الخميس، 23 يناير 2014

حب بلاد الإسلام ، والحذر من خيانتها

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه ، مُعافى في جَسَدِهِ ، عندهُ قوتُ يومِه ، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها " في الحديث تذكير بنعم الله على العبد، فإن الله سبحانه وتعالى- خلق العباد لعبادته وتوحيده فقال: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" وأهم النعم التي يحتاجها العابد لتحقيق هذا الهدف السامي هي أمن في نفسه وجماعته وبلده، وعافية في صحته وجسده، وطعام يتقوى به على طاعة الله، وفي ذلك تعليم لخلق القناعة والزهد في أمور الدنيا، والاهتمام بأمر العلم والعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ  .

أيها المسلمون: الأرض التي تتوافر فيها هذه النعم من الأمن والعافية والغذاء حري بأهلها أن يتعاونوا على حفظها والعمل على الدفاع عنها وحفظ مكتسباتها، وهذا أمر مجبولة عليه النفوس السليمة، وهو محبة الوطن والدفاع عنه .

فحب الوطن عباد الله- غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص، أخرج الترمذي، بسندٍ صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق مكة عند هجرته منها:  (ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك). وحيث أن حب الوطن غريزة في الإنسان، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم من ربه بأن يرزقه حب المدينة لما انتقل إليها، فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد). ومما يدل على مشروعية حب الوطن كما قرره الأئمة الأعلام ما أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة (أي حدود المدينة ) أوضع ناقته أي (حملها على السير السريع )، وإن كانت دابة حركها" قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبها".قال ابن حجر في "الفتح" "وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه".

أيها المسلمون: من نعم الله علينا أن أسكننا هذه الأرض – دولة الإمارات العربية المتحدة – وجعل لنا فيها الأمن والأمان والراحة والطمأنينة ، وهي الوطن الذي نشأنا فيه وترعرعنا وتعلمنا على أرضه وذلك بفضل من الله المنعم ثم بفضل ما يسر لهذه البلاد من الخيرات وولاة الأمر من الحكام- أعزهم الله- حيث لم يبخلوا علينا في شيء بل وفروا لنا كل ما نحتاج إليه في حياتنا، فإذا تقرر هذا؛ فما هو الواجب علينا ؟ إن الواجب على أبناء هذا الوطن أولا شكر الله تعالى على هذه النعم بأن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، فمن شكر وعد بالمزيد قال سبحانه : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "  ، ثم على أبناء هذا الوطن محبته، و التكاتف بين أفراد مجتمعه والتلاحم فيما بينهم، فإذا كنا لبنة واحدة؛ عجز عنا العدو وباء طمعه بالخسران.

ومن مقتضى محبة الوطن القيام بالواجبات المنوطة على كل فرد بأمانة وإخلاص، على اختلاف المواقع والمراكز والمناصب والرتب، ومن مقتضى محبة الوطن؛ المحافظة على ثرواته وخيراته، وعدم العبث بها وهدر أموال بيت المال، بحجة أن هذا المال للدولة؛ وأنا ابن الدولة، لا ، أنت مؤتمن على كل ما يُوكَل إليك من أعمال، وراع في وزارتك، أو إدارتك، أو مكتبك، وأنت راع لمن ولّاك ولي الأمر عليهم من العاملين، يقول : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ...).متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته . "صحيح ابن حبان".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَقَعُ عَلَى عَوَاتِقِنَا مَسْؤُولِيَّةٌ كُبْرَى فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا عَلَى حُبِّ وَطَنِهِمْ، وَغَرْسِ قِيَمِ الْوَلاَءِ وَالاِنْتِمَاءِ لَهُ فِي نُفُوسِهِمْ، فَلْنُعِدَّ شَبَابَ الْوَطَنِ لِلدِّفَاعِ عَنْ تُرَابِهِ، وَالذَّوْدِ عَنْ حِيَاضِهِ، وَحِمَايَةِ مُنْجَزَاتِهِ، وَالطَّاعَةِ لِقِيَادَتِهِ وَحُكَّامِهِ، وَلْنَحُثَّهُمْ عَلَى خِدْمَةِ وَطَنِهِمْ، بِالِالْتِزَامِ فِي وَظَائِفِهِمْ، وَالاِنْضِبَاطِ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَالاِسْتِقَامَةِ فِي سُلُوكِهِمْ، وَالاِرْتِقَاءِ فِي عِلْمِهِمْ، وَتَنْمِيَةِ مَهَارَاتِهِمْ، وَاكْتِسَابِ الْقُوَّةِ فِي أَجْسَادِهِمْ، لِيَنَالُوا مَحَبَّةَ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلَا تَعْجِزْ)
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه ، ....



الخطبة الثانية : أيها المسلمون : لقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة التي تنكر فضل زوجها عليها بالنار فقال : " وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ بِكُفْرِ الْعَشِيرِ وَبِكُفْرِ الْإِحْسَانِ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ "  ، فكيف بالذي ينكر فضل الله عليه في هذه الدولة التي آوته وربته وأنفقت عليه، وعلمته حتى بلغ مرتبة علية، ووظفته حتى ساد المناصب وذاع صيته في الآفاق، ثم إذا هو ينكر ذلك كله في المحافل الدولة، ويجلب بلسانه على دولته وولاة أمره فينتقصهم ويتهمهم بسلب الحقوق، وكتم الحريات، ثم يقدم ولاءه وبيعته لحزبه وجماعته على ولائه وبيعته لولي أمره  التي أمر الله ورسوله بالوفاء بها قال صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ "

بل ويعظم الخطب بأن يسعى هذا المخذول إلى التآمر ضد دولته ولو مع العدو الخارجي الذي يتربص بالمسلمين الدوائر، ويسعى إلى تفريق صفهم، وإضعاف قوتهم، فيركن إليه ويذيع سر دولته، ويتجسس لصالحه، وقد كان من قبل يظهر أن التعاون مع دول الكفر كفر، فلماذا هذا التلون والتلاعب بالدين.
ومن خذلانهم لدولتهم وأبناء شعبهم أن يطلقوا التكفير عليهم، فيكفروا ولاة أمرهم ثم يلحقوا بذلك الجهات الأمنية وأخيرا أبناء الدولة ممن لا يوافقونهم على فكرهم الهدام.

وقال قال صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: «بَلِ الرَّامِي»  رواه ابن حبان وسنده صحيح .
فيقوده تكفيره للمجتمع إلى إعلان الجهاد (المزعوم) ولا الجهاد المشروع، فيسعى إلى قتل أهل بلده بكل وسيلة ولو كانت غير شرعية، وهذا هو وصف الخوارج كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فروى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم الغنيمة- كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :فَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي .قَالَ ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ "

فاحذروا رعاكم الله- من هذه الأفكار المنحرفة التي تسعى إلى تفريق الصف، وإضعاف القوة البلد والمسلمين، ولا تغتروا بلباسهم الذين يلبسون، ومن تدينهم الذي يزعمون، فإنهم عن الصراط ناكبون ومنحرفون، روى الطبراني عن أبي غَالِبٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ، فَبَعَثَ الْمُهَلَّبُ سَبْعِينَ رَأْسًا مِنَ الْخَوَارِجِ، فَنُصِبُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَكُنْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لِي، فَمَرَّ أَبُو أُمَامَةَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ دَمِعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَفْعَلُ الشَّيْطَانُ بِبَنِي آدَمَ» - ثَلَاثًا - قَالَ: «كِلَابُ جَهَنَّمَ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ» - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ قَالَ: «خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ مَنْ قَتَلُوهُ» - ثَلَاثًا - ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا أَبَا غَالِبٍ، إِنَّكَ بِأَرْضِ هَؤُلَاءِ بِهَا كَثِيرٌ، فَأَعَاذَكَ اللهُ مِنْهُمْ. هَلْ تَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا آلُ عِمْرَانَ؟» قُلْتُ: بَلَى، إِنِّي رَأَيْتُكَ دَمِعَتْ عَيْنَاكَ. قَالَ: «بَكَيْتُ رَحْمَةً لَهُمْ، كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ» فَتَلَا: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] إِلَى أَنْ بَلَغَ: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] وَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، فَزِيغَ بِهِمْ، ثُمَّ تَلَا: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 105] إِلَى أَنْ بَلَغَ: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] قُلْتُ: هَؤُلَاءِ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِكَ تَقُولُ، أَمْ شَيْئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «إِنِّي لَجَرِيءٌ - ثَلَاثًا - بَلْ شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَرَّةً، وَلَا مَرَّتَيْنِ حَتَّى بَلَغَ سِتَّةً»



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق