الخميس، 28 أغسطس 2014

نعمة الوطن والخدمة الوطنية

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه ، مُعافى في جَسَدِهِ ، عندهُ قوتُ يومِه ، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها " في الحديث تذكير بنعم الله على العبد، فإن الله سبحانه وتعالى- خلق العباد لعبادته وتوحيده فقال: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" وأهم النعم التي يحتاجها العابد لتحقيق هذا الهدف السامي هي أمن في نفسه وجماعته وبلده، وعافية في صحته وجسده، وطعام يتقوى به على طاعة الله.
أيها المسلمون: الأرض التي تتوافر فيها هذه النعم من الأمن والعافية والغذاء حري بأهلها أن يتعاونوا على حفظها والعمل على الدفاع عنها وحفظ مكتسباتها، وهذا أمر مجبولة عليه النفوس السليمة، وهو محبة الوطن والدفاع عنه .

فحب الوطن عباد الله- غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص، أخرج الترمذي، بسندٍ صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق مكة عند هجرته منها:  (مَا أطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأحَبَّكِ إليَّ، وَلَوْلا أن قَوْمِي أخْرَجونِي مِنْكِ مَا سَكَنْت غيْرَكِ). وحيث أن حب الوطن غريزة في الإنسان، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم من ربه بأن يرزقه حب المدينة لما انتقل إليها، فقد أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد). ومما يدل على مشروعية حب الوطن كما قرره الأئمة الأعلام ما أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة (أي حدود المدينة ) أوضع ناقته أي (حملها على السير السريع )، وإن كانت دابة حركها" قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبها".قال ابن حجر في "الفتح" "وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه".

أيها المسلمون: من نعم الله علينا أن أسكننا هذه الأرض – دولة الإمارات العربية المتحدة – وجعل لنا فيها الأمن والأمان والراحة والطمأنينة ، وهي الوطن الذي نشأنا فيه وترعرعنا وتعلمنا على أرضه وذلك بفضل من الله المنعم ثم بفضل ما يسر لهذه البلاد من الخيرات وولاة الأمر من الحكام- أعزهم الله- حيث لم يبخلوا علينا في شيء بل وفروا لنا كل ما نحتاج إليه في حياتنا، فإذا تقرر هذا؛ فما هو الواجب علينا ؟ إن الواجب على أبناء هذا الوطن أولا شكر الله تعالى على هذه النعم بأن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، فمن شكر وعد بالمزيد قال سبحانه : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "  ، ثم على أبناء هذا الوطن محبته، و التكاتف بين أفراد مجتمعه والتلاحم فيما بينهم، فإذا كنا لبنة واحدة؛ عجز عنا العدو وباء طمعه بالخسران

عباد الله : وهذه النعم محل حسد من أصحاب القلوب المريضة، والدول المبغضة، فيسعون بكل جهد ومال لإفسادها وتغييرها، واستبدالها بالنقم، فسعوا جاهدين لتهييج أهل الفتن في البلدان، بحجة المطالبة بالحقوق ومشاركة السلطان، وسخروا لهم وسائل الإعلام، وجندوا فيها الروبيضة سفهاء الأحلام، فنعقوا بالشبهات وحرفوا الرواسخ الثابتات، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ" قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ" ، فغرروا الناس بالفتن حتى أحرقوهم بنيرانها، وأصلوهم بحرها وسمومها، وهم يظنون أنهم يسعون للحريات، وحقيقة الفتن أن أولها يسر وأوسطها يغر وآخرها علقم مر ، وهذا ما كشفه التاريخ والواقع، فما أتت هذه الثورات بخير على بلاد المسلمين.

  فلو قلبتم أنظاركم في ما جاوركم من البلدان، التي كانت تنعم بالخير والأمان، فاغتر أهلها بالفتن فانقلبت أحوالهم، فلم يحصدوا من الثورات إلا الخوف والحَزن، والجوع والمحن، أمن مرفوع، وخير مقطوع، وشتات وجوع، سُفكت دماؤهم وضاعت أموالهم ، وخربت ديارهم ،و سَلب الأعداء الخيرات، وتركوهم في الفتن المتلاطمات، والعاقل من اعتبر بعبر الزمان.
عن معاوية رضي الله عنه قال : "إياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال" فحذار حذار أيها الناس " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" وتأملوا قول ربنا سبحانه : " سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" فسنة الله ثابتة أن من كفر نعمهُ سلبه خيره، وأن من اتبع أهواه أشقاه.
فاحمدوا الله واشكروه على نعمه علينا في هذه البلاد، التي صارت بفضل الله مضرب الأمثال في العالم.



الخطبة الثانية : اعلموا رحمكم الله أن من موجبات حب الوطن الدفاع عنه بالمال والنفس والقلم، لأنه بلد إسلامي، أهله مسلمون، تظهر فيه شرائع الإسلام، وإن من حرص دولتنا علينا  وعلى هذه الأرض أن أمرت بالتجنيد العسكري لجميع رجال الدولة خدمة وطنية، يتسلح من خلالها شباب الوطن للدفاع عنه، والذود عن حياضه والمحافظة على مكتسباته، وحفظ أمنه وثرواته، فهذه مصالح عظيمة، وتربوية متينة تصب في صالح الدين والوطن.

أيها الناس لا يخفى على عاقل أننا في زمانِ تحدٍ وقوة، والوطن برجاله والدين بحماته، وقد أولى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجانب غاية الاهتمام، فكان هو الفارس المقدام والمحارب الشجاع، فربى أصحابه على ذلك فكان يتلو على المنبر قول الله تعالى : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ " ثم قال : ألا إنِ القوةَ الرمْيُ، ألاَ إِن القوةَ الرمْيُ، ألا إن القوةَ الرمْيُ" ، ومَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ أي يرمون بالسهام - فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا "  قال بعض أهل العلم: دل هذا الحديث أن للسلطان أن يأمر رجاله بتعلم الفروسية وأن يحض عليها" ، وقال صلى الله عليه وسلم :" من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها" وقال في رواية: من علم الرمي ثم تركه فليس منا "  وفي هذا الترهيب من تضييع القوة التي بها يُنتصر على العدو ، وكان الخلفاء يكتبون إلى عمالهم بتدريب الرجال على أعمال القتال والجهاد، فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الشام: أن علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" وعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: «أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ وفيه: أَمَّا بَعْدُ، .َإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْعَجَمِ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ، وَاخْشَوْشِنُوا-من الخشونة وترك التنعم- وَاخْلَوْلِقُوا- أي تهيؤوا استعدادا لما يراد منكم- وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ، واقطعوا الرُّكُب، وَانْزُوا نَزْوًا " أي أن يقفزوا على الخيل بلا ركاب وهو موضع القدم في السرج.

قال ابن القيم: " هذا تعليم منه للفروسية وتمرين البدن على التبذل وعدم الرفاهية والتنعم .."

وفي القيام بالخدمة الوطنية اكتساب للأجر والمثوبة، ففيها طاعة لله ورسوله بالاستعداد للجهاد ولقاء العدو، وطاعة لولي الأمر، والله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ "
وقال صلى الله عليه وسلم: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية ٍ فإذا أمر بمعصية ٍ فلا سمع ولا طاعة"

وفي التدريب العسكري تعليم للقوة وتدريب عليها، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.


فيا معشر الشباب: لبوا نداء حكامكم والتفوا حولهم وكونوا يدهم وعينهم، فالبيت المتوحد أمان وعصمة، والمجتمع المتحد درع وقوة ، وهذه وصية باني دولتنا شيخنا الشيخ زايد رحمه الله رحمة واسعة ورفع درجته في الجنة إذ قال : اعلموا يا أبنائي أن وطنكم أمانة في أعناقكم فصونوا هذه الأمانة وذودوا عن حياضه وشرفه واعملوا على عزة ورفعة شأنه ، فعليكم تقع مسؤولية عظيمة جدا، فكونوا عند حسن ظن قيادتكم وأهلكم بكم، وثقة شعبكم الذين هم سندكم، تزودوا يا أبنائي بالعلم والإيمان والأخلاق واغرفوا من مناهل الثقافة والعلوم الفكرية ما يؤهلكم لاستيعاب أحدث الأسلحة والخطط العسكرية المتطورة وليكن النظام والطاعة والانضباط أسلوبكم في التعامل اليومي، واعلموا أن قوة الجيش في نظامه وإخلاصه وولائه وتمسكه بعقيدته"


ملاحظة : اقتبست بعض هذه الخطبة من خطبة للشيخ الدكتور الفاضل محمد غيث حفظه الله وغفر الله له 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق