الخميس، 8 أكتوبر 2015

خطلة الجمعة : الاستعداد لليوم الآخر - مبادرات الدولة في أعمال الخير

الخطبة الأولى: جماعة المسلمين قال ربنا سبحانه وتعالى : "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ" وقال صلى الله عليه وسلم:"اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ , وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إِلَّا حِرْصًا، وَلَا يَزْدَادُونَ مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا" فيخبر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن اقتراب الساعة، التي سيحشر الناس فيها إلى ربهم من قبورهم حفاة عراة غرلا غير مختونين كما خلقهم الله أول مرة قال تعالى " وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " ثم سيحاسبون على أعمالهم قال تعالى :"وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" ولكن الناس عن هذا اليوم غافلة، منّاهم الشيطان بطول العمر، وأنساهم لقاء ربهم، فتركوا العمل ،وهذا من أسباب الهلاك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل".

عباد الله: لقد أمرنا الله سبحانه بالاستعداد ليوم القيامة  بالإيمان بالعمل الصالح، فقال سبحانه : " "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" وحذرنا من نسيانه فقال : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " فإن الغفلة عن اليوم الآخر موجبة للهلاك والعقوبة، فمن نسي ربه أَنْسَاهُ مَصَالِحَ نفسِه فَعَطَّلهَا، بأن يهمل في تحصيل سعادة نفسه وفلاحها وما تكمل به، وينسى عيوبَ نفسه ونقصَها وآفاتِها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها، وينسى أمراض نفسه وقلبه وآلامَها، فلا يخطر بقلبه مداواتُها،  وَلَيْسَ بَعْدَ تَعْطِيلِ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ إِلَّا الْوُقُوعَ فِيمَا تَفْسَدُ بِهِ وَتَتَأَلَّمُ بِفَوْتِهِ غَايَةَ الْأَلَمِ ، ولذلك فإن العاقل الفطن هو الذي يحاسب نفسه، ويتدارك نقص.

أيها المسلمون : لقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام العمر بما ينفع يوم القيامة فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " ولا يقال لشيء اغتنمه إلا وهو يخشى فواته، فأعظم ما يعتني به العبد هو تخليص نفسه من الخسارة التي هي صفة لازمة له لا تنفك عنه، كما قال سبحانه : " وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" ولا ينجي من هذه الخسارة إلا قوله تعالى في نهاية سورة العصر : " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " 

والعبد سيعاين هذه الخسارة في موقفين، ولكنه لا يقدر على النجاة منها، لفوات الأوان، أما الموقف الأول فهو عند الموت، إذا ما شاهد ملائكة الموت يجلسون عند رأسه، وإذا ما عاين سكرة الموت وشدته، تذكر تفريطه وخسارته، فيتمنى الرجوع، ولكن حيل بينه وبين ما يتمنى قال تعالى:حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" . 

وأما الموقف الآخر فهو يوم القيامة إذا عاين العبد الموقف وكربته، والحساب وشدته، ورأى النار لها سبعون ألف زمام مع كل زمان سبعون ألف ملك يجرونها، وسمع زفرتها في أرض المحشر، كما قال كعب رضي الله عنه: إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أن لا تنجو" آنذاك يتمنى العبد الرجوع قال تعالى : " وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ "
روى ابن ماجة بإسناد حسن عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ"


الخطبة الثانية : إِنَّ الْحَيَاةَ مَيْدَانٌ لِلْخَيْرِ عَظِيمٌ، تَتَنَوَّعُ فِيهِ الطَّاعَاتُ و الأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ، لِتَشْمَلَ الإِحْسَانَ بِجَمِيعِ صُوَرِهِ، وَقَدْ ثَمَّنَ الإِسْلاَمُ الْمُبَادَرَاتِ الَّتِي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا لِلآخَرِينَ، وَجَعَلَهَا مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الْقُرُبَاتِ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ»

وقَدْ أَسْبَغَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا الأمن، وَهو مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». فَبَذَلَتِ الإِمَارَاتُ مِنْ أَمْوَالِهَا، وَدِمَاءِ أَبْنَائِهَا، لاِسْتِقْرَارِ أَشِقَّائِهَا.

وَقَدْ تَعَدَّدَتْ فَسَائِلُ الْخَيْرِ مِنَ الإِمَارَاتِ، وَتَنَوَّعَتْ أَيَادِيهَا الْبَيْضَاءُ فِي مَجَالاَتِ التَّعْلِيمِ وَالاِهْتِمَامِ بِالْمُتَعَلِّمِينَ، وَاحْتِضَانِ الْمُبْتَكِرِينَ، وَرِعَايَةِ الْمَرْضَى وَالْمَسَاكِينِ، وَمُسَاعَدَةِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، مِنْ أَجْلِ التَّنْمِيَةِ وَالْبَقَاءِ وَالاِرْتِقَاءِ، لِيَعِيشَ النَّاسُ على الأرض بِخَيْرٍ وَنِعْمَةٍ، وَهَذَا مِمَّا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ.

كما  نَهَضَتْ دَوْلَتُنَا الْمُبَارَكَةُ فِي الْجَانِبِ التَّعْلِيمِيِّ وَالْمَعْرِفِيِّ نَهْضَةً كَبِيرَةً، وَخَطَتْ خُطُوَاتٍ وَاسِعَةً، فَأَنْشَأَتِ الْمَدَارِسَ وَالْمَعَاهِدَ وَالْجَامِعَاتِ، وَدَعْمت التَّعْلِيمِ فِي الْبُلْدَانِ الأُخْرَى، اهْتِمَامًا بِالْعِلْمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِرِفْعَةِ الإِنْسَانِ وَرُقِيِّهِ .

 وَعَمِلَتِ الإِمَارَاتُ عَلَى مُكَافَحَةِ الْمَرَضِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلاَدِ الْمُحْتَاجَةِ شُكْرًا لِلهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ مِنْ مُسْتَوًى رَاقٍ فِي الصِّحَّةِ الْعَامَّةِ، فَأَنْشَأَتْ لَهُمُ الْمُسْتَشْفَيَاتِ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمُ الْقَوَافِلَ الْعِلاَجِيَّةَ وَالْمُسَاعَدَاتِ الإِغَاثِيَّةَ، ضِمْنَ مُبَادَرَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ عَدِيدَةٍ والتي تزرع الأمل في قلوب الناس قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا». وَهَذِهِ الأَعْمَالُ الإِنْسَانِيَّةُ تُعَبِّرُ عَنِ الرَّحْمَةِ الَّتِي تُظْهِرُ مَا لِلإِسْلاَمِ مِنْ وَجْهٍ مُشْرِقٍ فِي صِنَاعَةِ الْحَيَاةِ، وَمَا تَتْرُكُهُ مِنْ آثَارٍ عَظِيمَةٍ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَهِيَ تُعَلِّمُ الْجَاهِلَ، وَتُدَاوِي الْمَرِيضَ، وَتُطْعِمُ الْجَائِعَ، وَتَجْبُرُ الْمِسْكِينَ، وَتَرْحَمُ الضَّعِيفَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». وَبِذَلِكَ أَصْبَحَتْ دَوْلَةُ الإِمَارَاتِ مَظَلَّةً لِلأَمَلِ، وَمَثَلاً لِلْعَمَلِ الإِنْسَانِيِّ، حَتَّى تَبَوَّأَتِ الصَّدَارَةَ وَالرِّيَادَةَ فِي الأَعْمَالِ الْخَيِّرِيَّةِ الْمُتُجُدِّدَةِ. 

فَيَا سَعَادَةَ مَنْ  أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ حُبَّ الْخَيْرِ، فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ، وَبَذَلَ الْمَعْرُوفَ, وَسَاعَدَ الْمُحْتَاجِينَ، وَوَاسَى الضُّعَفَاءَ وَالْمَحْرُومِينَ، مُبْتَغِيًا بِذَلِكَ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ رَبُّنَا تَعَالَى فِي بَيَانِ جَزَاءِ الْمُنْفِقِينَ:( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق