الخميس، 9 يوليو 2015

خطبة الجمعة : ليلة القدر وزكاة الفطر

الخطبة الأولى : جماعة المسلمين ، اعلموا رحمكم الله أن الدنيا دار اختبار وابتلاء ، والآخرة دار جزاء ، وقد أمرنا ربنا بالتزود لها بالعمل الصالح قال تعالى : (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) . 
   
ومن نعم الله علينا أن جعل لهذه الأمة مواسم تزداد فيها الحسنات وتضاعف فيها الدرجات ، ومنها موسم شهر رمضان المبارك ، شهر يتنافس فيه المتنافسون لنيل رضوان الله تعالى ،  فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، وتصفد الشياطين ، ويستجاب الدعاء ، ولله فيه عتقاء من النار وذلك كل ليلة . 

ولقد مر من الشهر أكثره ولم يبق منه إلا اليسير من الليالي والأيام ، فمن كان منكم قام بحقه فليتم ذلك وليحمد اللهوليسأله القبول ، ومن كان منكم قد فَرَّطَ فيه وأساء فليتب إلى ربه فباب التوبة مفتوح . 

جماعة المسلمين : في هذا الشهر ليلة عظيمة جدا جعلها ربنا –سبحانه وتعالى- موسما عظيما للتنافس ونيل الأجر العظيم، من حرم خيرها فهو المحروم حقا  ، فعن أنس بن مالك :قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم "

إنها ليلة القدر قال تعالى مبينا فضلها وعلو قدرها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ،وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) ، فهذه الليلة المباركة اختارها الله عز وجل لإنزال أعظمِ كتابٍ وهو القرآنُ الكريم كما قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ،فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ " ففِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يُفْصَلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى الْكَتَبَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا إِلَى آخِرِهَا وسميت بليلةِ القدرِ لأنها عظيمةُ القدرِ والمنزلةِ، فهي ذاتُ قدرٍ لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، وما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة ، وأن الذي يحييها يصير ذا قدر .

ثم قال سبحانه معظما من أمر هذه الليلة (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) فكان الجواب (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) أي أن العبادة فيها تعادل عبادة ثلاثة وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، وهذا فضل من الله عظيم على العباد أن جعل لهم ليلةً واحدةً في العمر من عبد الله فيها كأنه عبده في ألف شهر كاملة .

قال تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) قال صلى الله عليه وسلم : ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى  " ، والروح هو جبريل عليه السلام يتنزل مع الملائكة الكرام في هذه الليلة لعظم شأنها وعلو قدرها.

أما عن تحريها وطلبها فقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى وقتها فقال ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " رواه البخاري  ، وقال صلى الله عليه وسلم: (ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ) فعلى المسلم أن يتحرى ليلة القدر فيما تبقى من ليالي هذا الشهر، وأن يكثر من العبادة فيها بقيامها قال صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، وبكثرة الدعاء فيها، وعن عائشة – رضي الله عنها -أنها قالت : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ قال تقولين : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني "

ولها علامات تعرف بها حددها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ لاَ حَارَّةً  وَلاَ بَارِدَةً – أي معتدلة- تُصْبِحُ شَمْسُهَا صَبِيحَتَهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ."
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك


الخطبة الثانية : شرع الله- سبحانه وتعالى- لنا في ختام هذا الشهر عبادات جليلة ، يزداد بها الإيمان ويكمل بها الصيام ، ومن هذه العبادات زكاة الفطر ، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, عَلَى اَلْعَبْدِ وَالْحُرِّ, وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى, وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ. وَأُمِرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ اَلنَّاسِ إِلَى اَلصَّلَاةِ " فقد دل الحديث على وجوب زكاة الفطر.

وتجب على كل مسلم عن نفسه ملك قوت يومه وليلته، وعمن تلزمه نفقته من والدين وزوجة وأبناء  ، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون " وعن نافع أن ابن عمر : ( كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم ،عمن يعول ، وعن رقيقه ، ورقيق نسائه ) 

والخادم والعامل تجب عليه زكاة الفطر بنفسه ، فإن أخرجها عنه كفيله برضاه أجزأت ، ولا تخرج إلا عن المسلم . 

والحكمة من مشروعيتها هو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين " 

وتخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نخرج في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، يوم الفطر صاعا من طعام . وقال أبو سعيد : وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر " .

ويخرج المسلم منه صاعا ، والصاع هو أربعة أمداد ، وقد قدره العلماء بما يساوي 2 كيلو و أربعين جرام إلى ثلاثة كيلوا تقريبا . ويختلف تقدير الصاع في الوزن باختلاف نوع الطعام المخرج في الزكاة . 
وتدفع للفقراء والمساكين دون بقية أهل الزكاة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :  فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ) ولأنها متعلقة بالبدن لا بالمال فأشبهت الكفارات ، فلا تدفع إلا لفقير أو مسكين . 

ويخرجها المسلم في بلد إقامته فإن زادت الزكاة عنهم فلأقرب بلد مسلم ، وإن أخرجها عنه وكيله أو وليه في بلد غير بلد الإقامة أجزأت . 

وأما وقت إخراجها فلها ثلاثة أوقات :الأول وقت جواز : وهو قبل العيد بيوم أو يومين ، لحدث ابن عمر ( كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ) رواه البخاري .فإن أخرجها قبل ذلك فلا تجزئ عنه . 
الثاني : وقت وجوب وهو قبل صلاة العيد لحديث ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )

الثالث : وقت تحريم وهو بعد الصلاة ، ولا تجزئ عنه وإنما هي صدقة من الصدقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ، ومن أخرها لعذر صحيح أخرجها بعد الصلاة وهي مجزئة إن شاء الله .

عِبَادَ اللَّهِ: يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِصَلاَةِ الْعِيدِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. كَمَا يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى صَلاَةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَنْ يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وِتْرًا: ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. وَكَذَلِكَ يُسَنُّ لَهُ التَّكْبِيرُ حتى يشرع الإمام في صلاة العيد

فتمسكوا بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة تفلحوا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق