الجمعة، 24 يوليو 2015

تحقيق أركان الإيمان

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين من الأسس العظيمة التي جاءت بها شريعة الإسلام الاعتصام واجتماع الكلمة ونبذ التفرق، قال تعالى : "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " ، وبهذه الأسس تقوى الأمة وتنتصر على غيرها من الأمم، وبضدها تضعف وتتمزق وتُغلب، قال تعالى : "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"

ولأجل تحقيق الاعتصام بالكتاب والسنة والاجتماع على الحق وعدم التفرق وضع الإسلام قواعد لا يجوز لأحد مخالفتها ولا التعدي عليها، ومتى ما اعتدي عليها تحقق الاختلاف ووقعت الفرقة، ألا وهي قواعد العقيدة الصحيحة المتلقاة عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ونقلها سلف الأمة من العلماء الربانيين، ومن تلكم القواعد التي يجب على جميع المسلمين اعتناقها واحترامها قواعد الاعتقاد الصحيح من الإيمان بأركان الإيمان التي وردت في الكتاب والسنة، قال تعالى : " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" وسأل جبريل عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: فأخْبِرني عَنِ الإيمان . قال : (( أنْ تُؤْمِنَ باللهِ وملائِكَته وكُتُبِه، ورُسُله، واليَومِ الآخِرِ ، وتُؤْمِنَ بالقَدرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ )) . قالَ جبريل : صَدَقتَ.

ومما يدل على مكانة هذه الأركان أن القرآن الكريم قد اشتمل على تقرير هذه الأركان في جميع سوره وآياته يقول الشوكاني رحمه الله: واعلم أن إيراد الآيات القرآنية على إثبات أصول الإيمان لا يحتاج إليه من يقرأ القرآن العظيم ، فإنه إذا أخذ المصحف الكريم وقف على ذلك في أي موضع شاء ومن أي مكان أحب وفي أيِّ محل منه أراد ووجده مشحوناً به من فاتحته إلى خاتمته "

كما أن الشرائع السماوية كلها ونبوات الأنبياء جميعهم متفقة على هذه الأصول الستة لا يختلف فيها نبي عن نبي، بل كلهم متفقون عليها يدعون إليها ويأمرون بها ويخبرون بفضل من آمن بها وعظم أجره وجزيل ثوابه.

فهذه الأركان الستة يجب على العبد المسلم أن يؤمن بها كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ونقلها سلف الأمة رحمهم الله تعالى ليكون مؤمنا طائعا، فإن أنكرها أو أنكر واحدة منها لم يكن مؤمنا قال تعالى : " وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" ، وروى مسلم في صحيحه عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِى الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِى الْقَدَرِ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ .. فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ ... وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ رضي الله عنه: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى وَالَّذِى يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ.." 

فتأملوا رحمكم الله كيف أن ابن عمر رضي الله عنها تبرأ ممن أنكر ركنا واحدا من أركان الإيمان، وأخبر أن الله سبحانه لن يقبل منهم طاعتهم حتى يؤمنوا بجميع أركان الإيمان وبما فيها الإيمان بالقضاء والقدر، ومصداق ذلك من كتاب الله سبحانه قوله تعالى :" وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " 

جماعة المسلمين : ولأجل تحقيق وحدة الكلمة والاعتصام بين المسلمين فقد اتفقت كلمة العلماء من أهل السنة والجماعة على أن أركان الإيمان إنما تؤخذ معانيها ومقتضياتها ولوازمها مما وردت به شريعة الإسلام من نصوص وآيات وأحكام ، فتحقيق أركان الإيمان هو أساس الدين، وخلاصة دعوة المرسلين، وهو أوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وأدركته العقول، فكيف يهمله النبي صلّى الله عليه وسلّم من غير تعليم ولا بيان مع أنه كان يُعلم ما هو دونه في الأهمية والفضيلة، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم علّم أمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدين والدنيا، حتى آداب الأكل، والشرب، والجلوس، والمنام وغير ذلك. قال أبو ذر - رضي الله عنه -: "لقد توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً". ولا ريب أن العلم بأركان الإيمان داخل تحت هذه الجملة العامة، بل هو أول ما يدخل فيه لشدة الحاجة إليه.

فإذا ما أخذ المسلمون عقيدتهم من مصدرها الرئيس وهو الكتاب والسنة، وما صح من آثار الصحابة والتابعين، فستتحد كلمتهم ويتحقق الاعتصام الذي أمروا به.

ولأجل ذلك اهتم علماء المسلمين بتقرير العقيدة السلمية في كتبهم ومصنفاتهم، والاستدلال عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، فصنفوا كتب الاعتقاد والسنة.

فعلى المسلم الذي يرجو لقاء ربه بقلب سليم أن يتعلم هذه الأركان الستة وأن يحقق ما تقتضيه من الإيمان الصحيح والعمل الصالح



الخطبة الثانية : جماعة المسلمين لقد جاءت جميع الشرائع  بالحفاظ على الضروريات الخمس ومنها الدين، فأمرت بحمايته والذود عنه وإقامة أركانه وإحياء شرائعه والمحافظة على شعائره.

وللأسف الشديد وجد من بعض أعداء الدين من يسعى إلى الطعن في الدين من خلال الطعن في أركانه وأسسه التي جاء الأمر بالإيمان بها كما قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ" وقال سبحانه : "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" وذلك تحت شعار حرية الرأي والتعبير ، فظهر من يسئ إلى الذات الإلهية ويدعو إلى الإلحاد والكفر بالله، ومنهم من يطعن في الأنبياء والرسل، ومنهم من يطعن في القرآن والسنة، ومنهم من يطعن في الصحابة بل ويكفرهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق