الجمعة، 27 مايو 2016

خطبة جمعة : من أحكام الزكاة

الخطبة الأولى : عبادَ الله، من أركان الدين وفرائضه الزَّكَاةُ قَالَ تَعَالَى آمرا بها:( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»، فالزكاة فريضة معلومة من الدّين بالضّرورة، فرضيتُها ثابتة بالآيات القرآنيّة والسنّة المتواترةِ وإجماعِ الأمّة كلِّها، يوصَم بالفسق من منعَها، ويُحكم بالكفر على من أنكرَ وجوبَها.  

معاشرَ المسلمين، الزّكاة سببٌ للنّجاة من كلّ مرهوب، وطريقٌ للفوز بكلّ مرغوب قال تعالى: "فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى،  الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى،  وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى،  الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى "  وسَبِيلٌ للرحمةِ والغُفْرانِ، قالَ تباركَ وتعالَى "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" 
ونبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم يقول موجِّهًا للأمّة ومبشرا: ((اتقوا الله ربَّكم، وصلّوا خمسَكم، وصوموا شهرَكم، وأدّوا زكاةَ أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنّة ربّكم)) . 

ومن فوائد الزكاة أن لها تأثيرا على  السلوك وتهذيبا  للنفوس والقلوب من أمراض البخل والشح قال تعالى :" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ، فقوله (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) قال أهل التفسير: أي تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة، وتزيد في أخلاقهم الحسنة . 

إخوةَ الإيمان، لقد وجّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الوعيدَ الشديد لمانِعي الزّكاة والمتهاونين فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاتَه مُثِّل له يومَ القيامة شجاعًا أقرع -أي: كناية عن أخبث الحيّات - له زبيبتان، يطوّقه يومَ القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمَتَيه - يعني بشدقيه ، والشدق هو جانب الفم- ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك))، ثم تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم قوله جلّ وعلا: " وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَة " ، وتأثير منع الزكاة والعقوبة عليه لا تشمل الفرد وحده بل يعم المجتمعات، فمتى ما منع قوم زكاة أموالهم ابتلاهم الله بالقحط وقلة المطر قال صلى الله عليه وسلم : (وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) .

واحذروا رحمكم الله من وسوسة الشيطان فإنه يغري العبد بجمع المال وكنزه، ويخوفه من الفقر، يريد بذلك إهلاكه قال تعالى :" الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" . وقوله تعالى : (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) أي يأمر العباد بالبخل الذي هو من أقبح الفواحش وأسوأ الصفات الممقوتة في العبد. 

جماعة المسلمين : للزكاة أحكام لا بد للمسلم أن يتعلمها ويتفقه فيها ليكون على بينة من دينه، فالزكاة تجب على المسلم بتوافر شرطين هما ملك النصاب ملكا تاما مستقرا ، وأن يحول حول هجري كامل على المال الذي بلغ نصابا في حوزة مالكه لقول رسولِ  اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنِ اسْتَفَادَ مَالاً فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، وهذا الشرط خاص ببهيمة الأنعام والنقدين وعروض التجارة ، وأما الزروع والثمار فلا يشترط لها الحول لقوله تعالى : "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ " 

وأما الأموال التي تجب فيها الزكاة فهي بهيمة الأنعام وتشمل الإبل والبقر والغنم ، والنقدان وهما الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة اليوم ، وتشمل عروض التجارة وهي كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح ويدخل فيها الأسهم التجارية ، وتشمل الخارج من الأرض كالحبوب والثمار .

وأما زكاة النقدين من الذهب والفضة والأوراق النقدية ، فتجب بملك النصاب ، ونصاب الذهب ما يساوي خمسة وثمانون جراما من الذهب الخالص، ونصاب الفضة تبلغ خمسمائة وخمسة وتسعين جراما ،ونصاب الأوراق النقدية يكون ببلوغها نصاب الذهب ويخرج منها ربع العشر ( 2.5) . 

ولا خلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة في الحلي المعد للادخار والإيجار وفي الحلي المحرم كالرجل يتخذ خاتما من ذهب ، وأما الذهب والفضة المعد للاستعمال والزينة فالصحيح وجوب الزكاة فيه لعموم النصوص الواردة في وجوب زكاة الذهب والفضة  . 

أما زكاة بهيمة الأنعام فتشمل الإبل والبقر والغنم ، وهي على أقسام ؛ القسم الأول أن تكون معدة للتجارة والبيع والشراء فهذه فيها زكاة ولو كانت أقل من نصابها الشرعي وسواء كانت معلوفة من قبل صاحبها أو ترعى من المرعى  ، والقسم الثاني  أن تكون معدة للحم والتوالد ، فإن كانت سائمة ترعى من المرعى الذي أنبته الله في الجبال والوديان ففيها الزكاة ، أما إذا كان صاحبها هو الذي يشتري لها العلف أو يزرعه لها فليس عليها زكاة  

القسم الثالث: وهي التي تأكل من المرعى ويعلفها صاحبها فالعبرة برعيها أكثر الحول ، فإن كان أكثر رعيها خلال العام من المرعى ففيها زكاة، وإن كان أكثر أكلها من العلف المشترى والمزروع فلا زكاة فيها. 

ونصاب الغنم والضأن أن من ملك أربعين شاة إلى مائة وعشرين شاة فيخرج  شاةً واحدة لا يقل عمرها عن سنة، فمن زاد إلى مائتين فيخرج شاتين ، ونصاب الإبل من ملك  من الإبل خمسا إلى العشرين ففي كل خمس شاة، فمن ملك خمسا أخرج شاةً واحدة ، وفي العشر شاتان، فإن بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض وهي البكرة التي أتمت سنة.  وأما البقر فمن ملك ثلاثين بقرة فيخرج تبيعا وهو ما أتم من البقر سنة من عمره ودخل في الثانية ذكرا كان أو أنثى، ومن ملك أربعين فيخرج مسنة وهي البقرة التي أتمت سنتين ودخلت في الثالثة 

وأما زكاة الزروع الثمار فلا يراعى الحول في زكاة الزروع ، بل يراعى الموسم والمحصول لقوله تعالى { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ، ونصابها كما قال صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) متفق عليه وهو ما يعادل تقريبا ستمائة وثلاث وخمسون كيلو جرام ، ويختلف مقدار زكاة الزروع بحسب الجهد المبذول في السقي ، ففي حال الري بماء المطر والعيون والآبار دون استخدام الآلات ففيها العشر من المحصول ، فإن استخدمت الآلات ففيه نصف العشر من المحصول وإن تم السقي بالمناصفة ففيه ثلاثة أرباع العشر 


الخطبة الثانية : جماعة المسلمين : مما يكثر السؤال عنه زكاة  الدين ، فإذا أقرضت شخصا مبلغا من المال على أن يسدده بعد فترة معينة ، فعند إخراج زكاة مالك هل تحسب مبلغ الدين مع مبلغ الزكاة ؟
قال بعض أهل العلم : والصحيح أنه تجب فيه الزكاة كل سنة ، إذا كان على غني باذل (بمعنى إن الدين مضمون السداد لكون المقترض لديه ما يسدد به ) فهو في حكم الموجود عندك .

أما إذا كان على مماطل أو معسر ( بمعنى أنه لا يستطيع السداد أو يتهرب من سداد القرض ) فلا زكاة عليه لأنه عاجز عنه ، ولكن إذا قبضه يزكيه مرة واحدة في سنة القبض فقط ولا يلزمه زكاة ما مضى.

وتجب الزكاة في الأموال المعدة للتجارة كالمحلات التجارية التي تحتوي بضاعة، بأن يحصى ما فيها مما هو معروض للتجارة، ويقوم بسعر السوق عند تمام الحول ثم تزكى مع الربح لأنه تابع لحول أصله، وكذلك تجب الزكاة في الأسهم المباحة، على تفصيل يسأل ملاكها عنها أهل العلم  .

للزكاة مصارف ثمانية تصرف فيها دون غيرها قال تعالى: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"  

ولا تعطى الزكاة إلى الأقارب الذين يلزم المسلم الإنفاق عليهم كالأب والأم والأبناء ذكورا أو إناثا ولا الزوجة ، أما إذا كان الزوج فقيرا أو مسكينا والزوجة غنية فلها أن تعطيه من الزكاة، وتُعطى الزكاة للأخ والعم وغيرهم من الأقارب في حال كونهم مستحقين لها.

وتُؤَدَّى الزكاةُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ:« فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ». فَإِنْ فَاضَ عَنْ حَاجَةِ الْبَلَدِ نُقِلَ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ أَشَدَّ حَاجَةٍ عَبْرَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْحاكم

ويجب إخراج الزكاة على الفور مع الإمكان، ولقَدْ أنشأَتْ قيادَتُنَا الرشيدةُ صندوقَ الزكاةِ، الذِي يقومُ بدوْرٍ واضحٍ فِي جمْعِ أموالِ الزكاةِ وصرفِهَا لِمُستحقِيهَا وفْقَ أُسسٍ شرعيةٍ وعلميةٍ فِي التوزيعِ والعدالةِ، فعلينَا أَنْ نتعاونَ معَهُ لأداءِ رسالتِهِ، ولتحقيقِ التكافُلِ الاجتماعِيِّ، وتقويةِ أواصِرِ المحبةِ والمودةِ بيْنَ فِئاتِ المجتمعِ. وكذلك الجمعيات الخيرية الرسمية في الدولة فكلها جهات معتبرة موثوقة ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق