الخميس، 11 فبراير 2016

خطبة جمعة : الشورى وفضلها وفوائدها

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعلموا رحمكم الله أن الشُّورَى مِنْ أَهَمِّ قَواعِد الدّين وَقَوائِمِهِ، وَأُصُولِه وَثَوابِتِه؛ فَتَبَوَّأَتْ فِي دينِنا مكانةً عظيمةً؛ حَيْثُ قَرَنَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالصَّلاَةِ، إِشَارَةً إِلَى أَهَمِّيَّتِهَا، وَعِظَمِ شَأْنِهَا، فَقَالَ تَعَالَى:( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

 قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَفِي الآيَةِ مَدْحٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاِتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ، وَانْقِيَادِهِمْ إِلَى الرَّأْيِ الصَّادِرِ عَنِ الشُّورَى فِي أُمُورِهِمْ. وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ؛ لِمَا فِي الشُّورَى مِنَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالنَّفْعِ الْعَمِيمِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). فَكَانَتِ الشُّورَى فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَاجًا وَمَبْدَأً؛ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَصْحَابِهِ مُرَسِّخًا فِيهِمْ مَبْدَأَ الشُّورَى:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ». وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةٍ لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. 

أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: لقد طَبَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الشُّورَى تَطْبِيقًا عَمَلِيًّا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاقِفِ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي غزْوة بدر وخصوصًا الأنصار فأشاروا عليْه بالقتال، وشاور الصَّحابة في أسرى بدر، فمنهم مَن أشار بالقتْل، ومنهم مَن أشار بالفداء، فأخذ الفداء.

واستشار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصحابَه في غزْوة أُحُد في الخروج أو البقاء في المدينة، وكان رأيه ألاَّ يَخرجوا من المدينة وأن يتحصَّنوا بها، فإن دخلوها قاتَلَهم المسلِمون على أفْواه الأزقَّة والنِّساء من فوق البيوت، وكان بعض الصَّحابة ممَّن فاته الخروج يوم بدْر أشاروا عليه بالخروج وألحُّوا عليه في ذلك، فخرج لأحُد عملاً برأيهم.

وأخذ بمشورة سلمان الفارسي في غزوة الأحزاب بحفر الخندق، وربما شاور أصحابه في ما يخصه من الأمور ففي حديث عائشة في قصَّة الإفك: "دعا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليَّ بن أبي طالب وأُسامة بن زيد حين استلْبَث الوحي يَستشيرُهما في فراق أهله.."

وربما شاور إحدى زوجاته وأخذ برأيها، فَأَخَذَ بِرَأْيِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَدَّمَتْ أَفْضَلَ رَأْيٍ وَخَيْرَ مَشُورَةٍ.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ فِي الشُّورَى حِكَمًا بَالِغَةً، وَفَوَائِدَ جَمَّةً، فَفِيهَا امْتِثَالٌ لأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْوُصُولُ إِلَى أَفْضَلِ الأَفْكَارِ، وَأَصْوَبِ الآرَاءِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الأَخْطَاء.

ومن فوائدها أنها تقوي الألفة بين المسلمين وتوثق الروابط بين المتشاورين جماعات وأفرادا، فيشعرون أن مصلحتهم واحدة، فيختارون أفضل السبل لتحقيقها، ومتى ما شعروا بارتباط مصالحهم قويت روابط المحبة بينهم.

و الشُّورَى تُعَزِّزُ الثِّقَةَ بَيْنَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ، وَتُفْسِحُ الْمَجَالَ لِلْمُشَارَكَةِ الإِيجَابِيَّةِ فِي تَقْدِيمِ النَّفْعِ لِلْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ؛ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الشُّورَى أُلْفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ، وَمِقْيَاسٌ لِلْعُقُولِ، وَسَبَبٌ إِلَى الصَّوَابِ، وَمَا تَشَاوَرَ قَوْمٌ إِلاَّ هُدُوا. 

ومن فوائد الشورى أنها تؤدي إلى الحق والصواب وتبين طُرُقِ السَّدَادِ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره. وقال قتادة: ما تشاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم" وَلِذَلِكَ كَانَ الأُمَرَاءُ وَالْحُكَّامُ يُوصُونَ أَبْنَاءَهُمْ بِهَا، وَيُوَجِّهُونَهُمْ إِلَيْهَا، فَهَذَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يُوصِي ابْنَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ فَيَقُولُ: وَلاَ تَدَعِ الْمَشُورَةَ، فَإِنَّهُ لَوِ اسْتَغْنَى عَنْهَا أَحَدٌ اسْتَغْنَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الشورى أنها تنفي عن العبد العجب والغرور بالنفس، فإن المعظم لنفسه المعجب برأيه لا يكاد يشاور أحدا ولا يلين لمن ينصحه، فيضل الحق والصواب، فعنوان العقل والتواضع كثرة المشاورة وقبول قول الناصحين، وعنوان الجهل والغرور الاستبداد ورفض نصح الناصحين

أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: وتختلف الشورى باختلاف موضوعها، فأمور السياسة يشاور فيها أَهْلُ الحَلّ وَالعَقْد مِنَ المَسْؤُولينَ والمستشارين، الّذينَ تَمّ اخْتِيارُهُم لِلتّصَدّي لِهَذِهِ المَسْؤُولِيّةِ الْعَظِيمةِ، وَالمهمّةِ الْجَسيمة، مِنْ ذَوي الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ، وَالأَفْهامِ السَّديدةِ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من مشاورة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكذلك أبو بكر لما ولي الخلافة شاور عمر وأهل الخبرة ، وكذلك فعل عمر وقد كانت المسألة تنزل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيستشير لها من حضر من الصحابة وربما جمعهم وشاورهم حتى كان يشاور ابن عباس رضى الله عنهما ، والأمور الدنيوية يشاور فيها أهل الخبرة الرأي بحسب تخصاتهم، وفي الأمور الدينية يشاور فيها أهل العلم والذكر كما قال تعالى : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ".

ومن ألطف أنواع المشاورات الخاصة وأنفعها للإنسان الأمور المتعلقة بأسرته وعائلته، فينبغي للأب أن يشاور زوجته وأولاده في الأمور المتعلقة بهم ويستخرج آراءهم ويعودهم على تنمية عقولهم فإن في ذلك نفع وتعليم لهم. 

والشورى إنما تكون في الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ الّتي لا نَصّ فِي تَحْديدِ حُكْمِها، وَأَمّا مَا عُرِفَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعْ فَلا يُتَشاوَرُ فِيه.

وتبنى الأراء في الشورى على موافقة الكتاب والسنة وليس على الهوى ، فإن ظهر للمستشير صواب رأي ما وأنه موافق للحق تعين عليه قبوله والأخذ به قال ابن تيمية : وَإِذَا اسْتَشَارَهُمْ فَإِنْ بَيَّنَ لَهُ بَعْضُهُمْ مَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ اتِّبَاعُ ذَلِكَ وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . وَإِنْ كَانَ أَمْرًا قَدْ تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ رَأْيَهُ وَوَجْهَ رَأْيِهِ فَأَيُّ الْآرَاءِ كَانَ أَشْبَهَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَمِلَ بِهِ .

 وَمِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا أَنْ وَهَبَنَا حُكَّامًا يَفْتَحُون لَنَا قُلُوبَهُمْ وَأَبْوَابَهُمْ، ويَسْتَمِعُونَ إِلَى أَبْنَاءِ وَطَنِهِمْ بِآذَانٍ وَاعِيَةٍ، وَقُلُوبٍ أَبَوِيَّةٍ رَاعِيَةٍ، فَالشُّورَى مَنْهَجُهُمْ وَسَمْتُهُمْ، وَيُنْشِؤُونَ الْمُؤَسَّسَاتِ الَّتِي تَخْدِمُ الْمُوَاطِنِينَ وَتُوصِلُ أَصْوَاتَهُمْ، فَمُنْذُ قِيَامِ اتِّحَادِ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ تَشَاوَرَ الشَّيْخ/ زايد طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ مَعَ إِخْوَانِهِ حُكَّامِ الإِمَارَاتِ فِي قِيَامِ الاِتِّحَادِ، وَتَأَسَّسَ الْمَجْلِسُ الْوَطَنِيُّ الاِتِّحَادِيُّ كَصُورَةٍ مُعَاصِرَةٍ لِمَبْدَإِ الشُّورَى، وَهُو هَيْئَةٌ اسْتِشَارِيَّةٌ لِلْحُكُومَةِ، وَقَنَاةٌ لإِيصَالِ صَوْتِ الْمُوَاطِنِ، وَلِلتَّعْبِيرِ عَنْ أَفْكَارِ وَآرَاءِ أَبْنَاءِ الدَّوْلَةِ فِي مُخْتَلَفِ الْمَجَالاَتِ، وَأَبْوَابُ الْمَجْلِسِ مَفْتُوحَةٌ أَمَامَ جَمِيعِ الْمُوَاطِنِينَ، وَهُوَ يَعْكِسُ الْعِنَايَةَ الْبَالِغَةَ لِلْقِيَادَةِ الرَّشِيدَةِ بِأَبْنَائِهَا، وَالْمَجْلِسُ تَجْسِيدٌ حَيٌّ مُثْمِرٌ لِنَهْجِ الشُّورَى فِي مُجْتَمَعِ الإِمَارَاتِ، وَيَتَمَتَّعُ الْمَجْلِسُ الْوَطَنِيُّ الاِتِّحَادِيُّ بِصَلاَحِيَّاتٍ وَاسِعَةٍ؛ لِنَقْلِ الصُّورَةِ الْوَاضِحَةِ لِوَاقِعِ الْقِطَاعَاتِ الْخَدَمِيَّةِ: التَّعْلِيمِيَّةِ، وَالصِّحِّيَّةِ، وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَغَيْرِهَا، حِرْصًا عَلَى رَاحَةِ الْمُوَاطِنِينَ وَإِسْعَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَالْمَجْلِسُ عَوْنٌ لِلْحُكُومَةِ وَسَنَدٌ لَهَا، وقد قَالَ التابعيُ الجليلُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا تشَاوَرَ قَوْمٌ إلاَّ هُدُوا لأَرْشَدِ أَمْرِهِمْ.

فَاللَّهُمَّ اجْزِ عَنَّا حُكَّامَنَا كُلَّ خَيْرٍ، وَاهْدِنَا لأَفْضَلِ الأَعْمَالِ، وَأَحْسَنِ الأَقْوَالِ، وَارْزُقْنَا السَّدَادَ فِي الرَّأْيِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ . 


الخطبة الثانية : اعلموا رحمكم الله أنَّ للمَساجِدِ في دِينِنا شَأْناً كبيراً، ومَكانةً ساميةً، وحُرْمَةً عَظِيمة، أَمَرَنا اللهُ تعالى بِتَعْظِيمها، وبيّنَ لنا أنَّها إنَّما بُنِيَتْ لعِبادَتِهِ وَحْدَهُ وذِكْرِ اسْمِهِ والتَّسْبِيحِ له، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ؛ فدلَّتِ الآيةُ على أنَّ ممّا ينبغي لمن دَخَلَ بيوتَ اللهِ تعالى أن يُفرِّغَ قَلْبَهُ من كلِّ أَمْرٍ سوى الإقبالِ على اللهِ تعالى وإجْلالِهِ وتَعْظِيمِهِ وذِكْرِه، وَوَضَّحَتْ الآيةُ أيضاً ما يترتَّبُ على ذلكَ من الفَضْلِ الكبيرِ والثَّوابِ العَظيم.

فمن الخَطَإِ المبينِ التَّعَدِّي على بُيوتِ اللهِ تعالى وحُرْمَتِها وقُدْسِيَّتِها، وإيذاءُ المصلِّين والذَّاكرينَ الله فيها، بأيِّ نَوْعٍ من أَنْواعٍ الضَّرَرِ والأذى، ممّا يترتَّبُ عليه إشغالُهُم عن كَمالِ الخشوعِ وتمامِ الإقبالِ على الله تعالى،ومن هُنا وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ السُّؤالِ عن الغَرَضِ الضَّائعِ في المسْجِد؛ قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا".

عباد الله: إنَّ من صُوَرِ الأَذى المنتشرةِ في مَساجِدِنا اليوم: تَرْكَ الهواتفِ وهيَ تَرِنُّ، دونَ مُراعاةٍ لما تُحدِثُهُ من الأَذى للمُصَلِّينَ، والتَّشويشِ على الخُطَباءِ والوُعَّاظِ والمسْتَمِعِين، فَضْلاً عن إزعاجِ التَّالينَ كِتابَ اللهِ والذَّاكِرين.

و قد يَنْسى المصَلِّي إغلاقَ هاتفِهِ أو وَضْعَهُ على خِدْمَةِ الصَّامت، فليبادِرْ إلى ذلكَ إذا اتَّصَلَ بهِ أَحَدٌ؛ لأنَّ بعضَ الناسِ يدَعُهُ يَرِنُّ فلا يُغْلِقُهُ ولا يُسْكِتُهُ؛ خوفاً من التَّحَرُّكِ في الصَّلاة، مع أنها حَرَكَةٌ قليلةٌ متعلِّقةٌ بمصْلَحَةِ الصَّلاة، فضلاً عن كَفِّ الأذى عن المصَلِّين.

وبعضُ الناسِ يُضيفُ خَطَأً آخرَ إلى ما سَبَقَ، باختيارِ تلكَ النَّغَماتُ الموسِيقِيَّةُ المحرَّمَةُ، والأَغاني المنْكَرَةُ، ولا يُنزِّهُ بُيوتَ اللهِ تعالى عن هذا المنْكَرِ، مع أنَّ ربَّنا عَزَّ وجلَّ نهانا عن الاستماعِ إلى الأَغَانِي والمعازِفِ الموسِيقِيَّةِ، وحذَّرَنا سبحانَهُ من عاقبةِ التَّمادِي في ذلك، فقال سُبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) .

وقد سُئِلَ الصحابيُّ الجليلُ الإمامُ الفَقِيهُ عبدُ الله بنُ مَسْعُودٍ عن هذه الآيَةِ فقال: الْغِنَاءُ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إلا هو، يردِّدُها ثلاثاً.

فالواجبُ علينا عبادَ الله: الإقلاعُ عن الاسْتِماعِ لهذه المنْكَرات، طاعةً لِرَبِّ الأرضِ والسَّماوات؛ فإنَّ علامةَ محبَّةِ العَبْدِ رَبَّهُ استسلامُهُ لَهُ سُبْحانَهُ، وانقيادُهُ لما أَمَرَهُ به، وتركُهُ ما نَهاه عَنْهُ جَلَّ شَأْنُهُ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

فاللهمَّ طَهِّرْ مَساجِدَنا وقُلُوبَنا وأَقْوالَنا وأَعْمالَنا من كُلِّ ما لا يُرْضِيك، وأَعِنَّا على ذِكْركَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادتِكَ، وارزقنا الفَوْزَ بجنّاتِكَ، والنَّجاةَ من غَضَبِكَ ونيِرانِكَ، إنَّك على كلِّ شَيْءٍ قَدِير، وبِالإجابَةِ جَدِير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق