الخميس، 19 فبراير 2015

خطبة جمعة :فضل قراءة القرآن وتعلمه

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين قَالَ الله تبارك وتَعَالَى:(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ أَنْ أَنْزَلَ إِلَيْهِمُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، فَهُوَ النِّعْمَةُ الْعُظْمَى، وَالْفُرْقَانُ الْمُبِينُ، وَمَوَاعِظُهُ لأَمْرَاضِ الْقُلُوبِ شَافِيَةٌ, وَأَدِلَّتُهُ لِطَلَبِ الْهُدَى كَافِيَةٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا).

هذا الكتابُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، وفُصِّلَتْ كلماتُهُ، وحُفِظَتْ مِنْ عَبَثِ العابثينَ، وتحريفِ الْمُحَرِّفينَ، قالَ تعالَى:( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ، سَمَّاهُ اللهُ تعالَى بأسماءٍ كريمةٍ، ووصفَهُ بصفاتٍ حكيمةٍ، فهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وهوَ الشفاءُ النافِعُ، والدواءُ الناجِعُ، عِصْمةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بهِ، ونجاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ
فَالْقُرْآنُ نُورٌ يَهْدِي الْقُلُوبَ، وَيُنِيرُ الْبَصَائِرَ وَالْعُقُولَ، وَيَمْحُو الْجَهَالَةَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).

سمعته الجن فأعجبوا به وعلموا أنه يدعو للهداية قال تعالى:" قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا "
واجتمع الجن مرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن قال تعالى : "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ"

فالقرآن مَنْهَجُ حَيَاةٍ، وَمَنْبَعُ حَضَارَةٍ، يَدْعُو لِلأَخْلاَقِ الْكَرِيمَةِ، وَالْمَبَادِئِ الْقَوِيمَةِ، وَيُحَقِّقُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّعَادَةَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ الْكَرِيمَ:( طَهَ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى). أَيْ: لَمْ نُنْزِلْ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَتْعَبَ وَتَشْقَى، بَلْ لِنَجْعَلَكَ أَسْعَدَ بَنِي آدَمَ.

وقد يسر الله تلاوته وحفظه وتدبره فقال سبحانه : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في فضيلة من تعلم القرآن :«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ تِلاَوَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هِيَ التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ، وَالْغَنِيمَةُ الْبَاقِيَةُ، فَهَنِيئًا لِمَنْ ظَفَرَ بِهَا، وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).

فَالتَّمَسُّكُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإعْمَارُ الأَوْقَاتِ بِتِلاَوَتِهِ وَسَمَاعِهِ، سَبَبٌ لِلْفَوْزِ بالْمَنَازِلِ الْعَالِيَةِ فِي الْجَنَّةِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا».  قال بعض شراح الحديث:وصاحبُ القرآنِ هُوَ مَنْ يُلَازِمُهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَمَلِ.

وَاعْلَمُوا أَنَّ تِلاَوَةَ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نَيْلِ رُضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً».

وفي ذلكم اليوم العظيم الذي تقترب فيه الشمس من الرؤوس ويلجم العرق الناس، يأتي القرآن شفعيا لأصحابه، فعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ " أي السحرة . رواه مسلم.   

وأهل القرآن هم أهل الله سبحانه وتعالى قال صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ:« هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ».

وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَسُولُنَا الْكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم مَا فِي تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ ثَوَابٍ مُضَاعَفٍ جَزِيلٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ (ألم)حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ».

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الرَّاغِبُ فِي الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، اجْعَلِ الْقُرْآنَ جَلِيسَكَ وَأَنِيسَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَفْضَلُ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَأَجَلُّ مَا تَنَافَسَ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ، فَيَا فَوْزَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ تِلاَوَتِهِ، وَصَبَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَإِتْقَانِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ».

بل إن في تعلم القرآن أجر وفضيلة تعلو وتزيد على أنفس الأموال وأغلاها ثمنا في الدنيا، فروى مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ :خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ والناقة الكوماء هي العظيمة السنام وهي من أفضل أنواع النوق عند العرب- فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ"

فإذا خرجت أخي المسلم إلى المسجد لتقرأ كتاب ربك وتتعلمه فأبشر بهذه البشارة العظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ» فإذا جلست في حلقات القرآن فأنت في خير عظيم وفضل عميم قال صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ "

يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ: قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّفَكُّرِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَتَدَبُّرِ مَعَانِيهِ، بِقُلُوبٍ حَاضِرَةٍ، وَعُقُولٍ وَاعِيَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى:( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ). وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا). فَحَثَّنَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِأَدَاءٍ حَسَنٍ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:« تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا».

فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى تِلاَوَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتَدَبُّرِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبًا وَافِرًا فِي بَيْتِهِ، وَيَكُونَ قُدْوَةً فِي ذَلِكَ لأَوْلاَدِهِ وَأُسْرَتِهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :« لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ».

فَاللُهَمَّ أَعِنَّا عَلَى التَّخَلُّقِ بِآدَابِ الْقُرْآنِ، وَيَسِّرْ لَنَا تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ.

  

الخطبة الثانية : عباد الله : قال تعالى عن القرآن "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ " ففيه الشفاء من أمراض الشبهات والشهوات، والأوجاع والأسقام وما يصيب القلوب من هموم وغموم وأحزان .
وتأثيره على القلوب عظيم جدا ، قال تعالى : " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"

فمال للقلوب لا تتأثر بكلام الله تعالى ولا تخشع له، مع أن الله أخبر أن هذا القرآن لو أنزل على الجمادات لخشعت، ألم يقل الله سبحانه : لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " فكيف بالقلوب وهي المضغة الصغيرة الحية، لهي أولى بالخشوع والتأثر

لقد انشغل الكثير من الناس بأمور الدنيا وتغافلوا عن كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي ذلك علامة على مرض القلوب قال ابن القيم: فالقلب الطاهر، لكمال حياته ونوره وتخلصه من الأدران والخبائث، لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، بخلاف القلب الذى لم يطهره الله تعالى، فإنه يتغذى من الأغذية التى تناسبه، بحسب ما فيه من النجاسة. فإن القلب النجس كالبدن العليل المريض، لا تلائمه الأغذية التى تلائم الصحيح "

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره "

فاعمروا قلوبكم وبيوتكم بتلاوة كتاب ربكم، واحفظوه وحفظوه أولادكم، وقَدْ هيأَتْ حكومتُنَا الرشيدةُ كلَّ الوسائلِ التِي مِنْ شأنِهَا خدمةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ منذُ عهدِ المغفورِ لهُ الشيخِ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذِي أسَّسَ مشروعَ الشيخ زايد لحفظِ القرآنِ الكريمِ، وهَا هيَ الجهودُ مستمرةٌ بطباعةِ المصاحفِ وتوزيعِهَا، وإنشاءِ مراكزِ ومعاهدِ تحفيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي أنحاءِ الدولةِ، التِي يدرسُ فيهَا الصغارُ والكبارُ الذكورُ والإناثُ، والتِي خَرَّجَتْ بفضلِ اللهِ تعالى أعدادًا كبيرةً مِنْ حفظةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فاستثمِرُوهَا يرحمكُمُ اللهُ.

 فمَنْ علَّمَ أبناءَهُ القرآنَ أُلْبِسَ تاجاً مِنْ نُورٍ عنْدَ الرحمنِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:( مَن قَرَأَ الْقُرآنَ وَتَعَلَّمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجَاً مِنْ نُورٍ، ضَوْؤُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَاْلِدَيْهِ حُلَّتَانِ لاَ تُقَوَّمُ بِهِمَا الدُّنْيَا، فَيَقُولاَنِ: بِمَ كُسِينَا؟ فَيُقَاْلُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرآنَ)


هناك تعليق واحد: