الخميس، 30 أبريل 2015

خطبة جمعة : من أسباب انشراح الصدر

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أنَّ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ وَاطْمِئْنَانَ الْقَلْبِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ وَأَنْفَسِ الْغَايَاتِ، فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى فِي دُنْيَاهُ إِلَى طَلَبِ السَّعَادَةِ وَالاِسْتِقْرَارِ، وَاجْتِنَابِ الْهُمُومِ وَالأَكْدَارِ، وَلِذَا كَانَ مِنْ أَخَصِّ دُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة السَّلاَمُ فِي مُنَاجَاةِ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أَيْ وَسِّعْهُ لِي وَنَوِّرْهُ بِالْإِيمَانِ. وَهِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).

 وَانْشِرَاحُ الصَّدْرِ مِفْتَاحُ النَّجَاحِ، فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَقَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَمَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ؛ تَنَغَّصَ عَيْشُهُ، وَاضْطَرَبَ حَالُهُ، وَقَدْ ذَكَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ). 

وانشراح الصدر وطيب النفس وراحتها من النعيم الذي يمتن الله به على العبد،  روى البخاري في الأدب المفرد عن مُعَاذ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ، وَهُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ، فَظَنَنَّا أَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» ، ثُمَّ ذُكِرَ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ»

عباد الله : وإذا كان للناسِ في أسبابِ تحقيقِ انشراحِ الصدر مذاهبُ واتجاهاتٌ شتَّى؛ فإن للصفوةِ المتَّقين أولي الألباب من المعرفةِ الراسخةِ بأسبابِ ذلك وبواعِثِه ما يجعلُ سبيلَهم إليه أقومَ السُّبُل وأهداها وأحراها ببُلوغِ الغايةِ فيه؛ لأنه سبيلٌ مضى عليه وأرشدَ إليه رسولُ الهُدى صلوات الله وسلامه عليه، وهو الحريصُ علينا، الرؤوفُ الرحيمُ بنا، والذي كان صلوات الله وسلامه عليه أشرحَ الخلقِ صدرًا، وأطيبَهم نفسًا، وأنعمَهم قلبًا؛ لِمَا جمَعَ اللهُ له من أسبابِ شرحِ الصدر، مع ما آتاه من النبُوَّة والرسالة عليه أكمل الصلاة وأتم السلام.

فانْشِرَاحُ الصَّدْر يحتاج من العبد بتوفيقٍ من الله ومنّ وتسديدٍ وعوْن إلى أسبابٍ لابد أن يعمل العبد على بذلها وتحقيقها لينال هذه الخصلة الكريمة .

ومن أعظم أسباب انشراح الصدر معاشر المؤمنين : توحيد الله وإخلاص الدين له ، والبراءةُ من الشرك والبُعد عنه ؛ دقيقه وجليله ، كبيره وصغيره ؛ فإن التوحيد أعظم سببٍ لانشراح الصدر ، وضده وهو الشرك بالله أعظم سببٍ لظلمة الصدر وكآبته وضيقه وعذابه. قال تعالى : "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" 

ومن أسباب انشراح الصدر اتباع سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولزوم نهجه القويم واقتفاء هديه صلى الله عليه وسلم ، كيف لا !! وهو اتباعٌ لأشرح الناس صدرا ، وأطيبهم خُلُقا ، وأجملهم سيرةً وأزكاهم سريرة ، قال ابن القيم رحمه الله: وأكمل الخلق متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أكملهم انشراحا ولذة وقرة عين، وعلى حسب متابعته ينال العبد من انشراح صدره وقرة عينه ولذة روحه ما ينال " ا.هـ

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة عاش سعيدا ومات سعيدا وحشر يوم القيامة سعيدا، قال تعالى :"يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" قال ابن عباس رضي الله عنها:حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وأولوا العلم" ويشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمئون بعدها أبدا، ويستظلون تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله.

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة صحت عقيدته فسلم قلبه من الأمراض والأسقام، قال تعالى :"يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ،إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" والقلب السليم هو الذي خلا من الشرك بأنواعه، والبدعة ومخالفة السنة، وترك شهوات الدنيا وأقبل على الله، فهذا القلب يعيش سعيدا منعما.

ومن وحدّ الله واجتنب الشرك، واتبع السنة واجتنب البدعة اطمأن قلبه عند الموت، وانشرح صدره لما هو مقبل عليه من أهوال وكربات قال تعالى :" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ"، قال صلى الله عليه وسلم وهو يصف الموت وفتنة القبر في حديث البراء بن عازب: " فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه، ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عزوجل (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا)، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: ابشر بالذي يسرك، ابشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرا، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت، الله، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهل ومالي، (فيقال له: اسكن)"

ما أجملها من لحظات، يا ليت شعري كيف يكون قلب العبد وهو يرى ذلكم النعيم الذي ينتظره، وقد أنجاه من فتنة القبر وعذابه.

جاء في سير أعلام النبلاء عَنْ يَحْيَى بنِ عَوْنٍ, قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ سَحْنُوْنَ –وهو من علماء المالكية- عَلَى ابْنِ القَصَّارِ، وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا القَلَقُ? قَالَ لَهُ: المَوْتُ وَالقُدُوْمُ عَلَى اللهِ. قَالَ لَهُ سَحْنُوْنُ: أَلَسْتَ مُصَدِّقاً بِالرُّسُلِ وَالبَعْثِ وَالحِسَابِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمُرُ, وَالقُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَنَّ اللهَ يُرَى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، وَلاَ تَخْرُجُ عَلَى الأَئِمَّةِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ جَارُوا. قَالَ: إِيْ وَاللهِ. فَقَالَ: مُتْ إِذَا شِئْتَ, مُتْ إِذَا شِئْتَ.
فاللهم أحينا على التوحيد والسنة ، وأمتنا على التوحيد والسنة  وقنا عذاب القبر وفتنته ويسر حسابنا يوم نلقاك .


الخطبة الثانية : عباد الله ومن أسباب انشراح الصدر تعلُّم العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكلما زاد العبد تحصيلاً لهذا العلم متقرباً بتحصيله إلى الله زاد انشراح صدره وصلاح حاله ، وضده وهو الجهل، ظلمةٌ في القلب وكآبة في الحال.
ومن أسباب انشراح الصدر الإنابة إلى الله وحُسنُ الإقبال عليه جل في علاه ومحبته والتلذذ بعبادته وطاعته ؛ فإن الطاعة والعبادة راحة القلوب وأُنس النفوس وقرَّة العيون وسعادة الصدور ، ومن أخص العبادات التي تشرح الصدر وتريح القلب الصلاة وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول : ((يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ)) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ )) ، فَالصَّلاَةُ سَكِينَةٌ لِلرُّوحِ، وَانْشَرَاحٌ لِلصُّدُورِ، فَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ- أَيْ نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ أَصَابَهُ غَمٌّ- صَلَّى. فَبِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ، وَبِقُرْبِهِ يَأْنَسُ الْقَلْبُ، وَلاَ سِيَّمَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، حِينَ يَخْلُو الْمُؤْمِنُ بِرَبِّهِ، فَيَشْكُو لَهُ هَمَّهُ، وَيَبُثُّهُ مَا أَغَمَّهُ، فَلاَ يَنْصَرِفُ الْمَرْءُ مِنْ صَلاَتِهِ؛ إِلاَّ وَقَدْ شَرَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ صَدْرَهُ، وَأَرَاحَ قَلْبَهُ،  وعموم الطاعات -عباد الله- راحةٌ وسعادةٌ وأُنسٌ وطمأنينة .

ومن أسباب انشراح الصدر وحصول السعادة : دوام ذكر الله جل وعلا ؛ فإنَّ ذكره سبحانه طمأنينة القلوب وراحة الصدور ، قال الله تعالى : "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"

وَالدُّعَاءُ مِنْ مَفَاتِيحِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَتَفْرِيجِ الْهَمِّ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاَءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي. إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ:« بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»
روي عن ابن عون أنه قال: ذكر الناس داء، وذكر الله دواء. قال الذهبي في السير معلقا : قلت: إي والله، فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء ؟ ! قال الله تعالى: (فاذكروني أذكركم) (ولذكر الله أكبر) ، وقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله. ومن أدمن الدعاء ولازم قرع الباب فتح له " ا.هـ

ومن أسباب انشراح الصدر الإحسان إلى عباد الله { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] ؛ الإحسان إليهم سواءً بالجاه أو المال أو النفع البدني أو نحو ذلك ، فإن من كان محسناً لعباد الله جازاه الله تبارك وتعالى بشرح صدره وتيسير أمره وحُسن عاقبته ومآله ، أما البخيل الشحيح فإنه من أضيق الناس صدرا وأكثرهم همًّا وغمّا وأنكدهم معيشة .

قَالَ تَعَالَى:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للبخيل والمتصدق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ إِذَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَةٍ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَإِذَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِصَدَقَةٍ تَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ وَانْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا قَالَ فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيَجْهَدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ " متفق عليه

ومن أسباب انشراح الصدر إبعادُ أدواء القلوب وأسقامها ، وهي أدواء كثيرة ؛كالحسد والغل والحقد ونحو ذلك ، فإن هذه الخصال الذميمة والأدواء المشينة إذا دخلت إلى القلوب أعطبتها ، وإذا وصلت إلى الصدور أظلمتها ، وترتب عليها ضيق صدر صاحبها وكآبة حاله وسوء عاقبته ومآله .

ومن أسباب انشراحه صيانة اللسان من الكلام بالحرام ، وصيانة الأذن من سماع الحرام ، وصيانة النظر من النظر إلى الحرام ؛ فإنَّ فضول السمع والبصر والكلام مضراتٌ بصاحبها إضراراً عظيما ، وهي مجلبةٌ للهموم والغموم وتترتب عليها من العواقب الوخيمة ما لا يحمده الإنسان في دنياه وعقباه

قال ابن حزم - رحمه الله -: "فكرت في سعي العقلاء، فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا في الأكل والشرب، وهذا في التجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا في اللغو واللعب، وغير ذلك، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقًا موصلًا إليه، ولعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده، وإنما الإقبال على الله وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء ضده، فليس للعبد أنفع من هذا الطريق، وأوصل منه على لذته، وسعادته"

فأقبلوا على ربكم وسنة نبيكم تنالوا السعادة في الدارين . 



هناك تعليقان (2):