الخميس، 16 يناير 2014

محبة المسلم لنبيه صلى الله عليه وسلم

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين اعلموا رحمكم الله أن محبة المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عرى الإيمان وأسسه العظيمة، ومن أعظم القُرَب وأجلِّ الطاعات، بها يجد المسلم حلاوة الإيمان في قلبه، فعَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ... " 
ولاَ يَكْمُلُ إِيمَانُ العبد، إِلاَّ إِذَا أحبه أَكْثَرَ مِنْ حبه لنفسه وولده ووالده والناس أجمعين، قَالَ نبينا صلى الله عليه وسلم :« لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». 

فالنبي صلى الله عليه وسلم " أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" فبه أخرج الله العباد من ظلمات الشرك والجاهلية إلى نور التوحيد والهداية والعدالة، قال سبحانه " هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ" .

"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" لشفقته عليهم ورحمته بهم وقد قال سبحانه في وصفه "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"

"النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" لأنه أعظم الخلق مِنَّةً عليهم، من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير، ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر، إلا على يديه وبسببه"  ولأجل ذلك ولغيره كانت محبته علامة على صدق الإيمان به

أيها المسلمون: ولما كان لكلِّ دعوى لابد فيها من برهان يدل على صدقها، فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلَّم لابد لكل من ادَّعاها لنفسه أن يحقِّق العلامات والبراهين الدالة على صدق المحبة وثبوتها وتحقُّقها ، وأعظم علامة  تدل على ذلكم : اتباعُ هديه ولزومُ نهجه والتمسكُ بسنته صلوات الله وسلامه عليه، روى الطبراني عن أبي قُرَادٍ السُّلَمِيّ رضي الله عنه قال : «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِطَهُورٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ ثَمَّ تَوَضَّأَ ، فَتَتَبَّعْنَاهُ فَحَسَوْنَاهُ» ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ((مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا صَنَعْتُمْ ؟)) قُلْنَا  «حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ : ((فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُحِبَّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ فَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ ، وَاصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَحْسِنُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ )) ؛ فبيَّن عليه الصلاة والسلام أن محبته صلى الله عليه وسلم عملٌ واتِّباع واهتداءٌ واقتداء بهديه القويم ونهجه المبارك عليه صلوات الله وسلامه. 

وأعظم الناس حبا للنبي صلى الله عليه وسلم هم صحابته الكرام، ففي سيرتهم من قصص الاتباع ما يدل المؤمن اللبيب على علامة المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم. 

وفي اتباع سيرته وسنته النجاة والهداية في الدارين، وقال قال تعالى : " وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا" ، وفي اتباعه دليل على صدق محبة العبد لربه سبحانه وتعالى ، قال سبحانه : "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" قال المفسر ابن كثير رحمه الله : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله.." ، وقال ابن تيمية رحمه الله: " السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الضلالة والشقاء في مخالفته" 
فمن أحب هذا النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه في جميع شؤون حياته، في عبادته فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم  ، يتبعه في تعامله مع الخلق، فهو الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي رِعَايَتِهِ لِلضُّعَفَاءِ، وَحُنُوِّهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَتَفَقُّدِهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَعِنَايَتِهِ بِالْبِيئَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ، وَرَحْمَتِهِ بِالْحَيَوَانَاتِ.

المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه في تعامله مع أهله وأولاده وزوجته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " 

المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه في بيعه وشرائه، في أقواله وأفعاله، المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمره عظمه وتلقاه بصدر منشرح بلا ضيق ولا حرج بل يبادر إلى تطبيقه، قال تعالى : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " 

فمن الجفاء في المحبة أن تعامل أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالمجادلة والتشكيك، أو بالتكاسل والإهمال .

وتأملوا رحمكم الله إلى هذه القصة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ – هذه الليلة التي وصفها الله بقوله : "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا / هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" – يقول حذيفة :  وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ – أي شديدة البرودة- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ . ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ.  ثُمَّ قَالَ أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ فَقَالَ: قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ . فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ . .. فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ – أي ذهب شعوري بذلك البرد -حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ –أي رجع الشعور بالبرد- 

فانظروا رحمكم الله إلى سرعة استجابة المؤمن لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مع ما يكره، ثم تأملوا بركة تطبيق السنة، إذ أحس حذيفة بالدفيء الشديد في الليلة شديدة البرد، فلما قضى ما أمر به عاد البرد الشعور بالبرد إليه.. 

عبد الله يقول ربنا سبحانه وتعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " 


الخطبة الثانية : عباد الله : روى الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : ((كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ – صلوات الله وسلامه عليه- فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ- وهي النوق الحوامل- حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ )) . تأمل أيها المؤمن - رعاك الله - هذا الحديث العظيم الذي يحرك القلوب الغافلة والنفوس المعرِضة مبيِّناً المكانةَ العظمى والمنزلةَ العالية لهذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ؛ حتى إن جذع نخلةٍ كان يقوم إليه النبي عليه الصلاة والسلام فيسمع ذلك الجذعُ حديثَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلما ابتعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك الجذع وأخذ يخطب على المنبر حنّ ذلك الجذع وصار له صوتٌ كصوت العشار ، وجاء في بعض الروايات أن الجذع ((جَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ)) جذعُ نخلةٍ يحن إلى أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكيف عباد الله بالإنسان المؤمن ؟! كان الحسن - رحمه الله تعالى وهو من أئمة التابعين - إذا حدّث بهذا الحديث بكى ثم قال رحمه الله : " يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شوقاً إليه لمكانته من الله عز وجل فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه "

أيها المسلمون : من علامة محبة العبد لنبيه صلى الله عليه وسلم  الإكثار من ذِكره صلى الله عليه وسلم فإنَّ الله أعلى شأنه ورفع مقامه ورفع ذكره، فلا يُذكر سبحانه وتعالى إلا ويُذكر معه عليه الصلاة والسلام ، ولاسيما في أشرف المقامات وأرفعها كالأذان والإقامة والتشهد ونحو ذلك . والإكثار من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام يكون بذكر مناقبه العظيمة وشمائله المباركة وأخلاقه الشريفة وآدابه الفاضلة وسيرته العطرة وسنته المباركة صلوات الله وسلامه عليه ، مع الإكثار من الصلاة والسلام عليه صلوات الله وسلامه عليه في كل مرة يُذكر فيها صلى الله عليه وسلم .

ومن علامات المحبة ودلائلها : محبة رؤيته عليه الصلاة والسلام ومودَّة ذلك والرغبة الشديدة فيه ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ)) 

ومن علامات المحبة : الحذر من الغلو فيه صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن ذلك وحذَّر منه أشد التحذير ، والأحاديث في ذلكم كثيرة ، روى الحاكم في مستدركه عن يحي بن سعيدٍ قال : « كُنَّا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَرْفَعُونِي فَوْقَ قِدْرِي ، فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي عَبْدًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَنِي نَبِيًّا)) » 
فلنحذر من الغلو بكافة صوره وجميع أشكاله ولنحرص على الاتباع لهدي نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والملازمة لسنته والبعد عن البدع والأهواء . 



ملاحظة : اقتبست بعض الفقرات في هذه الخطبة من بعض خطب الشيخ عبد الرزاق البدر - حفظه الله-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق