، وحذروهم من مسالك الشيطان وطرق الغواية تفلحوا في الدارين.

  

الخطبة الثانية : عباد الله من أسس تربية الشباب وحفظهم حفظ شهواتهم وعرائزهم،  ها هو نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ينادي شباب أمته جميعا ليوجههم إلى حفظ شهواتهم وغرائزهم حتى لا يسقطوا في وحل الإثم والمعصية فقَالَ صلى الله عليه وسلم ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) 
ومن المنهج النبوي في تربية الشباب ذكورا كانوا او إناثا تعويدهم على العبادة منذ نعومة أظفارهم قال صلى اللهعليه وسلم (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) فبالرغم من أن ابن السابعة ليس مكلفا بالواجبات ولكنه يؤمر بالصلاة لأجل أن يعتادها ويألفها فتنطبع في ذهنه ، وذلك لأن الصلاة فيها سر عظيم في تربية النشء على الإسلام الصحيح قال تعالى في ذلك " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " .
ثم قال صلى الله عليه وسلم (وفرقوا بينهم في المضاجع ) أي لا تتركوهم ينامون تحت غطاء واحد أو على فراش واحد خشية أن يطلع بعضهم على عورات بعض فتقع الفتنة التي لا تحمد عاقبتها .
ثم اعلم أيها المربي ، وأنت أيها الشاب ، إنَّ نشأة الشاب على طاعة الله ورسوله سبب لتحصيل الأجر العظيم عند الله، فروى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ  .." قال ابن حجر رحمه الله (خَصَّ الشَّابّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّة غَلَبَة الشَّهْوَة لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّة الْبَاعِث عَلَى مُتَابَعَة الْهَوَى ; فَإِنَّ مُلَازَمَة الْعِبَادَة مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلّ عَلَى غَلَبَة التَّقْوَى ".
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى شَبَابِنَا مِنْ أَسْمَى الْمُهِمَّاتِ، وَآكَدِ الْوَاجِبَاتِ، لاَسِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ مَعَ انْتِشَارِ الأَدَوَاتِ الْحَدِيثَةِ، الَّتِي تُسَاهِمُ فِي سُرْعَةِ انْتِقَالِ الْمَعْلُومَاتِ الْمَغْلُوطَةِ، وَقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا عَلَى الْعُقُولِ وَالأَفْكَارِ، مِمَّا يُعَرِّضُ الشَّبَابَ لِلاسْتِغْلاَلِ وَالتَّلاَعُبِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْضَى وَأَصْحَابِ الشُّبُهَاتِ، فَيُوقِعُهُمْ فِيمَا يَعُودُ بِالضَّرَرِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى دِينِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَدُوَلِهِمْ، حَيْثُ يَتِمُّ التَّغْرِيرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ وَاسْتِغْلاَلُهُمْ لِهَدْمِ اسْتِقْرَارِهِمْ، بِزَعْمِ تَحْقِيقِ الْحُرِّيَّةِ وَنُصْرَةِ الإِسْلاَمِ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهَا مُغَالَطَاتٌ وَتَضْلِيلٌ، وَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْذُلَ الأَسْبَابَ الَّتِي تَحْفَظُ شَبَابَنَا مِنَ الأَفْكَارِ الدَّخِيلَةِ، فَإِنَّ الْوِقَايَةَ خَيْرٌ مِنَ الْعِلاَجِ.
وَعَلَيْكُمْ معاشر الشباب أَنْ تَتَحَرَّوْا الَّذِي يَنْفَعُكُمْ، وَلاَ تَنْخَدِعُوا بِالإِشَاعَاتِ، وَلاَ تَغْتَرُّوا بِكُلِّ مَعْلُومَةٍ مَنْشُورَةٍ فِي الشَّبَكَاتِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاِجْتِمَاعِيِّ، لاَسِيَّمَا فِي بَابِ الْفَتْوَى وَالْخِطَابِ الدِّينِيِّ، فَلَيْسَ كُلُّ مَا يُنْشَرُ صَوَابًا، وَاحْذَرُوا مِنَ الصَّوْتِيَّاتِ وَالْمَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَضُرُّ بِكُمْ، وَتَتَلاَعَبُ بِعَوَاطِفِكُمْ، وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يُوَظِّفُونَ الشِّعَارَاتِ الْبَرَّاقَةَ لِخِدَاعِكُمْ، فَلَيْسَ كُلُّ مُدَّعٍ نُصْرَةَ الإِسْلاَمِ نَاصِرَهُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق