الخميس، 23 يونيو 2016

خطبة الجمعة : الحث على اغتنام العشر الأواخر من رمضان

الخطبة الأولى : اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته وطاعته، وجعل هذه الدنيا دار ممر إلى الآخرة  وجعلها ودار امتحان يختبر الله فيها عباده قال سبحانه :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"  ثم جعل للعباد يوما يرجعون فيه إلى ربهم فيجازيهم على أعمالهم وعبادتهم قال تعالى :" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"  ولأجل ذلك حثنا الله عز وجل ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه الحياة الدنيا بما ينفع العبد فقال تعالى:" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ "  . 

والعبد الموفق هو الذي يستغل مواسم الخيرات التي تكثر فيها الأعمال وتضاعف فيها الأجور لأجل التقرب إلى ربه ومولاه قال سبحانه مبينا فرح أهل الجنة بأعمالهم " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ "  ، قال المفسر السعدي رحمه الله " الذين اجتهدوا بطاعة ربهم في زمن قليل منقطع؛ فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا "  

وها أنتم أيها المسلمون تعيشون أفضل الشهور والليالي ، فأفضل الشهور شهر رمضان ، وتقبلون على ليالي العشر الأخير من شهر رمضان التي هي من أفضل ليالي الدنيا، وقد أقسم الله بها في القرآن بقوله تعالى: " وَالْفَجْرِ،  وَلَيَالٍ عَشْرٍ "  قال أهل التفسير "وهي على الصحيح : ليالي عشر رمضان ، أو عشر ذي الحجة ، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة ، ويقع فيها من العبادات والقربات ، ما لا يقع في غيرها" .

 وهذه الليالي كان نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه يحييها بالعبادة أكثر من غيرها، فعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . رواه البخاري ، وفي رواية لمسلم قالت : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ. 

أيها المسلمون : من الأعمال التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر  الاعتكاف في المسجد لأجل التفرغ للعبادة ،ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله " .

ومن الأعمال إحياء الليل بالسهر فيه والانشغال بالطاعة والصلاة وقراءة القرآن والدعاء والإكثار منه ،ومن الأعمال أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله أي للصلاة والعبادة واستغلال هذه العشر من رمضان ، فعن أَبِى ذَرٍّ قَالَ صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى بَقِىَ سَبْعُ لَيَالٍ فَقَامَ بِنَا لَيْلَةَ السَّابِعَةِ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ ثُمَّ كَانَتِ اللَّيْلَةُ السَّادِسَةُ الَّتِى تَلِيهَا فَلَمْ يَقُمْهَا حَتَّى كَانَتِ الْخَامِسَةُ الَّتِى تَلِيهَا ثُمَّ قَامَ بِنَا حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ. فَقَالَ « إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ قِيَامَ لَيْلَةٍ ». ثُمَّ كَانَتِ الرَّابِعَةُ الَّتِى تَلِيهَا فَلَمْ يَقُمْهَا حَتَّى كَانَتِ الثَّالِثَةُ الَّتِىتَلِيهَا.قَالَ فَجَمَعَ نِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ. قَالَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ. قِيلَ وَمَا الْفَلاَحُ قَالَ السُّحُورُ  . 

ومن أفضل ما تعمر به هذه الليالي العظيمة من العبادة الصدقة و قيام الليل والتهجد لله تعالى والتضرع والدعاء وقراءة القرآن .

عباد الله :  وفي هذه الليالي العشر ليلة عظيمة جدا من حرم أجرها فهو المحروم وهي ليلة القدر ، عن أنس بن مالك :قال دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم "

فلنغتنم هذه الأيام والليالي الباقية من رمضان فلا يدري أحد منا هل يتمها ويدرك رمضان القادم أم ينقضي أجله ويواريه الموت.

الخطبة الثانية : فَيَا أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ، إِنَّ أَوَّلَ مَا نَتَوَاصَى بِهِ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأَنْ نُحَافِظَ عَلَى قِيمَةِ الْعَطَاءِ وَالتَّطَوُّعِ الْخَيْرِيِّ لِنُعَزِّزَ وَجْهَ الإِمَارَاتِ الْمُشْرِقَ، وَدَوْرَهَا الإِنْسَانِيَّ الْمَشْهُودَ، فإِنَّ يَوْمَنا هذا هو يَوْمُ زَايد لِلْعَمَلِ الإِنْسَانِيِّ، نَسْتَذْكِرُ فِيهِ الْمَآثِرَ الْجَلِيلَةَ، وَالْقِيَمَ النَّبِيلَةَ، الَّتِي غَرَسَهَا مُؤَسِّسُ دَوْلَةِ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ، وَبَانِي حَضَارَتِهَا الشَّيخ/ زايد بن سلطان آل نهيان-طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ -وَإِخْوَانُهُ الْمُؤَسِّسُونَ، ولَقَدْ تَعَلَّمْنَا فِي مَدْرَسَةِ زَايد قِيمَةَ الْعَطَاءِ بِكُلِّ أَبْعَادِهَا الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تَجَاوَزَتْ عَوَائِقَ الْحُدُودِ وَالْبُلْدَانِ، وَاخْتِلاَفَ الأَعْرَاقِ وَالأَلْوَانِ، فَشَمِلَ عَطَاءُ الإِمَارَاتِ كُلَّ بِقَاعِ الأَرْضِ،تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». فَصَارَ الْعَطَاءُ الإِنْسَانِيُّ سُنَّةً إِمَارَاتِيَّةً عُرِفَتْ بِهَا، قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق