الخميس، 30 يناير 2014

خطبة جمعة : قال تعالى : " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها "

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين قال ربنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " فيخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه بأن له أسماء وصفها بأنها حسنى، قد بلغت من الحسن غايته، فليس في الأسماء أحسن منها، لأنها كلها أسماء مدح وثناء وتمجيد،  تدل على صفات كمال لله تعالى ،قال تعالى : " وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ"

أيها المؤمنون : بالأسماء الحسنى يتعرف العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، فتزداد خشيته لربه، ويقبل على عبادته، ويحبه ، وكلما قويت هذه المعرفة في العبد عظم إقباله على الله واستسلامه لشرعه ولزومه لأمره وبعده عن نواهيه ، وقد قال ربنا عز وجل : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " قال ابن كثير-رحمه الله- : " إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر" ا.هـ
 والسير إلى الله من طريق الأسماء الحسنى والصفات شأنه عجيب، فصاحبه قد سيقت له السعادة من غير تعب مرهق، ولكن للأسف غالب الناس في بعد عن تعلم هذا العلم، مع أن معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أفضل العلوم وأشرفها، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم فيها هو الله سبحانه وتعالى، ومن حرم هذا العلم فهو محروم حقا ، كما قال بعض السلف : مَسَاكِينُ أَهْل الدُّنْيَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا ذَاقُوا أَطْيَبَ مَا فِيهَا، قَالُوا: وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: معرفة الله، ومَحَبَّتةُ، وَالْأُنْسُ بِهِ، وَالشَّوْقُ إِلَى لِقَائِهِ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ " ، وسبيل هذه المعرفة يكون باستحضار الأسماء الحسنى وحفظها وظهور أثرها على العبد، فإذا حقق العبد ذلك نال الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " ومعنى إحصاؤها إحصاء ألفاظها وحفظها، وفهم معانيها ومدلولاتها، ودعاء الله بها، فإذا حقق العبد هذه الأمور تحقق له الإحصاء الوارد في الحديث.

وأسماء الله الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد معين، بل هي أكثر من تسعة وتسعين اسما، فروى أحمد في المسند من حديث عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا " فدل الحديث على إثبات أسماء لله تعالى قد استأثر بها في علم الغيب فلم يطلع عليها أحدا من الخلق إلا أن يشاء الله، كما ورد في حديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي"

جماعة المسلمين : لهذه الأسماء الحسنى والصفات العليا آثارها التي ينبغي أن تظهر على العبد في عبوديته لربه سبحانه وتعالى ، فإذا علم العبد أن الله سميع بصير كما قال سبحانه : "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فلا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات والأرض، يعلم السر وأخفى، بل إن جميع العباد لو وقفوا في صعيد واحد وسألوا الله عز وجل في لحظة واحدة وبِلُغات مختلفة ولهجات متباينة، لسمِع الله عز وجل أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوت بصوت ولا حاجة بحاجة ولا لغة بلغة ، وانظر ذلك في قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه حيث يقول تعالى : ((يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))، وجاءت المرأة المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لتشتكي إلى الله وكانت تشتكي زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة - رضي الله عنها - في البيت فتقول عائشة : ((تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ ، إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُنَاجِي رَسُولَ اللهِ ، أَسْمَعُ بَعْضَ كِلامِهَا وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضٌ إِذْ أَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ "

فإذا علم العبد ذلك حق العلم أورثه الخشية من ربه، فلا يراه حيث نهاه، ولا يسمع منه إلا ما يرضيه، ذكر ابن رجب رحمه الله : أن رجلا راود امرأة في صحراء في ليل دامس فأبت، فقال لها : ما يرانا إلا الكواكب، فقالت : فأين مكوكبها ؟ أين الله ألا يرانا فمنعها هذا العلم من اقتراف الذنب والوقوع في الخطيئة .

وإذا علم العبد أن الله هو النافع الضار المعطي الرازق المحيي المميت، أثمر له ذلك عبادة التوكل عليه باطنا وظاهرا.

وإذا علم العبد أن الله تواب رحيم يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئآت، أثمر له ذلك رجاء في ثواب الله تعالى ، والطمع فيما عنده،  والتوبة بعد المعصية، ومحبة في قلبه لربه.

وبهذا يعلم أن العبودية بجميع أنواعها راجعة إلى مقتضيات الأسماء والصفات، ولهذا يتأكد على العبد أن يعرف ربه ويعرف أسماءه وصفاته معرفة صحيحة يترتب عليها العلم بما تضمنته من موجبات وآثار .
فنسأل الله جلّ وعلا أن يبصِّرنا وإياكم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل
  
الخطبة الثانية 
عباد الله : لقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى استعمال الأسماء الحسنى في دعائه وسؤاله فقال : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " فَيُطْلَبُ بِكُلِّ اسْمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ، تَقُولُ: يَا رَحِيمُ ارْحَمنِي، يَا غَفُورُ اغْفِرْ لِي، يَا رَزَّاقُ ارْزُقْنِي، يَا هَادِي اهْدِنِي. وَإِنْ دَعَوْتَ بِاسْمٍ عَامٍّ قُلْتَ: يَا اللَّهُ، فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِكُلِّ اسْمٍ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللَّه تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ:« يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: تَدْرُونَ بِمَا دَعَا؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:( وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ العَظِيمِ، الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى)

عباد الله : كما حذر سبحانه في الآية من الإلحاد في أسمائه فقال : " وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " والإلحاد في أسماء الله سبحانه يكون بالميل بها عن معانيها الصحيحة وتأويلها بالمعاني الفاسدة، فقد توعد الله سبحانه وتعالى من فعل ذلك، وانظروا رحمكم الله- إلى الوعيد الذي يلحق من انتقص شيئا من أسماء الله تعالى ومعانيها قال تعالى : " وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ  " فلما ظنوا أن علم قاصر وناقص عن إدراك ما يعلمه هؤلاء القوم، مع أن علم الله محيط بكل شيء وبكل عمل، أصبحوا من الخاسرين.

 ولأجل ذلك قال أهل العلم إن الله سبحانه وتعالى إنما يسمى ويوصف بما ورد في كتابه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز ذلك، قال الإمام أحمد : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث "

كما ينبغي أن يعلم أن هذه الأسماء والصفات يُثبت لفظها ومعناها ولا يسأل عن كيفيتها وماهيتها، من غير تمثيل ولا تشبيه بشيء من المخلوقات، فالله سبحانه : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " وقال سبحانه " ولم يكن له كفوا أحد" أي ليس له ند ولا مثيل، فالله سبحانه يتكلم ويرضى ويغضب ويسخط، ويحب ويكره، مستو على عرشه، عال على خلقة، ينزل كل ليلة في الثلث الآخر من الليل فيقول: مَنْ يدعوني فأستجيبَ له؟ مَنْ يسألُني فاُعْطِيَه؟ مَنْ يَستغفِرُني فاغْفِرَ له؟ ، بهذا جاءت النصوص الشرعية فنثبت هذه الصفات كما جاءت في لفظها ومعناها، ولا نحرفه ألفاظها ولا معانيها، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق